خطبة سوق الدنيا والتجارة مع الله.pdf

خطبة {سوق الدنيا والتجارة مع الله}

الشيخ السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا معاشر المحبين ........ انتهى رمضان و فاز فيه من فاز و ربح فيه من ربح و خسر فيه من خسر و لكننا مازلنا في سوق الدنيا و البضائع وفيرة و الأرباح كثيرة فرب رمضان هو رب شوال و من فاته الربح في رمضان يستطيع أن يعوضه في شوال و سائر أيام العام ....................... لذا فحديثنا اليوم عن سوق الدنيا والتجارة مع الله فأعيروني القلوب والأسماع أيها الأحباب ...........................

كل يغدوا فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها:

إن الدنيا هي مزرعة الآخرة وهي السوق التي يجتمع فيها أهلها والناس في هذا السوق ما بين رابح فائز وخائب خاسر

عن أبي مالكٍ الحارِثِ بنِ عاصِمٍ الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيَمانِ، والحمدُ لِلهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ، وسُبْحانَ اللهِ والحمدُ لِلهِ تَمْلآنِ - أو تَمْلأُ - ما بَيْنَ السَّماواتِ والأرضِ، والصَّلاةُ نورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ، والصَّبْرُ ضِيَاءٌ، والْقُرآنُ حُجَّةٌ لَكَ أو عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدو، فَبائعٌ نَفْسَهُ، فَمُعْتِقُها أَو مُوبِقُها"؛ رواه مسلم.

قال الحسن رحمه الله-: "ابن آدم، إنك تغدو وتروح في طلب الأرباح، فليكن همك نفسك، فإنك لن تربح مثلها أبدًا".

وقال أبو بكر بن عياش: "قال لي رجل مرة وأنا شاب: خلِّص رقبتك ما استطعت في الدنيا من رق الآخرة، فإن أسير الآخــرة غير مفكوك أبدًا، قال: فوالله ما نسيتها بعد".

وكان بعض السلف يبكي ويقول: "ليس لي نفسان، إنما لي نفس واحدة، إذا ذهبت لم أجد أخرى".

قال محمد بن كعب لعمر بن عبد العزيز‏:‏ يا أمير المؤمنين، إنما الدنيا سوق من الأسواق ، منها خرج الناس بما يضرهم وما ينفعهم، وكم من قوم غرهم منها مثل الذى أصبحنا فيه، حتى أتاهم الموت فاستوعبهم فخرجوا منها ملومين لم يأخذوا منها لما أحبوا من الآخرة عدة، ولا لما كرهوا منها جُنة، اقتسم ما جمعوا من لم يحمدهم، وصاروا إلى من لا يعذرهم فنحن محققون يا أمير المؤمنين أن ننظر إلى تلك الأعمال التى نغبطهم بها فنخلفهم فيها، وإلى الأعمال التى نتخوف عليهم فيها فنكف عنها، فاتق الله ، وافتح الأبواب، وسهل الحجاب، وانصر المظلوم، ورد الظالم‏.‏ ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان بالله عز وجل‏:‏ إذا رضى لم يدخله رضاه فى الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له‏.‏

إخوة الإسلام: لا يشك مسلم في أن أعلى أنواع التجارة هي التجارة مع الله، تجارة سلعتها الطاعات وثمنها الحسنات يُضاعَفْنَ من حسنة إلى عشر إلى سبعمائة وأكثر. والذين يجيدون هذه التجارة الرابحة هم من عرفوا الله فخشَوه، فرقَّت له قلوبُهم، ودمعت من خشيته عيونُهم، ولم تنقطع به قطُّ صلتُهم، وكان ما بينهم وبينه دائمًا عامر، وكان همهم الأول والأخير رضاه، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) )

 فسبحان الله الذي وهبَنا ما نتاجر به معه، ثم وفقنا إلى التجارة معه، وتفضَّل علينا بها، ثم هو يُعطينا أجر تلك التجارة كأحسن ما يكون الأجر والجزاء، فهو خيرُ أجر في خير تِجارة، ثم هو يَزيدنا مِن فضله فوق أجورنا، ويضاعف لمَن يشاء

التجارة مع الله أعمالها يسيرة و أجورها عظيمة

 إخوة الإسلام إن التجارة مع الله تعالى  أعمالها يسيرة و أجورها عظيمة فأين المشمرون ؟

و أين المشترون ؟

أين التجار الذين يريدون العزيز الغفار؟

هيا لنتأمل ذلك أيها الأحباب من خلال الفرائض و النوافل

في باب الصلاة :

من أربح السلع التي يجب علينا أن نتجار فيها وألا نفرط فيها الصلاة التي هي عما الدين وهي أعظم الأركان بعد شهادة التوحيد  

صلاة الجماعة مع الإمام: و التجارة الرابح و الأجور المضاعفة صلاة الجماعة التي يتركها كثير من المسلمين استبدلوا المساجد و الجماعات بالجلوس أمام الشاشات و الفضائيات و الجلوس عل المقاهي و الطرقات فخسروا خسرانا مبينا و فاتهم الأجر العظيم   عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ درجة".[1]

مضاعفة صلاة الجمعة: و من اعظم و اربح التجارات يوم الجمعة يوم العيد الأسبوعي ذلك اليوم سوق من اعظم أسواق الدنيا يتنافس فيه المتنافسون  عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى، فَدَنَا، وَاسْتَمَعَ، وَأَنْصَتَ، وَلَمْ يَلْغُ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا عَمَلَ سَنَةٍ صِيَامَهَا وَقِيَامَهَا"[2]

صلاة الجمعة التي كانوا يتنافسون في صلاة الجمعة من بعد طلوع الشمس؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ - فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ - ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا - قَالَ إِسْحَاقُ: أَقْرَنَ - وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ أَقْبَلَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ "[3]

التفاوت شيء دقيق بين الناس، ولا يبخس الله الناس أشياءهم، فهو سبحانه وتعالى ليس بظلام للعبيد، هل من جاء في الأولى كمن جاء في الخامسة؟

في باب الزكاة و الصدقة : إخوة الإسلام و من ميادين السباق و من أسوق الطاعات الزكاة و الصدقات فأجورها وفيرة و قد وعد عليها الكريم بكرم العطاء قال الله تعالى :  {وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }(20) المزمل

وقال تعالى{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة: 261، 262]

عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ لِفُلَانٍ نَخْلَةً، وَأَنَا أُقِيمُ حَائِطِي بِهَا، فَأْمُرْهُ أَنْ يُعْطِيَنِي حَتَّى أُقِيمَ حَائِطِي بِهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطِهَا إِيَّاهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ» فَأَبَى، فَأَتَاهُ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَقَالَ: بِعْنِي نَخْلَتَكَ بِحَائِطِي. فَفَعَلَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدِ ابْتَعْتُ النَّخْلَةَ بِحَائِطِي. قَالَ: " فَاجْعَلْهَا لَهُ، فَقَدْ أَعْطَيْتُكَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمْ مِنْ عَذْقٍ رَدَاحٍ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي الْجَنَّةِ» قَالَهَا مِرَارًا. قَالَ: فَأَتَى امْرَأَتَهُ [ص:465] فَقَالَ: يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ اخْرُجِي مِنَ الْحَائِطِ، فَإِنِّي قَدْ بِعْتُهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ. فَقَالَتْ: رَبِحَ الْبَيْعُ. أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا [4]

وهنا أيها الأحباب فقد اشترى أبا الدحداح نخلة في الجنة وباع مقابلها بستانه.

في باب الصيام : الصيام سوق  تضاعف فيه الأجور و تعظم فيه المهور  وعن أبي هريرة رضي الله عنه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إلا الصوم ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي[5]. صحيح مسلم

صيام رمضان وستٍ من شوال بعده: هل انتهت سوق الصيام بانقضاء شهر رمضان؟

كلا أيها الأحباب فباب التجارة ما زال ممدودا و حبلها ما زال موصولا عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ, ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ, كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ"[6]

الجهاد: و في باب الجهاد ضاعف الله تعالى الأعمال و الأجور لأنه العزيز الغفور  ، عن الحسن، عن عمران، عن النبى - صلى الله عليه وسلم - : «مَقَامُ الرَّجُلِ فى الصَّفِّ [فى سَبِيل الله] خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَا فِيهَا، وَمَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فى سَبِيلِ [اللهِ فَبَلَغَ أَخْطَأَ أَوْ أَصَابَ، فَبِعِتْقِ رقبة، وَمَنْ شاب شيبة فى سَبِيلِ] اللهِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [7]

وهذا في فضل المقام في الصف، فكيف بمن جاهد في سبيل الله أياما وشهورا أو سنوات؟

في باب الذكر  والدعاء : عبارات بسيطة ينال بها العبد الأجور الكثيرة تأملوا هذا الحديث  عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ , كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً "[8]

كم هو عدد المسلمين والمسلمات الأن اكثر من مليار مسلم و مسلمة فتخيل لو قلت اللهم اغفر للمسلمين و المسلمات الأحياء منهم و الأموات كم من المليارات التي ستأخذها على هذه الدعوة ..............كثر خير ربنا و طاب أيها الأحباب

التجارة مع الله سبب السعادة الدنيوية و الأخروية:

الحياة الطيبة: إن من أعظم الأرباح التي يربحها من يتاجر مع الله الحياة الطيبة السعاد الهناء راحة البال محبة الكبير المتعال

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]

التجارة مع الله سبب من أسباب النجاة من العذاب الأليم

التجارة مع الله سبب من أسباب مغفرة الذنوب

التجارة مع الله سبب من أسباب دخول الجنة

التجارة مع الله سبب من أسباب الفوز العظيم

التجارة مع الله سبب من أسباب النصر و التمكين

يقول الله تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 10 - 13]

أيها التجار ابشروا فقد تم توثيق العقد في اعظم الكتاب السماوية

وثقه الله في التوراة

وثقه الله في الإنجيل

وثقه الله في القران الكريم

  قال تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ  يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ  وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ  فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ  وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة :111].

الخطبة الثانية

شروط التجارة الرابحة مع الله:

الإخلاص: اجعل كل دقيقة في حياتك لله وأخلص له عز وجل، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ صَدْرَكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ»[9]

 الصبر على طاعة الله: هي أعظم الدرجات، و دونها الصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله المؤلمة، إن الله يقول: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 4].

كن واثقا بالله :أحسن الظن بالله و توكل عليه في تجارة الإيمان والعمل الصالح والتقوى، قال الله سبحانه: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96].

انتهز الفرص : منذ أن تصبح مكلفا وتبلغ رشدك حتى تلقى ربك فإنك في تجارة مع الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير الناس من طال عمره وحسن عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله».[10]

المتاجرون مع الله:

لقد ضرب الصحابة – رضي الله عنهم – أروع الأمثلة في التجارة مع الله؛ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ صُهَيْبًا حِينَ أَرَادَ الْهِجْرَةَ قَالَ لَهُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: أَتَيْتنَا صُعْلُوكًا[1] حَقِيرًا، فَكَثُرَ مَالُكَ عِنْدَنَا، وَبَلَغْتَ الَّذِي بَلَغْتَ، ثُمَّ تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ بِمَالِكَ وَنَفْسِكَ؟ وَاللهِ! لاَ يَكُونُ ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُمْ صُهَيْبٌ: أَرَأَيْتُمْ إنْ جَعَلْتُ لَكُمْ مَالِي أَتُخَلُّونَ سَبِيلِي؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي جَعَلْتُ لَكُمْ مَالِي. قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِك رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "رَبِحَ صُهَيْبٌ، رَبِحَ صُهَيْبٌ [11]

لقد حدَّث صهيبٌ رضي الله عنه نفسه قائلاً: ما قيمة المال ولو كان كل مال الدنيا، إن أنا خالفت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو تخلَّفْتُ عن صحبة المؤمنين؟! لقد كان الثمن الذي سيدفعه صهيب رضي الله عنه -في رؤيته- زهيدًا جدًّا بالقياس إلى ما سيُحَصِّله؛ لهذا لم يكن اختبارًا صعبًا على نفسه رضي الله عنه؛ فقد قرَّر أن يشتري الجنَّة منذ زمن، وكلَّما مرَّ عليه الوقت ازداد إصرارًا على قراره؛ لهذا تنازل التاجر صهيب رضي الله عنه عن كل ماله في لحظة واحدة دون تردُّد!

هكذا في بساطة، ترك صهيب رضي الله عنه كل ثروته، وكل تعب السنين السابقة! وتلك حقًّا هي التجارة الرابحة؛ ولهذا عندما عَلِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الموقف جاء تعليقه عليه متوافقًا مع هذا المعنى حيث قال: "رَبِحَ صُهَيْبٌ رَبِحَ صُهَيْبٌ". وعندما رأى صهيبًا رضي الله عنه في المدينة كرَّر المعنى نفسه قائلاً: "يَا أَبَا يَحْيَى! رَبِحَ الْبَيْعُ".

أيها المسلمون: ومن باب نسبة الفضل لأهله؛ فلا يفوتني في هذا المقام أن أذكر شخصية عظيمة في واقعنا المعاصر تاجرت مع الله فربحت تجارتها؛ وكان لها الفضل في نشر مشاريع عظيمة في ربوع مصرنا الحبيبة؛ ألا وهو المهندس ( صلاح عطيه )؛ حيث بدأت فكرته باشتراك تسعة في مزرعة دواجن وكان الشريك العاشر “سهم الشريك الأعظم” ؛ ووافق الجميع علي الفور، وبدأوا المشروع وحققوا أرباحا لا مثيل لها؛ وقرروا زيادة نصيب الشريك العاشر إلي 20 % وهكذا كل عام حتي وصلت نسبته إلى 50%. فبارك الله لهم في تجارتهم؛ وكانت هذه التجارة الرابحة سبباً في إنشاء فرعٍ لجامعة الأزهر ومدينة جامعية في قريته الصغيرة ؛ كما بنى العديد من المعاهد الأزهرية وأنشأ عدداً لا بأس به من بيوت المال على مستوى الجمهورية؛ رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته !!

 



[1] - أحمد 2/65 و112، والبخاري "645" في الأذان: باب فضل صلاة الجماعة، ومسلم "650"

[2] - أخرجه أحمد "4/104"، وأبو داود "345" في الطهارة: باب في الغسل يوم الجمعة، وابن ماجه "1087"

[3] - ومسلم "850" "10" في الجمعة: باب الطيب والسواك يوم الجمعة، والترمذي "499" باب ما جاء في التبكير إلى الجمعة، وأبو داود "

[4] - مسند أحمد ط الرسالة (19/ 465)وأخرجه ابن حبان (7159) ، والطبراني 22/ (763) ، والحاكم 2/20، وعنه البيهقي في "الشعب" (3451)

[5] -أخرجه ابن أبي شيبة 3/5، ومسلم (1151) (164) ، وابن ماجه (1638) ، والبيهقي 3/304 و4/27

[6] - صحيح مسلم (2/ 822)

[7] - الدارمى (2/266، رقم 2396) ، والبيهقى فى شعب الإيمان (4/15، رقم 4231) .

[8] - (مسند الشاميين للطبراني) 2155 , انظر صَحِيح الْجَامِع: 6026

[9] - صحيح ابن حبان - محققا (2/ 119)و أخرجه أحمد 2/358 عن محمد بن عبد الله، وابن ماجة "4107" في الزهد: باب الهم بالدنيا، من طريق عبد الله بن داود، والحاكم 2/443

[10] - أخرجه أحمد (4/190، رقم 17734) ، وعبد بن حميد (ص 182، رقم 509) ، والترمذى (4/565، رقم 2329)

[11] - ابن هشام: السيرة النبوية 1/477، وابن سعد: الطبقات الكبرى 3/171، والبلاذري: أنساب الأشراف 1/182،


خطبة سوق الدنيا والتجارة مع الله.pdf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة فيض الإله بخلق المواساة.pdf

الحقوق العشر للوطن في الإسلام

خطبة الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان.pdf