خطبة الاستثمار والمستريحون وسراب الغنى.pdf


الاستثمار والمستريحون وسراب الغنى

 الشيخ السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا معاشر الموحدين حياكم الله تعالى و بياكم و جمعنا الله و إياكم في الدنيا على طاعته و في الأخرة مع سيد الأولين و إمام المتقين صلى الله عليه وسلم في جنات و نهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ................حديثنا عن الاستثمار و ظاهرة المستريحين و طمع يصحبه كسل يقوده جشع يعقبه ندم فأعيروني القلوب و الأسماع.................

ظاهرة المستريحين:

إخوة الإسلام تناقلت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة المستريحين و كيف أنهم جمعوا أموالا كبيرة  تحت سراب الاستثمار و خداع الربح ............إن خديعة الاستثمارات الوهمية وتوظيف الأموال تنتشر في المجتمعات المحلية كالنار في الهشيم، من دون أن يروج لها المحتال نفسه، بل يعتمد على ضحاياه في تنفيذ المهمة مُعتمداً على "الشبكات الاجتماعية الضعيفة" بين الأفراد................

بدأت قصة «المستريحين» في مصر في العام 2015، بعدما سقط النصاب أحمد مصطفى وشهرته «المستريح» في صعيد مصر، بعد استيلائه على 53 مليون جنيه من أشخاص مقابل حصولهم على أرباح شهرية.«المستريح» أقنع ضحاياه آنذاك بتوظيف أموالهم في الهواتف المحمولة، والعقارات، واعتاد تسلميهم أرباحاً شهرية، لكن قبض عليه عقب توقفه، وحكم عليه لاحقاً بالسجن 15 سنة وإلزامه برد 266 مليون جنيه للضحايا

الطمع والكسل سراب الاستثمار المجهول:

إخوة الإسلام أن ظاهرة المستريح ظاهرة سببها الرئيسي هو الطمع والكسل

فالطمع الذي اعمى عيون كثير من أصحاب الأموال جعلهم يدفعون الأموال إلى المستريح بعد أن رمى لهم بطعم الغني والربح الوفير والمكسب السريع

فكم من أناس قد هلكوا تحت بروق الطمع وكم من أناس أفلسوا تحت بروق الطمع

قال عليّ-رضي الله عنه-أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع) ([1]).

وقال أيضا-رضي الله عنه-ما الخمر صرفا بأذهب لعقول الرّجال من الطّمع) ([2]).

اجتمع كعب وعبد الله بن سلام، فقال له كعب: يا بن سلام: من أرباب العلم؟ قال: الّذين يعملون به. قال: فما أذهب العلم عن قلوب العلماء بعد أن علموه؟ قال: الطّمع، وشره النّفس، وطلب الحوائج إلى النّاس)([3]).

 قال عمر -رضي الله عنه -في خطبة: تعلمون أن الطمع فقر، وأن اليأس غنى، وأن الرجل إذا يئس من شيء استغنى عنه. ([4])

(عن ابن كعب بن مالك الأنصاريّ عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشّرف لدينه»

يا جامعا مانعا والدّهر يرمقه ... مفكّرا أيّ باب منه يغلقه

المال عندك مخزون لوارثه ... ما المال مالك إلّا يوم تنفقه

إنّ القناعة من يحلل بساحتها ... لم يلق في ظلّها همّا يؤرّقه

الكسل وضعف الهمة سبب لانتشار تلك الظاهرة:

إخوة الإسلام: الكسل الذي دفع أرباب الأموال إلى دفع أموالهم إلى هؤلاء المحتالين .... فالكسل داء عضال يصيب المرء فيجعله يضعف عن مصلحة نفسه ويصبح ضعيف الهمة والإرادة ...................

لماذا لم يستثمر هؤلاء أموالهم بأنفسهم فميادين الاستثمار كثيرة والمشروعات أكثر من أن تحصى ولكنه الكسل إن الكسلَ آفة عظيمة تعود على الأفراد والمجتمعات بالعواقب الوخيمة؛ فهو يهدم الشخصية، ويَذهب بنضارة العمر، ويؤدي بصاحبه إلى الإهمال والتأخر في ميادين الحياة الفسيحة.

من أجل هذا كان المؤمنون الصادقون يكرهون الكسل ويحتقرونه، ويستعيذون بالله منه، ويدعون بدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَال) رواه البخاري.

الكسل انسلاخ من الإنسانية:

قال الإمام الراغب -رحمه الله-: من تعطّل وتبطّل انسلخ من الإنسانية، بل من الحيوانية، وصار من جنس الموتى. ومن تعود الكسل ومال إلى الراحة فَقَد الراحة.

وقد قيل: إن أردت ألا تتعبَ فاتعبْ حتى لا تتعبَ.

وقيل أيضاً: إياك والكسلَ والضجرَ، فإنك إن كسلتَ لم تؤدِّ حقاً، وإن ضجرتَ فلن تصبر على الحق.

إن الإنسان في هذه الحياة إذا ركن إلى الراحة والدعة والخمول، هان على نفسه وعلى الآخرين، فالكسل حلقات متتالية، فمن كسل عن شيء جره ذلك إلى الكسل عن آخرَ وثالثٍ ورابعٍ حتى يلتحق بالأموات وهو يمشي على الأرض، ولربما تكاسَل عن أسباب المعاش فلجأ إلى سؤال الناس فكان دنيئاً.

وهذه الشريعة الغرَّاء تربي أبناءها على العزة والاستغناء والعفة، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (لأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَتَصَدَّقَ بِهِ وَيَسْتَغْنِىَ بِهِ مِنَ النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلاً أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ) رواه مسلم.

قال الشاعر:

وَاحَسْرَتَاه تَقَضَّى العُمُرُ وَانْصَرَمَتْ ... سَاعَاتُهُ بَيْنَ ذُلِّ العَجْزِ والكسلِ

والقومُ قَدْ أَخَذُوا دَرْبَ النَّجَاةِ وقَدْ ... سَارُوا إِلَى المطلَبِ الأَعْلَى عَلَى مَهْلِ

إن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا الجد و العمل و الاستثمار حتى و لو كان رأس المال قليل جدا فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا فِي بَيْتِك شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ يُلْبَسُ بَعْضُهُ، وَيُبْسَطُ بَعْضُهُ، وَقَعْبٌ يُشْرَبُ فِيهِ الْمَاءُ، قَالَ: آتِنِي بِهِمَا، فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: " مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ " فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: "مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ"؟ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إيَّاهُ، وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ: "اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إلَى أَهْلِك، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا، فَأْتِنِي بِهِ"، فَأَتَاهُ بِهِ، فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "اذْهَبْ فَاحْتُطِبَ، وَبِعْ، وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا"، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فَجَاءَ، وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَاشْتَرِي بِبَعْضِهَا ثَوْبًا، وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَا خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةَ نُكْتَةً فِي وَجْهِك يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِثَلَاثَةٍ، لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ"،([5])

روى البخاري عن الزبير أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «لأن يأخذ أحدكم حبله، ثم يأتي الجبل، ثم يجيء بحزمة من حطب، فيبيعها فيستغني بثمنها، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه».

روى البخاري ومسلم عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ».([6])

إن المستثمرين الكبار كانوا يوما صغارا:

لماذا يأنف الشباب عن عمل مشاريع صغيرة تدر عليهم مكسبا بسيطا يستغنون به عن مسألة الناس

إن المشاريع الكبيرة كانت في يوم من الأيام صغيرة ثم نمت وكبرت إن أول السيل قطرة تأملوا أيها الشباب في قصة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لما هاجر إلى المدينة لم يكن يمتلك لا مال ولا بيت ولا زوجة و لكنه بدا من الصفر حتى صار من أغنياء الصحابة الأمة

عَنْ أنس عن مَالْكٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ هَاجَرَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَآخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، إِنِّي مِنْ أَكْثَرِ الْأَنْصَارِ مَالًا، وَإِنِّي مُقَاسِمُكَ مَالِي، وَلِي امْرَأَتَانِ وَأَنَا "مُطَلِّقٌ" إِحْدَيْهُمَا؛ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجْهَا.

فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَلَكِنْ دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ. فَدَلَّهُ فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَصَابَ شَيْئًا مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ رَبَحَهُ، فَمَكَثَ أَيَّامًا ثُمَّ مَرَّ بِالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَأَى عَلَيْهِ وَضَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَهْيَم؟ " قَالَ: تَزَوَّجْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "مَنْ؟ " قَالَ: امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ. قَالَ: "مَا أَصْدَقْتَ؟ " قَالَ: نَوَاةً -أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ- مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ: "أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ".([7]).

وهكذا ذهب عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وتاجر بالدراهم التي يملكها، فأخذ يبيع ويشتري حتى جاءته الوفاة بعد عشرات السنين، فأخذوا يقسمون تركته، فكان نصيب زوجته الرابعة من التركة مليوني دينار، وعلى ذلك تصبح تركته أربعة وستين مليون دينار، وكل ذلك ببركة المال الحلال.

أيها الشباب : دخل ابن عوف سوق المدينة وعمره ثلاث وأربعون سنة وكان صناع السوق وسماسرته من يهود بني قينقاع، فلم يثن عزيمته ولم يفت في همته هذا الاحتكار اليهودي بل زاحم في السوق واشترى وباع وربح وادخر وهكذا سارت به الأيام وهو يكدح في العمل وطلب الحلال والعفاف.

المستريحون والنصب والاحتيال:

معاشر الموحدين : إن تلك الفئة من المجتمع فئة ضلت الصراط المستقيم فزين لهم الشيطان سوء أعمالهم وهون لديهم النصب والاحتيال واكل أموال الناس بالباطل

أخوة الإسلام: إن النصب والاحتيال الذي قام به هؤلاء نوع من الغش الذي حرمه الله تعالى فقد غش هؤلاء أرباب الأموال و أغروهم بالفوائد و نسي هؤلاء أن ما قاموا به ليس من أخلاق الإسلام بل هو قدح في إسلامهم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَالْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ فِي النَّارِ» ([8])

 وما قام به هؤلاء من الخداع الذي يوقع صاحبه تحت عقاب الله وغضبه يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (من خادع الله يخدعه الله).

ألا يعلم هؤلاء أن عمله هذا أكلا لأموال الناس بالباطل:

لقد وجد في هذا الزمان من يفرح إذا أخذ أو ظفر بحق أخيه واعتبر ذلك ذكاءً ودهاءً وقوة فليس المهم أن هذا المال حرام أو حلال ولكن المهم عنده أنه حصل عليه فلقد قل خوف الله عند كثير من الناس ونسوا وعيد الله ونسوا دعاء المظلومين وعذاب قلوبهم المتجهة إلى ربها ترفع أكف الضراعة إلى الله ليأخذ حقها وينتقم ممن ظلمها عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ أَمْوَالَ النَّاسِ، ثُمَّ يُرِيدُ أَدَاءَهَا إِلَّا أَدَّى الله عَنْهُ، وَلَا يَأْخُذُهَا أَحَدٌ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا إِلَّا أَتْلَفَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ " ".([9])

وليعلم هؤلاء ومن سار على دربهم أن ما قاموا به دليل واضح على نفاقهم والعياذ بالله

عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَرْبَعٌ مَنْ كنَّ فِيهِ كَانَ مُنافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفاقِ حَتّى يَدَعَهَا: إِذا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذا عاهَدَ غَدَرَ، وَإِذا خَاصَمَ فَجَرَ)([10])،

أيها المسترحون: إن ما قمتم به غدر يوجب العاقب من رب الأرباب ويوجب الفضيحة يوم القيامة

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ " ([11])

وليعلم هؤلاء أن خصمهم هو الله تعالى وسيحاسبهم على سوء أفعالهم

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي، ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ " ([12])

 أيها الناس إن الواجب على كل مسلم أن يخاف الله ويرعى حدوده وأوامره وألا يغتر بعمل فلان أو فلان أو يغتر بما عليه أكثر الناس اليوم وأن نتذكر الحساب وأنه لايخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي كَانَتْ لِأَبِي قَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَكَ يَمِينُهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ، لَا يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: «لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ» فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَدْبَرَ «أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا، لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ»

أقول قولي هذا و استغفر الله لي و لكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

أما بعد: .............................

 رسالة إلى شباب الأمة اطلبوا الربح والفائدة بالعمل والإنتاج والاستثمار:

أيها الشباب استثمروا أموالكم بأنفسكم لا تركنوا إلى الدعة وإلى البطالة، لماذا المتاجرة في الحرام والأعمال المشبوهة، وأنت بإمكانك:

1- أن تضع مالك في مشاريع، وتستثمره في الحلال، وبطريقة مشروعة، كأن تتحمل الربح والخسارة، لا أن تطلب الربح فقط كالأعمال الربوية التي تطرحها بعض الجهات اليوم.

2- أن تضع نقودك في بنايات وأراضٍ ومصانع، فتؤجرها وتأكل إيجارها، أو تستثمرها وتشغلها أنت بنفسك لتعود عليك بالفائدة، وإذا خسرت فتتقبل الخسارة.

3-إذا فاض المال عندك فأمامك مشروع استثماري أخروي، وهو أن تقرض المحتاجين قرضاً حسناً، لتنال عليه الثواب في الآخرة، وأنت تعلم أن جزاء المقرض لوجه الله الجنة ونعيمها.

- أضف إلى ذلك إخراجك للزكاة المفروضة على الوجه الصحيح، وليس كما يفعل الكثيرون من التجار، حيث يضع التاجر أمواله في مشاريع على مدار العام، وإذا جاء نهاية العام، اعتذر عن دفع الزكاة بحجة أن عليه ديوناً ولا يملك ما يزكي به أو ما يزكي عنه، وهذا الادعاء هو كلمة حق أريد بها الباطل.

اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك واغننا بفضلك عمن سواك واجعل لنا من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا اللهم ارزقنا خوفك ورجاءك وانزع حب الدنيا من قلوبنا واجعلنا أغنى خلقك بك وأفقر عبادك إليك، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.



([1]) -المستطرف (98) .

([2]) -المستطرف (98) .

([3]) -المستطرف (98) .

([4]) -[الحلية (تهذيبه) 1/ 71].

([5]) - أخرجه ابن ماجه (2198)، والترمذي (1261)، والنسائي في "الكبرى" (6054)

([6]) - صحيح البخاري (2/ 123) (1471)

([7]) - أخرجه الحميدي (1218) ، وأحمد (3/274) ، والبخاري (7/30)

([8]) - أخرجه الطبراني في " الكبير " (10234) ، وفي " الصغير " (838) ، والقضاعي في " الشهاب " (253) و (254) و (354)

([9]) - البخاري: (5/ 66) (43) كتاب الإستقراض (2) باب من أخذ أموال الناس يريد أداءها - رقم (2387).

([10]) - أخرجه أحمد (6768) وفي (6864). وعبد بن حميد (322). والبخاري (34) وفي (2459) ومسلم (58).

([11]) - أخرجه البخاري (3186) ، ومسلم (1736) (12) ، والنسائي في "الكبرى" (8738) ، وابن ماجه (2872) ،

([12]) - أخرجه البخاري (2227) و (2270) ، وابن ماجه (2442) ، وابن الجارود (579) ، وأبو يعلى (6571)


خطبة الاستثمار والمستريحون وسراب الغنى.pdf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة فيض الإله بخلق المواساة.pdf

الحقوق العشر للوطن في الإسلام

خطبة الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان.pdf