خطبة عيد الأضحى (الاستسلام لله طريق النجاة).pdf
خطبة عيد الأضحى (الاستسلام لله طريق النجاة)
الشيخ السيد مراد سلامة
الحمد لله حمداً حمداً...
والشكر له شكراً شكراً...
الله أكبر، الله أكبر لا إله
إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر عدد ما ذكر الله
ذاكرٌ وكبّر.. الله أكبر عدد ما حمد الله حامد وشكر.. الله أكبر ما سطع فجر
الإسلام وأسفر.. الله أكبر كلما لبّى حاج وكبّر.. والحمد لله على نعمائه التي لا
تحصر وعلى آلائه التي لا تقدر والحمد لله جعل يوم العيد فرحاً وبشراً وثواباً فهو
في كل سنة يتكرر.
وأشهد أن لا إله إلا الله كل
شيء عنده بأجل مقدَّر.. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أنصَحُ من دعا إلى الله
وبشَّرَ وأنذر... صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم المحشر.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله،
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعه،
وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [سورة
التوبة: 119].
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ اللهُ
أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
الاستسلام أيها الأحباب هو طريق
النجاة في الدنيا والأخرة و الاستسلام (وَهُوَ: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد
له بالطاعة، والبَرَاءَةُ مِنَ الشِّركِ وَأَهْلِهِ).
قال الله تعالى: ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [الزمر: 54]
فالاستسلام لله جل وعلا يجمعُ
معنيين:
أحدهما: الانقياد لله، وهذا
يتضمن الاستسلام لأمره، ولنهيه، ولقضائه؛ فيتناول فعل المأمور، وترك المحظور،
والصبر على المقدور.
والثاني: إخلاص ذلك لله؛ كما
قال تعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا
فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ
مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 29]؛ أي: خالصًا له، ليس لأحدٍ فيه شيء، وهذا هو الاستسلام لله دون ما سواه، فمن
لم ينقد لربه ويستسلم له لم يكن مسلمًا، ومن استسلم لغيره كما يستسلم له، لم يكن
مسلمًا، ومن استسلم له وحده، فهو المسلم[1]
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ اللهُ
أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
استسلام نبي الله
نوح عليه السلام والنجاة:
لنبدأ بأول رسول أرسله الله، إنه سيدنا نوح
-عليه السلام-، يقول الله -سبحانه وتعالى- عنه: (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ
وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ
لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ
لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ
إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا
تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [هود:45-47].
إن سيدنا نوحاً -عليه السلام-
أخبره ربه بأنه سيهلك قومه ويعذبهم، ووعده بأن ينجي أهله، (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ
قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ
سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ)
[هود:40]، فلما وقع العذاب دعا نوح ربه أن ينجي ابنه
كما وعده، فقال له الله: (إِنَّهُ
لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ
لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، فَلا تَسْأَلْنِ ما لا تعلم عاقبته ومآله، إني أعظك وعظا تكون به من
الكاملين، وتنجو به من صفات الجاهلين.
فحينئذ ندم نوح، -عليه السلام-،
ندامة شديدة، على ما صدر منه، و(قَالَ
رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا
تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) فاستسلم نوح -عليه السلام- وأذعن، ولم يعترض، ولم يناقش، ولم يراجع ربه
مرة أخرى في ولده، وإنما قال مباشرة: (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ
وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
فكانت النتيجة النجاة لنبي الله
نوح عليه السلام ولمن آمن به {قِيلَ
يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ
مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [هود:
48]
تلك هي ثمرة الاستسلام في
الدنيا النجاة من غضبه وعذابه
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ اللهُ
أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
استسلام نبي الله
وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام هاجر
عليها السلام :
إخوة الإسلام: و نقف مع صورة مشرقة للاستسلام
لأمر الله تعالى و الانقياد لحكمه فهو أحكم الحاكمين قال الله تعالى عن خليله
إبراهيم عليه السلام ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ
رَبُّهُ أَسلِمْ قَالَ أَسلَمتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ ﴾
فها هو إبراهيم عليه الصلاة و
السلام يأخذ ولده الذي وهبه الله تعالى له بعدما بلغ عتيا لأرض صحراء قحلاء لا زوع
فيها ولا ماء ولا يوجد بها أحد من البشر و لكنه الاستسلام لأمر الله تعالى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ
النِّسَاءُ المِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا
لِتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ
وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ، حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ البَيْتِ
عِنْدَ دَوْحَةٍ، فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى المَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ
يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ
عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى
إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا
إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الوَادِي، الَّذِي لَيْسَ
فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ
يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ
نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ
حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ
بِوَجْهِهِ البَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ
فَقَالَ: رَبِّ {إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي
بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ} [إبراهيم: 37]-
حَتَّى بَلَغَ - {يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37] " وَجَعَلَتْ
أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ المَاءِ، حَتَّى
إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ
إِلَيْهِ يَتَلَوَّى، أَوْ قَالَ يَتَلَبَّطُ، فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ
تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا،
فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا
فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الوَادِيَ
رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإِنْسَانِ المَجْهُودِ حَتَّى
جَاوَزَتِ الوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ المَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ
هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا» فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى المَرْوَةِ
سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ صَهٍ - تُرِيدُ نَفْسَهَا -، ثُمَّ تَسَمَّعَتْ،
فَسَمِعَتْ أَيْضًا، فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ،
فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ، أَوْ
قَالَ بِجَنَاحِهِ، حَتَّى ظَهَرَ المَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ
بِيَدِهَا هَكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ المَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ
يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْ
تَرَكَتْ زَمْزَمَ - أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ المَاءِ -، لَكَانَتْ
زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا " قَالَ: فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا،
فَقَالَ لَهَا المَلَكُ: لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَةَ ....)( [2])
فكانت نتيجة الاستسلام ما من
به رب الأنام من تفجير بئر زمزم و من وفود قبيلة جرهم و من بناء البيت في تلك
البقعة المبارك
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ اللهُ
أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
نبي الله إبراهيم
عليه السلام عليه الصلاة والسلام وابنه إسماعيل والنجاة:
معاشر الموحدين :و ها هي صورة
مشرقة للاستسلام لأمر رب الأنام جل جلاله كان فيها الفوز و النجاة إن تلك الصور
عندما أمر الله جل جلاله إبراهيم أن يذبح ولده فما تردد إبراهيم عليه الصلاة و
السلام و ما جزع إسماعيل بل استسلما لله رب العالمين يقول ربنا جل وعلا في محكم
كتابه : {فَلَمَّا أَسْلَمَا
وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ
الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ
الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ
فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
* إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا
مِنَ الصَّالِحِينَ}[الصافات: 103 – 112].
قال الإمام الطبري رحمه الله،
في تفسيره: (يقول تعالى ذكره: فلما أسلما أمرهما لله وفوّضاه إليه واتفقا على
التسليم لأمره والرضا بقضائه) أهـ.
وقال أيضا: (عن عكرمة، قوله (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) قال: أسلما جميعا لأمر الله ورضي الغلام بالذبح، ورضي الأب بأن يذبحه،
فقال: يا أبت اقذفني للوجه كيلا تنظر إلي فترحمني، وأنظر أنا إلى الشفرة فأجزع،
ولكن أدخل الشفرة من تحتي، وامض لأمر الله، فذلك قوله: "فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ" (
أهـ.
أما أبو الأنبياء الذين سمانا
المسلمين، ووصى أبناءه وذريته من بعده بالإسلام والاستسلام لله رب العالمين، سيدنا
إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، فقد كلفه الله بأمر عظيم، وأمره بأن يقوم بعمل صعب
جداً جداً على النفوس أن تعمله، إنه الذبح! تخيلوا هذا –يا عباد الله- ليس القتل
ولكنه الذبح، ولمن؟! هنا العجب العجاب، أمرَه الله أن يذبح ولده، نعم ولده الذي
رزقه الله به بعد سنوات طويلة من اليأس من الأولاد وإنجاب الذرية، إلا أن أمر الله
قد صدر، وقوله الحق قد قيل.
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ اللهُ
أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
استسلام أم نبي
الله موسى عليه السلام والنجاة:
إخوة الإسلام: و تلك صورة أخرى من صور الاستسلام
لأمر و قضاء رب الأرض و السماء ..... إن بطلة تلك القصة هي أم موسى عليه السلام
لما أوحى الله إليها بإلقاء موسى عليه
السلام و هو طفل حديث الولاة في ذلك اليم فما وهنت و ما ترددت قال الله عز وجل:{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ
فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي
إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ
فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ
وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ
عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً
وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [القصص:7-9].
فكانت نتيجة الاستسلام أن رد
الله عليها موسى عليه السلام و اصطفاه و جعله كليمه و نجيه تبارك و
تعالى............
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ اللهُ
أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
استسلام نبي الله
موسى عليه السلام والنجاة
و ها هي صورة أخرى من صور
الاستسلام لأمر الله تعالى حيث أمر الله جل جلاله موسى عليه السلام بالخروج من مصر
حتى اذا وصلوا إلى ساحل البحر و إذا البحر من أمامهم و فرعون من خلفهم و عندها دب
الخوف و الجزع في قلوب أصحاب موسى و لكن نبي الله لم يخف و ولم يجزع بل قال كلمة
الواثق بربه الذي اسلم له الأمر و فوض له كل شيء {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي
إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ
(53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا
لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ
جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ
وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)
فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)
قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى
أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ
الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى
وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} [الشعراء: 52 -
66]
فكنت نتيجة الاستسلام نجاة بني
إسرائيل وهلاك وغرق فرعون وجنده ............أريتم عباد الله كيف كانت ثمرة
الاستسلام نجاة وسلام ؟؟؟
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ اللهُ
أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
استسلام الصحابة
رضي الله عنهم أجمعين:
ومن روائع صور الاستسلام لأمر
الله جل جلاله و لأمر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ما حدث في غزوة احد بعدما
أصيب النبي و أصيب أصحابه و نصرف المشركون و انصرف رسول الله إلى المدينة ندم
المشركون انهم لم يقتلوا رسول الله فقرروا
العودة مرة ثانية لمحاربة النبي و أصحابه فعلم النبي بذلك فاستنفر أصحابه الذين
كانوا معه في تلك الغزوة فخرجوا مستسلمين لأمر
الله و لأمر رسوله فنجاهم الله تعالى من
كيد الكافرين و رد عدوهم خائبين خاسرين و رد النبي و أصحابه منتصرين فائزين يقول
الله جل جلاله في ذلك { الَّذِينَ
اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ
لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ
إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا
بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ
اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } [آل عمران:172- 174]
روى أن أبا سفيان وأصحابه لما
رجعوا من أحد، فبلغوا الرّوحاء (موضع بين مكة والمدينة) ندموا وهمّوا بالرجوع حتى
يستأصلوا من بقي من المؤمنين، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد أن
يرهبهم ويريهم من نفسه وأصحابه قوة، فندب أصحابه للخروج في إثر أبى سفيان وقال: لا
يخرجنّ معنا إلا من حضر يومنا بالأمس، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جماعة
من أصحابه حتى بلغوا حمراء الأسد (موضع على ثمانية أميال من المدينة) وكان بأصحابه القرح فتحاملوا على
أنفسهم حتى لا يفوتهم الأجر، وألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا إلى مكة
مسرعين فنزلت الآية.
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ اللهُ
أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
استسلام الصحابيات
والنجاة من الفتن:
أما النساء فإن للنساء أمثلة
فريدة، ومواقف شريفة، وقصص مثيرة، في أمر التسليم؛ فقد روى أبو داود -رحمه الله-
عنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ:
"لَمَّا نَزَلَتْ: (يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ
عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا
يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب:59]، خَرَجَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ
مِنْ الْأَكْسِيَةِ" [3]
نعم النساء نساء الأنصار، أول
ما رجع الرجال إلى نسائهن، يتلون عليهن آيات، الله والأمر بالحجاب، مباشرة عمدن
إلى مروطهن فشققنها، وجعلنها خمرًا، احتجبن بها، ما في وقت للتفصيل ولا لخياطة،
أخذت الأقمشة مباشرة، وشققت تشقيقًا على حجاب الجسد كله، فاختمرن، يعني: تغطين،
وخمر أي: غطى مباشرة، عندما
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ اللهُ
أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
شمولية الاستسلام
لله جل جلاله:
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي
السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ
عَدُوٌّ مُبِينٌ} [سورة البقرة 208] ؛
فبيَّنَ - واللهُ أعلمُ - وجوبَ الدخولِ في كلِّ شرائعِ الإسلام بلا تَبعيضٍ؛ فإنّ
تَبعيضَها مِن خطواتِ الشيطانِ الرجيم القائدِ مَن اتبعَ هذه السبيل إلى تركِ
شرائعِ الإسلام خطوةً خطوة، وشريعةً شريعةً حتى يَتركوا الدينَ كلَّه .. وقد وصفَ اللهُ تعالى لنا حالَ أهلِ الإيمان
وأهلِ الهوى ؛ فأخبرَ أنْ أهلَ الإيمان هم المستجيبون لأمرِه المُنقادُون لِشرعِه
بلا ريبٍ في صدورِهم مِن أمرِ اللهِ عز وجل، سواء فهِموا الحكمةَ مِن الأمرِ أو لم
يَفهموا، وما جَعلُوا عقولَهم وأهواءهم حَكَمًا على شرعِ الله، أخبرَ سبحانه بذلك
في آياتٍ متفرقةٍ في كتابه؛ فقال: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ
وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَٰئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة النور 51]، وقال عز
وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا
بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا
اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة الحجرات 1] ؛ فكانت صفةُ المؤمنين الاستسلامُ لحكمِ اللهِ كلِّه، وتركُ التَّقدُّمِ بينَ
يدي الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بما تُمليه عليهم عقولُهم وآراؤهم..
احذروا عباد الله من ترك
الاستسلام فإن ذلك صفة من صفات أهل الكتاب الذي آمنوا ببعض و كفروا ببعض قال الله
جل جلاله:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ
الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا
خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ
الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سورة البقرة 85]،
فالخزي والخسران والعار والشنار
في التشبه بهم وسلوك طريقهم في التعامل مع أوامر الله تعالى
.......................
استسلام حجاج بيت
الله الحرام:
ولو تأملنا حال الحجيج لرأينا
بكل وضوح تطبيقهم لركني العبادة: الحب والذل أو الاستسلام، فحب المسلمين وشوقهم
لأداء مناسك الحج حب وشوق عظيم يجعلهم يخططون لذلك سنوات طويلة فيوفرون المال
ويدخرونه لهذه الغاية العظيمة برغم مشقة السفر وبعده على كثيرين منهم بخلاف الحر
الشديد وكون مكة بلدة ليست ذات طبيعة أخاذة وليست وجهة سياحية، ولكن الحب لله عز
وجل والحب لطاعته وزيارة بيته وتحقيق أمره {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ
سَبِيلًا} [آل عمران: 97] هو الدافع الذي يدفع الملايين
سنويا للحج.
وبعد الحب ودافعيته يأتي القبول
والتسليم والانقياد والذل لرب العالمين من الحجاج، فيتخلون عن ملابسهم المعتادة
وعن الطيب والعطور وفي مواقيت/ أماكن محددة، فيستجيب الملايين حبا ورغبة لأن هذا
هو جوهر العبودية (حب وذل رغبة وطاعة).
ومن ثم تبدأ المناسك بالطواف
حول الكعبة سبعة أشواط والسعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط أيضا، حيث يتساوى
الجميع في التنفيذ في استسلام ورغبة تامة تحقق عبودية الناس لرب الناس، الذي يأمر
فيُطاع، علم الناس حكمة فعلهم أم لم يعلموا.
وبعدها ينتقل الملايين للمبيت
بمنى في العراء ومن ثم الذهاب للوقوف بجبل عرفات وبعدها يفيضون إلى مزدلفة وبعدها
يكون طواف الإفاضة وحلق الشعر ورمي الجمار وذبح الهَدي، في مشاهد تذكر الحجيج
بمشاهد الدار الآخرة، ويفعل الحجاج ذلك بكل تسليم وطاعة وانقياد تعبيرا عن ذلهم
وحبهم لربهم بطاعة أوامره.
وبذلك فإن الحج يكون بمثابة
تجربة معملية وعملية لحقيقة الإيمان والإسلام والعبادة تقوم على مزج الحب لله عز
وجل بطاعة أوامره والتسليم لأحكامه وتطبيق شعائره كما علّمنا وأخبرنا النبي صلى
الله عليه وسلم، ويكون من مقاصد الحج تعويد النفس على التسليم لأمر الله عز وجل في
كل شؤون الحياة.
فكما أن الحجيج -رجالا ونساء-
لهم لباس محدد المواصفات استسلموا له، فكذلك بعد الحج هناك لباس محدد المواصفات
للرجال والنساء يلزمهم الاستسلام له، فلا يجوز للرجال والنساء إظهار عوراتهم، بل
ارتداء اللباس الساتر، كل بحسبه.
وكما أن الحجيج تخلوا عن مشاغل
الحياة من أجل الحج فعليهم كذلك الحرص بعد الحج على تأدية واجباتهم الدينية وخاصة
الصلاة وعدم الانشغال عنها بالدنيا.[4]
كل عام
أنتم بخير وتقبل الله منا و منكم صالح و خالص الأعمال
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ اللهُ
أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
تعليقات
إرسال تعليق