تحفة الأنام بخلق الاحترام

 


تحفة الأنام بخلق الاحترام

الشيخ السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى

إخوة الإسلام حديثنا اليوم عن خلق من أعظم الأخلاق التي فرط فيها كثير من أبناء الأمة وفرض فيها الأبناء إنه خلق الاحترام والإجلال والتعظيم لحق الأخرين فظهر جيل منحل لا يعرف الاحترام ولا التقدير فكثرة المشاكل وقلت البركة وانعدام الحب والوفاء.............. لذا كان لزاما وأجل مسمى عن نتكلم عن ذلك الخلق ونبين مجالاته حتى نستدرك ما فات ونربي الأجيال القادم على ذلك الخلق.... فأعيروني القلوب و الأسماع

أولا: احترام النبي صلى الله عليه وسلم:

إخوة الإيمان: إن من أعظم صور الاحترام في الإسلام احترام جناب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره وإجلاله صلى الله عليه وسلم وإجلال شريعته وسنته صلى الله عليه وسلم والذي يقرأ صدر سورة الحجرات يجد أن رب الأرض والسماوات يربي الأمة على ذلك الخلق الرفيع قال الله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4} [الحجرات: 1 - 4]

يقول السعدي -رحمه الله - هذا متضمن للأدب، مع الله تعالى، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتعظيم له، واحترامه، وإكرامه، فأمر [الله] عباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان، بالله وبرسوله، من امتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، وأن يكونوا ماشين، خلف أوامر الله، متبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في جميع أمورهم، و [أن] لا يتقدموا بين يدي الله ورسوله، ولا يقولوا، حتى يقول، ولا يأمروا، حتى يأمر، فإن هذا، حقيقة الأدب الواجب، مع الله ورسوله، وهو عنوان سعادة العبد وفلاحه، وبفواته، تفوته السعادة الأبدية، والنعيم السرمدي، وفي هذا، النهي [الشديد] عن تقديم قول غير الرسول صلى الله عليه وسلم، على قوله، فإنه متى استبانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجب اتباعها، وتقديمها على غيرها، كائنا ما كان ([1])

وقد نهى الله عز وجل عن رفع الأصوات بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه (أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما فجاء فقال: أتدريان أين أنتما؟ ثم قال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، فقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً)  ([2]) .

وقال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم كما كان يكره في حياته عليه الصلاة والسلام، لأنه محترم حيًّا وفي قبره صلى الله عليه وسلم دائماً.

وقال تعالى { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 8-9].

وقد ذهب علماء السلف إلى أن الضمير في قوله جل شأنه: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعناه: تعظموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفخموه في أدب المخاطبة والتحدث إليه ومجالسته. قال ابن تيمية: (فالتسبيح لله وحده، والتعزير والتوقير للرسول، والإيمان بالله ورسوله) ([3]).

ثانيا: احترام الوالدين:

و من مجالات الاحترام أن يحترم الأبناء آبائهم و أمهاتهم و هذا من أوجب الحقوق التي أوجبها الله تعالى على الأبناء قال الله تعالى﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء: 23 - 24]؟!

النهي عن التأفف وهو أول مرحلة التضجر، والأمر بالقول الكريم وخفض جناح الذل (وهو أروع تشبيه) وطلب الرحمة من الله تعالى.

والملاحظ أن الوالدين عندما يبلغان مرحلة الكبر وتزداد أعباؤهما على الفرد تتوفر أرضية التضجر والتبرم أحيانًا، وهنا يأتي القرآن الكريم للإنذار والنهي ليؤكد عنصر الاحترام المتواصل والرحمة والذل أمام الوالدين المسنين، فهي إذن طاقة دفع جديدة لضمان الاحترام المستمر.

قالت عائشة – رضي الله عنها – كان رجلان من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبر من كان في هذه الأمة بأمهما: عثمان بن عفان، وحارثة بن النعمان – رضي الله عنهما - ، أما عثمان فانه  قال : ما قدرت أتأمل وجه أمي منذ أسلمت وأما حارثة ، فكان يطعمها بيده ولم يستفهمها كلاما قط تأمر به  ، حتى يسأل من عندها بعد أن يخرج ، ماذا قالت أمي ([4]) 

 وتأملوا عباد الله إلى قمة الاحترام للوالدين قيل لعمر بن ذر: كيف كان بر ابنك بك؟

قال: ما مشيت نهارا قط إلا مشي خلفي، ولا ليلا إلا مشي أمامي، ولا رقي سحطا وأنا تحته. ([5]) 

ثالثا: احترام العلماء والدعاة إلى الله:

إخوة الإسلام: إن من مجالات الاحترام التي فقدها كثير من أبناء المجتمع احترام أهل العلم وإنزالهم منزلتهم بل أصبح العلماء مصدرا للسخرية والفكاهة عند بعض من لا خلاق له ففي الفترة أخيرة شوهت صورة العلماء على كثير من الفضائيات وأخذ الأقزام في سبهم والطعن في مكانتهم والنيل  من منزلتهم في حين عباد الله اخذوا يرفعون كل سفيه و تافه على القنوات و الفضائيات و أصبح أصحاب العفن الفني هم القدوة و هم من يغدق عليهم العطاء و من يفسح لهم المجال .............................................................

أيها الآباء أيها الأحباب: ينبغي علينا احترام المعلم الذي هو الشيخ وتوقيره والتواضع له، عن الأشعري [وهو أبو موسى] قَالَ: " ‌إِنَّ ‌مِنَ ‌إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ، غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ، وَلَا الْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ المقسط" ([6])

وأوجب طاعتهم فقال -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء:59]، وأولو الأمر كما قال العلماء: هم العلماء، وقال بعض المفسرين: أولو الأمر الأمراء والعلماء.

وقد حذر الإسلام من مهاجمة العلماء والانتقاص من قدرهم، ومن ذلك ما أخرجه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ قَالَ: ‌مَنْ ‌عَادَى ‌لِي ‌وَلِيًّا ‌فَقَدْ ‌آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ. ([7])

قال ابن حجر –رحمه الله-: "المراد بولي الله، العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته".

وروى الخطيب البغدادي عن أبي حنيفة والشافعي -رحمهما الله -أنهما قالا: إن لم يكن الفقهاء أولياء الله فليس لله ولي.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (من آذى فقيهاً فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذى الله عز وجل).

ذكر بعض الشافعية أن حق العالم آكد من حق الوالد؛ لأنه سبب لتحصيل الحياة الأبدية، والأب سبب لحصول الحياة الفانية، فعلى هذا تجب طاعته وتحرم مخالفته.

قال إدريس بن عبد الكريم المقرئ: رأيت علماءنا مثل الهيثم بن جميل، ومصعب الزبيري - وذكر (20) عالما من الحفاظ والفقهاء - فيمن لا أحصيهم من أهل العلم والفقه، يعظمون أحمد بن حنبل، ويجلونه، ويوقرونه، ويبجلونه، ويقصدونه للسلام عليه.

وقال أبو بكر المروزي: أخبرني عبد الله بن المبارك -شيخ سمع منه قديما، وليس بالخراساني -قال: كنت عند إسماعيل ابن علية، فتكلم إنسان فضحك بعضنا، وثم أحمد بن حنبل. فأتينا إسماعيل فوجدناه غضبان، فقال: أتضحكون وعندي أحمد بن حنبل؟ ! ([8]) . ([9])

هذا هارون الرشيد الذي حكم نصف العالم، يطلب من الإمام العالم الأصمعي أن يؤدب له ولديه وان يعلمهما، وفي ذات يوم مر هارون الرشيد فرأى الأصمعي يغسل قدمه والذي يصب له الماء هو ابنه، ابن هارون هو الذي يصب للأصمعي

الماء حتى يغسل الأصمعي قدمه .. طلب هارون الرشيد الأصمعي وقال له: إنما طلبناك حتى تعلم ولدي وان تؤدبهم وكان يجدر بك أن تأمر ولدي أن يصب الماء بيد وان يغسل قدمك باليد الأخرى.

الله اكبر .. أين هذه التربية؟ أين هذه الأخلاق؟ أين هذه الآداب؟

ترى أي مكانة للمدرس في واقعنا؟ أليس اليوم من أولياء الأمور ومع الأسف

الشديد من يتكلم بكلام فيه إنقاص من قدر المعلم أو المعلمة أمام مسامع الأبناء، وأمام مسامع الطلاب. بالله عليكم إذا كانت هذه أخلاق الآباء وأولياء الأمور مع المعلمين والمعلمات .. ماذا يبقى للقدوة؟! وماذا يبقى للتعليم؟! وماذا يبقى لهيبة العلم والمعلم والتعليم؟!

لما أساء بعض الآباء في قلة تقديرهم للمعلمين نتج لنا جيل يلعن المعلم ويضرب

المعلم ويتلف ممتلكات المعلم. أترجون أن نعلو على الأمم وهذه أخلاقنا مع من يعلمون أبناءنا؟!

إن المعلم والطبيب كلاهما      لا ينصحان إذا هما لم يكرما

فاقنع بدائك إن جفوت طبيبها     واقنع بجهلك إن جفوت معلماً

أكرموا المعلمين والمعلمات، واغرسوا في قلوب الأبناء والبنات حبهم وتوقيرهم وإجلالهم والصبر على أذيتهم يكن لكم في ذلك خير كثير.([10])

رابعا: احترام الكبير:

 ومن صور الاحترام والتبجيل التي أولاها الإسلام اهتمام احترام الكبير ذلك الخلق الغائب عن حياتنا اليومية فاليوم نرى ونسمع جرأة الصغير على الكبير ونرى الشباب لا يحترمون رأي ومشورة الكبار وكان للأعلام دور كبير في فساد أخلاق شبابنا من مسلسلات وأفلام تدعو إلى الخروج عن القيم الإسلامية والموروثات الأخلاقية................

لقد جاء الإسلام باحترام الأكبر سنا وتوقيره فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ ‌مِنَّا ‌مَنْ ‌لَمْ ‌يُوَقِّرْ ‌كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا " ([11])

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا تحدّث عنده اثنان في أمرٍ ما يبدَأ بأكبَرهما بالحديث، ويقول: ((كبِّر كبِّر)) ([12])

 يبدأ الأكبرُ قبلَ أن يبدأَ الأصغر.

و تأملوا إلى أدب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين و كيف كان احترامهم للكبير و عدم تقديم رايهم على راي من هو أسن منهم و أن كان صوابا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ» ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: ‌فَوَقَعَ ‌النَّاسُ ‌فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ: فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقَالُوا: حَدِّثْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هِيَ؟ قَالَ: «النَّخْلَةُ» ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَدَّثْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِالَّذِي وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا ([13])

خامسا: احترام ولاة الأمر:

واعملوا عباد الله: أن من صور الاحترام أن تحترم الرعية حاكمها وولي أمرها وألا تهينه وألا تشق عصا الطاعة عليه فإن الناظر في أحكام الشريعة الإسلامية يجدها قد أوجبت على المسلمين احترام وتوقير فئات من المجتمع ومن بينهم الأمراء، فأكّدت احترامهم وتوقيرهم ونهت عن سبهم وغشهم وانتقاصهم والحط من أقدارهم، لأجل مهابة الأمراء في نفوس الرعية لمنع أهل الفساد والمعاصي والبغي والعدوان.

ومن الأدلة على وجوب توقير واحترام ولي فع عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَمْسٍ، ‌مَنْ ‌فَعَلَ ‌وَاحِدَةً ‌مِنْهُنَّ ‌كَانَ ‌ضَامِنًا ‌عَلَى ‌اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا، أَوْ خَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ، أَوْ خَرَجَ غَازِيًا أَوْ دَخَلَ عَلَى إِمَامِهِ، لَا يُرِيدُ إِلَّا تَعْزِيزَهُ وَتَوْقِيرَهُ، أَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَسَلِمَ النَّاسُ مِنْهُ وَسَلِمَ» .([14])

ومعنى التعزير: النصرة مع التعظيم. قال تعالى (وتعزروه)) وقيل (التوقير والتعظيم) ودلالة الحديث دلالة واضحة على توقير واحترام ولي الأمر. قال سهل التستري – رحمه الله -: ((لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإنّ عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخراهم)).

ومن التوقير والاحترام لولي الأمر الدعاء له، فالدعاء لولاة الأمر بالصلاح والتوفيق أمر مطلوب من كل المسلمين لأنّ في صلاح ولاة الأمر صلاح للعباد والبلاد. يقول الفضيل بن عياض – رحمه الله -: لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان.

عَنْ زِيَادِ بْنِ كُسَيْبٍ العَدَوِيِّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي بَكْرَةَ تَحْتَ مِنْبَرِ ابْنِ عَامِرٍ وَهُوَ يَخْطُبُ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَقَالَ أَبُو بِلَالٍ: انْظُرُوا إِلَى أَمِيرِنَا يَلْبَسُ ثِيَابَ الفُسَّاقِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: اسْكُتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «‌مَنْ ‌أَهَانَ ‌سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ»([15])

والمعنى أيها الإخوة الكرام : أنَّ مَن أهان وانتَقَص مِن قَدْرِ مَن أعَزَّه اللهُ بالسَّلطَنةِ، بغيرِ وجهِ حقٍّ، "أهانه اللهُ"، أي: عُوقِبَ بما فعَل معَه، فقوبِلَت الإهانةُ بالإهانةِ، وفي إهانةِ الحاكِمِ بغيرِ وَجهِ حقٍّ انتقاصٌ مِن هيبتِه بما يُضِرُّ بالأمَّةِ، وفيه تفريقٌ لكلمةِ المسلِمين المتَّفِقةِ على الحاكمِ، وفيه فتحٌ لبابِ شرٍّ عظيمٍ عُلِم بالواقعِ أنَّه يكونُ فيه فتنةٌ وقتالٌ وإضعافٌ للأمَّةِ، وكلُّ ذلك فيه مُخالَفةٌ لأوامِرِ اللهِ ورسولِه. وقيل: المرادُ بالسُّلطانِ الدَّليلُ والبُرهانُ، وسُلطانُ اللهِ في الأرضِ هو القُرآنُ؛ فمَن أهانه ولم يَعمَلْ به ولم يَقُمْ بما أمَر به، ويَنتهِ عمَّا نَهى عنه- أهانَه اللهُ بكلِّ نوعٍ مِن الإهانة.

الخطبة الثانية

سادسا: احترام الداخل إلى المجلس:

إخوة الإسلام: إن من مظاهر الاحترام أن يحترم الجالس من دخل مجلسه و أن يفسح له ليجلس قال الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [المجادلة: 11]

قال قتادة: نزلت هذه الآية في مجالس الذكر، وذلك أنهم إذا رأوا أحدهم مقبلا ضنّوا بمجالسهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم الله أن يفسح بعضهم لبعض ([16])

 و لقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على احترام الضيف فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: فراش للرجل، وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان " رواه مسلم.

قال القرطبي في المفهِم: وأما فِراش الضيف: فيتعين للمضيف إعداده له؛ لأنه من باب إكرامه والقيام بحقه.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهُمْ جُلُوسٌ عَلَى الْأَرْضِ جَمِيعًا، فَأَمَرَ لِعُيَيْنَةَ بِنُمْرُقَةٍ ‌فَأَجْلَسَهُ ‌عَلَيْهَا وَقَالَ: «إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ»([17])

عن ابن عباس قال: أعز الناس علي جليسي الذي يتخطى الناس إلي، أما والله إن الذباب يقع عليه فيشق علي.

وسئل ابن عباس من أكرم الناس عليك؟ قال: جليسي حتى يفارقني.

وروى الطبراني بإسناده في مكارم الأخلاق عن ابن عباس -رضي الله عنهما -قال: ثلاثة لا أقدر على مكافأتهم ورابع لا يكافئه عني إلا الله تعالى، فأما الذين لا أقدر على مكافأتهم: فرجل أوسع لي في مجلسه، ورجل سقاني على ظمإ، ورجل أغبرت قدماه في الاختلاف إلى بابي، وأما الرابع الذي لا يكافئه عني إلا الله عز وجل فرجل عرضت له حاجة فظل ساهرا متفكرا بمن ينزل حاجته وأصبح فرآني موضعا لحاجته، فهذا لا يكافئه عني إلا الله عز وجل، وإني لأستحي من الرجل أن يطأ بساطي ثلاثا لا يرى عليه أثرا من أثري. ([18])

سابعا: احترام قبور الموتى وعدم امتهانها:

 معاشر الموحدين: و من مجالات الاحترام في إسلام احترام الموتى و عدم أذيتهم فواجب على المسلمين احترام الموتى من المسلمين وعدم إيذائهم، فعن النبي صلى الله عليه وسلم النهي والتحذير عما هو أقل من هذا كالجلوس على القبور أو الاتكاء عليها ونحوه، فقال عليه الصلاة والسلام: «لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها ([19]) ».

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر ([20]) » ، خرجه مسلم أيضا،

وعن عمرو بن حزم قال: «رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا على قبر، فقال: لا تؤذ صاحب هذا القبر أو لا تؤذه ([21]) » رواه الإمام أحمد.

ومن احترامهم ذكر محاسنهم و السكوت عن مساوئهم عن ابن عُمر، قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "اذكُرُوا ‌مَحاسِنَ ‌موتاكم، وكُفُّوا عن مَساويهم"([22])

 الدعاء .......................................



[1] - تفسير السعدي (ص: 799)

[2] - رواه البخاري (470).

[3] - ((بغية المرتاد)) (ص 504).

[4] - بر الوالدين - (1 / 5)و التبصرة جـ1 ص159

[5] - المصدر السابق ص233، عيون الأخبار - (1 / 313)

[6] - «سنن أبي داود - ت الأرنؤوط» (7/ 212):«وهو عند البيهقي في "السنن" 8/ 163، وفي "الشعب" (2685) و (10986)، وفي "الآداب" (43)»

[7] - أخرجه البخاري من رواية أبي هريرة رضي اللَّه عنه، في الصحيح 11/ 340 - 341، كتاب الرقاق (81)، باب التواضع (38)، الحديث (6502)

[8] -مناقب الإمام (ص68) والنبلاء (11 \ 194) .

[9] - مجلة البحوث الإسلامية (25/ 227)

[10] - أرشيف منتدى الألوكة

[11] - «مسند أحمد» (11/ 529 ط الرسالة):«حسن لغيره»

[12] - أخرجه البخاري (7192)

[13] - «مسند أحمد» (9/ 208 ط الرسالة):«وأخرجه البخاري (131) ، والترمذي (2867) ، وابن منده في "الإيمان" (188)»

[14] - أخرجه أحمد (5/241، رقم 22146) ، والطبراني (20/37 رقم 55) (صحيح) انظر حديث رقم: 3253 في صحيح الجامع

[15] - أخرجه الترمذى (4/502، رقم 2224) وقال: حسن غريب. وأخرجه أيضًا: الطيالسى (ص 121، رقم 887) ، والبزار (9/121، رقم 3670)

[16] - محاسن التأويل (9/ 171)

[17] -«تاريخ المدينة لابن شبة» (2/ 539) الصحيحة 1205.

[18] - الآداب الشرعية والمنح المرعية (1/ 308)

[19] - رواه الإمام أحمد في (مسند الشاميين) برقم (16764) ، ومسلم في (الجنائز) برقم (972) .

[20] - رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (8811) ، ومسلم في (الجنائز) برقم (971) ، واللفظ له

[21] - رواه الإمام أحمد في (مسند الأنصار) برقم (20931) .

[22] - «سنن أبي داود - ت الأرنؤوط» (7/ 261):«وأخرجه الترمذي (1040)، وابن حبان في "صحيحه"، (3020)»


تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة فيض الإله بخلق المواساة.pdf

الحقوق العشر للوطن في الإسلام

خطبة الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان.pdf