التقوى هي غاية الغايات.pdf
التقوى هي غاية الغايات
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا
معاشر الموحدين حياكم الله و بياكم و دمتم بخير و عافية حديثنا اليوم عن الغاية
التي من أجلها فرض الله تعالى الفرائض و شرع الشرائع و بيان المقصد الاسمى من
العبادات و أفعال الخير
إن المتأمل
عباد الله في كتاب الله العزيز يجد أن الغاية من الفرائض والعبادات إنما هو الوصول
إلى الغاية المنشودة والدرة المفقودة ألا وهي تقوى الله جل جلاله
............................................................
بين
يدي التقوى:
إن التقوى قد
عرفها العلماء بتعريفات كثيرة نذكر منها تعريف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الله
عنه
سئل الإمام علي
بن أبي طالب كرم الله وجهه عن التقوى التي هي ثمرة الصيام فقال: "هي الخوف من
الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل".
وقال الإمام الغزالي:
"التقوى كنز عظيم، فإن ظفرت به فكم تجد فيه من جوهر، ورزق كريم، وملك عظيم، لأن
خيرات الدنيا والآخرة جُمعت فيها".
وقال داود بن
نصر الطائي: "ما خرج عبد من ذل المعاصي إلى عز التقوى: إلا أغناه الله بلا مال،
وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا جليس".
الغاية
من إرسال الرسل التقوى:
واعلموا عباد الله: أن التقوى هي الغاية من إرسال
الرسل نلمس ذلك جليّا في سورة الشعراء، فضلا عن أمثلة في سور: البقرة، والأعراف، والمؤمنون.
قال الله سبحانه
وتعالى: " وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ
يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ
". (البقرة: 21.)
وقال سبحانه وتعالى:
" وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ
يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ
". (الأعراف: 65.)
وقال سبحانه وتعالى:
" إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ
". (المؤمنون: 23.)
الغاية
من إنزال الكتب التقوى:
و اعلموا عباد الله إن الغاية من إنزال الكتب هي
الوصول إلى التقوى فالقران الكريم كتاب هداية يأخذ بأيدي الحيارى و السكارى إلى رب
الباري و يوصلهم إلى الغاية العظمى قال الله جل جلاله
{الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 1،
2]
والله سبحانه
وتعالى قال: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} أي أن هذا
القرآن هدى للجميع.... فالذي يريد أن يتقي عذاب الله وغضبه يجد فيه الطريق الذي يحدد
له هذه الغاية. . فالهدى من الحق تبارك وتعالى للناس جميعا. ثم خص من آمن به بهدى آخر،
وهو أن يعينه على الطاعة.
العبادات
الغاية منها التقوى:
و علموا أيها
الأحباب: أن الغاية من العبادات تحصيل تقوى الله تعالى قال جل جلاله {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة 21)
"تتقون"
من "الوقاية" أن تجعلوا بينكم وبين النار وقاية، وتجعلوا بينكم وبين العذاب
وقاية، فالمعنى أن تعبدوا الله تعالى حتى تتقوا النار وتتقوا العذاب، ليس هذا فحسب
ولكن تتقوا كل مضار الحياة
أو تعبدوا الله،
لَعَلَّكُمْ تَصِيرُونَ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ الْمُخْتَارَةِ مِنْ صُوَرِ الْبَشَرِيَّةَ،
وهي صُورَةُ الْعَابِدِينَ لِلَّهِ، الْمُتَّقِينَ لِلَّهِ
الصلاة
وتقوى الله تعالى:
فالصلاة من
اهم ثمراتها أنها تنهاه عن فعل المحظورات وتأمره بالفعل المأمورات قال الله تعالى {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:
45]
قال ابنُ مسعودٍ
وابنُ عبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما في الصَّلاةِ مُنتهى ومُزدجرٌ عن مَعَاصي الله
تعالى فمَن لم تأمْره صلاتُه بالمعروفِ ولم تنهَه عن المنكرِ لم يزددْ بصلاتِه من الله
تعالى إلا بُعداً.
وقال الحسنُ وقَتادةُ
من لم تنهَه صلاتُه عن الفحشاءِ والمنكر فصلاتُه وبالٌ عليه.
تحقيق
تقوى الله بالزكاة:
الزكاة عبادة
مالية يتقرب بها العبد لربه عز وجل، حيث إنها تزكي الـنفس، وتطهرها من البخل،
والشح، وتزكي المال بالزيادة والبركة، وتضاعف لهم الأجر، والثواب.
ويتجلى معنى
التقوى في الزكاة حينما ينفق الإنسان من أغلى ما يحب بصدق، وإخلاص حتـى لا تعلم
شماله ما أنفقت يمينه يريد بذلك وجه الله -تعالى-والحصول على مرضاته، ولعل السر في
ذلك أنه ينفق ماله ليحصل على التقوى، فهو يزكي ماله، لأنه يعلم أن في هذا المـال
حـق لغيره، وليست منة يمنها على الفقراء والمحتاجين، بل هو واجب عليه، وحق لغيره
وبذلك يتبين لنا أن الزكاة تحقق التقوى، وخاصة في هذا العصر، وقد انتشرت المعاصي،
وكثـرت الآثـام بسبب ضعف وازع التقوى، فبالزكاة نصل إلى التقوى.
يقول ربنا سبحانه
مخاطبًا رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ (التوبة: من الآية 103)، إنها
ليست ضريبة تجبى إلى خزينة الدولة ولا إتاوة تنتزع من الإنسان عنوة وهو كاره، وليست
إحسانًا يلقيه الغني إلى الفقير، ولكنها عبادة يؤديها الغني وهو يستشعر حاجته إلى إخراجها
كحاجة المريض إلى الدواء. إنها لا تداوي البدن ولكنها تداوي النفس وتهذب البخل وتقلم
أظافر الشح وتزكي في النفس بواعث العطاء والبذل والتضحية وتملأ القلب بالخشية أن يكون
مصيره مصير هؤلاء الذين يشقون بأموالهم ﴿يَوْمَ يُحْمَى
عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ
هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35)﴾ (التوبة).
وهذه الخشية التي
تملأ القلب هي أساس التقوى التي.
صيام
رمضان وتحصيل التقوى:
و كتب الله تعالى علينا الصيام لغاية عظمى و هي
التقوى قال الله جل جلاله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]،
هذا تعليل لكتابة
الصيام ببيان فائدته الكبرى وحكمته العليا، وهو أنه يعد نفس الصائم لتقوى الله تعالى
بترك شهواته الطبيعية المباحة الميسورة امتثالا لأمره واحتسابا للأجر عنده، فتتربى بذلك إرادته على ملكة ترك الشهوات
المحرمة والصبر عنها فيكون اجتنابها أيسر عليه، وتقوى على النهوض بالطاعات والمصالح
والاصطبار عليها فيكون الثبات عليها أهون عليه، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -:
((الصيام نصف الصبر)) رواه ابن ماجه وصححه في الجامع الصغير.
فالصيام عبادةٌ
تقوّي الوازع الإيمانيّ وتعزّزه لدى المسلم؛ فتمنعه من الوقوع في المحرّمات، أو التمادي
فيها، وتشكّل له حاجز وقايةٍ يحميه من تتبُّع الآثام والشرور؛ فالتقوى التي يحقّقها
الصيام تحمل النفس على الالتزام بما أمر به الله -تعالى-، واجتناب ما نهى عنه، فتحميها
من ارتكاب ما يؤدّي بها إلى الهلاك والخسران، وتجنّبها التعرّض لسخط الله، وعذابه في
الآخرة،
في
الحج والعمرة وتحصيل تقوى الله:
إخوة الإسلام
الحج عبادة من اجل العبادات التي ربطها
الله تعالى بالتقوى ولنقف مع بعض المواضع والآيات التي وردَ فيها الأمر بالتقوى أو
الحثّ عليها أو الإشارة إليها: ففي آية الأمر بإتمام الحج والعمرة {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ختم
الله الآية بقوله {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة: 196]، وفي الآية التي بعدها {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} ختمت الآية بقوله
سبحانه {وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ
التَّقْوَى} وأكد ذلك بقوله {وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}
[البقرة: 197]، ثم ختم آيات الحج في سورة البقرة بقوله: {وَمَن
تَأَخَّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ لِـمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا
أَنَّكُمْ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة: 203].. فتأمل تكرار التقوى في كل
آية. وفي المائدة ختم أحكام الصيد بقوله: {وَحُرِّمَ
عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي
إلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [المائدة: 96]، وافتتح سورة الحج بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إنَّ زَلْزَلَةَ
السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1]، ولما بدأ بالحديث عن الحج تكرر ذكر
التقوى {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإنَّهَا مِن تَقْوَى
الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، {لَن يَنَالَ اللَّهَ
لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} [الحج: 37].
وعند التأمل
في آيات الحج {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ
فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]، وهذه أعمال ظاهرة بِيّنة؛ نجده ختمها بقوله {وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة: 197]،
وسبقها {وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ
التَّقْوَى}، ما يؤكد أنه دون التقوى لن يسلم الحاج من الجدل والرفث
والفسوق، بل إن الآية التي {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} تبيّن حكم من اضطر إلى الإخلال بهذا الإتمام
كالإحصار، وحلق الرأس بسبب الأذى وهو محرم، حيث بيّن جزاء ذلك من الهدي والفدية،
والبديل لذلك، وحيث إن هذه الأعمال الظاهرة لا يمكن تحقيق أدائها إلا إذا كان
صاحبها مراقباً لله في سره وعلانيته، وختم الآية بالأمر بالتقوى {وَاتَّقُوا اللَّهَ}، ثم هدد من لم يراعِ جانب
التقوى بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ} [البقرة: 196].
بل إن التعجل
في الحج والتأجل عمل ظاهر، ومع ذلك قيد ذلك بقوله {لِمَنِ
اتَّقَى}، ثم أمر بالتقوى في ختام هذه الآية
{وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة: 203]. ونجد أن نحر
الهدي عمل ظاهر بارز، ومع ذلك جعل مدار قبول الدماء على تحقق التقوى {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُـحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن
يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} [الحج: 37]
العلاقة
بين البر والتقوى: و ها هو سبحانه يذكر لنا صفات أهل البر و أنهم يحققون الإيمان بالله و
ملائكته و كاليوم الأخر و يتصدقون عل
الفقراء و المساكين و يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و يصبرون على البأساء و الضراء
ثم بين أن هؤلاء هم الصادقون المتقون قال تعالى:
{لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْـمَشْرِقِ
وَالْـمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْـمَلائِكَةِ
وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْـمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْـمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ
وآتَى الزَّكَاةَ وَالْـمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي
الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ
هُمُ الْـمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]. لقد بدأت الآية الكريمة بالحديث عن حقيقة
البر، ثم ذيلت بالحديث عن التقوى، وذلك لبيان أنه لن يقوم أحد بفعل أعمال البر الجليلة
حتى يتحقق قبل ذلك بمرتبة التقوى، وهي شرط رئيس للبر، ومرحلة سابقة له ومتقدمة عليه.
فمن لم يتقِ الله تعالى في عمله بفعل ما أمر الله عز وجل به وترك ما نهى عنه، لن يقبل
الله جل ذكره منه الأعمال الزائدة على الواجب من أعمال البر؛ فالمرتبة الدنيا شرط للارتقاء
إلى المرتبة العليا. وبياناً لذلك قال الله تعالى: {وَلَيْسَ
الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى
وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
[البقرة: 189]. ومعنى الآية الكريمة أن إتيان المحرم بالحج أو العمرة البيوت
من ظهورها ليس من البر أصلاً، فهي بدعة لا أساس لها في الدين، وزيادة على الواجب غير
مشروعة. ثم بين تقدست أسماؤه أن البر المقبول عنده، والذي يكون بفعل خيرات وعبادات
زائدات على الواجب، هو البر الذي يكون من المتقي؛ فمن كان متحققاً بمرتبة التقوى في
العمل قبلت منه زوائد العبادات والطاعات المشروعة: {إنَّمَا
يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْـمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]، واعتبرت له في صحيفة
أعمال البر، وهذا ما يفهم من قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ
مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا} [البقرة: 189].
أي: ولكن البر
المقبول عند الله تعالى هو بر من اتقى.
وعندما يأتي ذكر
البر والتقوى في سياق واحد، كما في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ والْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: ٢]، فمن العلماء من فسر
البر في الآية الكريمة بالأمر، والتقوى بالنهي.
ومنهم من قال: البر: فعل الخيرات، والتقوى: ترك المنكرات.
ومنهم من تأول التقوى برضا الله تعالى، والبر برضا الناس.
وللتأكيد على
أهمية التقوى كقاعدة لبناء الأعمال التي تثمر بعد ذلك ثمرات البر، ذيلت الآية الكريمة
بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ}، أي: لن يتحقق لكم البر إلا بعد التحقق بمرتبة التقوى في نوع العمل.
على أن البر في الحقيقة درجة أعلى من التقوى؛ فهو التوسع في أعمال الخير فوق الواجبات
حتى بدايات مرتبة الإحسان. فنوافل الصلاة فوق أداء الصلوات المفروضة هي من مرتبة البر،
وبذل الصدقات فوق أداء الزكاة الواجبة هي من مرتبة البر. ولفضل مرتبة البر على التقوى
جاء في الكتاب العزيز تقديم البر على التقوى.
وفي هذا السياق
قال ابن القيم: «البر والتقوى كلاهما يتضمن أجزاء من الإيمان وأركاناً من الإسلام.
لكن ما يخص منها القلب يسمى بالتقوى، وما يخص الجوارح يسمى البر؛ فالتقوى بر القلب،
والبر تقوى الجوارح... وشأن البر والتقوى كشأن الإيمان والإسلام، كل منها يدخل في مسمى
الآخر إما تضمناً أو لزوماً، وكون أحدهما لا يدخل في الآخر عند الاقتران لا يدل على
أنه لا يدخل فيه».
عندما
نحقق التقوى:
إخوة الإسلام
:عندما يحقق المجتمع التقوى فان الله عز وجل يبارك لنا و يفتح لنا أبواب رحمته و أبواب
خزائنه قال الله تعالى
تتنزل عليكم الخيرات والبركات من
السماوات، وتفتح لكم أنواع وألوان البركات؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا
عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]، وهذا معناه
أنه وسع عليهم في الخير ويسره لهم بسبب التقوى: ﴿ وَأَلَّوِ
اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16]،
وكذلك إذا لم تحصل التقوى، يظهر الفساد في الأرض؛ ﴿ ظَهَرَ
الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾، ويحصل التلوث والأمراض والسرطانات؛
﴿ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ
يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]، وتُنزَع البركة بالمعصية
: ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا
إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
﴾ [الأعراف: 128].
وقال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا
نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].
النجاة من كيد الظالمين وقال تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ
الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الجاثية:
19].
تعليقات
إرسال تعليق