من القيم المجتمعية عدم التشهير بالغير.pdf



من القيم المجتمعية عدم التشهير بالغير  ([1])

الشيخ السيد مراد سلامة

أخي المسلم ...أختي المسلمة:

من الجرائم والكبائر التي انتشرت وأظهرتها نتيجة الاستطلاع الراي جريمة التشهير بالغير سواء كان ذلك التشهير للعلماء أو الشخصيات العامة والنيل منهم

يقول في عصر ثورة التقنية والمعلومات، أصبحت الأجهزة الذكية سهله الاستخدام والانتشار، وسرعة الوصول لمواقع التواصل الاجتماعي، وبحكم ذلك ظهرت جرائم تقنية جديدة ومنها التشهير عبر الإنترنت، وهي من أخطر أنواع الاعتداء الإلكتروني، وذلك من خلال نشر مقاطع تحوي مشاهد مخلة وغير ذلك من البيانات، لقصد إلحاق الضرر بالمشهر بهم والتعدي على حياتهم الخاصة والنيل من سمعتهم وإبقاء ذلك في أرشيف الإنترنت. والكثير من المشهرين لا يدركون عمق خطورة ما قاموا به، غير مكترثين بالآثار التي تنعكس على المشهر بهم، التي تنعكس كذلك على المجتمع وتعكر صفو مزاجه، وأن الخطأ لا يعالج بخطأ مثله؛ لأن ذلك يعتبر انتقاماً وإضراراً وتجاوزاً للقانون الذي يحمي حقوق الآخرين.

إن جريمة التشهير عبر الإنترنت لها أثارها السلبية؛ لما تحدثه من تصدعات داخل العلاقات الاجتماعية وتزيد من حدة التوترات بين أفراد المجتمع، وتهدد أمن واستقرار المجتمعات بالجانب النفسي والاجتماعي.

نجد أن التقنية المعلوماتية الحديثة الممتثلة باستخدام الحاسب الآلي وغيرها من أجهزة الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا وما في حكمها من أخطر سلبياتها أنها هدمت مبدءاً شرعياً أساسياً، كان النبي صلى الله عليه سلم يربي أصحابه عليه، وهو من ستر مسلماً ستر الله عليه. لذلك الشريعة منعت جريمة التشهير بالآخرين، وكذلك جرمتها القوانين في كافة الدول. ([2])

وتعتبر ظاهرة التشهير عبر الإنترنت من أبرز سلبيات الشبكة العنكبوتية، فلقد كثرت المهازل التي يتداولها (خفافيش الإنترنت) عن أفراد من المجتمع، بغرض التشهير بهم، وهز صورتهم أمام الآخرين، وأصبح كل من لديه حقد أو ثأر على أحد المسئولين أو أحد مشاهير الكتاب، أو الدعاة أو الإعلاميين يستخدمه كخميرة دسمة لدسائس وأكاذيب يعجنها أحدهم بماء الكذب والبهتان، ويخبزها بأفران المنتديات على الملأ، ثم يوزعها زاعماً أن صنيعه هذا من باب النصيحة والغيرة العامة على الأخلاق والدين!

كما شملت هذه الظاهرة أيضًا نشر المعلومات شديدة الخصوصية عن الأفراد والمؤسسات، أو نشر ما يدعي أنه أسرار شركة ما، واتهام بعض الشخصيات المعروفة، أو نشر قصص عنهم تحتمل الصدق أو الكذب، أو فضح ممارسة مسئول أو إدارة ما، أو نشر هواتف أو عناوين البعض والتشنيع عليهم، وقد يصل ذلك إلى ما في حكم قذف المحصنات الغافلات.

انفتاح النت وراء هذه الجريمة.

قد يكون أهم سبب لانتشار هذه الظاهرة على الإنترنت هو سهولة نشر المعلومات، والوصول إلى أعداد كبيرة من الناس، في مقابل صعوبة التعرف على ناشر المعلومة أو منعه من نشرها، وحتى في حال معرفة الناشر فإن عالمية الإنترنت تجعل من الصعب محاكمته، لاختلاف قوانين الدول وتعدد الأماكن التي فيها التشهير. إن إحدى نواحي الإنترنت المهمّة هي أن لا فريق معيّن يمتلكها أو يتحكّم بها، وهذا الواقع إن كان يؤكّد على انفتاح الإنترنت وقيمتها، لكنه أيضا ًيضع رهانًا كبيرًا على حسن تقدير ومسؤوليّة مستخدمي الإنترنت، على صعيدَي المعلومات التي يحصلون عليها والمعلومات التي ينشرونها للآخرين.

 أقذر مظاهر التشهير

 يمثل نشر الصور العارية للضحية أقذر مظاهر التشهير، ويبدأ الكمين دائماً بصورة تعطيها الفتاة لشاب أو موقع للدردشة –الشات بعد فتح غرفة خاصة لصور الأصدقاء والصديقات، ويطلب من كل صديق وضع صورته أو مجموعة صور للمراسلة، ثم يلتقط أعضاء المافيا الخيط، وتبدأ اللعبة القذرة بتركيب تلك الصور على مناظر جنسية بواسطة برامج الكمبيوتر التي سهلت مثل هذه الأمور، ومن ثم تسهل الفضيحة. وأعضاء مافيا الإنترنت هم شباب محترفون ينتشرون في كل الدول العربية والأوروبية، مهمتهم الأساسية البحث والتنقيب الدائم عن الضحايا بين مواقع الإنترنت وفي الحياة العامة، وهم يمتلكون كل الوسائل والمهارات الخاصة واللازمة لإتمام المهمة، فقط ينقبون عن صورة أو رقم هاتف للضحية، وكل الخطوات التالية سهلة وميسرة ومضمونة النتائج. ([3])

التشهير في ميزان الشريعة

إن الشريعة الإسلامية شريعة جاءت تدعو إلى مكارم الأخلاق وتحذر من

سفاسفها جاءت تدعو إلى الستر وتحذر من الفضيحة والله تعالى هو الحيي الستير الذي يستر على عباده كما في الحديث عن عطاء، عن يعلى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يغتسل بالبراز، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: "إن الله عز وجل حليم حيي ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر" ([4])

واعلموا أن الجزاء من جنس العمل:

عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِهِمْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ»([5])

يقول الشيخ عبد المحسن العباد : هذا يدل على أن من يفعل مثل هذه الأفعال عنده نقص في الإيمان أو نفاق؛ لأن قول الله عز وجل في الآية: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14] فسرت بتفسيرين: فمنهم من قال: إن المقصود بها أناس منافقون، وهذا هو الذي مشى عليه البخاري رحمه الله، ومنهم من قال: إن المقصود بهم ليسوا منافقين، وإنما هم مؤمنون ناقصو الإيمان، فعندهم ضعف في الإيمان وليسوا من المنافقين، أي: أنهم لم يتمكن الإيمان في قلوبهم. وعلى أي حال فإن هذا الخطاب وذكر مثل هذا الكلام معناه أن من اتصف بمثل هذه الصفة فيه ضعف في الإيمان، أو نفاق. ثم ذكر أن الجزاء من جنس العمل فقال: (فإن من يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته) أي: أنه تحصل له الفضيحة ولو كان في بيته، وإن لم يكن بين الناس تصل إليه العقوبة وتصل إليه الفضيحة ويصل إليه جزاؤه في الدنيا بأن يفضحه الله عز وجل. ([6])

ولقد عاتب النبي – صلى الله عليه وسلم-بعض الصحابة لأنه لم يستر على أخيه عَنِ ابْنِ هَزَّالٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ مَاعِزٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ له رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ، كَانَ خَيْرًا لَكَ ") ([7])

وليعلم المشهرين أن التشهير من أعظم أنواع الربا:

عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ « إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاِسْتِطَالَةَ فِى عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ».([8])

قال المناوي : الربا الزيادة والارتفاع والكثرة والاستطالة والتطاول احتقار الناس والترفع عليهم وعبر عنه بلفظ الربا لأن المعتدي يضع عرضه ثم يستزيد عليه ونبه بقوله (بغير حق) على حل استباحة العرض في مواضع مخصوصة كجرح الشاهد وذكر مساوئ الخاطب وقول الدائن في المماطل مطلني حقي ونحو ذلك مما هو مبين في الفروع قال البيضاوي والاستطالة في عرض المسلم أن يتناول منه أكثر مما يستحقه على ما قال له أو أكثر مما رخص له فيه ولذلك مثل الربا وعده من عداده ثم فضله على أفراده لأنه أكثر مضرة وأشد فسادا فإن العرض شرعا وعقلا أعز على النفس من المال وأعظم منه خطرا ولذلك أوجب الشرع بالمجاهرة بهتك الأعراض ما لم يوجب بنهب الأموال قال التوربشتي وفي قوله بغير حق تنبيه على أن العرض ربما يجوز استباحته في بعض الأحوال كحديث لي الواجد يحل عرضه ([9])

ما الذي يدفع بعض الناس إلى تتبع الفضائح ونشرها؟:

هناك عدو أمور تدفع الناس إلى تتبع الفضائح.

أولها: العداوة والانتقام من الشخص المتهم، كأن يكون مخالفاً له في الدين أو المذهب أو القبيلة أو الميول الرياضية أو بسبب بعض الخلافات الشخصية.

الثاني: دعوى الإصلاح أو النصح للمتهم أو لغيره من الناس.

الثالث: الشماتة والسخرية بأصحاب المعاصي.

الرابع: الفضول وحب الاستطلاع ومجالس القيل والقال ومنتديات الانترنت، ولاسيما في تتبع فضائح المشهورين.

ولقد وعد الله تعالى أهل الستر في الدنيا بالستر في الأخرة

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»([10])

ستر الله في الدنيا واضح فإن الإنسان لا يأمن أن تزل قدمه هو في أمر يطلب ستر الله فإن الله يسترك، فإن الله يهيئ لك من لا يكشف سترك كما أنك سترت على أخيك فكذلك يهيئ الله لك من يستر عليك، وكذلك الستر في الآخرة فإن الإنسان محاسب في الآخرة وسوف يقر بذنوبه وسوف يعاين بعيوبه فإذا كان الإنسان قد ستر أحدا في الدنيا فإن من ثواب الله عليه أن يستره في الآخرة. وأي السترين أهم وأفضل؟ في الآخرة لأن الفضيحة في الآخرة أعظم فكان الستر فيها أعظم. ([11])

تغمدني بنصحك في انفرادي            وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع          من التوبيخ لا أرضى استماعه

وإن خالفتني وعصيت قولي                فلا تجزع إذا لم تعط طاعة

 



[1] -مستلة من كتابي القول الجلي في مخالفات شرعية يقع فيها رواد مواقع التوصل الاجتماعي دراسة ميدانية ط دار المثقفون العرب

[2] - «جريمة التشهير الإلكتروني» منصور الزغيبي

[3] - التشهير بالناس على الطريقة الإلكترونية http://iswy.co/e136u5

[4] -أخرجه أبو داود (4012) والنسائي (1/70) والبيهقي (1/198)

[5] -أخرجه أحمد (4/420 ، رقم 19791) ، وأبو داود (4/270 ، رقم 4880) ، والبيهقي (10/247 ، رقم 20953)

[6] - شرح سنن أبي داود ـ عبد المحسن العباد (28/ 122)

[7] -مسند أحمد ط الرسالة (36/ 220) وأخرجه البيهقي 8/330-331، وابن عبد البر 23/126

[8] -أخرجه أحمد (1/190، رقم 1651)، والطبراني (1/154، رقم 357) قال الشيخ الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 2203 في صحيح الجامع

[9] - فيض القدير (2/ 674)

[10] -أخرجه مسلم (8 / 71) وأبو داود (2/ 307) والترمذي (1425 و1931) وابن ماجة (1 / 99 و 2 / 112)

[11] - شرح الأربعين النووية و تتمة ابن رجب (ص: 140)

https://www.mediafire.com/file/4mg68jxm3yeebb6/من+القيم+المجتمعية+عدم+التشهير+بالغير.pdf/file


تعليقات

  1. https://www.mediafire.com/file/4mg68jxm3yeebb6/من+القيم+المجتمعية+عدم+التشهير+بالغير.pdf/file

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة فيض الإله بخلق المواساة.pdf

الحقوق العشر للوطن في الإسلام

خطبة الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان.pdf