الإذاعة بفضائل الزراعة.pdf
الإذاعة بفضائل الزراعة
الشيخ
السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد :.......................حديثنا عن الإذاعة
بفضائل الزراعة لنتعرف في هذا اللقاء بحول رب الأرض و السماء على حكم الزراعة
..... و بيان أن الزرع آية دالة على قدرة الله تعالى و عظمته ............. ثم نقف
مع فضل الزراع و الزرعة ..... فأعيروني القلوب و الأسماع
أولا: حكم الزراعة: - اعلموا علمني الله وإياكم : أن الزراعة من فروض الكفاية التي يجب على المسلمين بمجموعهم
القيام بها، فإن قام بها بعضهم أصبحت مندوبة أو مباحة في حق الآخرين.
قال القرطبي رحمه الله في شرح الصحيح:
الزراعة من فروض الكفاية فيجب على الإمام أن يجبر الناس عليها، وما كان في معناها
من غرس الأشجار .
ومعنى كونها فرضا على الكفاية، أن الزراعة،
وغرس الأشجار وإعمار الأرض، تبقى فريضة قائمة على الأمة الإسلامية ما لم تتحقق
كفايتها، واستغناؤها عن غيرها إذا كان ذلك في مقدورها ووسعها، فإن لم تفعل تبقى
مقصرة تاركة لهذه الفريضة ما دامت مستوردة " معتمدة على الغير في مواردها
الزراعية والغذائية، وعلى الإمام في هذه الحالة أن يجبر على الزراعة والغرس
والفلاحة من تتحقق بإجبارهم تلك الكفاية في المجالات الزراعية المختلفة
ثانيا: الزرع آية
دالة على قدرة الله
إخوة الإسلام إن من الآيات الدالة على قدرة
الله تعالى تعدد أنواع الزرع آية من آيات الله: فهذا حَب، وهذا ثمر، وهذا زهر،
وهذا عشب، وهذه فاكهة وهذه خضر، وهذا معروش، وهذا غير معروش: ﴿
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا *
ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا
وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا
* مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ [عبس: 24 - 32].
انظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضرة
كيف نمت من حبةٍ وكيف صارت شجرة
ابحث وقل من ذا الذي يخرج منها الثمرة
ذاك هو الله الذي أنعمه منهمره
ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدره
سل الواحة الخضراء والماء جاريا وهذه الصحاري والجبال الرواسيا
سل الزهر مزداناً سل الروض والندى سل الليل والإصباح والطير شاديا
وسل هذه الأنسام والأرض والسما سل
كل شيء تسمع التوحيد لله ساريا
ولو جن هذا الليل وامتد سرمدا
فمن غير ربي يرجع الصبح ثانيا
·
و
اعلموا أن اختلاف ألوان الزرع وأشكاله آية من آيات الله: يقول عز وجل: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ
كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ
النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ
وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى
ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 99].
• واعلموا
أن الزرع دليل حي على زوال الدنيا: و لقد شبه الله تعالى الحياة الدنيا بالزرع و
دلل بذلك على فناء و زوال الدنيا فقال عز
وجل: ﴿
إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ
فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ
حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا
أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا
فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ
الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24].
ثالثا :الزارع هو الله:
لابد أخي المزارع أن تعلم أن الزارع هو الله
و أنك ما أنت إلا حارث للأرض و الله تعالى بقدرته و عظمته يتولى عملية الإنبات و
النمو و الإثمار لأنه العزيز الغفار
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ:
زَرَعْتُ وَلْيَقُلْ: حَرَثْتُ " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِلَى قَوْلِ اللهِ
عَزَّ وَجَلَّ: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ
الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 64]([1])
هذا الدليل هو أنّ عمل الإنسان في الزرع
كعمله في الإنجاب حيث ينثر البذرة ويتركها، والله سبحانه هو الذي يخلق في وسط هذه
البذرة الحياة، فعندما توضع البذرة في محيط مهيّأ من حيث التربة والضوء والماء،
فإنّها تستفيد إبتداءاً من المواد الغذائية المخزونة فيها إلى أن تصبح برعماً
وتولّد جذراً، ثمّ تنمو بسرعة عجيبة مستفيدة من المواد الغذائية الموجودة في الأرض
حيث تعمل أجهزة عظيمة وتحدث تغييرات عميقة في داخل النبات، تتمخّض عن أغصان وسيقان
وأوراق وثمار .. وأحياناً تنتج البذرة الواحدة عدّة آلاف من البذور
- تعالى -: {وَآيَةٌ لَّهُمُ
الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ
يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ
وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ
أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} [يس: 33]،
وقوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنبِتُ لَكُمْ
بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 10]،
يقول الله تعالى: (أَفَرَأَيْتُم مَّا
تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أم نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاء
لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) [الواقعة: 63-65].
هذا الزرع الذي ينبت بين أيديهم وينمو ويؤتي
ثماره . ما دورهم فيه ? إنهم يحرثون ويلقون الحب والبذور التي صنعها الله . ثم
ينتهي دورهم وتأخذ يد القدرة في عملها المعجز الخارق العجيب .
تأخذ الحبة أو البذرة طريقها لإعادة نوعها .
تبدؤه وتسير فيه سيرة العاقل العارف الخبير بمراحل الطريق !
الذي لا يخطئ مرة كما يخطئ الإنسان في عمله
، ولا ينحرف عن طريقه ، ولا يضل الهدف المرسوم ! إن يد القدرة هي التي تتولى خطاها
على طول الطريق . . في الرحلة العجيبة . الرحلة التي ما كان العقل ليصدقها ، وما
كان الخيال ليتصورها ، لولا أنها حدثت وتحدث ويراها كل إنسان في صورة من الصور ،
ونوع من الأنواع . . وإلا فأي عقل كان يصدق ، وأي خيال كان يتصور أن حبة القمح
مثلا يكمن فيها هذا العود وهذا الورق ، وهذه السنبلة ، وهذا الحب الكثير ? ! أو أن
النواة تكمن فيها نخلة كاملة سامقة بكل ما تحتويه ? !
أي عقل كان يمكن أن يتطاول به الخيال إلى
تصور هذه العجيبة . لولا أنه يراها تقع بين يديه صباح مساء ? ولولا أن هذه القصة
تتكرر على مرأى ومسمع من جميع الناس ? وأي إنسان يمكنه أن يدعي أنه صنع شيئا في
هذه العجيبة سوى الحرث وإلقاء البذور التي صنعها الله ?
ثم يقول الناس : زرعنا ! ! وهم لم يتجاوزوا
الحرث وإلقاء البذور . أما القصة العجيبة التي تمثلها كل حبة وكل بذرة . وأما
الخارقة التي تنبت من قلبها وتنمو وترتفع فكلها من صنع الخالق الزارع .
ولو شاء لم تبدأ رحلتها.
ولو شاء لم تتم قصتها. ولو شاء لجعلها حطاما
قبل أن تؤتي ثمارها. وهي بمشيئته تقطع رحلتها من البدء إلى الختام! ولو وقع هذا
لظل الناس يلونون الحديث وينوعونه يقولون: «إِنَّا لَمُغْرَمُونَ» : غارمون «بَلْ
نَحْنُ مَحْرُومُونَ» ..
ولكن فضل الله يمنحهم الثمر، ويسمح للنبتة
أن تتم دورتها، وتكمل رحلتها، وهي ذاتها الرحلة التي تقوم بها الخلية التي تمنى..
وهي صورة من صور الحياة التي تنشئها القدرة وترعاها.([2])
رابعا :فضل الزراع و
الزراعة :
هيا لتتعرف أخي المزارع الكريم على ما عده
الله تعالى لك عند تغرس غرسا عن جَابِر
بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَا مِنْ
مُسْلِمٍ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسٌ، وَلاَ جِنٌّ، وَلاَ طَيْرٌ،
وَلاَ وَحْشٌ، وَلاَ سَبُعٌ، وَلاَ دَابَّةٌ، وَلاَ شَيْءٌ، إِلاَّ كَانَ لَهُ
صَدَقَةٌ.([3])
عن رجل من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم
قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِأُذُنَيَّ
هَاتَيْنِ: " مَنْ نَصَبَ شَجَرَةً فَصَبَرَ عَلَى حِفْظِهَا وَالْقِيَامِ
عَلَيْهَا حَتَّى تُثْمِرَ كَانَ لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُصَابُ مِنْ ثَمَرَتِهَا
صَدَقَةٌ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.([4])
عَنْ أُمُّ مُبَشِّرٍ امْرَأَةِ زَيْدِ بْنِ
حَارِثَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: (" دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى
الله عليه وسلم -وَأَنَا فِي حَائِطٍ فَقَالَ: يَا أُمَّ مُبَشِّرٍ أَلَكِ هَذَا؟
" , فَقُلْتُ: نَعَمْ , فَقَالَ: " مَنْ غَرَسَهُ؟
مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ؟ " , قُلْتُ:
مُسْلِمٌ
قَالَ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ
غَرْسًا , أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً ,
وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا
أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ , وَمَا أَكَلَتْ الطَّيْرُ فَهُوَ
لَهُ صَدَقَةٌ , وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ ) ([5])
في الحديث: فَضْلُ الزِّرَاعَةِ
والفِلاحَةِ، ومَا يناله المزارع عند الله من الأجر والمثوبة عن كُلِّ مَا أكل من
ثِمَارِهِ وحاصلاته الزِّرَاعِيَّةِ لأَنَّ الزِّرَاعَةَ هي قوام الحياة للبشرية
جَمْعَاء. قَالَ العَيْنِيُّ: "وَاسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على أَن الزِّرَاعَة
أفضل المكاسب، وَاخْتلف فِي أفضل المكاسب، فَقَالَ النَّوَوِيّ: أفضلهَا
الزِّرَاعَة، وَقيل: أفضلهَا الْكسْب بِالْيَدِ، وَهِي الصَّنْعَة، وَقيل: أفضلهَا التِّجَارَة،
وَأكْثر الْأَحَادِيث تدل على أَفضَلِيَّة الْكسْب بِالْيَدِ. عَنْ رَافِعِ بْنِ
خَدِيجٍ قَالَ: (قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ قَالَ:
"عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ"؛ والتَّحْقِيقُ
أنَّ ذلك يختلف باختلاف حاجةِ النَّاسِ وظروفهم" اهـ ([6]).
خامسا: الزرع من
الصدقات الجارية
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَبْعَةٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ
أَجْرُهُنَّ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ
كَرَى نَهَرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلًا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا،
أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ
"([7])
وعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ،
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ بَنَى
بُنْيَانًا فِي غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا اعْتِدَاءٍ كَانَ أَجْرُهُ جَارِيًا عَلَيْهِ
مَا انْتَفَعَ بِهِ أَحَدٌ فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ "([8])
أقول قولي هذا و استغفر الله العظيم لي و
لكم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
...............................................................
سادسا:( اسْقِ
حَدِيقَةَ فُلاَنٍ )
هيا معاشر الأحباب لنرى معونة الله جل جلاله
لمن أطاعه واتقاه لمن تجار معه لمن أدى حق الله تعالى لمن أتقن عمله
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى
الله عليه وسلم-قَالَ « بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا
فِي سَحَابَةٍ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ. فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ
مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ
ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي
حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ
مَا اسْمُكَ قَالَ فُلاَنٌ. لِلاِسْمِ الَّذِى سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ فَقَالَ
لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِى فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ
صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِى هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ
لاِسْمِكَ فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا قَالَ أَمَّا إِذَا قُلْتَ هَذَا فَإِنِّي
أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ وَآكُلُ أَنَا
وَعِيَالِي ثُلُثًا وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ ».([9])
يُحدِّثنا الرّسول صلى الله عليه وسلم عَنْ
رَجُلٍ سَمِعَ عَجَبًا، فَقَدْ كانَ يَسيرُ في أَرْضٍ خاليَّةٍ، فمرَّتْ سَحابَةٌ
مِنْ فَوْقِهِ، فسَمِع فيهَا صَوْتًا يأْمُرُ آخرَ بِأَنْ يَسْقِي حَديقَةَ رَجُلٍ
سَمَّاهُ.
ونَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ الله أَقَامَ على
السَّحَابِ ملائكةً توجِّهُهُ، وهي مأمورَةٌ أنْ تُنْزِلَهُ في المواقِعِ
المُحَدَّدَةِ لهُ، وهذَا الصَّوتُ الَّذي سَمِعَه ذلك الرَّجُلُ صَوْتٌ بلاَ
شكٍّ، وَسُنَّةُ الله أَنَّنَا لا نَسْمَعُ خِطَابَ الملائِكَةِ إلاّ لِحِكْمَـةٍ،
والحِكْمَةُ في سَمَاعِ ذَلكَ الرَّجُلِ أنّ الله يُريدُ تَعْريفَنَا بالخَيْرِ
والبَرَكَةِ الّتي تَجْلُبُهَا اسْتقامَةُ صاحِبِ الزَّرعِ لِزَرْعِـهِ.
وقَدْ اسْتَثَارَ ذلكَ الصَّوتُ الرَّجُلَ
الَّذي سَمِعَهُ، فأَحَبَّ أنْ يَعْرِفَ هذَا الرَّجُلَ الَّذي ذُكِرَ اسمُهُ في
السَّحَابِ، فَنَظَرَ حَيْثُ أَفْرَغَتِ السَّحابَةُ ماءَهَا، فإذا هي قَدْ
أَمْطَرَتْهُ في حَرَّةٍ مِنَ الحِرَارِ، وهي أَرْضٌ كثيرةُ الحِجَارةِ،
حِجارَتُها سَوْدَاءُ، ونَظَرَ الرَّجُلُ إلى الأمْطَارِِ الَّتي نَزَلَتْ على
الأَرْضِ، فوجدَهَا تُشَكِّلُ قَنَوَاتٍ ومَسَائِلَ تَتَّجِهُ اتِّجَاهًا
مُحَدَّدًا، فَتَتَبَّعَ مَسَائِلَ الماءِ، وسارَ معَهَا حتّى رآها تَصِلُ إلى
حَديقَةٍ، ورأى رَجُلاً قاِئمًا في الحَديقَةِ يَحُولُ الماءَ بِمِسْحَاتِهِ في
قَنَواتِ حَديقَتِهِ، هنَا وهناكَ، وتوقَّفَ ذلك الرَّجُلُ عِنْدَ صاحِبِ
الَحديقَــةِ، وسألَهُ عَن اسْمِهِ، فَوَجَدَهُ الاسْمَ الَّذي سَمِعَهُ في
السَّحَابِ.
واستغْرَبَ صاحِبُ الَحديقَةِ سُؤَالَ
السَّائِلِ، فأَعْلَمَهُ عَنْ خَبَرِهِ، وعَن اسْمِهِ منَ السَّحابِ، وأنَّ أَمرًا
صَدَرَ لِلمُوكَّلينَ بِتِلْكَ الغَمَامَةِ بِسَقْيِ حَديقَتِهِ، وهُنا سألَهُ عنِ
السَّبَبِ الَّذي استَحَقَّ به أَنْ يُؤْمَرَ السَّحابُ بسقيِ حَديقَتِهِ، إذْ لا
شكَّ في أَنَّه يعملُ عملاً أَرْضَى بِهِ رَبَّه، فأَخْبَرَهُ أنَّهُ يَنْظُرُ إلى
نِتَاجِ مَزْرَعَتِهِ، فَيَقْسِمُهُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: قِسْمٌ يَتَصَدَّقُ بِه
على الفُقراءِ والمسَاكِينِ وأَصْحابِ الحاجَةِ، وقِسْمٌ يَجْعَلُهُ لِمَعَاشِهِ
ومَعَاشِ عِيَّالِهِ، والقِسْمُ الثَّالِثُ يَرُدُّهُ فِي حَدِيقَتِهِ.
ونَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ الصَّدقةَ تَحْفَظُ
المالَ وتُزَكِّيهِ وتُبَارِكُهُ، ونَفَقَةُ المرءِ على عيَّالِهِ واجبٌ
أَوْجَبَهُ الله عَلَيْهِ، ورِعَايَةُ البُسْتَانِ بالَحرْثِ والتَّسْمِيدِ
والسَّقيِ مِنْ أَسْبابِ الحِفْظِ، وبذلكَ يَظْهَرُ لك أنَّ هذا الرَّجُلَ كان يُمَثِّلُ
المُزارعَ المُسْلِمَ، الَّذي يَعْرِفُ حقَّ ربِّهِ عليهِ، كما يَعْرِفُ حَقَّ
نَفْسِهِ وأَهْلِهِ، وهو في الوَقْتِ ذاتِهِ خَبِيرٌ بالطَّريقةِ العِلْمِيَّةِ
لإِصْلاحِ الأرضِ واستِثْمَارِهَا.
سابعا: لا تترك الزراعة
وان قامت الساعة
اعلموا بارك الله فيك : أن العمل لا ينقطع ما دامت السماوات و الأرض حتى و إن
ظهرت علامات الساعة الكبر لا ينبغي للمسلم أن لا ييأس و يترك العمل بل يزرع فعن عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ:
قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: إِنْ سَمِعْتَ بِالدَّجَّالِ قَدْ خَرَجَ،
وَأَنْتَ عَلَى وَدِيَّةٍ تَغْرِسُهَا، فَلَا تَعْجَلْ أَنْ تُصْلِحَهَا، فَإِنَّ
لِلنَّاسِ بَعْدَ ذَلِكَ عَيْشًا([10])
عن عِمَارَة بنِ خُزَيْمَةَ بن ثَابِتٍ قال:
سمعتُ عُمَرَ بن الخطَّابِ يقولُ لأَبِى: ما يمنعك أن تغرس أرضك؟ فقال لَه أَبى:
أَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ أموتُ غَدًا فقال له عُمَرُ: أعْزِمُ عَلَيْكَ لَتَغْرِسَنَّهَا،
فلقد رأَيتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّاب يَغْرِسُهَا بِيَدِهِ مع أَبِى". ([11])
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ
أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا
فَلْيَغْرِسْهَا» ([12])
ولا تقل: هذه فسيلة متى تكبر ومتى تنمو؟!
والقيامة قد قامت فمن سيأكل منها؟! هذا ليس شأننا، وإنما عملنا أن نغرس لدين الله،
وإذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فاستطاع أن يغرسها فليغرسها، ودع النتائج
إلى الله تبارك وتعالى، فيجب علينا ألا نتكاسل، وألا نتوانى، وإنما يجب أن يدفعنا
هذا الأمل للعمل، فإن أملاً بغير عمل هو أمل الجهلة السفهاء.
فالساعة سوف تقوم! وهذه الفسيلة لم تكبر!
ولم تنبت! فلك أنت تتعبد بزرع هذه الفسيلة في الأرض، لأن ذلك نوعٌ مما يحبه الله
عز وجل، بالنية الصالحة، وكان صلى الله عليه وسلم يحدث يوماً وعنده رجلٌ من أهل
البادية، فقال عليه الصلاة والسلام: {إنَّ رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع
أن يزرع، فقال الله عز وجل ألستَ فيما شئت، -أي: من الخير والنعيم- قال: بلى يا
ربِّ، ولكني أحب أن أزرع، قال: فبذر الرجل، فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده،
في طرفة عين، فكان أمثال الجبال، فقال الله عز وجل: دونك يا بن آدم، خذ فإنه لا
يرضيك، أو لا يشبعك شيء، فقال هذا الرجل من أهل البادية: والله يا رسول الله، لا
تجد هذا ُالرجلَ إلا قرشياً، أو أنصارياً، أما فإنهم أصحاب زرع، أمَّا نحن أهل
البادية فلا نشتغل في الزرع، فتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم}
ها
هو أبو الدرداء رضي الله عنه يمر به رجل وهو يزرع جوزة فيقول له: أتغرس وأنت شيخ
كبير؟ وهذه لا تُطعم إلا في كذا وكذا عاماً !! فيقول أبو الدرداء: ما علي أن يكون
لي أجرها ، ويأكل منها غيري
الدعاء ...............................
([1]) -أخرجه ابن حبان (13/30، رقم 5723)
، والطبرانى فى الأوسط (8/80، رقم 8024) .السلسلة الصَّحِيحَة: 2801
([3]) - أخرجه الطيالسى (ص 244، رقم
1775) ، ومسلم (3/1189، رقم 1552) ، وابن حبان (8/154 رقم 3369) . وأخرجه أيضًا:
الحميدى (2/536، رقم 1274)
([4]) -أخرجه أحمد (4/61، رقم 16636) ،
والبيهقى فى شعب الإيمان (3/265، رقم 3498) . قال الهيثمى (4/68)
([7]) - رواه
البزار "149" 1/ 89، وأبو نعيم في الحلية 2/ 343-344، والبيهقي في الشعب
"3449" 3/ 248، انظر صَحِيح الْجَامِع: 3602 , وصحيح الترغيب والترهيب:
73
([8]) - مسند
أحمد ط الرسالة (24/ 382) وأخرجه ابن عبد الحكم في
"فتوح مصر" ص298، والطبراني في "الكبير" 20/ (410) وضعفه
الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1545).
تعليقات
إرسال تعليق