أغلى النصائح للتحذير من يوم الفضائح.pdf

أغلى النصائح للتحذير من يوم الفضائح

الشيخ السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا معاشر الموحدين في ذلك اليوم يوم الفضائح الكبرى يستر الله تعالى على أوليائه ويفضح أعداء وأرباب  الكبائر على رؤوس الإشهاد فقد أخرج الإمام عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ قَالَ: كُنْتُ آخِذًا بِيَدِ ابْنِ عُمَرَ إِذْ عَرَضَ لَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: فِي النَّجْوَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، وَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، وَيَقُولُ لَهُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ ": {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18][1]

إنه يوم القيامة، والناس فيه بين مستور ومفضوح؛ فمن ألقى الله عليه ستره وحجابه، سُتر، ومن ناقشه الحساب فطغى وتكبر وأجرم وعصى، فُضح.

يوم القيامة، يوم تمور السماء مورًا، يوم يفر المرء من أخيه، يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم لا تملك نفس لنفس شيئًا، يوم ينظر المرء ما قدَّمت يداه، يوم تذهلُ كل مرضعة عمَّا أرضعت، فهيا أيها الاحبة لنتعرف على صور من فضائح يوم الفضيحة الكبرى حتى نحذر ان نكون منهم من باب قول الشاعر:

عَرَفْتُ الشّرَّ لا لِلشّرِّ     لَكِنْ لِتَوَقّيهِ

وَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ الشّرَّ     منَ الناسِ يقعْ فيهِ

 فضيحة أهل الغدر:

إخوة الإسلام : الأمور  في ذلك اليوم مكشوفة، والسرائر معلنة، والخفايا ظاهرة، والخبايا بيِّنة، إلا مَن ستره الله، و توهم نفسك عبد الله و أنت في وسط ذلك الكرب و العرق يجلم الناس الجاما اذا بك رأيت فلانا الذي عند تعرفه وكان من شأنه الغدر و الخيانة  جمع الأموال و اشترى الأطيان و السيارات بني القصور و الدور و اذا به في عرصات القيامة قد رفع له لواء يسمى بلواء الغدر عند إسته لعلم الجميع أنه غادر و ليفتضح أمره بين القريب و البعيد

روى الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم قَالَ: إِذَا جَمَعَ اللهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ.([2])

 أيُّ فضيحة يوم ترى راية ذلك الغادر على رؤوس الأشهاد؟!

من ائتمنك على دم، أو عرض، أو سر، أو مال، فخنته فيه فقد غدرته.

وأعظم الغدر أن يقع من قائد الجيش حي يؤمن عدواً، ثم يأخذه على غِرَّة وغفلة.

ولذا فإن على الغادر الخائن، الذي أخفى خيانته، هذا الوعيد الشديد، إذ يجاء به يوم القيامة، وقد رفع له لواء غدرته، فينادى عليه: هذه غدرة فلان، فينشر خزيه، وفضيحته على رءوس الخلائق جزاء ما أخفى من غدر، ومن خيانة.

وإليك ما رواه ابن ماجه عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ، قَالَ: «أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟» قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ، بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا، قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَتْ، صَدَقَتْ كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ؟»([3]).

 فضيحة المتكبرين:

أخي الكريم: الكل سيرى مشهد المفضوح والمستور يوم القيامة، فترى مَن كان متكبرًا في الدنيا وهو مفضوح هناك في أذل و اصغر صورة كأمثال الذر ..... عَنْ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: «يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ النَّاسِ، يَغْشَاهُمُ الذُّلُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، يُسَاقُونَ إِلَى جَهَنَّمَ، إِلَى سِجْنٍ يُسَمَّى بُولَسُ، تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ» " ([4])

فالكبر بطر الحق وغمط الناس لذا حرم عليه دخول الجنة :

عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ» ([5])

و أبغض الناس إلى سيد الناس – صلى الله عليه وسلم- أهل الكبر و الغطرسة و هم أبعد الناس منه أيضا :

عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ فَمَا المُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: «المُتَكَبِّرُونَ» ([6])

 و من فضائحهم أن الله تعالى لا يكلمهم و لا يزكيهم و لا ينظر إليهم  , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَلَا يُزَكِّيهِمْ , وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ , وَمَلِكٌ كَذَّابٌ , وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ » ([7])

مثِّل وقوفك يوم العرض عريانا ... مستوحشًا قلق الأحشاء حـيرانا

والنار تلهب من غيظ ومن حنق ... على العصاة ورب العرش غضبانا

اقرأ كتابك يا عبدي على مهل ... فهل ترى فيه حرفًا غير ما كانا

لـما قرأت ولم تنكـر قراءته ... إقرار من عرف الأشياء عرفانا

نادى الجليل خذوه يا ملائكتي ... امضوا بعبد عصا للنار عطشانا

المشركون غدًا في النار يلتهبوا ... والمؤمنون بدار الخلد سـكانا

فضيحة أهل الخلوات:

ومن الفضائح التي تنشر يوم القيامة فضائح لأناس كانوا معنا يصلون ويصومون ويتصدقون ويأخذون من الليل كما نأخذ لهم حسنات كمثال الجبال ولكن الله تعالى يفضحهم و جلها الله هباء منثورا

عَنْ ثَوْبَانَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ ، وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا. ([8])

وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمة ٍ ** والنفس داعية إلى الطغيان

فاستحي من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني

هؤلاء ينطبق عليهم قول القائل:

أظهر بين الخلق إحسانه ... وخالف الرحمن لما خلا

هؤلاء يجعل الله أعمالهم يوم القيامة هباء منثورا، «لا ينتفع منها صاحبها بشيء أصلا؛ وهذا من أعظم الحسرات على العبد يوم القيامة أن يرى سعيه كله ضائعا لم ينتفع منه بشيء، وهو أحوج ما كان العامل إلى عمله، وقد سعد أهل السعي النافع بسعيهم»

عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ »([9]).

وقوله: «فيما يبدو للناس» إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت ولو لم يكن هناك غش وآفة، لم يقلب اللاه إيمانه.

*فضيحة اللصوص:

 إخوة الإسلام و ممن يفضحهم الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة  هؤلاء الذين خانوا الأمانات و خانوا الأوطان و سرقوا الأموال و المدخرات نعم سترى فضيحة اللصوص وسرَّاق الأموال ومختلسي المال العام وأموال الدولة، وستعرفهم من أشكالهم؛ فقد أخرج الإمام البخاري في الصحيح من أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْغُلُولَ، فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، قَالَ: لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ؛ وَعَلَى رَقَبَتِهِ بعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ؛ وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ؛ أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ))([10]) فمن فضيحة أولئك السراق واللصوص أن يجبروا على حمل ما سرقوا على رقابهم وظهورهم في مشهد نادر، وكلما عظمت السرقة انتفخ الجسم؛ ليتحملَ وزن تلك السرقات، حتى ترى صنفًا منهم له ضرس كجبل أُحُد كما صحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم.

فضيحة المرائين:

أحباب رسول الله – صلى الله عليه وسلم-وممن يفضحون يوم القيامة أقوام صلوا وصاموا وقاموا وزكوا وجاهدوا في سبيل الله دونت تلك العبادات في صحائف الحسنات ولكنها تكون عليهم يوم القيامة حسرات لأنهم لم يقوموا بها من اجل رب الأرض والسماوات وإنما أرادوا بها وجوه الناس 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ: أَيُّهَا الشَّيْخُ، حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ " ([11])

فضيحة مانعي الزكاة:

معاشر الموحدين: وممن يفضحون على رؤوس الأشهاد يوم التناد أرباب الأموال الذين بخلوا بما أتاهم الله تعالى من فضله في يوم يقف الناس خمسين ألف سنة لا يجلسون فيها ولا يضطجعون ولا يأكلون ولا يشربون، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ ، إِلَّا جِيءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبِكَنْزِهِ، فَيُحْمَى عَلَيْهِ صَفَائِحُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَبِينُهُ، وَجَنْبُهُ، وَظَهْرُهُ، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُمَّ يُرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ، وَمَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا، إِلَّا جِيءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبِإِبِلِهِ كَأَوْفَرِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، فَيُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، كُلَّمَا مَضَى أُخْرَاهَا عَادَ  عَلَيْهِ أُولَاهَا، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ  كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُمَّ يُرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ، وَمَا مِنْ صَاحِبِ غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا، إِلَّا جِيءَ بِهِ وَبِغَنَمِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَوْفَرِ مَا كَانَتْ، فَيُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، فَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، كُلَّمَا مَضَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُمَّ يُرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ " ([12])

أقول قولي هذا و استغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

أما بعد :..............................

فضيحة العلماء والدعاة الذين لا يعملون بعلمهم:

 و علموا عباد الله أن ممن يفضحهم الله يوم القيامة علماء و دعاة علموا كتاب الله و سنة نبيه صل الله عليه وسلم و امروا الناس بالمعروف و نهوهم عن المنكر ولكنهم لم يعملوا بما قالوا فتركوا المعروف و ركبوا المحرمات فهؤلاء يفضحهم الله يوم القيامة قال أسامةُ - رضي الله عنه - : سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : « يُؤتَى بالرجل يوم القيامة فيُلْقى في النار ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ، فَيَدُورُ بها كما يدُور الحمار في الرَّحَى ، فيجتمع إِليه أَهلُ النار، فيقولون : يا فُلانُ مالك ؟ أَلم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول : بلى ، كنتُ آمر بالمعروف ولا آتيه ، وأَنْهَى عن المنكر وآتيه»([13])

لماذا عقاب العالم مضاعف؟

إنما يضاعف عذاب العالم في معصيته؛ لأنه عصى عن علم ودراية، قال الله -عز وجل-: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} سورة النساء(145)؛ لأنهم جحدوا بعد العلم، وجعل اليهود شراً من النصارى مع أنهم ما جعلوا لله سبحانه ولدا، ولا قالوا إنه ثالث ثلاثة إلا أنهم أنكروا بعد المعرفة، إذ قال الله: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ} سورة البقرة(146)، وقال تعالى: {فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ} سورة البقرة(89)، وقال تعالى في قصة بلعام بن باعوراء: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} حتى قال: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} سورة الأعراف (175)(176) فكذلك العالم الفاجر، فإن بلعام أوتي كتاب الله -تعالى- فأخلد إلى الشهوات، فشبه بالكلب أي سواء أوتي الحكمة أو لم يؤت فهو يلهث إلى الشهوات"([14]).

فقد شبه الله من آتاه الله كتابه ولكنه لم يعمل به، بل عمل بخلاف ذلك بالكلب؛ كما شبهه في آية أخرى بالحمار؛ فقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} سورة الجمعة(5).

وأخيرا أيها الآباء هل تريدون الستر يوم القيامة :

في ظل هذه الصور من الفضائح، اعلَم -رعاك الله -أن المستور مَن ستره الله ومنَّ عليه، والمفضوح مَن أوكله الله إلى عمله وما كسبتْ يداه، فمَن أراد الستر، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ - وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانُ عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ « وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ ». ([15])

 اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض يا رب العالمين.

إذا تقرر هذا فيجب أن يبادر المرء إلى محاسبة نفسه من قبل أن لا يكون درهم ولا دينار ، ففي صحيح البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  قَالَ : " مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ ؛ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ ، أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ "  ([16])

الدعاء .................

 

 

 

 



[1] - أخرجه ابن أبي شيبة 13/189، وعبد بن حميد (846) ، والبخاري (2441) ، وفي "خلق أفعال العباد" (344) ،

[2] - أخرجه البخاري (5/2285 ، رقم 5823) ، ومسلم (3/1359 ، رقم 1735) .

[3] - الجامع الصحيح للسنن والمسانيد (6/ 240) انظر صحيح الجامع: 1858

[4] - أخرجه أحمد (2/179، رقم 6677) ، والترمذي (4/655 ، رقم 2492) ,صحيح الجامع: 8040 , صحيح الترغيب والترهيب: 2911

[5] - أخرجه أحمد (1/412) (3913)و أخرجه مسلم (1/93 ، رقم 91)

[6] - أخرجه الترمذي (4/370 ، رقم 2018) صحيح الجامع: 1535 , الصحيحة: 791

[7] - أخرجه : مسلم 1/72 ( 107 ) ( 172 ) .

[8] - أخرجه ابن ماجه (2/1418 ، رقم 4245) ،

[9] - أخرجه البخاري في: 56 كتاب الجهاد: 77 باب لا يقول فلان شهيد

[10] - أخرجه أحمد (2/426 ، رقم 9499) ، والبخاري (3/1118 ، رقم 2908) ، ومسلم (3/1461 ، رقم 1831)

[11] - أخرجه أحمد (2/321 ، رقم 8260) ، ومسلم (3/1513 ، رقم 1905)

[12] - مسند أحمد ت شاكر (7/ 325) رواه أبو داود الطيالسي: 2440) رواه مسلم، كاملاً مطولاً 1: 270 -271)

[13] - مسلم (2989) ، وإبراهيم الحربي في "غريب الحديث" 2/887، وأبو القاسم البغوي في "مسند أُسامة" (54)

[14] - حياء علوم الدين(1/60) للغزالي.

[15] - أخرجه أحمد (2/252 ، رقم 7421) ، ومسلم (4/2074 ، رقم 2699)

[16] - أخرجه : البخاري 3/170 ( 2449 ) .

أغلى النصائح للتحذير من يوم الفضائح.pdf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة فيض الإله بخلق المواساة.pdf

الحقوق العشر للوطن في الإسلام

خطبة الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان.pdf