من وحي الإسراء والمعراج معراج المسلم بين الرؤية والفرضية.pdf
من وحي الإسراء
والمعراج معراج المسلم بين الرؤية والفرضية
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك
يوم الدين، الحمد لله العلي الأعلى الذي أنعم علينا بنعم لا تحصى، ودفع عنا من النقم
ما لا يعد ولا يستقصى،سبحانه من إله عظيم، أسرى بعبده محمد -صلى الله عليه وسلم- من
المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وعرج به بصحبة جبريل الأمين إلى السماوات العلى،
وأراه من آياته العظمى،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات الكاملة
العليا، قال وقوله الحق: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1]
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله نبي الهدى وخير الورى، والشفيع يوم القيامة في
كل من وحّد الله واهتدى -صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرماء، وعلى التابعين لهم
بإحسان ما دامت الأرض والسماء، وسلم تسليمًا.
سبحان من أسرى بخير ضياء*** أســـرى بنور محمد
الوضـــــاء
أسرى به في ليلة قدســـــــية *** عطريــــــة الأنسام
والأضــــــــواء
أسرى به ليلاً ليشهد موكبـــاً *** من أعظم الآيات
والأنبــــــــــــــاء
ركب البراق بإذنه من مسجــد *** للمسجد الأقصى إلى
الجـــــــوزاء
وهناك صلى بالنبيين الألـــــى *** صـــلى
إمامـــــــــاً سيــد الشفعــاء
عرجت به الأقدار في كنف الدجى*** للســــدرة العظمــــى
وللعليــــــاء
أمة الحبيب الأعظم – محمد صلى الله عليه وسلم-نقف اليوم مع ذكرى الإسراء و المعراج لنستلهم
الدروس و العبر و سنقف مع الهدية الربانية التي منحها الله تعالى لخير البرية إنها
الصلاة التي هي معراج المسلم و التي هي الصلة بين العبد و بين ربه و التي هي قرة
عيون الموحدين فاعرني سمعك و قبلك عبد الله
العنصر الأول: فرضية الصلاة بين
التخفيف والثواب
هاو هو صلى الله عليه و سلم قد صعد إلى
مكان لم يصعد إليه ملك مقرب و لا نبي مرسل صعد إلى حيث يسمع صريف الأقلام ليفرض
الله تعالى عليه فريضة الصلاة و اترك المقام إلى النبي الهمام صلى الله عليه وسلم
ليخبرنا بما حدث عن أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوَى أَسْمَعُ فِيهِ صَريفَ الأَقْلاَمِ،
فَفَرَضَ اللهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى
مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: مَا فَرَضَ اللهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ قُلْتُ:
فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاَةً، قَالَ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ
تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعَنِي فَوَضَعَ شَطْرَهَا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى
فَقُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا؛ فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ
تُطِيقُ، فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ
إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُهُ، فَقَالَ:
هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ فَرَجَعْتُ إِلَى
مُوسَى فَقَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلْتُ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي ثُمَّ
انْطَلَقَ بِي حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا
أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا
حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ "أخرجه البخاري([1])
حكمة فرضية الصلاة ليلة الإسراء
إخوة الإسلام :والحكمة في فرض الصلاة ليلة
الإسراء أنه (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لما عُرِجَ به رأى تعبُّد
الملائكة، وأن منهم القائم فلا يقعد، والراكع فلا يسجد، والساجد فلا يرقد، فجمع
الله له ولأمته تلك العبادات كلها في كل ركعة يصليها العبد، بشرائطها من الطمأنينة
والإخلاص.
وأيضًا كانت فرضيتها بغير واسطة إشارة إلى
عظيم منزلتها، وسموِّ مكانتها في الدين، وكيف لا وهي عماد الدين وأساس اليقين،
ومنطلق التحرُّر من كل عبودية، إلا من العبودية لله وحده، والتخلص من كل ذلٍّ، إلا
لربه وخالقه ورازقه، فالمسلم الذي يركع ويسجد لله لا يستكين ولا يخضع لأحد
سواه..... محذرًا إياه بقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):”من أعطى الذِّلة من نفسه طائعًا غير مكره
فليس منَّا”،
ترنيمة المؤمن التي يخاطب بها كل ما يحيط به من دعوات باطلة {قُلْ
أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ
أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ
فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر: 64 - 66]
العنصر الثاني: اشتراك الكائنات
في التعبد لله بالصلاة
إخوة الإسلام: إن الصلاة هي القاسم المشترك
بين عبودية الكائنات، فإن الله سبحانه وتعالى قال: {أَلَمْ
تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ
صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا
يَفْعَلُونَ} [النور:41] فكل من هؤلاء المذكورين قد علم صلاته وتسبيحه التي علمه الله عز وجل إياها.
يقول الزمخشري: ولا يبعد أن يلهم الله
الطير دعاءه وتسبيحه، كما ألهمها سائر العلوم الدقيقة التي لا يكاد العقلاء يهتدون
إليها.
فهي القاسم مشترك بين عبودية جميع
الكائنات، فكل الكائنات تصلي وتسبح الله {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ
صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [النور:41]
وكذلك الجن باعتبارهم أحد الثقلين مكلفون قطعاً بالصلاة كالآدميين؛ لأنهم داخلون
في قول الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
تعالى: الجن مأمورون بالأصول والفروع بحسبهم، فإنهم ليسوا مماثلين للإنس في الحد
والحقيقة، فلا يكون ما أمروا به وما نهوا عنه مساوياً ما على الإنس في الحد، لكنهم
مشاركون الإنس في جنس التكليف بالأمر والنهي والتحليل والتحريم.
يعني: هم يشتركون معنا في جنس التكليف، أما
كيفيته فالله أعلم بهذه الكيفية.
كذلك أيضاً الملائكة يصلون؛ لأن الله عز
وجل قال في حقهم: {فَإِنِ
اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت:38]، وقال أيضاً حاكياً عن الملائكة
أنهم قالوا: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} [الصافات:165] يعني: في صلاتهم.
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ :قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَلاَ تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ
الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَلَّ وَعَزَّ ». قُلْنَا وَكَيْفَ تَصُفُّ
الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ « يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْمُقَدَّمَةَ
وَيَتَرَاصُّونَ في الصَّفِّ ». رواه البخاري. ([2])
أيضاً مما فضلت عليه هذه الأمة المحمدية
على من عداها من الأمم قوله عليه الصلاة والسلام - عن حُذَيْفَةَ قال قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم« فُضِّلْنَا على الناس
بِثَلاَثٍ جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلاَئِكَةِ..... »([3])
مالِكِ بْنِ صَعْصَعَة رضي الله عنه،
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (فَرُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ
الْمَعْمُورُ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: هذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ،
يَصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ
يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ) رواه البخاري. ([4])
كذلك الملائكة يشاركون المؤمنين في الصلاة،
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ: « إِذَا
أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ
الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-يَقُولُ:« آمِينَ ». رواه البخاري. ([5])
وكذا يحضرون مع المؤمنين صلاة الجمعة، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى
كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ الْمَلَائِكَةُ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ
فَالْأَوَّلَ فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وَجَاءُوا
يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) رواه البخاري. ([6])
الصلاة فرضت على جميع الأنبياء
والمرسلين وأتباعهم
أمة الإسلام: والصلاة التي هي عماد الدين
قد فرضها رب العالمين على سائر الأمم والأنبياء
فقد قص رب العزة عن إبراهيم عليه السلام دعاءه: {رَبِّ
اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}
[إبراهيم:40] فهذا إبراهيم عليه السلام كان يقيم
الصلاة.
ونوه جل وعلا بشأن إسماعيل عليه وعلى نبينا
الصلاة والسلام فقال سبحانه وتعالى مادحاً إسماعيل ومثنياً عليه: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ
وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم:55].
وقال تبارك وتعالى مخاطباً موسى عليه وعلى
نبينا الصلاة والسلام: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا
أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14].
الصلاة ملجأ المؤمن عند النوازل
عباد الله : إن من فضائل الصلاة أنها ملجأ
المؤمن في النوازل، فإذا ألمت بالمسلم المدلهمات
أو نزلت به النوازل فالصلاة ملجأ له، وليس هذا إلا للمؤمن؛ لأن الله تبارك
وتعالى قال: {وَاسْتَعِينُوا
بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ}
[البقرة:45] أي: يستثقلها عامة الناس ما عدا الخاشعين {الَّذِينَ
يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}
[البقرة:46].
قصة إبراهيم– صلى الله عليه وسلم
-وجبار مصر
ها هو نبي الله وخليله إبراهيم – صلى الله عليه وسلم -يفزع إلى الصلاة
عندما أخذت منه زوجته سارة-عليها السلام -
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: قوله حين دعي إلى آلهتهم {إني
سقيم} [الصافات: 89] ، وقوله: {فعله
كبيرهم هذا} [الأنبياء: 63] ، وقوله لسارة: إنها أختي "، قال: " ودخل إبراهيم قرية فيها ملك
من الملوك، أو جبار من الجبابرة، فقيل: دخل إبراهيم الليلة بامرأة من أحسن الناس،
قال: فأرسل إليه الملك أو الجبار من هذه معك؟ قال: أختي، قال: أرسل بها، قال:
فأرسل بها إليه، وقال لها: لا تكذبي قولي، فإني قد أخبرته أنك أختي، إن على الأرض
مؤمن غيري وغيرك "، قال: «فلما دخلت إليه قام إليها» ، قال: " فأقبلت
توضأ، وتصلي، وتقول: اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على
زوجي، فلا تسلط علي الكافر "، قال: «فغط حتى ركض برجله» ، قال أبو الزناد:
قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: عن أبي هريرة، أنها قالت: «اللهم إنه إن يمت يقل هي قتلته»
، قال: " فأرسل، ثم قام إليها فقامت توضأ، وتصلي، وتقول: اللهم إن كنت تعلم
أني آمنت بك وبرسولك، وأحصنت فرجي إلا على زوجي، فلا تسلط علي الكافر "، قال:
«فغط حتى ركض برجله» - قال أبو الزناد: قال أبو سلمة: عن أبي هريرة، أنها قالت:
اللهم إنه إن يمت يقل هي قتلته - قال: " فأرسل، فقال: في الثالثة أو الرابعة
ما أرسلتم إلي إلا شيطانا، ارجعوها إلى إبراهيم، وأعطوها هاجر "، قال: "
فرجعت، فقالت لإبراهيم: أشعرت أن الله تعالى رد كيد الكافر، وأخدم وليدة؟ " ([7])
الرؤية وحال الأمة
أيها الأحباب: إن الناظر إلى أحوال كثير من
المسلمين مع الصلاة يرى تهاونا في القيام بها والخشوع فيها يرى المقاهي والمسارح
والنوادي قد اكتظت بالرواد وإذا نظر إلى المساجد يراها تشتكي من قلة المصلين
أحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم – لقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم – رؤيا مفزعة لتارك الصلاة الذي ينام عنها
ويضيعها
وعن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ -رضي الله عنه
-قَالَ : كَانَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا يُكْثِرُ أنْ يَقُولَ
لأَصْحَابِهِ : (( هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا ؟ )) فَيَقُصُّ
عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللهُ أنْ يَقُصَّ، وإنَّهُ قَالَ لنا ذَات غَدَاةٍ : ((
إنَّهُ أَتَانِيَ اللَّيْلَةَ آتِيَانِ ، وإنَّهُمَا قَالا لِي : انْطَلِقْ ،
وإنِّي انْطَلَقتُ مَعَهُمَا ، وإنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ ،
وَإِذَا آخَرُ قائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ
لِرَأْسِهِ ، فَيَثْلَغُ رَأسَهُ ، فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ هَا هُنَا ،
فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأخُذُهُ فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأسُهُ
كَما كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ
المَرَّةَ الأوْلَى ! )) قَالَ: (( قُلْتُ لهما : سُبْحانَ اللهِ ! مَا هَذَان ؟
قَالا لي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا ... -ثم قال - أَمَّا الرَّجُلُ
الأوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأسُهُ بالحَجَرِ ، فإنَّهُ
الرَّجُلُ يَأخُذُ القُرآنَ فَيَرفُضُهُ([8])
، ويَنَامُ عَنِ الصَّلاةِ المَكتُوبَةِ .([9])
ترك الصلاة من أسباب دخول
سقر:
إن ترك الصلاة شعار أصحاب سقر يقول عز وجل:
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ
لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر:27 - 30] ثم يقول الله سبحانه وتعالى: {كُلُّ
نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ
يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ
نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:38 - 43] فهي أول جريمة استحقوا بها دخول سقر، ثم
قال عز وجل: {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ
مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر:44 - 45].
فتارك الصلاة في سقر، والمستكبرون عن
الركوع لله عز وجل والمستهترون بمواقيت الصلاة لهم الويل، يقول سبحانه: {وَإِذَا
قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}
[المرسلات:48 -49]، وقال تعالى: {فَوَيْلٌ
لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4 -5].
فيا تارك الصلاة! أليس إقامة خمس صلوات في
اليوم والليلة أهون من شرب الصديد ومعاناة العذاب الشديد؟!
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله العلي الكبير العلاّم الخبير
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ
السَّمِيعُ البَصِيرُ } الشورى 11، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير صلى
الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أما بعد:
حال المنافقين مع الصلاة
لقد بين الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله
عليه وسلم أن ترك الصلاة نفاق، يقول تعالى: {إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى
الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا
قَلِيلًا} [النساء:142] قوله: (إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) أي: يظهرون الإسلام، وقوله:
(وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى) أي: أنهم كانوا يصلون، لكن
يقومون إلى الصلاة وهم كسالى، وقوله: (يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ
اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) يعني: يصلون مراءاة، وهم متكاسلون متثاقلون لا يرجون
ثواباً، ولا يعتقدون على تركها عقاباً.
روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه
قال: (يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان، لكن يقوم إليها طلق الوجه، عظيم
الرغبة، شديد الفرح، فإنه يناجي الله، وإن الله تجاهه يغفر له، ويجيبه إذا دعاه).
ونحن نلاحظ حين تقام الصلاة أن بعض الناس
يتأخرون ويتثاقلون عنها، كأنه يحمل جبلاً فوق رأسه إلى أن يصل إلى الصف، وهذا
مخالف للآداب الشرعية، بل هذه الصفة من صفات المنافقين، فإنهم إذا قاموا للصلاة
قاموا كسالى، وعلام يكسل وهو يقبل على هذه النفحات؟ والرسول صلى الله عليه وسلم نص
على نفس هذا المعنى عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صلى الله
عليه وسلم- قَالَ « احْضُرُوا الذِّكْرَ وَادْنُوا مِنَ الإِمَامِ فَإِنَّ الرَّجُلَ
لاَ يَزَالُ يَتَبَاعَدُ حَتَّى يُؤَخَّرَ فِى الْجَنَّةِ وَإِنْ دَخَلَهَا »([10]).
قوله: (احضروا الذكر وادنوا من الإمام) أي:
السنة الاقتراب من الإمام، وكلما اقتربت من الإمام فإن ذلك أفضل.
قوله: (فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر
في الجنة وإن دخلها) أي: حتى لو استحق دخول الجنة، لكنه كما تعمد التأخر عن صفوف
الصلاة نتيجة التكاسل فإنه وإن دخل الجنة سيؤخر في منزلته ومرتبته.
قوله: (حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها) يعني:
من يتأخر يؤخره الله، والجزاء من جنس العمل.
وقال سبحانه وتعالى في شأن المنافقين
أيضاً: {وَمَا مَنَعَهُمْ
أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ
وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى} [التوبة:54] قوله: (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا
وَهُمْ كُسَالَى) قال ابن عباس: (إن كان في جماعة صلى، وإن انفرد لم يصل) يعني: شأن المنافق
إن كان في جماعة من الناس يرونه فإنه يصلي مراءة لهم، وإن انفرد ولم يطلع عليه أحد
من البشر لم يصل.
فهذا المنافق هو الذي لا يرجو على الصلاة
ثواباً، ولا يخشى في تركها عقاباً؛ لأن النفاق يورث الكسل في العبادة لا محالة،
وإنما يدفعهم إلى الصلاة الرغبة في إرضاء الناس، والتظاهر بالإيمان فراراً من
الذم، وسعياً إلى الكسب والمغنم، وهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، ولا
يؤدونها بخشوع وحضور قلب، بل يؤدونها وهم شاردون عن الخالق إلى المخلوق كما قال
تبارك وتعالى في شأنهم: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ
عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ
الْمَاعُونَ} [الماعون:4 - 7].
قوله: (الَّذِينَ
هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ): يقول
ابن كثير: إما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائماً أو غالباً، وإما عن أدائها
بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به، وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها،
فاللفظ يشمل ذلك كله، ولكن من اتصف بشيء من ذلك فله قسط من هذه الآية، ومن اتصف
بجميع ذلك فقد تم له نصيبه منها، وكمل له النفاق العملي.
يعني: هؤلاء المنافقون الذين يقول الله
فيهم: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:4] هم
مصلون، لكن ما صفة صلاتهم؟ {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ}
[الماعون:5] وهذا فيمن يضيع وقتها، فكيف بمن يهجرها
كلها ويتركها بالكلية؟! يقول ابن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ
مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ
حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَرَعَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى
وَإِنِّي لَا أَحْسَبُ مِنْكُمْ أَحَدًا إِلَّا لَهُ مَسْجِدٌ يُصَلِّي فِيهِ فِي
بَيْتِهِ فَلَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَتَرَكْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ
لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ
لَضَلَلْتُمْ وَمَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ ثُمَّ
يَمْشِي إِلَى صَلَاةٍ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ
يَخْطُوهَا حَسَنَةً أَوْ يَرْفَعُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً أَوْ يُكَفِّرُ عَنْهُ
بِهَا خَطِيئَةً وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نُقَارِبُ بَيْنَ الْخُطَا وَلَقَدْ
رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومٌ نِفَاقُهُ
وَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي
الصَّفِّ رواه مسلم.([11])
قوله: (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا
منافق معلوم النفاق) أي: مغموز
عباد الله الصلاة هي الصلة التي تربطكم
بالله تعالى حافظوا عليها واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة
اللهم اجعلنا ..من {
الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ } ..
ومن {الَّذِينَ هُمْ
عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}
ومن {الَّذِينَ هُمْ فِي
صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}
اللهم اجعل خير عمرنا آخره ......وخير
عملنا خواتيمه ..
وخير أيامنا يوم نلقاك ..............اللهم
أصلح لنا الشباب والشيب ..
اللهم أصلح لنا الشباب والشيب ..
[1] - أخرجه البخاري (3/1217 ، رقم 3164) ، ومسلم (1/148 ، رقم
163)
[2] - أخرجه أحمد (5/101 ، رقم 21001) ومسلم (1/322 ، رقم 430)
[3] -أخرجه
الطيالسى (ص 56 ، رقم 418) ، ومسلم (1/371 ، رقم 522) ،
[4] - وأخرجه البخاري معلقاً (3207) ، والنسائي في
"الكبرى" (313) ،
[5] -أخرجه
مالك (1/87 رقم 194) وأحمد (2/233 رقم 7187) ، والبخاري (1/270 رقم 747)
[6] - أخرجه أحمد (2/280 ، رقم 7753) ، والبخاري (3/1175 ، رقم
3039) ، ومسلم (2/587 ، رقم 850)
[7] - أخرجه البخاري (2/772 ، رقم 2104)
[8] - قال الحافظ ابن حجر في الفتح : (( رفض القرآن بعد حفظه
جناية عظيمة ؛ لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه فلما رفض أشرف الأشياء وهو
القرآن عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس )) .
[9] - أخرجه : البخاري 2/125 - 127 ( 1386 ) و9/56 - 58 ( 7047
) .
[10] - أخرجه أحمد (5/11 ، رقم 20130) ، وأبو داود (1/289 ، رقم
1108)
[11] - أخرجه
أحمد (1/382 (3663) وأخرجه مسلم
(2/124)
تعليقات
إرسال تعليق