الشهود في اليوم الموعود.pdf



الشهود في اليوم الموعود

 الشيخ السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين سبحانه سبحانه سبحان الذي في السماء عرشه، سبحان الذي في الأرض حكمه، سبحان الذي في القبر قضائه، سبحان الذي في البحر سبيله، سبحانه في النار سلطانه، سبحان الذي في الجنة رحمته، سبحان الذي في القيامة عدله

واشهد إن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو علي كل شيء قدير شهادة من قال ربى الله ثم استقام تقرب لعباده برأفته ورحمته، ونور قلوب عباده بهدايته،

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه

وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين

ثم أما بعد: فيا معاشر الموحدين وحدوا الله جل جلاله حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون الأغر عن الشهود في اليوم الموعود إننا معاشر الأحباب نقع تحت الأضواء الكاشفة التي تكشف السرائر وتعلم من تكن الضمائر فكل حركة و سكنة مرصودة يشهدها الشهود لتكون حجة لك أو عليك يوم تبلى السائر فهيا لنتعرف على محكمة العدل الإلهية و لنشهد الشهود في ذلك اليوم الموعود

أرض المحكمة:

هي أرض أخرى غير أرضنا، لم تطأها قدمٌ من قبلُ، ولم تعمل عليها بخطيئة، ولم يسفك عليها دمٌ، أرض طاهرةٌ من ذنوب بني آدم وظلمهم، طهرٌ يتناسب وطهرِ القضاءِ الذي سيقضى عليها، { يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [إبراهيم: 48]

عن عبد الله أنه قال في هذه الآية( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ) قال: أرض كالفضة نقية لم يَسِل فيها دم ، ولم يُعْمَل فيها خطيئة ، يسمعهم الداعي ، وينفُذهُم البصر ، حُفاة عُراة قياما ،أحسب قال: كما خُلِقوا ، حتى يلجمهم العرق قياما وَحْدَه.

الحاكم والقاضي هو الله تعالى

1- أما الحاكم: فهو الله جلَّ جلاله، جبَّار الأرض والسماء، تباركت أسماؤه، وعظمت صفاته، الذي يعلم السِّر وأخفى، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، الخالق لكلِّ شيء سبحانه وتعالى، وإذ يتحاجُّون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار، قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد

وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [يونس: 93]

صفة حكمه تعالى

من خصائص الحكم الإلهي في يوم القيامة:

العدل المطلق: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾.

إنما يرتعش وجدانه أمام كل عمل من أعماله ارتعاشة ذلك الميزان الدقيق الذي ترجح به الذرة أو تشيل! إن هذا الميزان لم يوجد له نظير أو شبيه بعد في الأرض.. إلا في القلب المؤمن..

القلب الذي يرتعش لمثقال ذرة من خير أو شر ... وفي الأرض قلوب لا تتحرك للجبل من الذنوب والمعاصي والجرائر.. ولا تتأثر وهي تسحق رواسي من الخير دونها رواسي الجبال.. إنها قلوب عتلة في الأرض، مسحوقة تحت أثقالها تلك في يوم الحساب!!"

لأنَّ الله تعالى هو العدلُ الذي لا يجُور، وإنَّما يحتَاجُ إلى الظلم الضعيف، يقول الله تعالى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49] ويقول الله تعالى: {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر: 17]

لا محاباة ولا أنساب تنفع: يقول الله تعالى: { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101] أي لا تنفع الإنسان يومئذ قرابة، ولا رشوة تغيِّر الحكم، فالحاكم هو الغني المتعال، والكلُّ مفتقر إليه سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15]

حكمه لا يقبل النقض:

إخوة الإسلام تعارف الناس في الدنيا على نقض الحكم، أو محاولة استئنافه، لعلَّ خللاً ما يظهر فيه، وهذا يمكن تصوُّره في حق القضاة البشر، المعرضين للوقوع في الخطأ والإشتباه، ولكن لا يمكن تصوره في حق الله تعالى العليم الخبير العادل، يقول سبحانه وتعالى: {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [الرعد: 41]

أي والله يقضي القضاء المبرم، ولا يرد حكمه النّافذ، فلا رادّ لقضائه، ولا يستطيع أحد أن يطعن فيه أو يبطله أو ينقضه، ومن حكم الله تعالى أن الأرض يرثها عباده الصّالحون بالعدل والإصلاح والعمران.

 اعلموا عباد الله أن من تمام عدل الله تعالى أن جعل على الإنسان يوم القيامة شهود عليه، وذلك لعلمه تعالى بعناد وكذب هذا المخلوق، وأنه مخاصم وجاحد.

المتهم : إخوة الإيمان إن المتهم في هذا اليوم الذي تكالبت عليه الشهود من كل مكان هو أنا و أنت و نحن جميعا عباد الله قال الله تعالى { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24] وقال جل شأنه {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الحجر: 92، 93]

يُبيِّن لنا أنه سيسألهم سبحانه عن أدقِّ التفاصيل؛ ومجرد توجيه السؤال إليهم فيه لَوْن من العذاب.

الشاهد الأول: هو الله تعالى الملك القدوس السلام الذي لا تخفى عليه خافية، السميع البصير يقول تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [فصلت: 53].

{ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [يونس: 61]

اعلم أن الله تبارك وتعالى ما أنزل من السماء إلى الأرض واعظا أكبر، ولا زاجرا أعظم مما تضمنته هذه الآيات الكريمة وأمثالها في القرآن، من أنه تعالى عالم بكل ما يعمله خلقه، رقيب عليهم، ليس بغائب عما يفعلون، وضرب العلماء لهذا الواعظ الأكبر، والزاجر الأعظم مثلا ليصير به كالمحسوس، فقالوا: لو فرضنا أن ملكا قتالا للرجال، سفاكا للدماء، شديد البطش والنكال على من انتهك حرمته ظلما، وسيافه قائم على رأسه، والنطع مبسوط للقتل، والسيف يقطر دما، وحول هذا الملك الذي هذه صفته جواريه وأزواجه وبناته، فهل ترى أن أحدا من الحاضرين يهم بريبة أو بحرام يناله من بنات ذلك الملك وأزواجه، وهو ينظر إليه عالم بأنه مطلع عليه؟ ! لا، وكلا! بل جميع الحاضرين يكونون خائفين، وجلة قلوبهم، خاشعة عيونهم، ساكنة جوارحهم خوفا من بطش ذلك الملك.

ولا شك «ولله المثل الأعلى» أن رب السموات والأرض جل وعلا أشد علما، وأعظم مراقبة، وأشد بطشا، وأعظم نكالا وعقوبة من ذلك الملك، وحماه في أرضه محارمه، فإذا لاحظ الإنسان الضعيف أن ربه جل وعلا ليس بغائب عنه، وأنه مطلع على كل ما يقول وما يفعل وما ينوي لان قلبه، وخشي الله تعالى، وأحسن عمله لله جل وعلا.([1])

عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ: كُنْتُ آخِذٌ بِيَدِ ابْنِ عُمَرَ إِذْ عَرَضَ لَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي النَّجْوَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُدْنِي مِنْهُ الْمُؤْمِنَ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، وَيَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ. حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُهَا لَكَ الْيَوْمَ. فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ، وَالْمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ: {هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] "([2])

الشاهد الثاني: هم الملائكة الذين يكتبون علينا أعمالنا ويسجلون سيئاتنا وحسناتنا يقول

إخوة الإسلام أما الشاهد الثاني فهم  الموكلون من قبل الله تعالى فهم يدونون كل صغيرة و كبيرة قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الإنفطار:10-12].

كل الأقوال الأفعال الجالسات والنظرات في كتاب {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49]

فهذا هو سجل أعمالهم يوضع أمامهم، وهم يتملونه ويراجعونه، فإذا هو شامل دقيق. وهم خائفون من العاقبة ضيقو الصدور بهذا الكتاب الذي لا يترك شاردة ولا واردة، ولا تند عنه كبيرة ولا صغيرة: «وَيَقُولُونَ: يا وَيْلَتَنا. مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً، إِلَّا أَحْصاها؟» وهي قولة المحسور المغيظ الخائف المتوقع لأسوأ العواقب، وقد ضبط مكشوفا لا يملك تفلتا ولا هربا، ولا مغالطة ولا مداورة: «وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً» ولا قوا جزاء عادلا: «وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً» ..

ابن آدم! تذكر وأنت واقف في ذلك الموقف العظيم مع الخلائق الذين لا يعلم عددهم إلا الله، إذ نودي باسمك على رءوس الخلائق، من الأولين والآخرين، فقمتَ ترتعد فرائصُك، فهنيئاً لك إن كنت من أصحاب اليمين، عندما يقال: سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً، أو يقال: سعدت فلانة بنت فلان سعادة لا تشقى بعدها أبداً، فتأخذ الكتاب رافعاً رأسك مسروراً فرحاً: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:19 - 24].

أما إن كانت الأخرى، ونودي باسمك: شقي فلان بن فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبداً، أو شقيت فلانة بنت فلان شقاوة لا تسعد بعدها أبداً، فيُعطى كتابه بشماله، أو من وراء ظهره، يا لها من خسارة! لا تشبهها خسارة! يوم أن ينادي بقلب حزين، يوم أن ينادي في ذلك اليوم العظيم: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:25 - 32].

الشاهد الثالث: هو الرسول صلى الله عليه وسلم الرحيم بأمته والشفيق بهم: واعلموا أن رسولكم صلى الله عليه وسلم شهيد عليكم، يقول الله جل وعلا: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41]

الشاهد الرابع :هي الجوارح التي هي من نعم الله تعالى علينا :

توهم نفسك الأن و أنت واقف أمام محكمة العدل الإلهية ليحاسبك الله تعالى و أنت ترجو النجاة فعندما تشهد عليك الملائكة هل سترفض تلك الشهادة التي دونتها الملائكة حالك كحال ذلك الرجل الذي اخبرنا رسول الله صلى  الله عليه وسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ» ؟ قَالَ: قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ» ، يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تجرني من الظلم؟ قال: يقول بَلَى: قَالَ: فَيَقُولُ فَإِنِّي لَا أجيز عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي، قَالَ: فَيَقُولُ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا، قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الكلام [وإلّا] فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسَحْقًا فَعَنْكُنَّ كنت أناضل» .([3])

يقول تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [يس:٦٥]. ويقول تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ.حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [فصلت:19،20]. وقال تعالى في آية أخرى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور:24].

العمر ينقص والذنوب تزيد ... وتُقال عثرات الفتى فيعود

هل يستطيع جحود ذنب واحد ... رجلٌ جوارحه عليه شهود

الشاهد الخامس: هي هذه الأرض التي نمشي عليها ونأكل ونشرب عليها وننام عليها، ولكن سيأتي يومٌ تشهد هذه الأرض بكل ما عُمل عليها من خير أو شر يقول تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا }[الزلزلة:1-4].

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4] قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا"؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: "فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ وَأَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا أَنْ تَقُولَ: عَمِلَ كَذَا وَكَذَا فِي يَوْمِ كَذَا وكذا فهذه أخبارها". [3: 72]([4])

ستحدث الأرض  بما عمل على ظهرها من خير أو شر؛ بل إن هذه الأرض تحمل عاطفة؛ فإذا مات المؤمن بكاه موضع سجوده، وبكاه ممشاه إلى الصلاة، وبكاه مصعد عمله إلى السماء.

وأما الذين أجرموا وكفروا ونافقوا فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين

ولذلك اسمعوا إلى وصية أبي الدرداء الصحابي الجليل وهو يقول: (اذكروا الله عند كل حُجيرة وشجيرة لعلها تأتي يوم القيامة تشهد لكم)، وهذا ابن عمر (رضي الله عنهما) يقول: (من سجد في موضع عند شجر أو حجر شهد له يوم القيامة عند الله).

وقال عطاء الخراساني: (ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له بها يوم القيامة، وبكت عليه يوم يموت).

أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

أما بعد: ...........................

الشاهد السادس: شهادة الأيام والليالي:

إخوة الإسلام الأيام و الليالي ستشهد علينا توهم كل لحظة ستشهد عليك بما عملت فيها إن خيرا فخير و إن شرا فشر ستتكلم تلك الأيام بما عمل كل إنسان عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ يَأْتِي عَلَى ابْنِ آدَمَ إِلَّا يُنَادَى فِيهِ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا خَلْقٌ جَدِيدٌ وَأَنَا فِيمَا تَعْمَلُ عَلَيْكَ غَدًا شَهِيدٌ فَاعْمَلْ فِيَّ خَيْرًا أَشْهَدْ لَكَ بِهِ غَدًا فَإِنِّي لَوْ قَدْ مَضَيْتُ لَمْ تَرَنِي أَبَدًا قَالَ: وَيَقُولُ اللَّيْلُ مِثْلَ ذَلِكَ "([5])

. وقال محمد بن بشير فأحسن :

مَضَى أَمْسُكَ الْأَدْنَى شَهِيدًا مُعَدَّلًا ... وَيَوْمُكَ هَذَا بِالْفِعَالِ شَهِيدُ

فَإِنْ تَكُ بِالْأَمْسِ اقْتَرَفْتَ إِسَاءَةً ... فَثَنِّ بِإِحْسَانٍ وَأَنْتَ حَمِيدُ

وَلَا تُرْجِ فِعْلَ الْخَيْرِ مِنْكَ إِلَى غَدٍ ... لَعَلَّ غَدًا يَأْتِي وَأَنْتَ فَقِيدُ =

عبادات تشهد لصاحبها :

الثامن الحجر الأسود سيشهد على من  استلمه وقبله

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِهَذَا الْحَجَرِ لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَقٍّ» ([6])

التاسع و العاشر :الصيام و القران سيشهدان لك يوم القيامة

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم [أنه] قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فيه فيشفعان» .([7])

الحادي عشر الشهادة للمؤذن : ما يسمع صوته شجر ولا حجر ولا مدر ، إلا شهد له يوم القيامة .

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُغْفَرُ لِلْمُؤَذِّنِ مَدَّ صَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كُلُّ مَنْ سَمِعَ صَوْتَهُ مِنْ شَجَرٍ , أَوْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ , أَوْ بَشَرٍ , أَوْ رَطْبٍ أَوْ يَابِسٍ , وَيُكْتَبُ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى بِأَذَانِهِ  وَسَاقَ حَدِيثًا طَوِيلًا»([8])

 الدعاء ........................

 



([1]) - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (2/ 171)

([2]) - عبد بن حميد في مسنده ج 1/  ص 267 حديث رقم: 846

([3]) - -أخرجه مسلم (4/ 2280، رقم 2969)، والنسائي في الكبرى (6/ 508، رقم 11653)

([4]) - أخرجه أحمد 2/374، والترمذي"3353ط في تفسير القران: باب ومن سورة: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} ، إسناده ضعيف

([5]) - أخرجه الرافعى من طريق أبى القاسم حمزة بن يوسف السهمى (2/93) . وأخرجه أيضًا: الديلمى (3/382، رقم 5162) ، وأبو نعيم فى الحلية (2/303) .

([6]) - أخرجه أحمد 1/247 و 291 و 307، والدارمي 2/42، والترمذي 961)

([7]) - أخرجه الحاكم في المستدرك: 1 / 554. قال المنذري رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله محتج بهم في الصحيح، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع وغيره بإسناد حسن والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم. انظر الترغيب والترهيب للمنذري 2 / 84. سند هذا الحديث فيه من هو ضعيف، ومن هو متروك، ومن هو مجهول، وقد ضعفه أبو نعيم .

([8]) -

الشهود في اليوم الموعود.pdf

الشهود في اليوم الموعود.pdf

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة فيض الإله بخلق المواساة.pdf

الحقوق العشر للوطن في الإسلام

خطبة الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان.pdf