شرف العمل في ضوء قصة موسى عليه السلام في مدين .pdf
شرف العمل في ضوء قصة موسى عليه
السلام في مدين
ا✍✍💥🌙🥀الشيخ السيد
مراد سلامة ✍✍💥🌙🥀
✍✍💥🌙🥀الخطبة الأولى ✍✍💥🌙🥀
أما بعد :..........................نعيش في هذا اللقاء
مع قصة موسى عليه السلام و هو في مدين لنلقي الضوء على مشهدين من مشاهد العمل و السعي
على طلب الرزق الحلال
✍✍💥🌙🥀أولا: سبب خروج
موسى - عليه السلام- من مصر :
لقد تربى موسى عليه السلام في قصر فرعون منعما مرفها يتنعم
في البلاط الملكي ولكنه لم ينس بني قومه الذين سخرهم فرعون لخدمته و جعلهم عبيدا
لا يرحمون ولا ينصرون
وكان موسى عليه السلام يتصف بالقوة و الشهامة و الرجولة
و ذلك في الحق لا في الباطل و في يوم مر فرأى رجل مصري يضرب رجلا من شيعته و هنا
طلب الإسرائيلي الإغاثة من موسى عليه السلام فتدخل موسى ليفض النزاع فوكز المصري
بيه ضربة لا تقتل و لا تميت و لكنه قضاء الله و قدره فمات المصري من جراء تلك و
هنا اصبح موسى خائف يترقب و صل الخبر و النبأ إلى فرعون و جنده و اجتمعوا على قتل
موسى و كان في المجلس رجل يحب موسى عليه السلام فجاء مسرعا و محذرا لموسى عليه
السلام
يقول الله -عز وجل- في محكم التنزيل في سورة القصص: {وَجَاءَ رَجُلٌ
مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ
بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا
خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي
سَوَاءَ السَّبِيلِ * وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً
مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ
مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا
شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ
إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا
تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ
مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ
نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ
اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ * قَالَ
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ
تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا
أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ
* قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ
عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) [القصص: 20-28]. ولنمضِ مع
القصة آيةً آيةً لنتلمس ما فيها من عبر لأولي الألباب.
✍✍💥🌙🥀كيف كانت حالته عند
خروجه من مصر
جاءه الخبر فجأة ولم يكن مستعدا للخروج فليس معه زاد و لا مال و لا
ثياب غير التي كان يرتديها وهكذا يجد موسى نفسه مضطرًّا للخروج من الديار المصرية
التي نشأ وتربى
✍✍💥🌙🥀اللجوء والابتهال إلى الكبير المتعال ✍✍💥🌙🥀
عندما يقع المؤمن في محنه فانه يلجأ إلى الركن الشديد
الغني الحميد يسأله أن يحفظه و أن يرعاه و أن يرد عنه كيد الظالمين و هذا هو حال
نبي الله موسى عليه السلام بربه، (قَالَ
رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، وكذا كان رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- إذا خاف قومًا قال: "اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم، ونجعلك في
نحورهم". فالخوف بهذه الصورة ليس من الخوف المذموم الشركي، بل هو الخوف
الفطري الطبيعي الذي لا ينفك عنه البشر في الدنيا، وإنما يسلمون منه في الجنة، حيث
لا خوف ولا حزن.
(فَخَرَجَ
مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ): فهو متلفت واعٍ لما حوله، ومحتاط لنفسه؛ حتى لا
يدركه عدوه، (قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ): خرج من المدينة
وحيدًا فريدًا، لا حيلة له إلا اعتماده على مولاه، والتوجه إليه طالبًا عونه
وهداه، ولكن إلى أين يذهب؟! إنه يتوجه تلقاء مدين، وأين مدين؟! إنها في قارة أخرى،
فهي بين الحجاز والشام، وهو في مصر، وإنه لعجب: أن يسير تلك المسافة الشاسعة في
ذلك الزمان، ولا يذكر لنا القرآن كيف كان ينتقل وماذا كان يأكل، وإنما يُروَى في
ذلك أقوال وأخبار تناقلها الصحابة ومن بعدهم ذكروا فيها أنه كان حافيًا ليس لديه
طعام إلا ورق الشجر.
(وَلَمَّا
تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ
السَّبِيلِ) فهو الاتجاه مرة أخرى إلى ربه مستسلمًا له متطلعًا لهداه، وهكذا نجد
موسى -عليه السلام- في هذه الظروف الصعبة المخيفة، بعد فترة من الأمن، بل من
الرفاهية والراحة والمتاع في قصر فرعون، نجده يسير وحيدًا مطاردًا في الطرق
الصحراوية في اتجاه مدين في جنوبي الشام وشمالي الحجاز مسافات شاسعة، وأبعاد
مترامية، لا زاد ولا استعداد، خرج من المدينة خائفًا يترقب، وليس معه من دليل،
يسير مجردًا من قوى الأرض الظاهرة جميعًا، يطارده فرعون وجنده، ويبحثون عنه في كل
مكان لينالوا منه اليوم ما لم ينالوه منه طفلاً، ولكنه اتجه إلى رب السماوات
والأرض والخلق جميعًا، يستمد منه العون والنجاة والهداية، فيجد ذلك كله عند ربه،
فهاهو ذا يقطع الطريق الطويل، ويصل إلى حيث لا تمتد إليه اليد الباطشة بالسوء،
فيصل إلى مدين ويرد ماءها، لتبدأ سلسلة جديدة من الأحداث المليئة بالعبر النافعة،
والحكم البالغة،
✍✍💥🌙🥀مشهد قلة المروءة وانعدام
الرجولة
✍✍💥🌙🥀
وصل موسى عليه السلام إلى ديار مدين حافيا جائعا مكدودا
فرأى مشهدا لا تقره الفطر السليمة و لا الأخلاق القويمة { وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ
مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ
دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي
حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} رأى مجموعة من الناس يسقون
أنعامهم و هناك توجد امرأتان تحجز أغنامهما عن أغنام القوم ولا يلتفتون إليهن
للمساعدة ولا سقي أنعامهم و هذا إن دل فإنما يدل على انعدام مروءة هؤلاء القوم
الذين لا يعرفون حق المرأة
✍✍💥🌙🥀عمل المراة عند
الضرورة شرف ولا يمنعه الإسلام ✍✍💥🌙🥀
يقول الله تعالى{ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ
وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ
امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى
يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}ومن هذا المشهد نأخذ منه درسا أخر ألا و هو أن المرأة اذا اضطرتها الحاجة
و اضطرها المجتمع للخروج إلى العمل للسعي و تحصيل الرزق الحلال فإن ذلك لا حرج فيه
إذا كان بالضوابط الشرعية
و في السنة النبوية ما يدل على جواز عمل العمل عند
الحاجة و ان عمها اشرف لها من سؤال الناس او التعرض للفتنة
روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت:
تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال، ولا مملوك، ولا شيء غير ناضح وغير فرسه،
فكنت أعلف فرسه، واستقي الماء، وأخرز غربه، وأعجن... وكنت أنقل النوى من أرض
الزبير على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: طَُلقت
خالتي، فأرادت أن تجد نخلها فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال: "بلى فجدي نخلك، فإنك عسى أن تصدّقي أو تفعلي معروفاً" رواه مسلم،
ومعنى تجدي نخلك: تقطعي ثمره.
وتأملوا إلى أدبهن في السقي و أدبهن في مخاطبة موسى و أدبهن
في دعوة موسى عليه السلام
فهن لم يزاحمن الرجال عند السقي
وهن لم يخضعن بالقول عند كلامهن مع موسى عليه السلام
✍✍💥🌙🥀شهامة و رجولة موسى
عليه السلام ✍✍💥🌙🥀
موسى عليه السلام قال للفتاتين: ﴿ مَا خَطْبُكُمَا ﴾
[القصص: 23]؛ فمن صفات المؤمن المبادرة والمسارعة إلى فعل الخير قبل أن يُطلب منه،
خاصة إذا رأى مَن هو محتاج ولا يقدر على فعل ما يريده، كالمرأة الضعيفة وكبير السن
وغيرهم؛ لأن بعض الناس قد يمنعه من السؤال مانعٌ؛ إما الحياء، أو عزة النفس، وإن
مساعدة الناس وقضاء حوائجهم من أعظم الطاعات والقُرُبات عند الله، وعلى المرء أن
يبادر إلى مساعدة المرأة إذا وجدها بين الرجال تريد قضاء حاجة لها؛ وذلك حفظًا لها
من الاختلاط بالرجال، وحفظًا لحيائها من الانكسار.
﴿ ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ﴾ [القصص: 24]؛ على
المؤمن أن يرجوَ ويطلب بعمله ومساعدته للناس الأجر والثواب من الله عز وجل، فلا
ينتظر كلمة شكر، أو ثناء ومدح، أو مقابلًا ماديًّا على ذلك، فأجره على الله، ولو
سمِع مثل ذلك، فلا بأسَ وهو خير، لكنه لا يتطلع إلى ذلك ولا يبحث عنه؛ فموسى عليه
السلام سقى لهما، ثم تولى وابتعد عنهما، وتوجه إلى ربه.
✍✍💥🌙🥀جمال الحياء فهو خير
لحاء : ✍✍💥🌙🥀
إخوة الإسلام: واستجاب الله تعالى ابتهال موسى عليه
السلام و جاءته احدهما تدعوه إلى لقاء أبيها يقول الله تعالى {فَجَاءَتْهُ
إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ
لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ
الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
✍✍💥🌙🥀ويؤخذ من ذلك عدة فوائد
الحياء ليس فقط في اللباس أو في الكلام، بل من أعظم صور
الحياء بالنسبة للمرأة "الحياء في المشي" وكم من امرأة يظهر من مشيتها
أنها منزوعة الحياء، وأخرى توقن من مشيتها أنها كنز من الحياء .
الحياء لا يأتي إلا بخير، وانظر كيف كانت نتيجة حياء
تلك المرأة أن أقبل موسى لوالدهم ثم تزوج من تلك الأسرة الصالحة .
* وفي قوله تعالى :
((قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ
لَنَا))[القصص:25].
✍✍💥🌙🥀لقاء موسى عليه
السلام بشعيب رحمه الله : ✍✍💥🌙🥀
يقول الله تعالى (( قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ
أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا )) إنَّ أبي يطلبك ليعوضك عن أجر السقاية لغنمنا،لأنك
صنعت إلينا معروفاً ونريد أن نكافئك. وفيما مضى من وصف لهاتين الفتاتين ثناء من
ربنا عزّ وجلّ في القرآن عليهما وعلى أبيهما الصالح القانت الذي أحسن تربيتهما
وتوجيههما وتعليمهما حتى كانتا على مثل هذا الخلق القويم.\"
وهذا يجعل واجب الآباء والمربين مهمّاً ومؤثراً في
تربية خلق الحياء الكسبي، الذي يحجز الأطفال عن العيّ والخجل، ويحفظ الشباب من
الشرور والآثام \"
✍✍💥🌙🥀حاجة الإنسان إلى من
يخفف عنه، ويطمئن قلبه. ✍✍💥🌙🥀
إخوة الإسلام أن
الناس اذا أصابه مكروه أو سوء أو نزلت به نازلة فمن واجب المجتمع من حوله أن يربط
على قلبه و أن يذكره بالله و أن يؤمنه حتى يذهب روعه و هذا ما قام بع العبد الصالح شعيب رضي الله
عنه -قال تعالى:(( فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ
نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )) لما وصل عليه السلام إلى الرجل الصالح
وذكر له ما كان من أمره، وما جرى له من السبب الذي خرج من أجله من بلده فقال له:لا
تخف، و طب نفسا، وقرّ عينا فقد خرجت من مملكتهم فلا حكم لهم في بلادنا ولهذا قال{ نجوت من القوم
الظالمين}فالإنسان دائماً يحتاج إلى من
يخفف عنه مصائبه ويطمئن قلبه.
✍✍💥🌙🥀صوت الأنوثة
المستقيمة السليمة .
هنا انتهزت
احدى الفتاتين الفرصة و طلبت من أبيها أن يستأجر موسى عليه السلام للعمل عنده حتى
يكفيهن مشقة العمل خارج المنزلة و مزاحة الرجال عند السقي (( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ
اسْتَأْجِرْه ُ))
أضحت لها ذلك
الاقتراح انه يتصف بصفات جليلة اجملها انه قوي و أنه أمين قال الله تعالى (( إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ
الأَمِين ُ)) قال أبو حيان:\ وقولها كلام حكيم جامع لأنه إذا اجتمعت الكفاية
والأمانة في القائم بأمرٍ من الأمور فقد تمَّ المقصود)
عن ابن عباس, قال: ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ
اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) قال:
فأحفظته الغَيْرة أن قال: وما يدريك ما قوّته وأمانته؟ قالت: أما قوّته, فما رأيت
منه حين سقى لنا, لم أر رجلا قط أقوى في ذلك السقي منه; وأما أمانته, فإنه نظر حين
أقبلت إليه وشخصت له, فلما علم أني امرأة صوب رأسه فلم يرفعه, ولم ينظر إلي حتى
بلغته رسالتك, ثم قال: امشي خلفي وانعتي لي الطريق, ولم يفعل ذلك إلا وهو أمين,
فسُرّي عن أبيها وصدَّقها وظن به الذي قالت
✍✍💥🌙🥀عرض الرجل ابنته على
الرجل الصالح. ✍✍💥🌙🥀
و هنا يرى شعيب
–رضي الله عنه - في
نبي الله موسى عليه السلام صفات الصلاح و التقوى و الأمانة فيقدم له ذلك العرض
بقوله (( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ
إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ )) إني أريد أن أزوجك إحدى بنتيَّ هاتين،
\"فهو يعرض نكاحا لا يخجل منه يعرض بناء أسرة وإقامة بيت وليس في هذا ما يخجل
, ولا ما يدعو إلى التحرج والتردد والإيماء من بعيد , والتصنع والتكلف مما يشاهد
في البيئة التي تنحرف عن سواء الفطرة , وتخضع لتقاليد مصطنعة باطلة سخيفة , تمنع
الوالد أو ولي الأمر من التقدم لمن يرتضي خلقه ودينه وكفايته لابنته أو أخته أو
قريبته ; وتحتم أن يكون الزوج أو وليه أو وكيله هو الذي يتقدم، أو لا يليق أن يجيء
العرض من الجانب الذي فيه المرأة ! ومن مفارقات مثل هذه البيئة المنحرفة أن
الفتيان والفتيات يلتقون ويتحدثون ويختلطون ويتكشفون بعضهم لبعض في غير ما خطبة
ولا نية نكاح . فأما حين تعرض الخطبة أو يذكر النكاح , فيهبط الخجل المصطنع، وتقوم
الحوائل المتكلفة وتمتنع المصارحة والبساطة والإبانة !\"
✍✍💥🌙🥀معاشر المؤمنين:
اعلموا
أن عرض الرجل ابنته على الرجل الصالح أمر محمود لا يقدم عليه إلا أهل الفقه و
الدين و قد ورد ذلك في شرعنا .. أخرج الإمام البخاري في باب [ عرض الإنسان ابنته
أو أخته على أهل الخير ] ( إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين تأيمت حفصة بنت عمر
من خنيس بن حذافة السهمي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي
بالمدينة فقال عمر بن الخطاب أتيت عثمان فعرضت عليه حفصة فقال سأنظر في أمري ،
فلبثت ليالي ثم لقيني فقال قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا ، قال عمر فلقيت أبا بكر
الصديق فقلت له إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر ؟ فصمت أبو بكر فلم يرجع إليّ شيئاً
وكنت أوجد عليه مني على عثمان ، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأنكحتها إياه ، فلقيني أبو بكر فقال لعللك وجدت علي حين عرضت عليّ حفصة فلم
أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها
فلم أكن أفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو تركها رسول الله صلى الله
عليه وسلم لقبلتها ) . رواه البخاري.
✍✍💥🌙🥀الإجارة على النفس. ✍✍💥🌙🥀
أخوة الإسلام كان من شروط زواج موسي بابنة الرجل الصالح
أن يعمل أجيرا عنده ثمان حجج قال(( عَلَى أَنْ
تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ )) قال الشيخ الصالح لموسى عليه السلام: كل
ذلك بشرط أن تكون أجيراً لي ثماني سنين ترعى فيها غنمي {فَإِنْ
أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} أي فإن أكملتها عشر سنين فذلك تفضل
منك، وليس بواجب عليك \"وقد استدل أصحاب الإمام أحمد ومن تبعهم في صحة
استئجار الأجير بالطعمة والكسوة بهذه الآية واستأنسوا في ذلك بما رواه ابن
ماجة\".([1]) يَقُولُ عُتْبَةَ بْنَ
النُّدَّرِ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَرَأَ طس حَتَّى إِذَا بَلَغَ قِصَّةَ مُوسَى، قَالَ: إِنَّ مُوسَى صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آجَرَ نَفْسَهُ ثَمَانِيَ سِنِينَ أَوْ عَشْرًا عَلَى عِفَّةِ
فَرْجِهِ وَطَعَامِ بَطْنِهِ\".([2])
✍✍💥🌙🥀الخطبة الثانية ✍✍💥🌙🥀
✍✍💥🌙🥀رسالة قوية إلى شباب
الأمة ✍✍💥🌙🥀
وفي هذا المشهد
نرى أن موسى-عليه السلام - وافق أن يعمل أجيرا عند الرجل الصالح ثمان سنوات من أجل
إعفاف فرجه و من أجل طعام بطنه و هو المنعم المرفه الذي نشأ كما قلنا في البلاط
الملاكي تلبى رغباته كلها
ولكننا نرى كثيرا من الشباب يعتمدون على آبائهم و
يكلفونهم ملا يطيقون من أجل الزواج يبلغ الشاب الخامسة و العشرون من عمره و هو ما
زال عالة على والديه لماذا لا يعمل شبابنا و يشقون طريقهم بأنفسهم أيا كان ذلك
العمل طالما انه ليس فيه معصية لله و لرسوله صلى الله عليه وسلم
لنأخذ مثالا أخرا للشباب الواعي المدرك لقيمة العمل وعدم
الركون والدعة
✍✍💥🌙🥀عبد الرحمن بن
عوف رضي الله عنه:
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ:
"قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ،
وَكَانَ كَثِيرَ المَالِ، فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ عَلِمَتِ الأَنْصَارُ أَنِّي مِنْ
أَكْثَرِهَا مَالًا، سَأَقْسِمُ مَالِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَطْرَيْنِ، وَلِي
امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَأُطَلِّقُهَا، حَتَّى إِذَا
حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي
أَهْلِكَ، فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَفْضَلَ شَيْئًا مِنْ سَمْنٍ
وَأَقِطٍ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ، وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَهْيَمْ) قَالَ: تَزَوَّجْتُ
امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ (مَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟). قَالَ: وَزْنَ
نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: (أَوْلِمْ وَلَوْ
بِشَاةٍ)".([3])
✍✍💥🌙🥀وها هو سلمان الفارسي يعمل في
مهنة الخوص و هو أمير على المدائن
ذكر معمر عن رجل من أصحابه قال: دخل قوم على سلمان وهو
أمير على المدائن وهو يعمل هذا الخوص، فقيل له: لم تعمل هذا وأنت أمير يجري عليك
رزق ؟! ، فقال: إني أحب أن أكل من عمل يدي،) ([4])
✍✍💥🌙🥀لا مجال للغموض في مواضع العقد
وشروط التعاقد. ✍✍💥🌙🥀
إخوة الإسلام نعود
إلى ختام قصة موسى عليه السلام في مدين قال موسى عليه السلام:(( ذَلِكَ بَيْنِي
وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ )) إنَّ ما
قلته وعاهدتني عليه قائم بيننا جميعاً لا نخرج عنه، و\"سواء قضيت ثماني سنوات
أو أتممت عشرا،فلا عدوان في تكاليف العمل، ولا عدوان في تحتيم العشر; فالزيادة على
الثمانية اختيار
قضى موسى عليه السلام عشر حجج يعمل عند ذلك الرجل الصالح
و ذلك من مكارم أخلاقه و حسن وفائه عليه السلام عن ابن عباس قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " سألت جبريل صلى الله عليه وسلم: أي الأجلين قضى موسى
عليه السلام؟ قال: أكملهما وأتمهما ".([5])
✍✍💥🌙🥀اليد العليا خير
من اليد السفلى : ✍✍💥🌙🥀
معاشر الموحدين: ورد أن شقيق البلخي ودع صديقه إبراهيم
بن أدهم، لسفره في تجارة، ولم يلبث إلا مدة يسيرة ثم عاد ولقيه إبراهيم، فعجب
لسرعة إيابه من رحلته، فسأله: لِمَ رجع؟ فقص عليه قصة شهدها أنه رأى طائرًا أعمى
كسيحًا وجاء طائر آخر يحمل إليه الطعام ويمده به، حتى يأكل ويشبع، فقال شقيق: إن
الذي رزق هذا الطائر الأعمى الكسيح في هذه الخربة لقادر على أن يرزقني، وقرر
العودة، فقال له إبراهيم بن أدهم: سبحان الله يا شقيق! ولماذا رضيت لنفسك أن تكون
الطائر الأعمى العاجز، ولا تكون أنت الطائر الذي يسعى ويكدح ويعود بثمره على
العُمى من حوله، أما سمعت قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اليد
العليا خير من اليد السفلى" [متفق عليه].([6])
وقد قال أحد الحكماء : لا تسأل الله أن يخفف حملك ,
ولكن اسأله سبحانه أن يقوي ظهرك".
الدعاء............................
[1] - تفسير ابن كثير، ج3، ص386.
[2] - سنن ابن ماجة، كتاب الأحكام، باب إجارة
الأجير على طعام بطنه،حديث2435.
[3] -أخرجه البخاري (5172).
[4] - جمهرة الأجزاء - (ص 74) لأبي
بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم بن زاذان المعروف بابن المقرئ ، و مصنف عبد الرزاق - (8 / 418)رقم 15768 ،الاستيعاب في معرفة الأصحاب - (1 /
191)
[5] - السلسلة الصحيحة : 1880
[6] - ص58 - كتاب موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق
- القرآن يأمر بالأخذ بالأسباب - المكتبة الشاملة الحديثة ص58
تعليقات
إرسال تعليق