الرياض النضرة بما في قصص القرآن من عبرة.pdf

الرياض النضرة بما في قصص القرآن من عبرة

الشيخ السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا معاشر الموحدين حياكم الله تعالى و بياكم و جعل الله تعالى الجنة مثوانا و مثواكم حديث اليوم مع الرياض النضرة بما في قصص القران من عبرة لنقف مع العبر التي من أجلها قص الله تعالى علينا قصص الأنبياء و الرسل فأعيروني القلوب و الأسماع ..................

يقول الله تعالى قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف:111]

 و يقول الله تعالى "وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ". هود: 120.

وقال سبحانه في شأن فرعون: [فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى] (النازعات: 25-26)

ويقول سبحانه في شأن نبينا صلى الله عليه وسلم مع أعدائه يوم بدر: [قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ التَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ العَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ] (آل عمران: 13) . ويقول في شأنه يوم حاصر يهود بني النضير: [هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ] (الحشر: 2) .

يقول ابن تيمية رحمه الله: «فأمرنا أن نعتبر بأحوال المتقدمين علينا من هذه الأمة، وممن قبلها من الأمم، وذكر في غير موضع أن سنته في ذلك سنة مطردة، وعادته مستمرة ... فينبغي للعقلاء أن يعتبروا لسنة الله وأيامه في عباده، ودأب الأمم وعاداتهم» [1] .

 أولا :تثبيت الله تعالى لعباده المؤمنين

معاشر الموحدين إن من ثمرات و فوائد القصص القرآني اخذ العبرة من ثبات الأنبياء و الرسل على دعوتهم و أمام مغريات الحياة و أمام التهديدات  ،يثبت فؤاد المؤمن ويزداد يقينه بمعايشة تجارب الأمم السابقة ودعوة الرسل وعِناد المعاندين للشرائع عبر التاريخ الإنساني ونهاية كل معاندٍ أو ظالمٍ أو طاغية ونهاية  أتباع الظالمين ونهاية أتباع الرسل. و قل بلسان حالك ومقالك لكل مُعاند: سنثبت على شريعة ربنا وسنظل إن شاء الله عاملين بها ولها حتى نلقى الله ... وسنرى من الفائز في النهاية؟! مع علمنا اليقيني بفوز أهل الله وخسارة كل معاند. أتباع الشرائع هم أهل الله الذين ركنوا إلى الركن الذي لا يضام  الذي إليه يرجع الأمر كله والذي لا يغفل ولا ينام وهو وحده المستحق للعبادة وتمام التوكل. {وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ * وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: 120 - 123]. قال السعدي في تفسيره:  ذكر في هذه السورة من أخبار الأنبياء، ما ذكر، ذكر الحكمة في ذكر ذلك، فقال: { وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} أي: قلبك ليطمئن ويثبت ويصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، فإن النفوس تأنس بالاقتداء، وتنشط على الأعمال، وتريد المنافسة لغيرها، ويتأيد الحق بذكر شواهده، وكثرة من قام به.

عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَوْ أَلَا يَعْنِي: تَسْتَنْصِرُ لَنَا ـ؟ فَقَالَ: «قَدْ كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ بِنِصْفَيْنِ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عَظْمِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»[2]

هكذا نحن .. نستعجل

نُريد قطف الثمرة قبل نضجها

نريد النصر قبل أن ننتصر في أول خطوة

نريد التمكين ولم نُحقق الإيمان

نريد أن ينصرنا الله ولم ننصر دينه

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )

" ولكنكم تستعجلون "

روي عن أبي جعفر محمد بن علي وعن الضحاك أنـهما قالا في قوله تعالى : ( قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا) : كان بينهما أربعون سنة .

وقال ابن جريج : يُقال إن فرعون ملك بعد هذه الآية أربعين سنة .

قال مرزوق العجلي : دعوت ربي في حاجة عشرين سنة فلم يقضِها لي ، ولم أيأس منها !

ثانيا أن الابتلاء طريق النصر و الاجتباء:

 و من عبر القصص القرآن أن يعي المسلم أن طريق الدعوة إلى الله ليس مفروشا بالورد و لا بالرياحين و إنما هو طريق شاق  تسمع على جنباته صراخ و عويل المظلومين و المعذبين و ترى أشلاء الشهداء ..... تعالوا معي أحبتي نأخذ أمثلة لامتحان بعده نصر وتمكين : فهذا موسى عليه السلام ومن آمن معه أشتد أذى فرعون لهم حتى بلغ طغيان فرعون أن قرر قتلهم وإبادتهم ليقضي على دعوة الإيمان ويصفو له الجو وحشر لعملية قتل تلك الفئة القليلة المستضعفة كل قواته وإمكانياته واستمع للعليم الخبير ينبئك عن ذلك بقوله {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء: 53 - 56]

 . فماذا كانت النتيجة ؟ استمع لها ممن له القوة جميعاً : {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف: 136، 137]. أرأيتم أيها الأحبة في الله بينما كان أهل الكفر الأقوياء يتوعدون أهل الإيمان الضعفاء بالقتل والإبادة تدخلت القدرة الإلهية التي لا يقف لها شئ فقتل أهل الكفر وبقي أهل الإيمان وأبيد أهل الكفر وكان التمكين لأهل الإيمان ،

فطريق الدعوة هو طريق الابتلاء فالنبي صلى الله عليه وسلم  قبل الدعوة وهو في العبادة في غار حراء يتعبد .. قالوا عنه الصادق الأمين .. لكن لما جهر بالدعوة قالوا ( ساحر ، مجنون ، كذاب ، كاهن .. ) .

ثمن المجد دم جدنا به فاسألوا كيف دفعنا الثمنا

واسألوا ماذا فعلنا في الوغى يوم هال الهول فينا ودنا

* الذهب قبل وضعه في الفاترينة لابد له أن يوضع أولاً في النار .

* فالابتلاء مادة الاختبار لأهل الإيمان .

* والابتلاء للمنافق يجعله كعود الكبريت المضىء سريع الإطفاء إذا جاءته الريح.

والبلاء للمؤمن يجعله كالنار في الغابة كلما جاءتها الريح تزداد اشتعالاً

ثالثا: الاقتداء بهدي الأنبياء:

و من عبر القصص القرآني أن نقتدي بهم في سيرهم الى الله جل جلاله قال الله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]

أولئك الأنبياء الثمانية عشر الذين ذكرت أسماؤهم في الآيات المتلوة آنفا، والموصوفون في الآية الأخيرة بإيتاء الله إياهم الكتاب والحكم والنبوة، هم الذين هداهم الله تعالى الهداية الكاملة، فبهداهم دون ما يغايره ويخالفه من أعمال غيرهم وهفوات بعضهم اقتد أيها الرسول فيما يتناوله كسبك وعملك مما بعثت به من تبليغ الدعوة وإقامة الحجة والصبر على التكذيب والجحود، وإيذاء أهل العناد والجمود، ومقلدة الآباء والجدود وإعطاء كل حال حقها من مكارم الأخلاق وأحاسن الأعمال، كالصبر والشكر، والشجاعة والحلم، والإيثار والزهد، والسخاء، والبذل، والحكم بالعدل،[3]

أيها الأحباب:

اثبتوا كما ثبت نبي الله نوح عليه السلام

اصبروا كما صبر نبي الله إبراهيم وأيوب عليهما الصلاة والسلام

اعترفوا بخطاياكم نبيِّ الله يونس -عليه السلام-بخطئه وتوبته إلى الله.

اقتدوا بيوسف عليه السلام في صدقه و اخلاصه و عفته

اقتدوا بموسى عليه السلام بمروءته وشهامته وقوته في الحق

اقتدوا بإبراهيم عليه الصلاة و السلام في رشده و حكمته {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]

رابعا: تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة:

 إخوة الإسلام و من عبر القصص القران يأن نتعلم أن من تعرف على الله في الرخاء عرفه الله في وقت الشدة ..... وانظر كيف عامل الله عبده يونس بن متى عليه السلام حين التقمه الحوت فدعا ربه في ظلمات ثلاث: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] قال تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88] ، وبيّن الله سبب الاستجابة وإنقاذه من هذا المكان العجيب الذي لا يخرج منه أحد أبدا فقال: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 143، 144] ؛ يعني لولا تسبيحه لنا وكثرة ذكره ودعائه وطاعته في زمن رخائه لما أنجيناه في زمن شدته وبلائه.

وإذا أردت أن يعرفك الله في الشدائد، فتعرف عليه في النعماء والرغائب. يقول ابن كثير على هذه الآية : قيل لولا ما تقدم له من العمل في الرخاء ... ([4]) .

 وقال القرطبي : أخبر الله عز وجل أن يونس كان من المسبحين ، وأن تسبيحه كان سبب نجاته، ولذلك قيل: إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر . أهـ ([5]) .

وانظر في الجانب الآخر إلى فرعون لعنه الله، عبد أنعم الله عليه فتكبر وعتا، وعاند وجحد نعمة الله وفضله، فلما أدركه الغرق دعا ربه ـ كما دعا يونس ـ لكن الإجابة اختلفت تماما قال الله تعالى له: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}(يونس:91).

أي أنك في زمان الرخاء كفرت وتكبرت وعتوت ونسيت، فما وجدنا لك عند شدتك رصيدا كما وجدنا ليونس عليه السلام. {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}(يونس:92).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرَبِ، فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ»[6].

فإذا أردت أن يكون الله لك في ضرائك على ما تحب، فكن له في سرائك على ما يحب.

وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة) ([7]) .

وحريٌ بنا الاقتداء بالأنبياء، فنضرع إلى الله غدوة وعشية، ونتعرف إليه في الرخاء ليعرفنا في الشدة.

  خامسا: العاقبة الحميدة لمن اتقى وصبر:

إخوة الإسلام و من مواطن العبة في حياة الأنبياء أننا نرى و نشاهد في حياتهم أن العاقبة للمؤمنين و إن طال الزمان أن النصر مقرون بالصبر  قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج: 40، 41] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور: 55] وَقَالَ - تَعَالى-: ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف: 128]  وَقَالَ سُبحَانَهُ: " ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت: 69] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُم فِئَةً فَاثبُتُوا وَاذكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفشَلُوا وَتَذهَبَ رِيحُكُم وَاصبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 45، 46].

فها هو نوح يدعو ربه ألف سنة إلا خمسين عاما ما كلً وما ملً وكانت النتيجة النصر له و للثلة لمؤمنة

هود عليه السلام سار عل درب نوح في الدعوة ومواجهة العقول المتحجرة والقلوب القاسية وبذل قومه ما بذلوا من اجل محاربته وكانت العقبى له و للجماعة المؤمنة

إبراهيم خليل الرحمن عانى من قومه اشد العناء وأصابه  مر البلاء فصبر و كانت عاقبته احلى من الشهد تمكين له و لذريته

موسى عليه السلام واجه الطاغية الجبار الذي سفك الدماء و قتل الشهداء و لم يفرق بين الكبار و لا الصغار فصبر موسى وقومه و كانت عاقبة امرهم النصر و الهلاك و الغرق لفرعون و جنده

لَكِنَّنَا   رَغْمَ    هَذَا    الذُّلِّ    نُعْلِنُهَا           فَلْيَسْمَعِ  الْكَوْنُ  وَلْيُصْغِ   لَنَا   الْبَشَرُ

إِنْ طَالَ  لَيْلُ  الْأَسَى  وَاحْتَدَّ  صَارِمُهُ        وَأَرَّقَ   الْأُمَّةَ    الْمَجْرُوحَةَ    السَّهَرُ

فَالْفَجْرُ  آتٍ  وَشَمْسُ  الْعِزِّ   مُشْرِقَةٌ             عَمَّا   قَرِيبٍ   وَلَيْلُ   الذُّلِّ    مُنْدَحِرُ

سَنَسْتَعِيدُ      حَيَاةَ      الْعِزِّ      ثَانِيَةً        وَسَوْفَ نَغْلِبُ مَنْ حَادُوا وَمَنْ كَفَرُوا

وَسَوْفَ  نَبْنِي  قُصُورَ  الْمَجْدِ   عَالِيَةً        قِوَامُهَا    السُّنَّةُ     الْغَرَّاءُ     وَالسُّوَرُ

وَسَوْفَ  نَفْخَرُ   بِالْقُرْآنِ   فِي   زَمَنٍ        شُعُوبُهُ  فِي  الْخَنَا   وَالْفِسْقِ   تَفْتَخِرُ

وَسَوْفَ   نَرْسُمُ   لِلْإِسْلَامِ    خَارِطَةً        حُدُودُهَا   الْعِزُّ   وَالتَّمْكِينُ   وَالظَّفَرُ

بِصَحْوَةٍ    أَلْبَسَ     الْقُرْآنُ     فِتْيَتَهَا        ثَوْبَ الشَّجَاعَةِ لَا جُبْنٌ وَلَا خَوَرُ

يُرَدِّدُونَ    وَفِي     أَلْفَاظِهِمْ     هِمَمٌ        وَيَهْتِفُونَ     وَفِي     أَقْوَالِهِمْ     عِبَرُ

مَنْ  كَانَ  يَفْخَرُ  أَنَّ  الْغَرْبَ   قُدْوَتُهُ        فَنَحْنُ   قُدْوَتُنَا   عُثْمَانُ    أَوْ    عُمَرُ

أَوْ  كَانَ  يَفْخَرُ   بِالْأَلْحَانِ   يُنْشِدُهَا        فَنَحْنُ    أَلْحَانُنَا    الْأَنْفَالُ     وَالزُّمَرُ

سادسا: يأخذهم بالمحن لعلهم يرجعون:

 واعموا عباد الله أن الله عز وجل قد ينوع لعباده أسباب الهداية والاتعاظ فيهلك ما حولهم من المدن والقرى ويصرف آياته حسب حكمته كما قال تعالى (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الأحقاف:27) وقد يأخذهم بالمحن والشدائد والبأساء والضراء والفتن لعلهم يرجعون قال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ* فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام42:43) وقال تعالى (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف:130) وقال تعالى (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) (المؤمنون:76) ولكنهم أبوا إلا الجحود والكفران ورفض دعوة الرسل كما قال تعالى (ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (الأعراف:95) ويعنون بقولهم (قد مس آبائنا...) إن أصابتنا بالضراء مرة وبالسراء أخري هو شيء طبيعي في بني الإنسان لا نستحقه لا بطاعتنا ولا بكفرنا وانحرافنا بالدليل أن آباءنا قد أصيبوا بمثل ذلك من قبل فهي سنة عادية قديمة وهكذا قال قوم عاد لنبيهم (إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ* وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) (الشعراء137:138) فهم لا بالعذاب والعقاب يتأدبون ولا بالخير والرخاء يتهذبون فهم علي كل أحوالهم ظالمون.

سابعا: الانتقام من المجرمين والظالمين خاصة:

معاشر الموحدين لقد جرت سنة الله في هذا لكون أن لا يعذب إلا الظالمين ولا ينتقم إلا من المجرمين والمفسدين

فقد نجى الله الأنبياء و من امن معهم و اهلك الله تعالى الكافرين و المفسدين و الظلمة و الطغاة و المتكبرين ...... و قال تعالى (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) (الأنعام:47) ويقول (وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (يوسف: من الآية110) ويقول (فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) (الروم: من الآية47) ويقول (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) (السجدة: من الآية22) ويقول (فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) (الزخرف: من الآية55) وقال (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (الأعراف:165) وفى الحديث: "أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث ثم ببعثهم الله علي نيتهم".

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية

أما بعد :.....................................

ثامنا: سنة الاستدراج:

إخوة الإسلام: وإن من عبر قصص الأنبياء أن الله تعالى يستدرج الظلمة  يمدهم بالأموال والبنين، فيظن الجاهل منهم بسنن الله أنه على خير، وأن الله -عز وجل- راضٍ عنهم، وأنهم على خير، فيزداد الواحد منهم في غيِّه وضلاله، حتى ينزل عليه بأس الله الذي لا يُردُّ عن القوم المجرمين، قال الله -تعالى-: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (الأعراف:182)، قال بعض السلف: "يعطيهم النعم ويمنعهم الشكر", وقال بعضهم: "كلما أحدثوا ذنبًا أحدث لهم نعمة".

وقال الله -تعالى-: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ. نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) (المؤمنون:55 - 56)، وقال -تعالى-: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) (الحج:48).

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ)، ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود:102) (متفق عليه)[8].

فها هم قوم عاد مكن الله تعالى لهم في الأرض و أمدهم بالقوة و العلم الدنيوي و جاءهم رسول منهم يدعوهم الى عبادة الله وحده فاغتروا و قالوا قولتهم الشهيرة التي ذكرها الله في كتابه {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ} [فصلت: 15، 16]

 وها هو فرعون قد اغتر بما أمده الله به من قوة و من ملك حتى نسى الله و بغى في الأرض و اكثر فيها الفساد و قال قولته التي ذكرها الله تعالى في كتابه {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ} [الزخرف: 51 - 56]

الدعاء...................................................

 



[1] - كتاب الجهاد، 2/ 70، جمع الدكتور عبد الرحمن عميرة.

[2] -أخرجه البخاري (3612) و (6943) ، والنسائي 8/204، وابن حبان (6698) ، والطبراني (3638)

[3] - تفسير المنار (7/ 497)

[4] . تفسير بن كثير سورة الصافات آية 143

[5] .تفسير القرطبي (سورة الصافات آية 143)

[6] - سنن الترمذي ت شاكر (5/ 462) (3382) حسن لغيره انظر الصَّحِيحَة: 593 , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 1628

[7] . رواه أحمد (2800) والترمذي (2516)

[8] - البخاري (4686) ومسلم (2583)

الرياض النضرة بما في قصص القرآن من عبرة.pdf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة فيض الإله بخلق المواساة.pdf

الحقوق العشر للوطن في الإسلام

خطبة الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان.pdf