ثمرات القيم المجتمعية في يوم القيامة.pdf
ثمرات القيم المجتمعية في يوم القيامة
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما
بعد ............. فيا معاشر الموحدين حديثنا عن ثمرات القيم المجتمعية (الأخلاقية)
في يوم القيامة) وهذا الحديث حديث ينبغي أن تسمعه جيدا وأن ننشر تلك الثمرات لأنها
ترغب في معالي الأمور وتنهى عن سفسافها
فأعيروني
القلوب والأسماع أيها الأحباب .........
أولا: حسن الخلق من
كمال الإيمان: إذا أردت أيها الأخ الحبيب كمال الإيمان والخيرية في الدنيا والآخرة
فعليك بحسن الخلق مع الخالق-جل جلاله -ومع الخلق تنال تلك المنزلة؛ فعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” أَكْمَلُ
الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا؛ وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ
خُلُقًا.”([1])
قال المباركفوري: ” أكمل
المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا “: لأن كمال الإيمان
يوجب حسن الخلق والإحسان إلى كافة الإنسان، ” وخياركم
خياركم لنسائهم “: لأنهن محل الرحمة لضعفهن.
ثانيا: صاحب الأخلاق
الحسنة رفيق النبي – صلى الله عليه وسلم – في الآخرة:
أين سيكون مجلسك يوم القيامة في يوم يفر المرء من أخيه
وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه في يوم الصاخة ويوم الطامة ويوم القارعة فالناس في عرسات
يوم القيامة ما بين مكرم وما بين مهان ما بين سعيد وما بين شقي ........
هل تريد أن يحبك رسول الله –
صلى الله عليه وسلم-في يوم القيامة؟
هل تريد أن تكون قريبا من رسول–
صلى الله عليه وسلم-الله يوم القيامة؟
أتدرى ما معن القرب من رسول الله–
صلى الله عليه وسلم-؟
الجواب أيها الأواب : عليك بحسن الخلق يحبك الحبيب
و تجلس قريبا منه و اذا كنت قريبا منه فأنت قريب من الله تعالى و أنت قريب من الأنبياء و المرسلين
و الشهداء و الصالحين اسمعوا بعد أن تصلوا عليه حبيب علام الغيوب –
صلى الله عليه وسلم- عدد ما ذكره الذاكرون و عدد ما غفل عنه ذكره الغافلون فعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ
إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ
أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ، قَالُوا
يَا رَسُولَ اللَّهِ: قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا
الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: الْمُتَكَبِّرُونَ”([2]).
ثالثا: حسن الخلق يثقل
الموازين يوم القيامة:
أيها الأحباب يوم القيامة فيه مشاهد تطير من الأفئدة
من الخوف ومن تلك المشاهد مشهد الميزان ..................فتوهم الميزان بعظمه
منصوباً، وتوهم الكتب المتطايرة وقلبك واجف متوقِّع أين يقع كتابك في يمينك أو في
شمالك.
عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَتْ: عَائِشَةُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ فِي حِجْرِي , فَذَكَرْتُ قُرْبَهُ
مِنِّي فِي الدُّنْيَا , وَتَبَاعُدَ النَّاسِ بِأَعْمَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ ,
فَبَكَيْتُ , فَقَالَ لِي: «مَا يُبْكِيكِ يَا عَائِشَةُ؟» فَقُلْتُ: ذَكَرْتُ
قُرْبَكَ مِنِّي فِي الدُّنْيَا , وَتَبَاعُدَ النَّاسِ بِأَعْمَالِهِمْ فِي
الْآخِرَةِ , هَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ: " أَمَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ , إِذَا تَطَايَرَتِ
الصُّحُفُ , وَقِيلَ {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ
أَحَدًا حَتَّى يَعْلَمَ: أَبِيَمِينِهِ يُعْطَى أَمْ بِشِمَالِهِ؟ وَإِذَا
وُضِعَتِ الْأَعْمَالُ فِي الْمِيزَانِ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ أَحَدًا , حَتَّى
يَعْلَمَ: أَيَثْقُلُ مِيزَانُهُ أَمْ يَخِفُّ؟ وَإِذَا حُمِلُ النَّاسُ عَلَى
الصِّرَاطِ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ أَحَدًا , حَتَّى يَعْلَمَ: يَنْجُو أَمْ لَا؟
" ([3]) .
فتوهم نفسك بصغر جسمك، وارتعاد جوارحك، وخفقان
قلبك، وقد سمعت كلامه بتذكير ذنوبك، وإظهار مساوئك، وتوقيفك وتقريرك بمخبَّآتك.
فتوهم نفسك بهذه الهيئة، والأهوال بك محدقة من
خلفك، فكم من بلية قد نسيتَها قد ذكَّركها؟ وكم من سريرة قد كنتَ كتمتها قد أظهرها
وأبداها؟ وكم من عمل قد ظننتَ أنه قد خلص لك وسلم بالغفلة منك إلى ميل الهوى عما
يفسده قد رده في ذلك الموقف عليك وأحبطه بعد ما كان تأملك فيه عظيماً؟ فيا حسرات
قلبك وتأسفك على ما فرطتَ في طاعة ربك. حتى إذا كرر عليك السؤال بذكر كل بلية ونشر
كل مخباة، فأجهدك الكرب، وبلغ منك الحياء منتهاه، لأنه الملك الأعلى فلا حياء يكون
من أحد أعظم من الحياء منه، لأنه القديم الأول الباقي الذي ليس له مثل، المحسن
المتعطف المتحنن الكريم الجواد المنعم المتطول.................([4])
أخي هل تريد ثقل الموازين في تلك اللحظات الحرجات
عليك بحسن الخلق فعَنْ أَبِي الدرداء -رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ
-صلى الله عليه وسلم ” مَا مِنْ شَيْءٍ فِي اَلْمِيزَانِ
أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ اَلْخُلُقِ” ([5])
آه من الحديث عن القيم المجتمعية! ما أحوج الأمة بحكامها
وعلمائها وشيوخها ودعاتها ورجالها ونسائها وشبابها إلى حسن الخلق! فإن حسن الخلق
الآن منهج نظري منبري، ونرى بوناً شاسعاً رهيباً بينه وبين سوء خلق كمنهج واقعي
عملي مرير.
رابعا: حسن الخلق طريقٌ
إلى الجنة:
أيها الأحباب الطريق إلى الجنة ليس مفروشا بالورود
ولا بالرياحين و إنما هو طرق شاق يحتاج منك إلى صبر و مصابرة و جهد و مجاهدة و إليك
أقصر طريق إلى الجنة إنه طريق حسن الخلق فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سُئِلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ
النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ:” تَقْوَى اللَّهِ
وَحُسْنُ الْخُلُقِ” وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ
النَّاسَ النَّارَ؟ فَقَالَ:” الْفَمُ وَالْفَرْجُ” ([6])
وعَنْ أَبِي
أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” أَنَا
زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ
مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ
مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ
([7])
خامسا: حسن الخلق وقاية
من النار:
فتوهم النار التي( أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ
حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ
أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ )
لا يضيء شرارها ولا يطفئ لهيبها فهي نار تلظى لا يصلاها إلا الأشقى فما النجاة من
زقومها و من غسلينها و من سمومها؟
النجاة دلنا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم-وهي
أن تكون حسن الأخلاق مع الخلق في قولك وفي فعلك .... فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” أَلَا
أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ
النَّارُ؟! عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ” ([8])
سادسا: حسن الخلق يرفع
الدرجات في الآخرة:
إخوة الإسلام: بالأخلاق ينال العبد الدرجات
العالية في جنة قطوفها دانية ينال العبد درجة الصائم الذي لا يفطر و القائم الذي
لا ينام و الجنة درجات فحسن الخلق يرفع العبد منزلة عند الله حتى يبلغ درجة الصائم
القائم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”إِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ
خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ” ([9])
سابعا: الأخلاق الحسنة
سبب في محبة الله لعبده:
معاشر الأحباب: إن للأخلاق و القيمة المجتمعية
ثمرة أخرى عظيمة ينال بها العبد أعظم عطية من رب البرية فقد ذكر الله تعالى محبته
لمن يتخلق بالأخلاق الحسنة، والتي منها الصبر والإحسان والعدل وغير ذلك، فقد قال
الله تعالى: { وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ
يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].
وقال أيضًا: {وَاللّهُ
يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146].
وقال أيضًا: {إِنَّ
اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطين}
[المائدة: 42].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أحب عباد الله إلى
الله أحسنهم خلقًا)).([10])
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم انه هو الغفور
الرحيم
الخطبة الثانية
أما: بعد:
......................................................
ثامنا: حسن الخلق سبب
من أسباب عفو الله تعالى عن العبد يوم القيامة:
أمة الإسلام:
ومن ثمرات الأخلاق يوم القيامة أن تنال عفو العفو وكرم الكريم جل جلاله وتخيل ذلك
المشهد لرجل لم يعمل خيرا قط غير انه كان يتصف بصفة التجاوز عن المعسرين كيف كافئه
الله تعال بالعفو ودخول الجنة ........عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، أَنَّ
حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَلَقَّتِ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ
مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ:
لَا، قَالُوا: تَذَكَّرْ، قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي
أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ وَيَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُوسِرِ،([11])
هذه هي ثمرات حسن الخلق وفوائده في الدنيا
والآخرة؛ فلا تحرموا أنفسكم من هذه الفوائد والثمرات لتفوزوا سعادة العاجل والآجل.
اللهم كما حسنت خَلقَنَا فحسن أخلاقنا؛ اللهم
اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرفُ عنا سيئها
إلا أنت؛ اللهم إنا نعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق.
اللهم ثقل موازيننا يوم نلقاك، اللهم ثقل موازيننا
يوم نلقاك، اللهم ثقل موازيننا يوم نلقاك.
اللهم استرنا ولا تفضحنا، وأكرمنا ولا تهنا، وكن
لنا ولا تكن علينا.
اللهم كن لنا ولا تكن علينا، اللهم استرنا فوق
الأرض وتحت الأرض ويوم العرض، اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض.
اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض،
اللهم لا تدع لأحد منا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا
قضيته، ولا ميتاً إلا رحمته.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد
لله رب العالمين.
([1]) - رواه الترمذي
(1162)، وأحمد (2/250) (7396). قال الترمذي: حسن صحيح. = = وصححه الحاكم (1/43)،
قال الهيثمي في ((المجمع)) (4/306): رواه أحمد، وفيه محمد ابن عمرو، وحديثه حسن،
وبقية رجاله رجال الصحيح.
([3]) - مسند أحمد ط
الرسالة (41/ 225). [حكم
الألباني: ضعيف: المشكاة (5565) التعليق
الرغيب (4/ 210 - 211)]
([5]) - رواه الترمذي
(2002)، وابن حبان (12/506). قال الترمذي: حسن صحيح. وصحَّحه الألباني في ((صحيح
الجامع)) (5628).
([6]) أخرجه الترمذي "2004" في البر والصلة انظر الصَّحِيحَة: 977، صَحِيح التَّرْغِيبِ
وَالتَّرْهِيب: 1723
([7]) رواه أبو داود (4800)، والطبراني في
((الكبير)) (8/98)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (10/420) (21176). وصححه النووي
في ((رياض الصالحين)) (ص 216)، وحسنه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2648).
([9]) رواه أحمد (2/177) (6648)، والطبراني في
((الكبير)) (13/58). قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4009): رواه أحمد
والطبراني في الكبير ورواة أحمد ثقات إلا ابن لهيعة. وقال الهيثمي في ((المجمع))
(8/25): رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف، وبقية
رجاله رجال الصحيح.
تعليقات
إرسال تعليق