العشر الأخلاقية من هجرة خير البرية صلى الله عليه وسلم.pdf
العشر الأخلاقية من هجرة خير البرية صلى الله عليه وسلم
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة
الأولى
أما بعد: فحياكم الله أيها الأخوة الأفاضل
وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا ، وأسأل الله الحليم الكريم جل
وعلا الذي جمعني مع حضراتكم في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته ، أن يجمعنا في
الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته ،إنه ولى ذلك والقادر عليه ..
عباد الله : إن الهجرة النبوية المشرفة
دستور يستضاء به في كل زمان و مكان ،لم تكن حدثا كأي حدث ،و إنما كانت حدثا غير
مجرى البشرية ،و أرسى معالم إيمانية ،و تربوية، و أخلاقية لسائر البشرية ،إلى أن
يرث الله الأرض و من عليها...... و نقف اليوم مع الأخلاق العشر المستفادة من هجرة
رسول الله صلى الله عليه وسلم .............فأعيروني القلوب و الأسماع
✍ أولا-الصبر على الأذى :
إخوة الإسلام إن من الأخلاق التي نحن بحاجة إليها
الصبر في طريق الدعوة إلى الله تعالى فقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم اشد
الإيذاء من مشركي مكة ومن أقرب الناس إليه فما وهن وما استكان بل صبر على ذلك
الأذى والابتلاء ......................
كانت السمة المميزة لجميع الصحابة: الصبر
على الأذى وتحمل الاضطهاد في سبيل الله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر
المسلمين أن يردوا عن أنفسهم ذلك الأمر؛ للأمر الصريح من الله عز وجل: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:106]، وكان
المشركون يعذبون ويشردون ويذبحون والمسلمون صابرون، بل أمروا ألا يردوا إيذاء، ولا
يحملوا سلاحاً، ولا يرفعوا ضيماً، ولا يكسروا صنماً، ولا يسبوا مشركاً، {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108]، قتل ياسر
وقتلت سمية والرسول صلى الله عليه وسلم يمر من أمامهم وهم يقتلون فيكتفي بقوله:
(صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة)، ولم يمسك بيد أبي جهل ولم يجمع الصحابة ليقوموا
بثورة أبداً.
✍ - ثانيا:
الثقة بالله تعالى و بوعده:
فقد كان النبي على يقين بأن الله سينصره لا
محالة، فخرج للهجرة لا يهاب أحدا ولا يخشى ضررا، حتى وصل المدينة منتصرا على غرور
الكفار ومكرهم.......وفي قصة نجاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حادثة الهجرة
من مطاردة كفار قريش له ما يؤذي نفس المعنى. فسرد لنا القرآن الكريم القصتين
لنتعلم منها دروساً عملية للثقة بالله والتوكل عليه.
فهذا نبينا الكريم يحيط به المشركون من كل جانب
وهو مع صاحبه في كهف صغير فيدرك الحزن
صاحبه أبا بكر رضي الله عنه خوفاً على نبي
الله، ويروي لنا القرآن القصة 'إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ
أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ
يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ
سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ
الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ'
وقصة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هنا
شبيهة بقصة موسى عليه السلام التي وردت في قوله تعالى' ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ
(٦١) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ
فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ﴾ [الشعراء: 61-66]
✍ ثالثا-التضحية الفداء في سبيل تبليغ الدعوة
عباد الله : وقد ظهرت تضحية أصحاب النبي –
صلى الله عليه وسلم-واضحة جلية في مواقفهم وفي انشراح صدروهم لتك التضحيات فيها
لنرى كيف كانت تضحيتهم:
أولا: التضحية بالنفس:
تأملوا عباد الله في تضحية على -رضي الله
عنه-في ليلة الهجرة وكيف بذل نفسه فداء لنبيه ولدينه وهو يعرف خطورة الإقدام على
المبيت في فراش -سيد البشر -صلى الله عليه وسلم- لقد استل المشركون سيافهم بعدما
قرروا أن ينقضوا على الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليضربوه ضربة رجل واحد لقد كان
علي -رضي الله عنه- يعي ذلك جيدا
قال ابن اسحق: فأتى جبريلُ عليه السلام،
رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت
عليه. قال: فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبون
عليه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم،: قال لعلي رضي الله عنه- «نَمْ
عَلَى فِرَاشِي وتَسَجَّ بِبُرْدي هَذَا الحَضْرمي الْأَخْضَرِ، فَنَمْ فِيهِ،
فَإِنَّهُ لَنْ يَخْلُص إلَيْكَ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ مِنْهُمْ» ([1]).
ثانيا: التضحية
بالزوجة والولد:
فولد الرجل وزوجته أغلى ما يملك في هذه
الحياة ومن أجلها يقدم المرء على المهالك وإن كان فيها حتفه، وعلى الرغم من ذلك من
اجل بناء صرح وتأسيس المدينة الفاضلة يهون كل شيء
قال ابن هشام: «فَكَانَ أولُ مَنْ هَاجَرَ
إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: أَبُو سَلمة بْنُ عَبْدِ
الأسَد بْنِ هِلَالِ بن عبد الله بن عُمر بن مخزوم، وَاسْمُهُ: عَبْدُ اللَّهِ،
هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ بَيعة أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ بِسَنَةٍ، وَكَانَ
قَدِمَ عَلَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ،
فَلَمَّا آذَتْهُ قُرَيْشٌ، وَبَلَغَهُ إسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَارِ،
خَرَجَ إلَى المدينة مهاجرًا»([2]).
ولنترك لأم سلمة رضي الله عنها، المتخصصة في
رواية أحاديث الهجرة، تقص علينا وقائع هذه الملحمة الخالدة، قالت:
«عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ ابْن أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ:
لَمَّا أَجْمَعَ أَبُو سَلَمَةَ الْخُرُوجَ
إلَى الْمَدِينَةِ رَحَلَ لِي بَعِيرَهُ ثُمَّ حَمَلَنِي عَلَيْهِ، وَحَمَلَ مَعِي
ابْنِي سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجَ بِي يَقُودُ بِي
بَعِيرَهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَامُوا إلَيْهِ، فَقَالُوا هَذِهِ نَفْسُكَ
غَلَبْتنَا عَلَيْهَا، أَرَأَيْتَ صَاحِبَتَكَ هَذِهِ؟ عَلَامَ نَتْرُكُكَ تَسِيرُ
بِهَا فِي الْبِلَادِ؟ قَالَتْ: فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ،
فَأَخَذُونِي مِنْهُ. قَالَتْ: وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ،
رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالُوا: لَا وَاَللَّهِ، لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا
عِنْدَهَا إذْ نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا.
قَالَتْ: فَتَجَاذَبُوا بَنِي سَلِمَةَ
بَيْنَهُمْ حَتَّى خَلَعُوا يَدَهُ، وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ،
وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ، وَانْطَلَقَ زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ
إلَى الْمَدِينَةِ. قَالَتْ: فَفَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ ابْنِي.
قَالَتْ: فَكُنْتُ أَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطُحِ، فَمَا
أَزَالُ أَبْكِي، حَتَّى أَمْسَى سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حَتَّى مَرَّ بِي
رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّي، أَحَدُ بَنِي الْمُغِيرَةِ، فَرَأَى مَا بِي
فَرَحِمَنِي فَقَالَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ: أَلَا تُخْرِجُونَ [1] هَذِهِ
الْمِسْكِينَةَ، فَرَّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا!
قَالَتْ: فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِكَ إنْ شِئْتِ. قَالَتْ: وَرَدَّ بَنُو
عَبْدِ الْأَسَدِ إلَيَّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي. قَالَتْ: فَارْتَحَلْتُ بَعِيرِي
ثُمَّ أَخَذْتُ ابْنِي فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجْتُ أُرِيدُ زَوْجِي
بِالْمَدِينَةِ. قَالَتْ: وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ. قَالَتْ:
فَقُلْتُ: أَتَبَلَّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيَّ زَوْجِي، حَتَّى
إذَا كُنْتُ بِالتَّنْعِيمِ [2] لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ، أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَقَالَ لِي: إلَى أَيْنَ يَا بِنْتَ أَبِي
أُمَيَّةَ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ. قَالَ:
أَوَمَا مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ:
لَا وَاَللَّهِ، إلَّا اللَّهُ وَبُنَيَّ هَذَا. قَالَ: وَاَللَّهِ مَا لَكَ مِنْ
مَتْرَكٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْبَعِيرِ، فَانْطَلَقَ مَعِي يهوى بى، فو الله مَا
صَحِبْتُ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ قَطُّ، أَرَى أَنَّهُ كَانَ أَكْرَمَ مِنْهُ،
كَانَ إذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي، حَتَّى
إذَا نَزَلْتُ اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي، فَحَطَّ عَنْهُ، ثُمَّ قَيَّدَهُ فِي
الشَّجَرَةِ، ثُمَّ تَنَحَّى، عَنِّي إلَى
شَجَرَةٍ، فَاضْطَجَعَ تَحْتَهَا، فَإِذَا دَنَا الرَّوَاحُ، قَامَ إلَى بَعِيرِي
فَقَدَّمَهُ فَرَحَلَهُ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي، وَقَالَ: ارْكَبِي. فَإِذَا
رَكِبْتُ وَاسْتَوَيْتُ عَلَى بَعِيرِي أَتَى فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ، فَقَادَهُ،
حَتَّى يَنْزِلَ بِي. فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِي حَتَّى أَقْدَمَنِي
الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَى قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ،
قَالَ: زَوْجُكَ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ- وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بِهَا نَازِلًا-
فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى مَكَّةَ.
قَالَ: فَكَانَتْ تَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا
أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ فِي الْإِسْلَامِ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ آلَ أَبِي
سَلَمَةَ، وَمَا رَأَيْتُ صَاحِبًا قَطُّ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ
طَلْحَةَ ([3])
✍ رابعا –
أداء الأمانة:
من
الأخلاق السامية التي نستلهمها من الهجرة النبوية أداء الامانات الى أهلها رغم
انهم كانوا من اشدا الناس أذية له و لأصحابه
ولم لا وهو القائِل: ((أدِّ الأمانةَ لمَن ائتمنَك، ولا تَخُن مَن خانك))،
فترَك عليَّ بنَ أبي طالِب - رضي الله عنه - في فِراشه، وهو أمرٌ عجيب، هؤلاءِ
الناس استباحوا دمَه، وأرادوا قتْلَه، بل أدْمَوه وآذوه وطردوه، لكنَّه لم يشأْ
قتلَهم، ولم يستبِحْ أموالهم، ولو كلَّفه ذلك بالمخاطرةِ بابن عمِّه، وصَدَق الله:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ
تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58].
✍- خامسا
الإخلاص:
إخوة الإسلام :و من أروع صور الإخلاص إخلاص
أبي بكر الصديق رضي الله عنه في محبته لله و لرسوله صلى الله عليه وسلم ليلة
الهجرة و في طريقهما إلى المدينة
من الذي له الشأن الأعلى والقدح المعلى في
هجرة رسول الله إلا أبا بكر، يعرض الرسول صلى الله عليه وسلم الهجرة فيبكي فرحًا،
يا لله أيبكى لأنه سيسير في موكب مهيب؟! لا وربي، بل موكب مطارد مهدر دمه، ولكنها
الصحبة والمحبة، يدخل الغار قبله ويمشي عن يمينه وشماله، فداءٌ وتضحية، وإقدامٌ
بلا إحجام، فاللهم ارض عنه وجازه عن الإسلام خير الجزاء، واحشرنا معه، وأقر أعيننا
برؤياه في جنات النعيم.
✍- سادسا:
اليقين بأن العاقبة للتقوى وللمتقين:
و من الأخلاق التي نستلهما من هجرة النبي
صلى الله عليه وسلم اليقين أان الله تعالى
ناصر دينه و معلي كلمته و يظهر ذلك من
موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من سراقة و هو يتبعه ثم يري الله تعالى الآيات
و المعجزات على صدق سيد الكائنات صلى الله عليه و سلم فيسلم و يعده النبي بوعد
عجيب غريب في ذلك الموقف الرهيب انه يعه سواري كسر عن أبي موسى عن الحسن، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لسراقة بن مالك: «كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟» قال:
فلما أُتى عمر بسواري كسرى ومنطقته وتاجه، دعا سراقة بن مالك فألبسه إياها،
وفي وعد الرسول صلى الله عليه وسلم لسراقة
بسواري كسرى معجزة أخرى، فالإنسان الذي يبدو هاربا من وجه قومه لا يؤمل في فتح
الفرس والاستيلاء على كنوز كسرى، إلا أن يكون نبيا مرسلا، ولقد تحقق وعد الرسول
صلى الله عليه وسلم له، وطالب كسرى عمر بن الخطاب بإنفاذ وعد الرسول صلى الله عليه
وسلم له حين رأى سواري كسرى في الغنائم، فألبسهما عمر سراقة على ملأ من الصحابة،
وقال: «الحمد لله الذي سلب كسرى سواريه وألبسهما سراقة بن جعشم
✍- سابعا:
خلق التفاؤل:
وفي
هجرة النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا التفاؤل حتى في أصعب الأمور أخطرها
قال إِيَاسُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ
الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مَرُّوا بِإِبِلٍ لَنَا بِالْجُحْفَةِ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِمَنْ هَذِهِ
الْإِبِلُ؟ فَقَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ.
فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ:
سَلِمْتَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مَسْعُودٌ.
فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ:
سَعِدْتَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فالذي ينظر في الهجرة بادئ الرأي يظن أن
الدعوة إلى زوال واضمحلال.
إذا اشتملت على اليأس القلوب
وضاق لما به الصدر الرحيب
ولم تر لانكشاف الضر وجها ولا
أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث يمن
به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات وإن تناهت
فموصول بها الفرج القريب
✍ ثامنا -التوكل
على الله
عباد الله: إن من الأخلاق التي علمتنا إياه هجرة النبي صل الله عليه وسلم التوكل على
الله تعالى مع الأخذ بالأسباب فها هو إمام المتوكلين يعلمنا كيف التوكل لا التواكل
ولقد كان صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة
الشريفة متوكلاً على ربه واثقاً بنصره يعلم أن الله كافيه وحسبه، ومع هذا كله لم
يكن صلى الله عليه وسلم بالمتهاون المتواكل الذي يأتي الأمور على غير وجهها. بل
إنه أعد خطة محكمة ثم قام بتنفيذها بكل سرية وإتقان. فالقائد: محمد، والمساعد: أبو
بكر، والفدائي: علي، والتموين: أسماء، والاستخبارات: عبد الله، والتغطية وتعمية
العدو: عامر، ودليل الرحلة: عبد الله بن أريقط، والمكان المؤقت: غار ثور، وموعد
الانطلاق: بعد ثلاثة أيام، وخط السير: الطريق الساحلي. وهذا كله شاهد على عبقريته
وحكمته صلى الله عليه وسلم، وفيه دعوة للأمة إلى أن تحذو حذوه في حسن التخطيط
والتدبير وإتقان العمل واتخاذ أفضل الأسباب مع الاعتماد على الله مسبب الأسباب
أولاً وأخرا. ( [4])
✍-تاسعا :الثبات
إخوة الإيمان: يتجلى خلق الثبات في هجرة
النبي صلى الله عليه وسلم عند خروجه من بين جحافل المتربصين به فقد وقفوا عل الباب
شهروا السيوف ينظرون اللحظة الفارقة التي يقضون فيها على الدعوة والداعية
.................................
لقد نزل الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم يطمئنه، ويأمره بالخروج وسط المشركين دون خوف ولا وجل، فسوف يأخذ الله عز وجل
بأبصارهم، وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة المباركة وهو يقرأ صدر
سورة يس، من أولها إلى قوله عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنْ
بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا
يُبْصِرُونَ} [يس:9].
وإمعانًا في السخرية من المشركين، أخذ رسول
الله صلى الله عليه وسلم حفنة من التراب، ووضع جزءًا منها على رأس كل مشرك يحاصر
بيته، وهم لا يشعرون، ثم انطلق إلى بيت الصديق رضي الله عنه لاستكمال تنفيذ الخطة،
فهي بحمد الله إلى الآن تسير على ما يرام.
كان من الممكن أن يخرج الرسول صلى الله عليه
وسلم من البيت قبل قدوم المشركين، لكن الله عز وجل أراد ذلك لإثبات أن الأمر كله
بيد الله عز وجل، وأنه دون توفيق الله عز وجل لا يتم أمر من الأمور، وأيضا ظهرت
المعجزة الظاهرة في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
و لكن يخرج النبي في ثبات تزلزله الجبال و ترهبه حجم الباطل و هو هو يقرا
يات من القران الكريم {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ
أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}
[يس:9].
ثبات النبي صل الله عليه وسلم حين تقترب
الأقدام من ثور قال أبو بكر: والله يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى موقع قدمه
لأبصرنا.
فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم مطمئناً
له: {ما ظنّك باثنين الله ثالثهما}.
فهذا مثل الثبات،
✍- عاشرا:
الإيثار:
أحبتي
في الله: و يتجلى ذلك الخلق الكريم في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم
النبي صلى الله عليه وسلم فقد استقبله الأنصار و فتحوا له الديار و اثروه هو
وأصحابه على أنفسهم فقد كانت الأخوة بين المهاجرين والأنصار بلغت ذروتها، وتميزت
بالإيثار والتعفف، كان الأنصاري يخير أخاه من المهاجرين أن يأخذ من أمواله ما
يشاء، وكان المهاجري يتعفف أن يطلب بهلع وجشع!
وصف القرآن الكريم خليقة المهاجرين بقوله: (يَحْسَبُهُمُ
الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) وقال في حق الأنصار : (يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي
صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ
كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ).
- فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((لما
قدم المهاجرون المدينة نزلوا على الأنصار في دورهم، فقالوا: يا رسول الله، ما
رأينا مثل قوم نزلنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أبذل في كثير منهم، لقد
أشركونا في المهنأ ([5])
وكفونا المؤنة، ولقد خشينا أن يكونوا ذهبوا بالأجر كلِّه. فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: كلَّا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم به عليهم )). ([6])
- وهذا عبد الرَّحمن بن عوف ((لـمَّا قدم المدينة
آخى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الرَّبيع الأنصاريِّ، وعند
الأنصاريِّ امرأتان، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال له: بارك الله لك في
أهلك ومالك، دلُّوني على السُّوق...)). ([7])
الدعاء ............................
[1] -«سيرة ابن هشام ت طه عبد الرؤوف سعد» (2/
91)
[2] -«سيرة ابن هشام ت طه عبد الرؤوف سعد» (2/
80)
[3] -«سيرة ابن هشام ت السقا» (1/ 469-470):
[4] - رابط
المادة: http://iswy.co/e13hr9
[5] -المهنأ:
ما أتاك بلا مشقة. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (1/184).
[6] -رواه
الضيَّاء في ((المختارة)) (5/290) مِن حديث أنس رضي الله عنه. وصحَّح سنده
البوصيري في ((إتحاف الخيرة)) (7/325).
[7] - رواه
البخاري (2048) مِن حديث عبد الرَّحمن بن عوف رضي الله عنه.
تعليقات
إرسال تعليق