خطبة ملياردير الصحابة عبد الرحمن بن عوف ودوره في الأزمات.pdf



ملياردير الصحابة

 عبد الرحمن بن عوف ودوره في الأزمات

الشيخ السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى

إخوة الإسلام: في ظل ما يعانيه العالم من أزمات ومشكلات وارتفاع في الأسعار وشكوى كثير من الفقراء من الغلاء نذكر الأغنياء والأثرياء ورجال الأعمال بسيرة لا كالسير ورجل لا كالرجال بسيرة ملياردير الصحابة عبد الرحمن بن عوف ودوره في الأزمات وكيف سخر ماله في خدمة الله و رسوله صلى الله عليه وسلم وتقديم المساعدات العاجلة عند كل نائبة....... رجل باع ماله لله واشترى رضوانه دار كرامته ...... رجل لم يخش الفقر ولا الفاقة بل كلما ازداد إنفاقه زاده الله تعالى من فضله أضعافا مضاعفة ....... رجل كان ما ترك فقيرا إلا إعطاء ولا محتاجا إلا أغناه ولا أرملة إلا وأنفق عليها .........فأعيروني الأسماع والقلوب أحباب علام الغيوب

نسبه ونشأته-رضي الله عنه-

هل تعرفون ذلك الصحابي هل شباب الأمة تعرفوا على سيرته أم أنهم لا يعرفون إلا لاعبي الكرة و الفانيين و الفنانات، هل تعرفت أيه الغني على ذلك الملياردير الذي سخر ماله ؟

إنه عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف الزهري ابن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي، أبو محمد.

أحد العشرة، وأحد الستة أهل الشورى، وأحد السابقين البدريين، القرشي، الزهري.

وهو أحد الثمانية الذين بادروا إلى الإسلام» [1]وهو من بني زهرة؛ أخوال النَّبي صلى الله عليه وسلم وأقاربه من جهة أمِّه السيدة آمنة.

ولقد نشأ عبد الرحمن بن عوف نشأةً صافية، وعُرِف بين قومه بسداد رأيه، ورجاحة عقله، وكان لا يَأْبه بأعمال الجاهلية وعاداتِها، وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وأحد الستة الذين جعل عمر الشورى فيهم، وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض.

إسلام عبد الرحمن بن عوف:رضي الله عنه-

أسلم عبد الرحمن بن عوف قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وكان إسلامه على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حيث إن أبا بكر عمل بالدعوة مُباشرة بعد إسلامه وكان رضي الله عنه رجلاً مألفًا لقومه محبًا سهلاً، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر، وكان رجلاً تاجرًا ذا خلق، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم على يديه: الزبير بن العوام وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم أبو بكر رضي الله عنه فعرض عليهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن وأنبأهم بحق الإسلام فآمنوا، وكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا في الإسلام صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا بما جاء من عند الله، وكان عمره عند إسلامه ثلاثين عامًا.

ولقد نال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ما نال الصحابة الكرام من إيذاء المشركين، فاضطُرَّ إلى الهجرة خارج مكةَ مرتين؛ مرةً إلى الحبشة، وأخرى إلى المدينة؛ حيث استقرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فضائله ومناقبه رضي الله عنه-

وها هي زهرات من مناقبه ومن-فضائله رضي الله عنه-تدلك أيها المسلم على المنزلة التي أنزله الله تعالى إياها ما ناله محابة ولا مجاملة .....و ما نال تلك الأوسمة  إلا  لفضله و عمله و دوره في الدعوة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم رو قر الإيمان في القلب و صدقته الجوارح  ............................

هو أحد العشرة المبشرة بالجنة- رضي الله عنه-: يكفيه فخرا و شرفا انه مبشر بالجنة كان يمشي بين الناس و يعلم الكل ان الذي يسير بينه رجل من أهل الجنان  عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَخْنَسِ «أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَذَكَرَ رَجُلٌ عَلِيًّا، فَقَامَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي سَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ: عَشَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ وَلَوْ شِئْتُ لَسَمَّيْتُ الْعَاشِرَ، قَالَ: فَقَالُوا: مَنْ هُوَ؟ فَسَكَتَ قَالَ: فَقَالُوا: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: هُوَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ.».[2]

تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قُعْبَانَ مِنْ لَبَنٍ شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالَا

عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((عبد الرحمن بن عوف أمين في أهل السماء، وأمين في أهل الأرض)).[3]

روي عن عمر رضي الله عنه، أنه قال في عبد الرحمن: ((هذا العدل الرضي)).

 وقال عمر في عبد الرحمن بن عوف أيضاً: ((أنه سيد من سادات المسلمين)).

ولقد صلى وراءه النبي صلى الله عليه وسلم : ومن مناقبه التي لا تبارى أنه صلى خلفه سيد البرايا صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، يقول المغيرة بن شعبة: عدلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وأنا معَهُ في غزوةِ تبوكَ قبلَ الفجرِ فعدَلتُ معَهُ فأناخَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فتبرَّزَ ثمَّ جاءَ فسَكَبتُ علَى يدِهِ منَ الإداوةِ فغسلَ كفَّيهِ ثمَّ غسلَ وجهَهُ ثمَّ حسرَ عن ذراعيهِ فضاقَ كُمَّا جبَّتِهِ فأدخلَ يدَيهِ فأخرجَهُما من تحتِ الجبَّةِ فغسلَهُما إلى المرفقِ ومسحَ برأسِهِ ثمَّ تَوضَّأ علَى خفَّيهِ ثمَّ ركِبَ فأقبَلنا نسيرُ حتَّى نجدَ النَّاسَ في الصَّلاةِ قد قدَّموا عبدَ الرَّحمنِ بنَ عوفٍ فصلَّى بِهِم حينَ كانَ وقتُ الصَّلاةِ ووجدنا عبدَ الرَّحمنِ وقد ركعَ بِهِم رَكعةً مِن صلاةِ الفجرِ فقامَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فصفَّ معَ المسلمينَ فصلَّى وراءَ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ الرَّكعةَ الثَّانيةَ ثمَّ سلَّمَ عبدُ الرَّحمنِ فقامَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في صلاتِهِ ففزِعَ المسلمونَ فأكثَروا التَّسبيحَ؛ لأنَّهم سبَقوا النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بالصَّلاةِ فلمَّا سلَّمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ لَهُم: «قد أصبتُمْ» أو «قد أحسنتُمْ». [4]

وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لما رأى من عبد الرحمن بن عوف الجود في سبيل الله، قال: ((أذهب يا ابن عوف؛ فقد أدركت صفوها وسبقت كدرها)).[5]

وها هي التزكية المحمدية لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه -عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ «، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى حِرَاءٍ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، قَالَ: اثْبُتْ حِرَاءُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدٌ، وَذَكَرَ سَعِيدٌ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ»[6].

شجاعة عبد الرحمن بن عوف-رضي الله عنه-

 و لقد كان رضي الله عنه -  شجاعا لا يبارى و أسدا من أسود الله تعالى  فقد شهد عبد الرحمن بدرًا والمشاهد كلها، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، حتى إنه حصلت له إصابات بالغة، فقيل إنه أصيب يوم أُحد بعشرين جراحة، وأن إحدى هذه الإصابات تركت عرجًا دائمًا في إحدى ساقيه، كما سقطت يوم أحد بعض أسنانه، فتركت خللًا واضحًا في نطقه وحديثه.

يغشون حوماتِ المنون وإنها في الله عند نفوسهم لصِغار

انظروا شجاعته التي لا تعرف الخوف.. وجوده الذي لا يخاف الفقر..

انظروا طهره وعفته..

انظروا صدقه وأمانته

وكانت شجاعته وسخاؤه كفرسي رهان..!!

انظروا فيه كل رائعة من روائع الحسن، والفضيلة، والعظمة، ثم لا تعجبوا ....... ومن مواقف بطولته ما كان في يوم أحد، فقد كان من النفر القليل الذي ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفر كما فر غيره، قَالَ الْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ: سَأَلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ فِي الشِّعْبِ: «هَلْ رَأَيْتَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ؟» قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْتُهُ إِلَى جَنْبِ الْجُبَيْلِ، وَعَلَيْهِ عَسْكَرٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَهَوَيْتُ إِلَيْهِ لِأَمْنَعَهُ، فَرَأَيْتُكَ، فَعَدَلْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُقَاتِلُ مَعَهُ» ، قَالَ الْحَارِثُ فَرَجَعْتُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَجِدُهُ بَيْنَ نَفَرٍ سَبْعَةٍ صَرْعَى، فَقُلْتُ لَهُ: ظَفِرَتْ يَمِينُكَ، أَكُلَّ هَؤُلَاءِ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: أَمَّا هَذَا لِأَرْطَأَةَ بْنِ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ، وَهَذَانِ فَأَنَا قَتَلْتُهُمَا، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَقَتَلَهُمْ مَنْ لَمْ أَرَهُ، قُلْتُ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ "[7].

تجارته: وكان -رضي الله عنه –تاجرا بارك الله تعالى في صفقة يمينه

إخوة الإسلام لقد جعل الله تعالى البركة في صفقة يمين عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه حتى عبر عن ذلك بقوله  " فلقد رأيتني لو رفعت حجراً لرجوت أن أصيب ذهباً أو فضة". [8]

فهو التاجر الناجح، أكثر ما يكون النجاح وأوفاه..

وهو الثري، أكثر ما يكون الثراء وفرة وافراطا..

وهو المؤمن الأريب، الذي يأبى أن تذهب حظوظه من الدين، ويرفض أن يتخلف به ثراؤه عن قافلة الإيمان ومثوبة الجنة.. فهو رضي الله عنه يجود بثروته في سخاء وغبطة ضمير..!!

ولم تكن التجارة عند عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه شرها ولا احتكارا

بل لم تكن حرصا على جمع المال شغفا بالثراء.

كلا.

إنما كانت عملا، وواجبا يزيدهما النجاح قربا من النفس، ومزيدا من السعي..

وكان ابن عوف يحمل طبيعة جيّاشة، تجد راحتها في العمل الشريف حيث يكون.....

ومع أن المؤرخين لم يذكروا نوع تجارته ولكن من النتف القليلة من أخباره يمكن القول إن مصادر دخله كانت متعددة. فقد كانت له تجارة بين الحجاز والشام وغيرها، وكان له في المدينة بيع وشراء في العقار، فقد باع أمواله بكيدمة وهو سهمه من بني النضير بأربعين ألف دينار [9]

 وعمل في التجارة بالأنعام والخيول، فقد كان على مربطه ألف فرس وألف بعير وعشرة آلاف غنم. [10]

 كما كان يزرع بالجُرُف وخصص لسقيه عشرين جملاً لنقل الماء إليه، وكان يدخل قوت أهله من ذلك لمدة سنة. [11]

كما أنه أوصى لمن بقي من مقاتلين غزوة بدر أن لكل رجل فيهم 400 دينار، وكانوا مائة فأخذوها، وأوصى أيضا بالتصدق بألف فرس في سبيل الله من حر ماله.

«قال محمد بن عبد الرحمن بن عَوف: تُوفِّي عبدُ الرحمن، فكان فيما ترك ذَهَب قُطِع بالفؤوس؛ حتَّى مَجِلَتْ أيدي الرجال منه»[12]

دور عبد الرحمن بن عوف في الأزمات -رضي الله عنه-

 معاشر الموحدين كان -رضي الله عنه -  من المسارعين إلى الخيرات السابقين إلى المكرمات،  يترك بابا من أبواب الخير إلا و اسهم فيه   ،............ فقد تصدق ليوم العسرة بأربعة آلاف دينار وكان نصف ماله[13]

وكلما زاد ماله زاد مقدار إنفاقه، فبعد أن تصدق بأربعة آلاف صار يتصدق بأربعين ألف دينار ثم حمل على خمسمائة فرس ثم حمل على ألف وخمسمائة راحلة وكل ذلك في سبيل الله  [14]

وأعتق في يومٍ واحدٍ ثلاثين عبداً. [15]

 و من أروع  صور الإنفاق في الأزمات  تلك القافلة  التي أتت و أهل المدينة في عناء شديد  فقد قدمت قافلته رافدةً وافدة، تجوب المدينة، سبعمائة جملٍ محمَّلةً بالزبيب والحبوب والطعام والثياب، فاجتمع عليها التجار، وأرادوا نهبها بالشراء، فقال: [[كم تعطوني في الدرهم الواحد؟ قالوا: نعطيك في الدرهم درهماً.

قال: وجدت من زادني، قالوا: نعطيك درهمين، قال: وجدت من زادني.

قالوا: نعطيك ثلاثة.

قال: وجدت من زادني.

فقالوا: نحن تجار المدينة ولا يزيدك على ما زدناك أحد.

قال: لا والذي نفسي بيده! قد زادني رب العالمين إلى سبعمائة ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرة، فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261] أشهدكم، وأشهد الله وملائكته؛ أنها في فقراء المدينة، وفي مساكين المدينة فقسمت في غداة واحدة، وتوزع الناس يقولون: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة]].

واذا كانت الجارة والثروات، إنما تحصى بأعداد رصيدها وأرباحها فإن ثروة عبد الرحمن بن عوف إنما تعرف مقاديرها وأعدادها بما كان ينفق منها في سبيل الله رب العالمين..!!

آه أيها المسلمون أين نحن من عبد الرحمن بن عوف و أخلاقه ؟

آه أيها المسلمون من تجار يستغلون الأزمات و يحتكرون السلع و يرفعون أسعارها لقد أصاب كثير من التجار السعار و الشغف بحب الأموال فاحتكوا السلع و لم يرحموا فقيرا أو ضعيفا أو مسكينا أو أرملة أو يتيما لا هم لهم إلا المال انتفخت جيوبهم بالأموال و خوية لقلوبهم من الرحمة و الرفة و الخوف من الكبير المتعال

وتَبرّع بمائة راحِلة جاءَته من مصر على فقراء المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم  ، ثمّ وَرَدت له قافلة من تجارة الشّام ، فحَمَلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالجَنّة  .

كان عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه -يقرض الله قرضا حسنا، فيضاعفه الله له أضعافا، فقد باع يوما أرضا بأربعين ألف دينار فرّقها جميعا على أهله من بني زُهرة وأمهات المسلمين وفقراء المسلمين، وقدّم خمسمائة فرس لجيوش الإسلام، ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة، وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله، وأربعمائة دينار لكل من بقي ممن شهدوا بدرا حتى وصل للخليفة عثمان نصيبا من الوصية فأخذها وقال: {أن مال عبد الرحمن حلال صَفْو، وإن الطُعْمَة منه عافية وبركة}.

وبلغ من جود عبد الرحمن بن عوف أنه قيل: {أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله، ثُلث يقرضهم، وثُلث يقضي عنهم ديونهم، وثلث يصِلَهم ويُعطيهم}.[16]

هذه حقيقة رجل ثري في الإسلام.

فهل رأيتم ما صنع الإسلام به حتى رفعه فوق الثرى بكل مغرياته ومضلاته، وكيف صاغه في أحسن تقويم..؟؟

أقول قولي هذا و استغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

أما بعد : ...........................................

 رسالة إلى الأغنياء ورجال الأعمال أين دوركم في الأزمات؟

إخوة الإسلام: بعد أن رأينا سيرة لا كالسير و رأينا الجود و الكرم و رأينا الإيثار الذين قال الله تعالى {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنّاً وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة:262 - 263]

 و سمعنا دعوة الله عز وجل و هو يدعونا إلى الإنفاق قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:267 - 268].

فهنيئاً لمن أعتق نفسه من النار بالدرهم والدينار، وهنيئاً لمن وسع قبره بالبذل والعطاء، فإن الله لا يستقل شيئاً، والبخل إنما هو من شيمة العبد يوم ينسى الله ولقاءه: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُوراً} [الإسراء:100].

أين الذين يسارعون في الخيرات ؟ أين الذين يعملون ليوم تنفع فيه خلة ولا شفاعة؟

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:254].

أين الذين يتقون النار بالإنفاق على من أصابهم الإملاق ؟

ويستعرض صلى الله عليه وسلم في الصحيح فضل الصدقة، فيقول في حديث عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ عَمَّنْ  أَيْمَنَ مِنْهُ، فَلَا يَرَى إِلَّا شَيْئًا قَدَّمَهُ، وَيَنْظُرُ عَمَّنْ  أَشْأَمَ مِنْهُ، فَلَا يَرَى إِلَّا شَيْئًا قَدَّمَهُ، وَيَنْظُرُ أَمَامَهُ، فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ "[17]

فانظر لنفسك كيف تنزل نفسك تلك المنازل، فوالله! لا يبقى للإنسان إلا ما قدم في الدنيا لوجهه تبارك وتعالى.

 



[1] - «سير أعلام النبلاء - ط الرسالة» (1/ 68):«طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 87 - 97، نسب قريش: 265، 448، طبقات خليفة: 15، تاريخ خليفة: 166»

[2] - أخرجه أحمد (1629)، وأبو داود (4650)، وابن ماجه (133)، وابن أبي عاصم في السنة (1434)، والنسائي في الكبرى (8219)، والشاشي (216)

[3] - أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 134).وابن أبي عاصم في السنة (2/ 616رقم 1415)

[4] -صحيح أبي داود: (149).

[5] - «مرآة الزمان في تواريخ الأعيان» (6/ 20):

[6] - أخرجه أحمد 1 / 188، 189، وأبو داود (4648) في السنة: باب في الخلفاء، والترمذي (3758) في المناقب، باب: مناقب سعيد بن زيد وقال: هذا حديث حسن صحيح

[7] - «معرفة الصحابة لأبي نعيم» (2/ 771):

[8] - رواه أحمد حديث رقم 13890

[9] - إتحاف الخيرة المهرة 7: 223

[10] - تاريخ ابن خلدون 1: 256

[11] - Sahaba.rasoolona.com/sahaby/21609

[12] -«مرآة الزمان في تواريخ الأعيان» (6/ 20)

[13] - تاريخ دمشق 35: 26

[14] - تاريخ دمشق 35: 263، سير أعلام النبلاء 1: 81، أسد الغابة 3: 475

[15] - أسد الغابة 3: 475 [22]

[16] - «فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب» (1/ 570)

 

[17] -«مسند أحمد» (30/ 181 ط الرسالة):«وأخرجه الترمذي (2415) ، وابن ماجه (185) و (1843) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (606)»

خطبة ملياردير الصحابة عبد الرحمن بن عوف ودوره في الأزمات.pdf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة فيض الإله بخلق المواساة.pdf

الحقوق العشر للوطن في الإسلام

خطبة الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان.pdf