النبي صلى الله عليه وسلم معلما و مربيا.pdf
النبي صلى الله عليه وسلم معلما ومربيا
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد: فان الله تعالى هو النور الذي أرسل النور وأيده
بالنور ليخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور العلم فرسولنا صلى الله عليه وسلم هو
المعلم الأول الذي أرسى معالم العلم وأسس التعليم وحياته هي النبراس الذي يجب
علينا السير في ضوئه في هذا اللقاء نتحدث عن النبي معلما ومربيا لنتحدث عن أوصاف وخلال
المعلم الأول صلى الله عليه وسلم
الرسول المعلّم صلى الله عليه وسلم:
اخوه الإيمان
نصُّ القرآن الكريم على كون الرسول صلى الله عليه وسم معلِّماً لقد أثبَتَ القرآن
الكريم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم معلِّمٌ للناسِ والبشريةِ جميعاً، على
أُمِّيَّتِه وصَحراويَّة بيئته.
قال الله تعالى: (هُوَ
الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ
آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا
مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) .
وقال تعالى : (وَأَرْسَلْنَاكَ
لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً .
عن عبد الله بن عَمْرو بن العاص رضي الله عنهما قال:
((خَرَج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم من بعض حُجَره، فدخلَ المسجد، فإذا
هو بحَلْقَتين: إحداهما يَقرؤون القرآن ويدَدعون الله تعالى ، والأخرى يَتعلَّمون
ويُعلِّمون ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كلٌّ على خير ، هؤلاء يقرؤون القرآن
ويَدْعون الله ، فإن شاء أعطاهم وإن شاء مَنَعهم ، وهؤلاء يُعلمون ويَتعلمون ،
وإنما بُعِثتُ مُعلِّماً ، فَجَلَسَ معهم))([1])
ـ نعم: إنما بَعَثه الله مُعلِّماً صلى الله عليه وسلم.
وهذا المُعلم المُربّي الكبير ـ ولا أكبرَ منه مُعلماً في البشر ـ، والهادي
الأُمّي البصير، والرسولُ المبلِّغ المُنير: هو الذي تَدينُ لتعليمِه وتربيتِه
أُممٌ كثيرة، وتُبَجِّلُه شُعوبٌ وأقوامٌ مختلفة في شَتّى أنحاء المعمورة، تُعَدُّ
بمِئات الملايين، تَخْضَعُ لقولِه، وتَسترشِدُ بهَدْيه، وتلتمِسُ رِضوانَ الله تعالى
في اتِّباعِه والاقتداء به.
ومن تأمَّلَ حُسْنَ رعايتِه للعَرَبِ مع قَسوةِ طِباعِهم،
وشِدّة خُشونتهم ، وتنافُرِ أمزجتِهم ، وكيف ساسَهم واحتمَل جَفاءَهم ، وصبر على أذاهم
، إلى أن انقادوا إليه ، والتفّوا حوْلَه ، وقاتلوا أمامَه ودونَه أعزَّ الناسِ
عندهم : آباءَهم وأقاربَهم ، وآثروه على أنفسهم ، وهجروا في طاعته ورِضاه
أَحِبّاءَهم وأوطانهم ، وعشيرتَهم وإخوانهم ، وكان كلُّ ذلك ـ وأعظَمُ منه ـ منهم
له صلى الله عليه وسلم ، وهو لم يُمارِس الكتابة والقراءة ، ولا طالَعَ كُتُبَ
الماضين ، ولا أخبار المُرَبّين السّالفين ...
ومن تأمَّل هذا تحقّقَ له بنظرِ العقلِ أنه صلّى
الله عليه وسلم هو المعلِّمُ الأوَّلُ ، والنبيُّ المرسَل ، وأنه سيِّدُ العالمين
. صلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عليه .
يقول كارليل في حال العرب : ((هم قومٌ يَضرِبون في
الصحراء ، لا يُؤْبَهُ لهم عِدّةَ قرون ، فلما جاءهم النبي العربي ، أصبحوا قبلةَ
الأنظار في العلوم والعِرفان ، وكثُروا بعد القِلّة ، وعزّوا بعد الذِلّة ، ولم
يَمضِ قَرْنٌ حتى استضاءَتْ أطرافُ الأرضِ بعقولِهم وعُلومِهم)) . ([2])
وروى مسلم في كتاب الطلاق من، في قصة تخيير النبي
صلى الله عليه وسلم زوجاتِه الشريفات رضي الله عنهن، وقد بَدأ بعائشة منهن
فاختارَتْه رضي الله عنها، ورَغِبَتْ منه أن لا يُخبِرَ غيرها أنها اختارته، فقال
لها عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ الله لم يَبعثني مُعَنِّتاً ولا مُتَعنِّتاً ،
ولكن بعثني مُعلِّماً مُيَسِّراً))([3]) .
صفات المعلم الأول صلى الله عليه وسلم
الصفة الأولى: الرفق:
إخوة
الإسلام و من أبرز صفات المعلم الذي علم البشرية
أنه يتسم بالرفق و اللين فلم يكن فظا و لا غليظا في معاملته قال الله تعال واصفا
نبيه صل الله عليه وسلم﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ
فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾[آل عمران: 159]
المثال التطبيقي
ها هو شاب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب
من أن يرخص لها في الزنا تخيل ذلك الموقف لو أنت مكان النبي ماذا كنت أنت فاعل ؟؟؟
نظر إليه
معلم إنسانية و منقذها من الجهل إلى نور العلم ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:
إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ
فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ. مَهْ. فَقَالَ: " ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ
قَرِيبًا ". قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: " أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ "
قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ
يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ ". قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟
" قَالَ: لَا. وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ قَالَ:
" وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ ". قَالَ: "
أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ " قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ
فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ ".
قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ " قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي
اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ
". قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ " قَالَ: لَا. وَاللهِ
جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ
". قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: " اللهُمَّ اغْفِرْ
ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ " قَالَ : فَلَمْ يَكُنْ
بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. ([4])
الصفة الثانية الرحمة : و
من اعظم صفات الرسول المعلم و المربي الرحمة التي تشمل الجاهل بأحكام الشرع و حرماته و لها اثر عظيم في نفوس المدعوين أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا فِي الْمَسْجِدِ وَأَصْحَابُهُ مَعَهُ، إِذْ
جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: مَهْ مَهْ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُزْرِمُوهُ
دَعُوهُ "، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: " إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ
لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنَ الْقَذَرِ وَالْبَوْلِ وَالْخَلَاءِ "، أَوْ
كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا هِيَ
لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللهِ وَالصَّلَاةِ ". فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنَ الْقَوْمِ: " قُمْ
فَأْتِنَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَشُنَّهُ عَلَيْهِ " فَأَتَاهُ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ ([5])
عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا كُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ فَجَاءَ
اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَأنَّ رِجَالًا مِنَّا يَتَطَيَّرُونَ، قَالَ: «ذَلِكَ
شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلَا يَصُدَّنَّهُمْ» قَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، وَرِجَالٌ مِنَّا يَخُطُّونَ، قَالَ: «قَدْ كَانَ نَبِيُّ مِنَ
الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ» قَالَ: وَبَيْنَا أَنَا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ إِذْ عَطَسَ
رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَحَدَّقَنِيَ الْقَوْمُ
بِأَبْصَارِهِمْ قَالَ: فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا لَكُمْ تَنْظُرُونَ
إِلَيَّ فَضَرَبَ الْقَوْمُ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا
رَأَيْتُهُمْ يُسْكِتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَانِي فَبِأَبِي وَأُمِّي لَمَا
رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَاللَّهِ
مَا ضَرَبَنِي وَلَا قَهَرَنِي وَلَا سَبَّنِي فَقَالَ: «إِنَّ صَلَاتَنَا
هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا هِيَ
التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ، وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ»([6])
عن مالك بن الحُوَيرث رضي الله عنه، قال: ((أَتَينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شَبَبَةٌ مُتَقاربون ، فأقمنا عنده عِشرين ليلة
، وكان رسول الله رَحيماً رَفيقاً ، فلما ظَنَّ أنّا قد اشتَقْنا أَهلنا ، سألنا
عمن تركنا بعدنا فأخبرناه ، قال : ارجعوا إلى أهليكم ، فأقيموا فيهم ، وعلِّموهم
ومُروهم ، وصلّوا كما رأيتموني أصلّي ، فإذا حضرتْ الصلاة ، فليُؤَذِّن لكم أحدُكم
، ولْيَؤمَّكم أكبركم))([7])
الصفة الثالثة: التخول
بالموعظة
معاشر الموحدين: و من صفات معلم البشرية صلى الله
عليه وسلم –التخول بالموعظة مخافة السامة عليهم التخول بالموعظة قَالَ:
سُلَيْمَانُ، سَمِعْتُ شَقِيقًا، يَقُولُ: كُنَّا نَنْتَظِرُ عَبْدَ اللهِ فِي
الْمَسْجِدِ يَخْرُجُ عَلَيْنَا، فَجَاءَنَا يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ يَعْنِي
النَّخَعِيَّ، قَالَ: فَقَالَ: أَلَا أَذْهَبُ فَأَنْظُرَ ؟ فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ، لَعَلِّي أَنْ
أُخْرِجَهُ إِلَيْكُمْ، فَجَاءَنَا، فَقَامَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: إِنَّهُ
لَيُذْكَرُ لِي مَكَانُكُمْ فَمَا آتِيكُمْ كَرَاهِيَةَ أَنْ أُمِلَّكُمْ، لَقَدْ
" كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا
بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ، كَرَاهِيَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا "([8])
وفيه دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
يبدأ بالرفق واللين أولًا؛ لأن الأمر بالعنف والشدة يؤدي إلى العناد؛ ولهذا قال
سبحانه وتعالى-في أهل الكتاب-: {ولا تجادلوا أهل الكتاب
إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم}
قال ابن
عبد البر في بهجة المجالس: كان علي بن أبي
طالب رضي الله عنه يقول: “إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان؛ فابتغوا لها طرائف
الحكمة”.
وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: “أريحوا القلوب؛
فإن القلب إذا كره عمي”. وقال أيضا: “إن للقلوب شهوة وإقبالا، وفترة وإدبارا؛
فخذوها عند شهوتها وإقبالها، وذروها عند فترتها وإدبارها”.
وقد كان من الهدي النبوي في الدعوة أن يتحرى
بالموعظة وقت حاجة الناس إليها، أو وقت نشاطهم لسماعها.
الصفة
الرابعة: الأبوة الحانية:
ومن صفات المعلم الأول
رسول الله صلى الله عليه وسلم الأبوة لاتباعه فهو ينزلهم جميعا منزلة أبنائه
فالْمُعلِّم يمارس مُهمَّة
الأبوة بين أسوار المدرسة، حريصٌ على طلابه، غيورٌ عليهم، مُتفقِّدٌ لأحوالهم،
مُتلمِسٌ لهمومهم، مُتعرِّفٌ على مشكلاتهم وما يعانونه داخل المؤسَّسة التعليمية
وخارجها، وربما تمتدُّ جهوده الإصلاحية إلى بيوت
طلابه، حتى يحسُّوا أنه في مقام الأب، يشعرون ذلك من خلال متابعته الحثيثة لهم، بل
يلحظون ذلك في عقابه وتأنيبه، فهو عقاب مربٍّ ومؤدِّب، وقد قال -صلى الله عليه
وسلم -: «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد لولده أُعلِّمكم» ([9])
الصفة
الخامسة: التمهل في الإلقاء والتكرار
و من صفاته صلى الله عليه
و سلم انه كان يسرد الكلام بل كان يتمهل و يكرر المعلومة عن عائشة رضي الله عنها قالت:
((ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَسْرُدُ كسَرْدِكم هذا ولكن كان يتكلم
بكلامٍ بيِّنٍ فَصْل، يحفظه من جلس إليه)) .([10])
وعن أنس رضي الله عنه قال:
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعيدُ الكلمة ثلاثاً لِتُعقَلَ عنه))([11])
الخطبة الثانية
الصفة
السادسة: الصبر وسعة الصدر والتواضع للسائل
إخوة إيمان: وكان من خلاله صلى الله عليه وسلم أنه
كان صبورا واسع الصدر لمن شدد عليه في السؤال يستمع إليه ويجبه بتواضع جم
عن أبي رِفاعة العَدَوي
رضي الله عنه قال: ((انتهَيْتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يَخطُبُ ، قال :
فقلتُ : يا رسول الله ، رجلٌ غريبٌ جاء يسأل عن دينِه ، لا يدري ما دينُه . قال : فأقبلَ عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وترك
خُطبتَه حتى انتهى إليَّ ، فأُتي بكُرسيٍّ حَسِبْتُ قوائمه حديداً، قال : فقعد
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يُعلِّمُني مما علَّمه الله ، ثم أتى
خُطبته فأتمَّ آخِره) )([12])
.
قال الإمام النووي: ((في
هذا الحديث تواضُعُ النبي صلى الله عليه وسلم ورِفقُه بالمسلمين ، وشفقتُه عليهم ،
وخفْضُ جناحِه لهم ، وفيه استحبابُ تلطُّفِ السائلِ في عبارتِه وسؤالِه العالمَ .
وفيه المبادَرةُ إلى جواب المستفتي،
وتقديم أهمِّ الأمور فأهمِّها ، ولعله كان سأل عن الإيمان وقواعده المهمّة ، وقد
اتفق العلماء على أن من جاء يسأل عن الإيمان وكيفية الدخول في الإسلام وَجَب
إجابتُه وتعليمُه على الفور .
وقعودُه صلى الله عليه
وسلم على الكرسي ليسمَع الباقون كلامه ويروا شخصه الكريم)) . انتهى كلام النووي . قلتُ:
وفيه أيضاً جواز جلوس المعلِّم على الكرسي أثناء التعليم ، وأنه لا يلزمه أن
يعلِّم واقفاً .التعليم ([13])
عن شريك بن أبي نَمِرٍ أنه سمع أنس بن مالك رضي
الله عنه يقول: ((بينما نحن جُلوسٌ في المسجد ، دخل رجلٌ على جَمَلٍ فأناخَه في
المسجد ، ثم عَقَلَهُ ، ثم قال لهم : أيُّكُم محمدٌ؟ ـ والنبي صلى الله عليه وسلم
مُتَّكِىءٌ بين ظَهْرانَيْهم ـ فقلنا: هذا الرجل الأبيض المُتَّكِىءُ .فقال له
الرجل : يا ابن عبد المطَّلب ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : قد أجبتُك ،
فقال له الرجل : يا محمد ، إني سائلُك ومُشدِّدٌ عليك في المسألة ، فلا تَجِدنَّ
عليَّ في نفسِك
فقال: سلْ ما بدا لك
فقال: أسألك بربِّك وربِّ من قبْلك، آلله أرسلَك
إلى الناس كلِّهم؟ فقال: اللهمَّ نعم. قال: فأنشدُك بالله، آلله أمرك أن نُصلّي
الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم.
قال: فأَنشُدُك بالله، آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر
من السنة؟ قال: اللهم نعم. قال: فأنشدُك بالله ، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من
أغنيائنا فتَقْسِمَها على فُقرائنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهمَّ نعم.
فقال الرجل: آمنتُ بما جئتَ به ، وانا رسولُ من
ورائي من قومي ، وانا ضِمامُ بنُ ثعلَبة ، أخو بني سعد بنِ بَكْرٍ)) ([14])
الصفة السابعة: الفطنة والذكاء:
أحباب
الحبيب محمد صلى الله عليه - و من صفات رسولانا معلم البشرية الفطنة الذكاء في فهم
نفسيات السائل و إجابة التي تناسبه و هذا
ما يسمى برعاية الفروق الفردية وكان- صلى
الله عليه وسلم- شديد المراعاة للفروق الفردية بين المتعلمين من المخاطبين
والسائلين، فكان يخاطب كل واحدٍ على قدر فهمه وبما يلائم منزلته وكان يحافظ على
قلوب المبتدئين، فكان لا يعلمهم ما يعلم المنتهين. وكان يجيب على كل سائل من سؤاله
بما يفهمه ويناسب حاله.
ومن الشواهد على مراعاته-صلى الله عليه وسلم-للفروق
الفردية في تعليمه ما رواه الإمام أحمد في مسنده: عن عبد الله بن عمرو بن العاص
قال: «كنا عند النبي-صلى الله عليه وسلم-فجاء شاب فقال: يا رسول الله أُقبّل وأنا
صائم؟ قال: لا، فجاء شيخ فقال: أقبل وأنا صائم؟ قال نعم، فنظر بعضنا إلى بعض فقال
رسول الله-صلى الله عليه وسلم-إني قد علمت لما نظر بعضكم إلى بعض، إن الشيخ يملك
نفسه».
ومن الشواهد أيضًا على مراعاة النبي-صلى الله عليه وسلم-للفروق
الفردية في تعليمه لصحابته وصاياه المختلفة لأناس طلبوا منه الوصية فأوصى كل واحد
بغير ما أوصى به الآخر، ووجه ذلك يرجع إلى اختلاف أحوال الذين سألوا الوصية.
فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي ذر رضي الله
عنه قال: «قلت يا سول الله، أوصني، قال: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة
تمحها، وخالق الناس بخلق حسن».
عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
قَالَ رَجُلٌ: أَوْصِنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «لَا تَغْضَبْ» ، قَالَ
الرَّجُلُ: «فَفَكَّرْتُ حِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا قَالَ، فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ»([15])
و يأتيه أخر فيساله الوصية فيقول عن جَرْمُوز الْهُجَيْمِيَّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ، أَوْصِنِي، قَالَ: " أُوصِيكَ أَنْ لَا تَكُونَ لَعَّانًا
" ([16])
الدعاء ............................................................
[1] - أخرجه ابن ماجه (1/83، رقم 229) و ضعفه الألباني
[2] - الرسول المعلم (ص: 5)
[3] - أخرجه مسلم في الصحيح 2/ 1102 - 1103، كتاب الطلاق (18)، باب بيان أن
تخيير امرأته لا يكون طلاقًا. . . (4)، الحديث (29/ 478). و"المعنّت":
الموقع الناس في أمر شديد
[4] - «مسند أحمد» (36/ 545 ط
الرسالة): «وأخرجه الطبراني في "الكبير" (7679)»
[5] -«مسند أحمد» (20/ 297 ط الرسالة):«وأخرجه مسلم (285)»
[6] - مسلم (537) وص1749، وأبو داود (930)
[7] - ـ البخاري 2 : 93 في كتاب الأذان (باب الأذان للمسافرين) ، ومسلم 5 :
174 في كتاب المساجد (باب من أحق بالإمامة
[8] -«مسند أحمد» (6/ 57 ط الرسالة):
«وأخرجه الحميدي (107) ، ومسلم (2821)
(82)»77
[9] - رواه مسلم برقم (265) مختصرًا وأبو داود
برقم (8) وابن ماجه برقم (313) واللفظ له.
[10] - رواه البخاري 6 / 422 في الأنبياء، باب صفة
النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم رقم (2493)
[11] - وأخرجه أحمد (3/221)
[12] - أخرجه مسلم (876)
[13] -((شرح صحيح مسلم)) 6 : 165
[14] - وأخرجه الشافعي 1/219-220، والبخاري (63) ، وأبو داود (486)
[15] - «مسند أحمد» (38/ 237 ط الرسالة):«وأخرجه مالك في "الموطأ"
2/905»
[16] - «مسند أحمد» (34/ 278 ط الرسالة):«إسناده قوي»
رابط التحميل
تعليقات
إرسال تعليق