الفضائل العشر لعشر ذي الحجة.pdf
الفضائل العشر لعشر ذي الحجة
الخطبة الأولى
الحمد
لله الذي دعا عباده المؤمنين إلى حج بيته الحرام؛ ليشهدوا منافع لهم، وليذكروا اسم
الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بين يدي
الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.
اللهم
صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن آله، ومن دعا بدعوته، وعمل
بسنته، ونصح لأمته، وسلم تسليمًا كثيرًا.
ألا يا باغي الخيرات أقْبِل إلى ذي الحجَّة الشهر الحرام
به العشر الأوائل حين هلت أحــب الـلـــه خـــيـــرا للأنام
بها النفحات من فيض ونور وعــــــــــــــرفات فَشَمِّرْ للصيام
بها النحر الذي قد قال فيه إلـــــــــــه العرش ذكرا للأنام
بها الميلاد يبدأ من جديد إذا ما القلب طُهر من سقام
وبالحسنات فرج كل ذنب إذا شئت الوصول إلى المرام
ألا يا باغيَ الخيرات أقبل فــــــــإن الشهر شهرٌ للكرام
إذا استهواك شيطانٌ فأدبر ولا تركنْ إلى الفعل الحرام
اعلم
علمني الله وإياك: أن لهذه الأيام المبارك فضائل ليست لغيرها من سائر الأيام حيث
فضلها رب الأنام ونبينا الهمام – صلى الله عليه وسلم – وهاك بيانها من محكم القران
ومن سنة النبي العدنان – صلى الله عليه وسلم –
✍ أولا -أن
الله تعالى أقسم بها: إخوة الإسلام:
من
فضائل تلك الأيام الفاضلة أن الله تعالى أقسم بها وإذا أقسم الله بشيء دل هذا على
عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بالعظيم، قال {وَالْفَجْرِ
(1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } [الفجر: 1 - 3]
والليالي
العشر هي عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين والخلف، وقال ابن كثير في
تفسيره: وهو الصحيح.
عَنْ
جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الْعَشْرَ
عَشْرُ الْأَضْحَى، وَالْوَتْرَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّفْعَ يَوْمُ النَّحْرِ
" ([1])
✍ ثانيا-أنها
الأيام المعلومات التي شرع فيها ذكره:
و اعلم
بارك الله فيك – أن هذه الأيام أيام ذكر و تسبيح و تهليل قال تعالى: (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة
الأنعام) [الحج:28] وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي
الحجة، منهم ابن عمر وابن عباس.
✍ ثالثا -أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد لها بأنها أفضل أيام الدنيا:
إخوة
الإسلام: لقد كشف لنا النبي – صلى الله عليه وسلم الغطاء عن فضائل تلك الأيام
فأخبرنا سيد الأنام-صلى الله عليه وسلم-بأنها أفضل أيام الدنيا وأن العمل فيها
أفضل من غيرها
عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا
الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ» قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟، فَقَالَ: «وَلَا
الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ». ([2])
عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَذُكِرَتِ الْأَعْمَالُ، فَقَالَ: " مَا مِنْ
أَيَّامٍ الْعَمَلُ فِيهِنَّ أَفْضَلُ مِنْ هَذِهِ الْعَشْرِ " قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللهِ، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: فَأَكْبَرَهُ فَقَالَ:
" وَلَا الْجِهَادُ، إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ رَجُلٌ بِنَفْسِهِ، وَمَالِهِ فِي
سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ تَكُونَ مُهْجَةُ نَفْسِهِ فِيهِ "]. ([3])
✍ رابعا -أن
فيها يوم عرفة:
واعلم
بارك الله فيك : أن هذه الأيام تشتمل على يوم هو افضل أيام الدنيا على الإطلاق ألا
و هو يوم عرفة يوم العتق من النار يوم المباهاة يوم تقال العثرات و ترفع الدرجات و
يتجلى فيه رب الأرض و السماوات عَنْ
عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ،
وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» ([4])
✍ خامسا -أن
فيها يوم النحر:
و من فضائل
العشر أن فيها يوم النحر و لذلك اليوم فضائل عظيمة، عبد الله بن قرط -رضي الله عنه
-: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم-قال : «إنَّ أعْظَمَ الأيَّامِ عند الله : يومُ
النَّحر ، ثم يومُ القَرِّ ، قال ثور: هو اليوم الثاني... الحديث» أخرجه أبو داود.
([5])
✍ سادسا -اجتماع
أمهات العبادة فيها:
وفي
هذه العشر تجتمع أمهات الطاعات وأمهات الفرائض فهي إعلان لوحدانية الله تعالى – و
هذا هو الركن الأول من أركان الإسلام و فيها تقام الصلوات و تخرج الصدقات و يحج
بيت رب الأرض و السماوات قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (والذي يظهر أن السبب في
امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة
والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره).
أقول قولي هذا، وأستغفر الله
العظيم لي ولكم فاستغفروه، التائب حبيب الرحمن والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن
لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل على سيدنا
محمدٍ النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وآل بيته كما صليت ربنا على آل إبراهيم
إنك حميدٌ مجيد.
✍ سابعا -أنها
الأيام العشر التي أتمها الله لموسى عليه السلام
و من
بين تلك الفضائل أنها العشر التي اتمها الله تعالى لكليمه موسى عليه السلام قال تعالى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا
بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ
هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ
الْمُفْسِدِينَ) سورة الأعراف: 142 .
عن
مجاهد في قول الله تعالى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى
ثَلاَثِينَ لَيْلَةً) قال: ذو القعدة (وَأَتْمَمْنَاهَا
بِعَشْرٍ من ذي الحجة).
✍ ثامنا أن
فيها اليوم المشهود الذي اقسم به الرب المعبود
وعلموا عباد الله أن من فضائل تلكم الأيام أن
فيها اليوم المشهود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَشَاهِدٍ
وَمَشْهُودٍ} [البروج: 3]، قَالَ: " الشَّاهِدُ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ،
وَالْمَشْهُودُ: يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالْمَوْعُودُ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ([6]).
✍ تاسعا–أن
فيها اليوم الذي أتم الله فيه النعمة وأكمل فيه الدين
ومن بركات ذلك اليوم أن الله تعالى أتم فيه
النعمة وأكمل فيه الدين فهو يوم من أيام ذلك الدين القيم
أخرج
البخاري عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا
مِنْ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ
تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ
الْيَوْمَ عِيدًا قَالَ أَيُّ آيَةٍ قَالَ "
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا" قَالَ عُمَرُ قَدْ عَرَفْنَا
ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ. ([7])
✍عاشرا -أن فيها اليوم
الذي اخذ الله الميثاق على بني ادم
وهو
اليوم الميثاق الذي أخذ على كافة بني البشر، فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم
بِنَعْمان- يعني عرفة - وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّر، ثم
كلمهم قِبَلا، قال: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي
آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ
بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا
كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن
قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ
الْمُبْطِلُونَ) "الأعراف: 172، 173" ([8])
والآية
تدل على أن الله قد ألهم البشرية كلها بأنه هو ربها وإلهها، وأنه ليس لها رب ولا
إله غيره، وأنه أخذ عليها ميثاقاً بذلك: ( قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا )، فلم يعد
يقبل منهم أن يقولوا يوم القيامة: نسينا وكنا غافلين عن هذا الميثاق! أو يحتجوا
بأن آباءهم أشركوا وأنهم اتبعوهم في شركهم لأنهم من ذريتهم! فشرك الآباء لا يبرر
للأبناء أن يحيدوا عن ميثاق الفطرة؛ لأنه عهد بينهم وبين الله ولا دخل للآباء فيه!
وإن كان الله من رحمته لا يحاسب الناس بميثاق الفطرة وحده، وإنما يحاسبهم بعد
تذكرتهم على يد الرسل: ( رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ
وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ
وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (النساء : 165)
[1] - «مسند أحمد» (22/ 389 ط
الرسالة):«وأخرجه النسائي في "الكبرى" (4101) ، والطبري 12/169، والحاكم
4/220 »
[2] - المسند 3/ 433 (1968)، والبخاري
2/ 457 (969)
[3] - أخرجه أيضًا: الطيالسى (1/301،
رقم 2283) ، وأحمد (2/167، رقم 6559) ، وابن أبى عاصم فى الجهاد
(2/441، رقم 157)
.
[4] - رواه أبو داود رقم (2419) في
الصوم، باب صيام أيام التشريق، والترمذي رقم (773)
[5] - «مسند أحمد» (31/ 428 ط
الرسالة):«وأخرجه بتمامه ومختصراً ابن خزيمة في "صحيحه" (2866) و (2917)
، والنسائي في "الكبرى" (4098)»
[6] -«مسند أحمد» (13/ 352 ط
الرسالة):«وأخرجه الترمذي (3339) ، والطبري 30/128 و129، والبيهقي 3/170 م»
[7] - أخرجه البخاري في: 2 كتاب الإيمان:
33 باب زيادة الإيمان ونقصانه
[8] - أخرجه أحمد (1/272، رقم 2455)
قال الهيثمى (7/25) : رجاله رجال الصحيح. (الصحيحة 1623)
تعليقات
إرسال تعليق