خطبة الجمعة القادمة لقط الجمان من سيرة أبي حنيفة النعمان.pdf





لقط الجمان من سيرة أبي حنيفة النعمان

الشيخ السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى

إخوة الإيمان والإسلام: الحديث عن العظماء من العلماء ليس أمرًا سهلاً، فمهما اجتهدت لتستوعب حياة أحدهم فسيعجز قلمك، ويقصر علمك، ويضيق المقام بذكر مآثره وأفضاله.

لذا حديثنا اليوم -بمشيئة الله تعالى-عن أحد ورثة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأحد مصابيح الدجى، وأئمة الهدى، عن جبل من جبال العلم، وقمة من قمم الإسلام السامقة، وعن إمام ملئ الدنيا علما وفقها وورعا، فأعلى الله ذكره، ونشر علمه بين الناس، فصار علمه وذكره يتناقل عبر الأجيال حتى يومنا الحالي إلى ما شاء الله -عز وجل-، حديثنا عن الإمام المقدم، والعَلَم البارز، والمصباح المنير؛ الإمام أبي حنيفة النعمان.

بطاقة تعريف وتشريف:

اعلموا بارك الله فيكم أن العلماء اتفقوا على أنّ كنيته: أبو حنيفة، واسمه: النعمان بن ثابت.

 اسمه: النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزُبان بن زُوطا.

مولده : قال فضل بن دكين أبو نعيم: حدثناه عن أبي حنيفة: أنه ولد سنة ثمانين ومات سنة خمسين ومائة، وكان له سبعون سنة.([1])

صفة أبي حنيفة رحمه الله تعالى :

لا يستطيع أحد أن يصف أبا حنيفة إلا من لازمه ونهل وعب من علمه إنه تلميذه أبو يوسف يقول الحسن بن إسماعيل بن مجالد: سمعت أبي يقول: كنت عند أمير المؤمنين هارون الرشيد، إذ دخل عليه أبو يوسف، فقال له هارون: يا أبا يوسف! صف لنا أخلاق أبي حنيفة، فقال: يا أمير المؤمنين، قال الله عز وجل: {ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيدٌ} وهو عند لسان كل قائل، كان والله أبو حنيفة علمي فيه شديد الذبّ عن حرام الله عز وجل أن يوقع فيه، مجانباً لأهل الدنيا في دنياهم، طويل الصمت، دائم الفكر، لم يكن مهذاراً ولا ثرثاراً، إن سئل عن مسألة كان عنده منها علم أجاب فيها على ما سمع، أو ما يتبينه قياساً في نحو معناها قال به، ما علمته يا أمير المؤمنين إلا صائناً لنفسه ودينه، مشتغلاً بنفسه عن الناس، لا يذكر أحداً إلا بخير. فقال هارون الرشيد: هذه أخلاق الصالحين.([2])

ورع أبي حنيفة رحمه الله:

لقد بلغ أبو حنيفة رتبة عالية في الورع وتجنب ما حرم الله، ها هو العالم الزاهد عبد الله بن المبارك يقول: دخلت الكوفة فسألت عن أورع أهلها فقالوا: أبو حنيفة.

وقال النضر بن محمد قال: ما رأيت رجلاً أورع من أبي حنيفة، وكان إذا حدث عنه يقول: حدثني الورع العفيف.

وقال يزيد بن كميت: أودع دهّان أبا حنيفة مائة ألف درهم وسبعين ألفاً، ومات عن غير وصية، ولا أعلم بها أحداً من أهله، وترك صبية صغاراً، فلما كبروا وأونس منهم الرشد: دفع إليهم المال ولم يشهد عليهم، وقال: لا أحب أن يعلم بها أحدٌ.([3])

زهد أبي حنيفة رحمه الله وعبادته:

فإن سألتم عن رتبته في الزهد والعبادة فقد كان رحمه الله تعال عابدا قانتا لله تعالى يقوم الليل و يصوم النهار

عن أبي سنان قال: كنا نختلف إلى عمرو بن مرة، فكان أبو حنيفة يصلي العشاء والفجر بطهور واحد.

 وعن يحيى ابن عبد الحميد قال: سمعت أبي يقول وقد ذكر عنده أبو حنيفة يوماً بسوءٍ فقال: ما أدري ما يقول هؤلاء، صحبت أبا حنيفة ستة أشهر، فما رأيته صلى صلاة الغداة إلا بوضوء عشاء الآخرة، وكان يختم القرآن في كل ليلة عند السحر، قال: وحدثنا أبي قال: بلغني أنه كان ينام في كل ليلة صدر الليل، حتى مرّ يوماً بقومٍ فسمع أحدهم يقول: ترون هذا لا ينام الليل كله، فقال أبو حنيفة: يا نفس توصَفين بما ليس فيكِ؟ فما رُئي بعدها نائماً بالليل حتى فارق الدنيا.([4])

يزيد بن كميت يقول: كان أبو حنيفة شديد الخوف لله عز وجل، وكان جارنا، ومصلانا في مسجد واحد، قال يزيد بن كميت: فقال لي علي بن الحسن المؤذن وكان صالحاً فاضلاً-: قرأ بنا الإمام ليلة في عشاء الآخرة {إذا زلزلت الأرض زلزالها} فلما قضينا الصلاة وخرج الناس بصرت بأبي حنيفة وهو جالس فقلت: ألا تقوم؟ فقال: لا تشتغل فيّ وامض لشأنك، فقمت فخرجت وتركت القنديل يَقِد، وقمت خارج المسجد أنظر من الشرجب، فإذا هو قد قام وأخذ بلحيته وهو يقول: ((يا من يجزى بمثقال ذرة خيرٍ خيراً ويا من يجزى بمثقال ذرة شرٍ شراً، تغمد النعمان بعفوك واجعل زلَلَه في سعة رحمتك يا أرحم الراحمين «، قال: فلم يزل يرددها حتى ملَلْت فمضيت، ثم جئت المسجد في الفجر، فإذا هو قائم على تلك الحال، فلما رآني قعد وهو يبكي، فقلت: ألا تتهيأ للصلاة؟ قال: امض لشأنك، فأراه لم ينم ليلته.([5])

خوفه-رحمه الله -من الله تعالى-:

 و اعلموا عباد الله: أن العبد كلما ازداد علما ازداد لله تعالى خشية وخوفا  و هكذا العلماء قال الله تعالى { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]

 وهذا هو حال الإمام رحمه الله تعالى عن يزيد بن كميت قال: سمعت رجلاً يقول لأبي حنيفة: اتق الله، قال: فانتفض أبو حنيفة انتفاضة رجلٍ كأنه قد صرع واصفر لونه وطأطأ رأسه، وقال: يا أخي! نعم جزاك الله خيراً، فهكذا قل لي، ما أحوج الناس إلى من يقول لهم في كل وقت مثل هذا.

يزيد بن كميت قال: فتح غلام لأبي حنيفة يوماً رزمة الخز، فإذا الأخضر والأصفر والأحمر، فقال الغلام: نسأل الله الجنة، فبكى أبو حنيفة حتى اختلج صدغاه ومنكباه وأمر بغلق الدكان، وقام مغطّى الرأس مسرعاً في مشيته، فلما كان الغد جلست إليه وقد اصفر، فأطرق طويلاً وكان قليل الكلام، ثم التفت إلي وقال: يا أخي! ما أجرأنا، يقول أحدنا: نسأل الله الجنة، إنما يسأل الله الجنة من رضي نفسه، يعني لها، إنما يريد مثلنا أن يسأل الله العفو. ([6])

محنته رحمه الله مع الخليفة المنصور:

أراد المنصور أن يوليه القضاء فأبى، فحلف عليه أن يوليه القضاء، فحلف هو أنْ لا يليه، فقال له الربيع الحاجب: ألا ترى أمير المؤمنين قد حلف عليك! فكيف تحلف أنت على أنْ لا تفعل؟

فقال: أمير المؤمنين أقدر على الكفَّارة منِّي، وأبى لا يفعل، فحبسه، ومات في الحبس.

وقال الربيع: رأيت المنصور ينازل أبا حنيفة في أمر القضاء، وهو يقول: اتق الله، ولا ترعي أمانتك إلا من يخاف الله، والله ما أنا مأمون الرضا فكيف أكون مأمون الغضب؟ ولو اتجه الحكم عليك، ثم تهددتني أن تغرقني في الفرات أو تلي الحكم لاخترت أن أغرق، ولك حاشية يحتاجون إلى من يكرمهم لك، ولا أصلح لذلك، فقال له: كذبت أنت تصلح، فقال له: قد حكمت لي على نفسك، كيف يحل لك أن تولي قاضياً على أمانتك وهو كذاب؟ ([7])

محنته-رحمه الله-مع ابن هبيرة من اجل ان يتولى القضاء :

عن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة قال: مررت مع أبي بالكناسة فبكى، فقلت له: يا أبه ما يبكيك؟ قال: يا بنيّ في هذا الموضع ضرب ابن هبيرة جدك عشرة أيام، في كل يوم عشرة أسواطٍ، على أن يلي له القضاء، فلم يفعل.

قال عبد الله بن المبارك: الرجال سواء ما لم تقع البلوى والمحن، لقد ابتلي أبو حنيفة بالضرب على رأسه بالسياط، على ما يناحر عليه غيره، وعرض عليه القضاء. فما أجاب، واحتمل ذلك في الله عز وجل وصبر عليه رحمه الله. ([8])

في بره – رحمه الله -بوالدته وطاعته لها:

إخوة الإسلام لقد كان الإمام رحمه الله شديد البر بأمه لا يرد لها طلبا ولا يتأخر في تنفيذ  عن سليم ابن منصور قال: حدثني حجر بن عبد الجبار الحضرمي قال: كان في مسجدنا قاص يقال له زرعة، فنسب مسجدنا إليه، وصار له صوت في الكوفة، فأرادت أم أبي حنيفة أن تستفتي في شيء، فأفتاها أبو حنيفة، فقالت: لا أقبل إلا ما يقول زرعة القاص، فقال لها: إن الذي أقول لك هو كما أقول، وزرعة قاص ليس عنده فقه، فأبت، فجاء بها أبو حنيفة إلى زرعة فقال: هذه أمي تستفتيك، فقال له زرعة: أنت أفقه وأعلم أفتها، قال: قد أبت إلا فتواك، وقد قلت لها كذا وكذا فأفتها، فأفتاها بما قال أبو حنيفة ثم ردها.([9])

أمانته وصدقه -رحمه الله-:

معاشر الموحدين: ولقد كان الإمام أعظم رحمه الله شديد الأمانة يحب النصيحة لغيره فقد جاء رجل بثوب يبيعه، فقال: بكم؟ قال: بكذا، قال: إنه يستحق أكثر من ذلك، ولم يزل يزيده حتى اشتراه بثمانية آلاف.

وجاءته امرأة بثوب وطلبت فيه مائة، فقال لها: هو خير من مائة، بكم تقولين؟ فزادت مائة مائة حتى قالت: أربعمائة، قال: هو خير من ذلك، فقالت: أتهزأ بي؟ قال: هات رجلًا يشتريه، فاشتراه بخمسمائة درهم.

الناس عيال على أبي حنيفة -رحمه الله -في الفقه :

ما أروع العدل والإنصاف وما أحسن الحب في الله تعالى انظر إلى الشافعي رحمه الله و هو يبن لنا منزلة ومكانة أبي حنيفة رحمه الله فيقول عنه كما جاء عن أبي عُبيد قال: سمعت الشافعي يقول: مَن أراد أن يعرف الفقه، فليلزم أبا حنيفة، وأصحابه، فإنّ الناس كلَّهم عِيال عليه في الفقه.

و قال عنه أيضا عن النضر قال: كان الناس نياما في الفقه حتى أيقظهم أبو حنيفة بما فتّقه ولخَّصه وبيَّنه.([10])

عن ابن المبارك أنه قال: رأيت الحسن بن عمارة أخذ بركاب أبي حنيفة، وهو يقول: والله ما أدركنا أحدا تكلّم في الفقه أبلغ، ولا أحضر جوابا منك، وإنك لسيد مَن تكلّم في الفقه، ولا يتكلمون فيك إلاّ حسدا.([11])

قال عبد الله بن المبارك: لولا أن الله أعانني بأبي حنيفة وسفيان الثوري لكنت كسائر الناس.

وقال الشافعي: من أراد الفقه فهو عيال على أبي حنيفة

وقع يوماً بين الخليفة المنصور وزوجته شقاق وخلاف بسبب ميله عنها ، فطلبت منه العدل فقال لها من ترضين في الحكومة بيني وبينك؟ قالت أبا حنيفة، فرضي هو به فجاءه فقال له: يا أبا حنيفة زوجتي تخاصمني فانصفني منها، فقال له أبو حنيفة: لِيتكلَّم أمير المؤمنين. فقال المنصور: كم يحلُّ للرجال أن يتزوج من النساء ؟ قال: أربع. قال المنصور لزوجته: أسمعتِ. فقال أبو حنيفة: يا أمير المؤمنين إنما أحلَّ الله هذا لأهل العدل فمن لم يعدل أو خاف أن لا يعدل فواحدة لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، فينبغي لنا أن نتأدَّب مع الله و نتَّعظ بمواعظه . فسكت المنصور وطال سكوته، فقام أبو حنيفة وخرج فلما بلغ منزله أرسلت إليه زوجة المنصور خادماً ومعه مال وثياب، فردها وقال: أقرئها السلام وقل لها إنما ناضلتُ عن ديني وقمتُ بذلك المقام لله ولم أرد بذلك تقرباً إلى أحد ولا التمستُ به دنيا. ([12])

الخطبة الثانية

أما بعد: أمة الحبيب الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم- ...............................

مناظرة أبي حنيفة للخوارج

مناظرة جرت بين الإمام وبين الخوارج، وكان الخوارج يرون أن مرتكب الكبيرة كافر، وأما أبو حنيفة فيرى أن مرتكب الكبيرة مذنب وليس بكافر.

جاء وفد من هؤلاء الخوارج يريدون مناظرة أبي حنيفة وقالوا له: "هاتان جنازتان على باب المسجد، أما إحداهما فجنازة رجل شرب الخمر حتى كظته وحشرج بها فمات، والأخرى جنازة امرأة زنت، حتى إذا أيقنت بالحبل قتلت نفسها".

فقال الإمام متسائلاً: "من أي الملل كانا؟ أمن اليهود؟"

قالوا: "لا"،

قال: "أمن النصارى؟"

قالوا: "لا"،

قال: "أفمن المجوس؟"

قالوا: "لا".

قال: "فمن أي الملل كانا؟"

قالوا: "ملة تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله"،

قال: "فأخبروني عن هذه الشهادة، أهي من الإيمان ثلث أو ربع أو خمس؟"

قالوا: "إن الإيمان لا يكون ثلثاً ولا ربعاً ولا خمساً"، (1)

قال: "فكم هي من الإيمان؟"

قالوا: "الإيمان كله"،

قال: " فما سؤالكم إياي عن قوم زعمتم وأقررتم أنهما كانا مؤمنين".

ويمضي الخوارج مع الإمام في الحوار فيقولون له: "دع عنك هذا، أمن أهل الجنة هما أم من أهل النار؟"

قال: "أما إذا أبيتم فإني أقول فيهما ما قاله نبي الله إبراهيم في قوم كانوا أعظم جرماً منهما: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [إبراهيم: 36]، وأقول فيهما ما قاله نبي الله عيسى في قوم كانوا أعظم جرماً منهما: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]، وأقول فيهما ما قال نبي الله نوح إذ: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ، قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ، وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 111-114]، وأقول ما قال نوح عليه السلام: {لاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْراً اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ} [هود: 31]".

وعندما سمع الخوارج هذا المنطق ألقوا سلاحهم وانصرفوا.([13])

اقتحم الخوارج المسجد وأبو حنيفة وأصحابه جلوس، فقال لأصحابه: لا تبرحوا مكانكم، فجاء إليهم الخوارج يريدون الفتك بهم، فقالوا: ما أنتم؟ فرد أبو حنيفة عليهم: نحن مستجيرون، قال أميرهم: دعوهم، وأبلغوهم مأمنهم، واقرؤوا عليهم القرآن، فسلمت المدرسة من الإبادة بسرعة بديهته.

موقف الإمام أبي حنيفة -رحمه الله-مع الإسكافي

ومن المواقف التي حصلت في القديم ما كان لجار أبي حنيفة -رحمه الله-، فيروى أنه كان لأبي حنيفة جار بالكوفة إسكاف، وهو صانع الأحذية ومصلحها، يعمل نهاره أجمع، حتى إذا جنّه الليل رجع إلى منزله وقد حمل معه لحماً فطبخه، أو سمكة فشواها، ثم لا يزال يشرب الخمر، حتى إذا دبّ فيه الشراب، غنى وهو يقول:

أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر

ولم يزل يشرب ويردد هذا حتى ينام، وكان أبو حنيفة -رحمه الله-يصلي بالليل ويسمع صوته، فافتقده ليلة من الليالي، فلم يسمعه، فسأل عنه فقال: أخذه العس منذ ليالٍ وهو محبوس.

فصلى أبو حنيفة رحمه الله الفجر وركب بغلته واستأذن على الأمير، فقال: ائذنوا له وأقبلوا به راكباً ولا تدعونه ينزل حتى يطأ البساط -أي تكريماً له-ففعلوا به ذلك فلم يزل الأمير يوسع له في مجلسه، وقال: ما حاجتك؟

فقال: لي جار أخذه العسكر منذ ليالٍ فهل يأمر الأمير بتخليته؟

قال: نعم، وكل من أخذ في تلك الليلة.

فركب أبو حنيفة والإسكاف يمشي وراءه، فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه فقال: يا فتى، هل أضعناك؟

قال: لا، بل حفظتَ ورعيتَ، جزاك الله عن حرمة الجوار كل خير.

وتاب الرجل ولم يعد إلى ما كان عليه. والقصة في تاريخ بغداد، ووفيات الأعيان.

هذه كانت سيرة الإمام العظيم والعالم الرباني الذي أسس أول مدرسة فقهية وعلمية في الإسلام فبارك الله في علمه، ورفع ذكره، وطيّب خبره.

فواجب على كل مسلم أن يقتدي بهذا الإمام، وأن يستفيد من سيرته العطرة، ويقتبس من علمه وأخلاقه وورعه وعبادته، فهؤلاء هم القدوات الحقيقية، والرموز التي يجب أن نحتفي بها ونقدرها، ونعلم أبناءنا سيرتهم وحياتهم، فهؤلاء هم آباؤنا ومصدر فخرنا.

 

 

 



[1] - فضائل أبي حنيفة وأخباره لابن أبي العوام (ص: 38)

[2] - فضائل أبي حنيفة وأخباره لابن أبي العوام (ص: 47)

[3] - فضائل أبي حنيفة وأخباره لابن أبي العوام (ص: 55)

[4] - فضائل أبي حنيفة وأخباره لابن أبي العوام (ص: 57)

[5] - فضائل أبي حنيفة وأخباره لابن أبي العوام (ص: 59)

[6] - فضائل أبي حنيفة وأخباره لابن أبي العوام (ص: 62)

[7] - وصية الإمام الأعظم أبي حنيفة (ص: 2)

[8] - فضائل أبي حنيفة وأخباره لابن أبي العوام (ص: 67)

[9] - فضائل أبي حنيفة وأخباره لابن أبي العوام (ص: 67)

[10] - تبييض الصحيفة بمناقب أبي حنيفة (ص: 12)

[11] - تبييض الصحيفة بمناقب أبي حنيفة (ص: 13)

[12] - روائع أبى حنيفة , و ما أدراك ما النعمان (ص: 4)

[13] - الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان، تأليف الدكتور مصطفى الشكعة، ص152-153.


رابط تحميل الخطبة 
خطبة الجمعة القادمة لقط الجمان من سيرة أبي حنيفة النعمان.pdf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة فيض الإله بخلق المواساة.pdf

الحقوق العشر للوطن في الإسلام

خطبة الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان.pdf