النجم الوهاج من الآيات الكبرى في الإسراء والمعراج.pdf

النجم الوهاج من الآيات الكبرى في الإسراء والمعراج

الشيخ السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى الأفق الأعلى إلى سدرة المنتهى، مخترقا أجواء الفضاء العلي، حتى كان قاب قوسين أو أدنى من عرش الله الأسمى، ليرى من آيات الله الكبرى، ويطلع على ملكوته العظمى

 وأشهد أن لا إله إلا الله الذي يعلم السر و أخفى، و أحاط بكل شيء علما ، و أحصى كل شيء عددا ، و أنعم على عباده بآلاء لا تحصى ، فبأي آلاء ربك تتمارى ؟

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل هذه الأمة جهاداً وفداءً، وأعظمها قدوةً واصطفاءا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ضربوا أروع الأمثلة صفاءً ووفاءً وطهراً ونقاءً، والتابعين ومن تبعهم وسار على نهجهم اهتداءً واقتداءً واقتفاءً، صلاة لا تطاولها أرضٌ أرضاً ولا سماءُ سماءُ، وسلم تسليما يزيده بهجةً وبهاءً ونوراً وضياءً وبركةً وثناءً.

أما بعد: فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله تبارك وتعالى، تدرّعوا بها شدةً ورخاءً، سرَّاءً وضراءً، واعمروا بها أوقاتكم صباحاً ومساءً، فبها تُدفع المحن والبلايا، والفتن والرزايا، وبها تُبوَّأ الجنان عاقبةً وجزاءً

أما بعد:

أما بعد: فيا معاشر الموحدين نعيش اليوم مع بعض الآيات الكبرى التي شاهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء و المعراج يقول الله سبحانه في ذلك ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1]

 و قال الله تعالى﴿ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ [النجم: 18]

قوله تعالى : { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا } [ الإسراء : 1 ] وهذه سنة الله في الأنبياء، قال : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } وقال لموسى عليه السلام : { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى } [ طه : 23 ] ، وقد بين مقصود هذه الإراءة بقوله : { وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } فبعد استناد علوم الأنبياء إلى رؤية الآيات يحصل لهم من عين اليقين ما لا يقادر قدره، وليس الخبر كالمعاينة، فيتحملون في سبيل الله ما لا يتحمل غيرهم، وتصير جميع قوات الدنيا عندهم كجناح بعوضة لا يعبأون بها إذا ما تدول عليهم بالمحن والعذاب . ([1])

أولا البراق:

 و من الآيات الكبرى البراق الذي هو من عجائب خلق الله تعالى و قد ورود حديث البراق كامل الذي روي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ، طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ.. ([2])

"وكانتْ القدرةُ الربانيةُ صالحةً لأن يصعد بنفسه من غير بُراق، ولكن ركوب البُرَاقِ كان زيادة في تشريفه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لأنه لو صعد بنفسه لكان في صورة ماشٍ، والراكب أعز من الماشي وأكرم، والحكمة في الإسراء به راكبا مع القدرة على طَي الأرض له، إشارة إلى أن ذلك وقع تأنيسًا له بالعادة في مقام خرق العادة، لأنَّ العادة جَرَتْ بأنَّ المَلِكَ إذا استدعى مَنْ يَخْتَصُّ به، يبعث إليه بما يَرْكَبُه، وترك تسمية سير البُرَاقِ طيرانًا، لأن الله أكرم عبده بتسهيل الطريق له، حتى قطع المسافة الطويلة في الزمن اليسير، دون أن يخرج بذلك عن اسم السفر ولعل اسْتِصْعَابَ البُرَاقِ ركوبَ النبي محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه؛ شبيه رجفة الجبل؛ يومَ صَعِدَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحُدًا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ فَقَالَ:" اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ فإنها هزة الطرب لا هزة الغضب  ولا أدل على ذلك من حُبِّ أحُدٍ نبيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع ذلكَ رَجَفَ به، فكم قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أحد:"هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ!"  والله تعالى أعلم. ([3])

وقيل: يؤخذ من ترك تسمية سير البراق طيرانا، أن الله إذا أكرم عبدا بتسهيل الطريق له، حتى قطع المسافة الطويلة في الزمن اليسير، أن لا يخرج ذلك عن اسم السفر وتجري عليه أحكامه. والبراق ـ بضم الموحدة وتخفيف الراء ـ مشتق من البريق. فقد جاء في لونه أنه أبيض، أو من البرق، لأنه وصفه بسرعة السير، أو من قولهم شاة برقاء، إذا كان خلال صوفها الأبيض طاقات سود. ولا ينافيه وصفه في الحديث، بأن البراق أبيض، لأن البرقاء من الغنم معدودة في البياض.

ثانيا رؤية جبريل عليه السلام على صورته:

  ومن الآيات الكبرى التي شاهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى جبريل على صورته  الملائكية قال  الله تعالى : ( وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ) النجم: 13 -16، فتلك إنما ذكرت في سورة " النجم " ، وقد نزلت بعد سورة الإسراء " انتهى . ([4])

عن عبد الله قال: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم/18] قال: رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح. ([5])

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَعَلَيْهِ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ يُنْثَرُ مِنْ رِيشِهِ تَهَاوِيلَ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ»  ([6])

والرؤية الثانية : كانت في السماء ، ليلة الإسراء والمعراج عند سدرة المنتهى .

وقد نصت الآية في سورة النجم على الرؤية الثانية ، وأشارت إلى الرؤية الأولى ، وذلك في قوله سبحانه وتعالى : ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى . عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ) النجم/13-14.

قال ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير هذه الآية : رأى جبريل له ستمائة جناح .

قال النووي رحمه الله : "وهكذا قاله أيضا أكثر العلماء ، قال الواحدي : قال أكثر العلماء : المراد رأى جبريل في صورته التي خلقه الله تعالى عليها" انتهى .

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله :"هذه الرؤية يعني الأولى - لجبريل ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الأرض ، فهبط عليه جبريل عليه السلام وتدلى إليه ، فاقترب منه وهو على الصورة التي خلقه الله عليها ، له ستمائة جناح .

ثم رآه بعد ذلك نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ، يعني ليلة الإسراء" انتهى . ([7])

ثالثا البيت المعمور:

 ومن مشاهدات النبي صلى الله عليه وسلم رؤيته ودخوله البيت المعمور وما أدراك أخي المسلم ما البيت المعمور .................

 والحقُّ أننا لا نعلم؛ ولكن نُدرك أنه بحدِّ ذاته من الآيات الكبرى؛ لأن الله تعالى أقسم به، وهو سبحانه لا يُقْسم إلا بعظيم؛ قال سبحانه: {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [الطور: 1 - 7].

كما أن البيت المعمور مكان مقدس كريم يجب على كل الملائكة أن يعبدوا الله فيه، وهذا يظهر من كلمة جبريل عليه السلام وهو يصف دخول الملائكة للبيت؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثُمَّ رُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا فِيهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ " ([8]) ([9])

وهذا يعني أن هذا آخر ما على الملائكة من دخول، فقد كتب الله بذلك عليهم الدخول إلى البيت المعمور مرَّة واحدة فقط، وهذا يُذَكِّرنا بفريضة الحجِّ إلى بيت الله الحرام في الدنيا؛ حيث إنه كُتِب على المستطيع مرَّة واحدة في العمر، غير أننا يمكن أن ندخل البيت الحرام مرارًا بعد حجِّنا الأول؛ بينما لا يدخل الملائكة البيت المعمور إلا مرَّة واحدة فقط! قال جبريل عليه السلام: "إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا فِيهِ"، وأكَّد ذلك بتأبيد عدم العودة كما جاء في رواية النسائي: "إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ أَبَدًا" . ([10])

ولعلَّ التفكير في عدد الملائكة التي خلقها الله تعالى يُلقي الرهبة والخشوع والخضوع لله سبحانه، فمنذ خلق الله البيت المعمور والملائكة تدخله، ومع ذلك فهم لا ينتهون!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لاَ تَسْمَعُونَ أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلهِ " ([11])

رابعا: سدرة المنتهى:

إخوة الإسلام ومن الآيات التي شاهدها رسول الله صلى دخوله إلى سدرة المنتهى ورؤيتها لها وما فيها من عجائب فما هي سِدرة المُنتهى؟

 السِدر: هو شجر النَّبِق، والنَّبِق بكسر الباء: ثمر السِدر والواحد نَّبِقة. وهو شجر معروف لأهل الجزيرة. ويُقال نَّبْق بفتح النون وسكون الباء وهي لغة المصريين، والأولى (نَّبِق) أفصح وهي التي ثبتت عن النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم. قال الماوردي في معاني القرآن له: "فإن قيل لِمَ اختيرت السِّدرة لهذا الأمر دون غيرها من الشجر؟

قيل: لأن السِدرة تختص بثلاثة أوصاف: ظل مديد، وطعم لذيذ، ورائحة ذكية فشابهت الإيمان الذي يجمع قولًا وعملًا ونية؛ فظلها من الإيمان بمنزلة العمل لتجاوزه، وطعمها بمنزلة النية لِكُمُونه، ورائحتها بمنزلة القول لظهوره".  

- لماذا سُميت بهذا الاسم؟ قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: "واختلف لِمَ سُميت سِدرة المنتهى على أقوال تسعة:

 الأول: عن ابن مسعود أنه ينتهي إليها كل ما يهبط من فوقها ويصعد من تحتها.

 الثاني: أنه ينتهي علم الأنبياء إليها ويعزب علمهم عما وراءها، قاله ابن عباس.

 الثالث: أن الأعمال تنتهي إليها وتُقبض منها، قاله الضحاك.

الرابع: لانتهاء الملائكة والأنبياء إليها ووقوفهم عندها، قاله كعب.

 الخامس: سميت سدرة المنتهى لأنه ينتهي إليها أرواح الشهداء، قاله الربيع بن أنس.

 السادس: لأنه تنتهي إليها أرواح المؤمنين، قاله قتادة.

 السابع: لأنه ينتهي إليها كل من كان على سنة محمد صلى الله عليه وسلم ومنهاجه، قاله علي رضي الله عنه والربيع بن أنس أيضا.

 الثامن: هي شجرة على رؤوس حملة العرش إليها ينتهي علم الخلائق، قاله كعب أيضا.

 التاسع: سميت بذلك لأن من رفع إليها فقد انتهى في الكرامة". 

 - وصفها كما ثبت عن النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم: جاء ذكر سِدرة المنتهى ووصفها في بضعة أحاديث رواها البخاري ومسلم وغيرهما عن النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم، وفيها يصف عَليه الصلاة والسلام سِدرة المنتهى. وسأذكر هنا بعضًا من هذه الأحاديث: الأول: عن أنس بن مالك رَضِي الله عنْهُ في حديث الإسراء والمعراج الطويل، وفيه أنه صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم قال: «ثم عرج إلى السماء السابعة. فاستفتح جبريل. فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم. قيل: وقد بُعِث إليه؟ قال: قد بُعِث إليه. ففُتِح لنا. فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام، مُسندًا ظهره إلى البيت المعمور. وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه. ثُم ذُهِب بي إلى سِدرة المُنتهى. وإذا ورقها كآذان الفِيلة. وإذا ثمرها كالقِلال. قال، فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت. فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها» ([12])

الثاني: عن ابن عباس رَضِي الله عنْهُما قال: قال رَسول اللهِ صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم: «ثم انطلق بي جبريل حتى نأتي سدرة المُنتهى. فغشيها ألوان لا أدري ما هي. قال: ثم أُدخلتُ الجنة

فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك» ([13])

الرابع: عن مالك بن صعصعة الأنصاري رَضِي الله عنْهُ عن النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم قال: «وَرُفِعَت لي سِدْرَة المُنتَهى فَإذا نَبِقُهَا كَأنه قِلَالُ هَجَرَ وورقُهَا كَأنه آذَان الْفُيُولِ في أَصلها أَربعة أَنهار نهرانِ باطِنَانِ ونهرانِ ظَاهِرانِ فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ: أَما الباطِنَانِ فَفي الْجنَة وَأَما الظاهرانِ النيلُ والْفُرَات» ([14])

أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات، فاستغفروا ربكم وتوبوا إليه، إنه كان للأوابين غفورًا.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:

خامسا :مخاطبة لرب العالمين:

 ومن أعظم الآيات في رحة المعراج ما من الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بالكلام دون حجاب فقد رود ذلك في الأحاديث الصحاح ففي الحديث {فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ؟

 قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ... فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ.([15])

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله -: هذا من أقوى ما استُدل به على أن الله سبحانه وتعالى كلَّم نبيَّه محمَّداً صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بغير واسطة.([16])

وقال ابن كثير رحمه الله -:( مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ) يعني: موسى ومحمَّداً صلى الله عليه وسلم، وكذلك آدم، كما ورد به الحديث المروي في " صحيح ابن حبان " عن أبي ذر رضي الله عنه.

( وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) كما ثبت في حديث الإسراء حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء في السموات بحسب تفاوت منازلهم عند الله عز وجل.([17])

قال الشيخ عبد الرحمن المحمود حفظه الله -:

ولعل العلة -والعلم عند الله سبحانه وتعالى -في تسمية موسى " كليم الله " مع أن الله كلَّم محمَّداً وكلَّم آدم: أن الله كلَّمه على الأرض وهو على طبيعته البشرية ، بخلاف تكليم الله لآدم فإنه كلمه وهو في السماء ، وتكليم الله لمحمَّد فإنه كلمه وقد عرج بروحه وجسده إلى السماء ، أما تكليمه لموسى: فهو على الأرض ، وهذا فيه خصوصية لموسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم.([18])

سادسا :وصف النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى لقريش:

ومن الآيات الربانية في قصة الإسراء والمعراج ما توفق الله تعالى لنبيه في وصف بيت المقدس رغم أنه صلى الله عليه وسلم دخله ليلا ولم يتفقده، وكان بعض أهل مكة قد زار بيت المقدس و يعرف وصفه فأرادوا أن يتأكدوا من ذاهب النبي صلى الله عليه و سلم إلى هنالك فسألوه عن وصفه

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: ((لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربة ما كربت مثله قط، فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا نبأتهم، ([19])

انه توفيق الله تعالى وتسديده لحبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم-

قوله : ( فجلى الله لي بيت المقدس ) قيل معناه كشف الحجب بيني وبينه حتى رأيته، ووقع في رواية عبد الله بن الفضل عن أم سلمة عند مسلم المشار إليها " قال فسألوني عن أشياء لم أثبتها، فكربت كربا لم أكرب مثله قط، فرفع الله لي بيت المقدس أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا نبأتهم به " ويحتمل أن يريد أنه حمل إلى أن وضع بحيث يراه ثم أعيد، وفي حديث ابن عباس المذكور " فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع عند دار عقيل فنعته وأنا أنظر إليه " وهذا أبلغ في المعجزة، ولا استحالة فيه، فقد أحضر عرش بلقيس في طرفة عين لسليمان، وهو يقتضي أنه أزيل([20])

 

 

 



(([1])) - الإسراء والمعراج (ص: 5)

(([2])) -«مسند أحمد» (19/ 488 ط الرسالة):«وأخرجه مسلم (162) (259) ، وأبو يعلى (3375) و (3450) و (3451) و (3499) ، وأبو عوانة 1/126-128»

(([3])) - أحاديث الإسراء والمعراج عرض وتحليل (ص: 26)

(([4])) - رواه البخاري (3232) ومسلم (174) .

(([5])) - أخرجه مسلم 282 والطبراني 9055..

(([6])) -«صحيح ابن حبان» (14/ 337):«وأخرجه أحمد 1/412 و 460، والطبري في "جامع البيان" 27/49، وابن خزيمة ص 203»[قال الألباني]: حسن: "صحيح الإسراء والمعراج" (ص 100 - 101)

(([7])) -"تفسير القرآن العظيم" (7/445) .

(([8])) -«مسند أحمد» (29/ 372 ط الرسالة):«وأخرجه مسلم (164) (265) ، والطبراني في "الكبير" 19/ (599) ، وابن منده في "الايمان" (715)»

(([9])) -قال النووي: قال صاحب مطالع الأنوار: رويناه: "آخر ما عليهم". برفع الراء ونصبها؛ فالنصب على الظرف، والرفع على تقدير: ذلك آخر ما عليهم من دخوله. قال: والرفع أوجه، وفي هذا أعظم دليل على كثرة الملائكة صلوات الله وسلامه عليهم، والله أعلم. النووي: المنهاج 2/225.

(([10])) -النسائي: كتاب التفسير، سورة الطور (11530) عن أنس رضي الله عنه، واللفظ له، وأحمد (12580)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط مسلم. والحاكم (3742)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (477).

(([11])) -الترمذي: كتاب الزهد، باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً". (2312)، واللفظ له، وقال: حديث حسن. وابن ماجه (4190)، وأحمد (21555)، وقال شعيب الأرناءوط: حسن. والحاكم (3883)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (1722).

(([12])) - (رواه مسلم- كتاب الإيمان- باب الإسراء برسول الله صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم ومعراجه حديث رقم 284).

(([13])) -(رواه مسلم - كتاب الإيمان باب الإسراء برسول الله صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم ومعراجه - حديث رقم 289).

(([14])) - رواه البخاري- كتاب بدء الخلق- باب ذكر الملائكة- حديث رقم 2968).

[15] - رواه البخاري (3674) ومسلم (162).

[16] -" فتح الباري " ( 7 / 216 ).

[17] -" تفسير ابن كثير " (1 / 670).

[18] -" تيسير لمعة الاعتقاد " (ص 152)

[19] - أخرجه مسلم ( 278 )

[20] - فتح الباري شرح صحيح البخاري (358/ 47)



النجم الوهاج من الآيات الكبرى في الإسراء والمعراج.pdf

تعليقات

  1. الحمد لله رب العالمين.

    تجدر الإشارة الي أن الإسراء والمعراج اعداد رباني لنبيه صلى الله عليه وسلم....
    بعد عام ونيف كانت الهجرة المباركة.
    (المعية التي استحضرها في الغاز صدى للمعية الكبرى في الإسراء والمعراج.
    سورة الإسراء تصديق لمعية الله المذكورة في السورة قبلها سورة النحل :"إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون".

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة فيض الإله بخلق المواساة.pdf

الحقوق العشر للوطن في الإسلام

خطبة الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان.pdf