الحقوق العشر للوطن في الإسلام
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد :فيا أيها الإخوة
الكرام حديث في هذا اليوم الطيب الميمون الأغر عن الحقوق العشر للوطن في الإسلام و
هي حقوق استلهمتها من الآيات القران و السنة النبوية تحب على الإنسان لوطنه الذي تربى
فيه و نعم بأمنه و خيره فأعيروني القلوب الأسماع
1-حق الحب:
إخوة الإسلام: أول هذه الحقوق
حق الحب ومحبة الأوطان واجب على بني الإنسان جاءت بها الشرائع وأقرتها الطبائع
قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا
مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا
مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾ [النساء: 66] ». واقترن في موضع آخر بالدين: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ
الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ﴾ [الممتحنة: 8].
مفارقة الوطن ابتلاء
لما خرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم من الغار ليلا مهاجرا إلى المدينة من مكة فبلغ الجحفة اشتاق إلى مكة
وإلى مولده ومولد آبائه. فأنزل الله عليه: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ
قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [القصص: 85] إلى مكة. ثم قال مخاطبا مكة: ما
أطيبك من بلد وما أحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك. ويقول الله
سبحانه وتعالى: «إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ
اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي
الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا».
قال العيني: ابتلى الله سبحانه وتعالى نبيه بفراق الوطن. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ
إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ
شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أُقْلِعَ
عَنْهُ الْحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ يَقُولُ:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي
إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي
شَامَةٌ وَطَفِيلُ
قَالَ: اللَّهُمَّ الْعَنْ
شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ،
كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ ثُمَّ قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا
الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي
صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ»
([1])
2-حق الدعاء
للوطن
إخوة الإسلام إن من حقوق الوطن
على الفرد ان يدعو له بالصح وأمان واستقرار وأسوتنا في ذلك الأنبياء و المرسلون و إليكم
طرفا من دعائهم لأوطانهم
فها هو خليل الرحمن يسال الله
تعالى لوطنه الامن و استقرار و الرخاء اقتصادي ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ
أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ
وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ
وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 126]
دعاء النبي صل
الله عليه وسلم للمدينة : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ
قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جَاءُوا بِهِ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي
ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا،
وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ
وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ
لِمَكَّةَ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ بِهِ
لِمَكَّةَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ»، ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ يَرَاهُ فَيُعْطِيهِ
ذَلِكَ الثَّمَرَ
3-حق الدفاع:
اعلموا عباد الله: أن
الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الوطن بالسلاح وبالكلمة والدفاع عن الوطن بالسلاح
والكلمة جهاد ولا ريب فيه لمن أخلص نيته ومن قتل في ذلك فنرجو له الشهادة
عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ
دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ، فَهُوَ شهيد". ([2])
قُلْتُ- البغوي : ذَهَبَ
عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أُرِيدَ مَالُهُ، أَوْ
دَمُهُ، أَوْ أَهْلُهُ فَلَهُ دَفْعُ الْقَاصِدِ وَمُقَاتَلَتُهُ، وَيَنْبَغِي
أَنْ يَدْفَعَ بِالأَحْسَنِ فَالأَحْسَنِ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ إِلا
بِالْمُقَاتَلَةِ، فَقَاتَلَهُ، فَأَتَى الْقَتْلُ عَلَى نَفْسِهِ، فَدَمُهُ
هَدَرٌ، وَلا شَيْءَ عَلَى الدَّافِعِ" أخرجه أحمد
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي قَالَ: "
فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ ". قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي , قَالَ:
" قَاتِلْهُ " , قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي , قَالَ: "
فَأَنْتَ شَهِيدٌ " , قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: "
فَهُوَ فِي النَّارِ ". ([3])
فعلى هذا فان كل من قتل دون
أرضه أو عرضه أو ماله أو دينه أو أهله فهو شهيد والوطن مال وعرض وأهل ودين ونشر
الأمن في ربوعه غاية دينية شرعية
4-حق البناء:
إخوة الإسلام: إن من حقوق الوطن على أبنائه أن يعملوا دائبين عل
بنائه ورفعته والعمل على النهوض به ليرقى بين سائر الأمم والمجتمعات، أصحاب الهمة
العالية هم الذين يقوون على البذل في سبيل المقصد الأعلى، ويبدلون أفكار العالم،
ويغيرون مجرى الحياة بجهادهم وتضحياتهم، ومن ثَمَّ فهم القلة التي تنقذ الموقف،
وهم الصفوة التي تباشر مهمة " الانتشال السريع " من وحل الوهن، ووهدة
الإحباط.
زاحم بكتفيك وساعديك قوافل
العظماء المجددين من السلف والخلف، ولا تؤجل فإن مرور الزمن ليس من صالحك، وإن
الطغيان كلما طال أمده، كلما تأصَّلت في نفوس المتميعين معاني الاستخذاء، ولابد من
مبادرة تنتشل، ما دام في الذين جرفهم التيار بقية عرق ينبض، وبذرة فطرة كامنة.
هذا زمان لا توسُّط عنده يبغي
المغامر عالياً وجليلا
كن سابقاً فيه أو ابق بمعزلٍ ليس
التوسط للنبوغ سبيلا
إن أمتك المسلمة تترقب منك جذبة
" عُمَرِيَّة " توقد في قلبها مصباح الهمة في ديجور هذه الغفلة
المدلهمة، وتنتظر منك صيحة " أيوبية " تغرس بذرة الأمل، في بيداء اليأس،
وعلى قدر المئونة؛ تأتي من الله المعونة، فاستعن بالله ولا تعجز. المصدر: المفكرة
الدعوية.
وها هي نماذج في البناء والعمير
والبذل والعطاء بتلك النماذج تتفوق الأمم وتسموا الشعوب وتتوقد العزائم.
1-داود عليه السلام: لما أعطى
الله داود عليه السلام إلانة الحديد، فيم استخدمها ذلك النبي الكريم؟ لقد استخدمها
في صناعة الدروع، وملابس الحرب، والعتاد العسكري؛ ليجاهد في سبيل الله عز وجل.
2-سيلمان عليه السلام: وقد أعطى
الله سيلمان عليه السلام نعماً كثيرة ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾[19]
5-حق النصيحة:
معاشر الأحباب: ومن حقوق الوطن على أبنائه أن يتناصحوا فيما بينهم من أجل سلامة المجتمع والوطن
من المعاصي المهلكة ومن المخالفات من المفسدة قال تعالى حكاية عن نوح عليه السلام:{ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي
رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ
لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 61-62].
(أي: وظيفتي تبليغكم، ببيان
توحيده وأوامره ونواهيه، على وجه النَّصِيحَة لكم والشفقة عليكم
- وقال سبحانه حكاية عن هود
عليه السلام: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ
وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي
وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ }[الأعراف: 67-68].
عن تميم الداري رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدين النَّصِيحَة. قلنا: لمن؟ قال: لله
ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم
))([4]) .
قال الخطابي: (فمعنى
النَّصِيحَة لله سبحانه، صحة الاعتقاد في وحدانيته، وإخلاص النية في عبادته، والنَّصِيحَة
لكتاب الله، الإيمان به والعمل بما فيه، والنَّصِيحَة لرسوله، التصديق بنبوته،
وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه، والنَّصِيحَة لأئمة المؤمنين، أن يطيعهم في
الحقِّ، وأن لا يرى الخروج عليهم بالسيف إذا جاروا، والنَّصِيحَة لعامة المسلمين
إرشادهم إلى مصالحهم) ([5]).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه
أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حق المسلم على المسلم ست. قيل: ما
هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح
له، وإذا عطس فحمد الله فشمِّته وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه )) ([6])
.
وعن جرير بن عبد الله رضي الله
عنه قال: ((بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة،
والنصح لكلِّ مسلم ([7])
6-حق الوحدة والاتحاد:
إخوة الإسلام: و من حقوق الوطن على أبنائه العمل على وحدته و السعي حول الالتفاف و الاصطفاف
الوطني و ذلك أمر شرعي أمرنا الله تعالى به فقال سبحانه و تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا
تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً
فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ
عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ
اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [آل عمران: 103]
قال القرطبي رحمه الله:
"فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هلكة، والجماعة
نجاة"، ورحم الله ابن المبارك حيث قال:
إن الجماعة حبـل الله فاعتصموا ***
منه بعروته الوثقى لمن دانا
في صحيح مسلم ٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((إِنَّ
اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ
أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ
اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ
السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ)).([8])
وصدق الله عز وجل إذ يقول {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً
فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦)} [الأنفال:45،
46].
حرموا هداية دينهم وعقولهم
هذا وربك غاية الخســران
تركوا هداية ربهم، فإذا بهم غرقى من الآراء في طوفان
وتفرقوا شــيعاً بها نهجهم
من أجلها صاروا إلى شنآن
قال الشاعر:
وفي كثرة الأيدي عن الظلم زاجر
إذا حضرت أيدي الرجال بمشهد
7-حق البذل :
إخوة الإسلام: إن من حقوق الوطن
على أبنائه البذل والسخاء و خاصة عند
الشداد و الكروب و في القران الكريم آيات كثيرة تدعو الأغنياء و أصحاب الثراء إلى
البذل وقت أزمات و لنأخذ على ذلك مثال ففي غزوة تبوك دعا الله تعالى المجتمع
المسلم الى البذل من اجل تجهيز الجيش و مواجهة العدو الغاشم الظالم
أعلن النبي -صلى الله عليه
وسلم - النفير ، وحث الناس على الإنفاق في
سبيل الله عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
حَيْثُ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ وَلَا أَنْشُدُ
إِلَّا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَسْتُمْ
تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ
حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَحَفَرْتُهَا أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ
قَالَ مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ فَجَهَّزْتُهُمْ
قَالَ: فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ» ([9])،
فاستجاب الصحابة لندائه ، وضربوا أروع الأمثلة في البذل والعطاء ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهُوَ يَتَجَهَّزُ إِلَى
غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَفِي كُمِّهِ أَلْفُ دِينَارٍ، فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَلَّى، قَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا
بِيَدِهِ فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ: «مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ
هَذَا أَبَدًا» . ([10])
وحاول عمر بن الخطاب أن يسبق
أبا بكر فأتى بنصف ماله عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: أَمَرَنَا
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَتَصَدَّقَ، وَوَافَقَ
ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ, إِنْ
سَبَقْتُهُ يَوْمًا, فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ "
قُلْتُ: مِثْلَهُ. وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ:
"يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟! " قَالَ: أَبْقَيْتُ
لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إلى شيء أبدا ([11])"
.
وتصدّق عبد الرحمن بن عوف رضي
الله عنه بألفي درهم ، إلى جانب الصدقات العظيمة التي قدّمها أغنياء الصحابة
كالعباس بن عبد المطلب ، و طلحة بن عبيد الله ، و محمد بن مسلمة ، و عاصم بن عدي ،
رضي الله عنهم أجمعين .
وكان لفقراء المسلمين نصيبٌ في الصدقة،
حيث قدّموا كل ما يملكون في سبيل الله مع قلّة ذات اليد، فمنهم من أتى بصاعٍ من تمر،
ومنهم من جاءّ بنصف صاعٍ أو أقلّ.
8-حق التضحية :
أمة الإسلام: ومن حقوق الوطن على أبنائه التضحية فالتضحية في سبيل الوطن هي التخلي عن كل
شيء وتقديم الروح من أجل الحفاظ على الوطن، وهي كذلك فداء وتقديم الغالي والنفيس
من أجل تحقيق الأمن والأمان والحفاظ على استقرار الوطن، فالتضحية ليست فقط كلمة
تقال، بل هي فعل حقيقي يقوم بفعله كل شخص وطني محب لوطنه مهما كانت وظيفته أو مهنته
أو عمله، وقد ضحى من قبل آباؤنا وأجدادنا من أجل بناء منازل لنا وتوفير احتياجاتنا
وبناء الوطن ومن أجل أن نعيش نحن اليوم في أمان واستقرار.
ولاشك أن الدفاع عن الدين
والنفس والأهل والمال والبلاد وأهلها، من الجهاد المشروع، ومن يقتل في ذلك وهو
مسلم يعتبر شهيدًا؛ لقول النبي ﷺ: من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله
فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد[[12]].
إن نيل الشهادة في سبيل الله
دفاعا عن الأوطان مكرمة جليلة، ومنحة كبيرة، يمن الله تعالى بها على من يشاء، يقول
سبحانه: ﴿ وَلِيَعْلَمَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: 140]أي: ليكرم منكم بالشهادة من أراد أن يكرمه بها، فدرجة الشهداء كبيرة،
ومنزلتهم رفيعة، فهم أحياء فرحون، عند ربهم يرزقون، قال الله جل وعلا مذكرا بعظم
منازلهم: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ
رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ
بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا
بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [آل عمران: 169-170] فطوبى لأبناء هذا الوطن الأبرار، الذين التحقوا بركب الشهداء الأطهار،
الموعودين بأعظم الجزاء عند العزيز الغفار عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ
الَّذِي مَاتَ عَلَيْهِ، إِلَّا الْمُرَابِطُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ
الْقَبْرِ». ([13])
الخطبة الثانية
9-حق الوفاء :
ومن حقوق الوطن علينا معاشر أحباب
الوفاء لذلك الوطن الذي تربينا فيه ونعمنا بأمن واستقرار أن نكون أفياء لذلك الوطن
وألا ننكر الجميل ولكن كيف يكون الوفاء للوطن؟
يكون الوفاء للوطن بعدة أمور
فالطالب الذي تعلم في المدارس والجامعات
لابد أن يكون وفيا لذلك الوطن الذي سخر و سهل لك التعليم فعنده تخرجه يبدا برد
الجميل بخدمة ذلك الوطن و العمل على نهضته و رقية
والموظف الذي يتقاضى راتبا
شهريا لابد أن يكون وفيا لوطنه فيؤدي وظيفته وألا يتخلف عن عمله
العامل الذي يعمل في مصنعه لابد
أن يكون وفيا لوطنه فيتقن عمله ويجود صنعته
الجندي لابد أن يكون وفيا لوطنه فيكون عينا
ساهره وأذن صاغية لحماية امن البلاد والعباد ..........................
وَطَنِي سَيَبْقَى فِي القُلُوبِ لَكَ الوَلَاءْ عَهْدٌ يُجَدِّدُهُ كِرَامٌ أَوْفِيَّاءْ
وَطَنِي وَكَمْ لَكَ فِي القُلُوبِ مَكَانَةٌ تَسْمُو بِنَا وَتُثِيرُ فِينَا
الكِبْرِيَاءْ
. يَا مَوْئِلَ العَرَبِ الَّذِينَ تَوَشَّحُوا كُلَّ المَفَاخِر مُنْذُ أَنْ بَزَغَ
الضِّيَاءْ
يَا مَوْطِنَ الإِيمَانِ يَا رَمْزَ الُوَفًا سَنَظَلُّ لِلوَطَنِ المُقَدَّسِ
أَوْفِيَّاءْ
10-الطاعة:
معاشر الموحدين: ومن حقوق الوطن
على أبنائه طاعة ولاة الأمر فطاعتهم صمام أمان للفرد و المجتمع و عصيانهم سبيل إلى
تهديد أمن الوطن .............وما عُلم لجماعة خرجت على ولي أمرها إلا كان ما أفسدت
أكثر مما صلحت وفي ثورات الربيع العربي
خير دليل فنظر الى ما حل بكثير من تلك البلاد من دمار و انهيار و من تمزق و تشرذم
و من انهيار أخلاقي تبعه انهيار اجتماعي تبعة انهيار اقتصادي تولد عن الجميع
انهيار سياسي عسكري ..........................
قال تعالى : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59] إذن
فكل النصوص الآمرة بطاعة ولاة الأمر، مقيّدة بقيد إقامة الدين ، كما في حديث عَنْ
أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ
اللَّهِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا» " ([14])
وفي حديث البخاري عَنْ جُنَادَةَ
بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: «دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ
مَرِيضٌ، قُلْنَا: أَصْلَحَكَ اللهُ، حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِ،
سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: دَعَانَا
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ،فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ
عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا
وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا
نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا،
عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ.» ([15])
ها ما جاء في الحديث الذي أخرجه
مسلم عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجرٍ قَال: سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ
رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيتَ إِنْ
قَامَتْ عَلَينَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَنَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَنَا
حَقَّنَا فَمَا تَأْمُرُنَا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ
عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ في الثَّانِيةِ أَوْ في الثَّالِثَةِ، فَجَذَبَهُ
الأَشْعَثُ بْنُ قَيسٍ فَقَال: (اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيهِمْ مَا
حُمِّلُوا وَعَلَيكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ) ([16])
لافتا إلى أن ذلك يعني أن الله
تعالى حمل الولاة وأوجب عليهم العدل بين الناس فإذا لم يقيموه أثموا، وحمل الرعية
السمع والطاعة لهم، فإن قاموا بذلك أثيبوا عليه، وإلا أثموا.
[2] - «مسند أحمد» (3/ 173 ط الرسالة):«وأخرجه عبدُ الرزاق (18565) ، والحميدي (83)»
[3] - أخرجه مسلم في الصحيح 1/ 124 كتاب الإيمان
(1)، باب الدليل على أن من قصد
[4] -رواه مسلم (55)
[5] -(معالم السنن)) (4/126).
[6] - رواه مسلم (2162).
[7] -رواه البخاري (57)، ومسلم (56).
[8] - أخرجه أحمد (2/367، رقم 8785) ، ومسلم
(3/1340، رقم 1715)
[9] - ذكره البخاري تعليقاً 5 / 305
[10] -أخرجه أحمد في المسند 5/ 63، وأخرجه الترمذي
في السنن 5/ 626، كتاب المناقب (50)، باب في مناقب عثمان. . . (19)
[11] - الحاكم 1/ 414 وصححه، وفي النسخة المطبوعة: أحمد بن محمد بن نصير.
وأخرجه الترمذي (3675)
[12] -واه الترمذي في (الديات)، باب (ما جاء فيمن
قتل دون ماله فهو شهيد) برقم 1421.
[13] -صحيح: رواه أبو داود (2500)، والترمذي
(1631)، وأحمد (23951)
[14] -أخرجه مسلم (1298)
[15] - أخرجه البخاري في صحيحه من هذا الطريق، كتاب
الفتن، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "سترون بعدي أمورا تنكرونها
"4/ 313" حديث "7055"
[16] - مسلم (3/ 1474 - 1475 رقم 1846)،
البُخَارِيّ (6/ 612 رقم 3603)، وانظر (7052)
سلمت يداكم سيدنا الفاضل وجزاكم الله خيراً
ردحذفhttps://www.mediafire.com/file/j2uakpylggmta33/%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AD%25D9%2582%25D9%2588%25D9%2582_%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B9%25D8%25B4%25D8%25B1_%25D9%2584%25D9%2584%25D9%2588%25D8%25B7%25D9%2586_%25D9%2581%25D9%258A_%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A5%25D8%25B3%25D9%2584%25D8%25A7%25D9%2585.pdf/file
ردحذف