الدرس الثالث عشر حفظ الله تعالى لنبيه قبل البعثة ولقاء بحيرا الراهب.pdf



الدرس الثالث عشر

حفظ الله تعالى لنبيه قبل البعثة ولقاء بحيرا الراهب

الحمد لله الذي زين قلوب أولياءه بأنوار الوفاق، وسقى أسرار أحبائه شرابا لذيذ المذاق، وألزم قلوب الخائفين الوجل والإشفاق، فلا يعلم الإنسان في أي الدواوين كتب ولا في أيّ الفرقين يساق، فأن سامح فبفضله، وان عاقب فبعدله، ولا اعتراض على الملك الخلاق.

واشهد إن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو علي كل شيء قدير شهادة أعدها من أكبر نعمه وعطائه، وأعدها وسيلة إلى يوم لقاءه

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه البشير النذير السراج المنير الذي عم نوره الآفاق، والنور الذي لا يعترض ضياءه كسوف ولا محاق، الحبيب القرب الذي أسري به على البراق، إلى إن جاوز السبع الطباق.

يا سيدي يا رسول الله

يا أجمل ما رأت قط عين   ويا أكمل ما ولدت النساء

خلقت مبرأ من كل عيب       كأنك خلقت كما تشاء

وعلى اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.

أما بعد: فيا أحباب الحبيب المحبوب حبيب علام الغيوب صلى الله عليه وسلم : في هذا اللقاء نتحدث عن حفظ الله تعالى لنبيه و مصطفاه قبل البعثة و عن لقاء النبي ببحيرة الراهب وما في ذلك من دروس و عبر

حفظ الله تعالى نشأة نبيه-صلى الله عليه وسلم-فلم يسجد لصنم ولم يأكل ما ذبح على النصب ولا ارتكب فاحشة قط رغم أن المجتمع الذي يعيش فيه قد انتشرت فيه المنكرات و المحرمات و عبادة الأوثان و الأصنام ،عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: حَدَّثَنِي جَارٌ لِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ -رضي الله عنها - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ لِخَدِيجَةَ: " أَيْ خَدِيجَةُ , وَاللهِ لَا أَعْبُدُ اللَّاتَ أَبَدًا , وَاللهِ لَا أَعْبُدُ الْعُزَّى أَبَدًا " , قَالَ: فَتَقُولُ خَدِيجَةُ: خَلِّ اللَّاتَ , خَلِّ الْعُزَّى , قَالَ: وَكَانَتْ صَنَمَهُمْ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ ثُمَّ يَضْطَجِعُونَ.."([1])

و مما يدل عباد الله على لم يأكل مما ذبح على النصب ما أخرجه البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَقِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحٍ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْوَحْيُ، فَقُدِّمَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سُفْرَةٌ , فَأَبَى زَيْدٌ أَنْ يَأكُلَ مِنْهَا , ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ , وَلَا آكُلُ إِلَّا مَا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَكَانَ زَيْدٌ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ , وَيَقُولُ: الشَّاةُ خَلَقَهَا اللهُ , وَأَنْزَلَ لَهَا مِنْ السَّمَاءِ الْمَاءَ , وَأَنْبَتَ لَهَا مِنْ الْأَرْضِ , ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللهِ؟ - إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ –([2])

حفظ الله تعالى ان تبدو عورته – صلى الله عليه وسلم - عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبَّاسٌ يَنْقُلَانِ الْحِجَارَةَ، فَقَالَ عَبَّاسٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ مِنَ الْحِجَارَةِ فَفَعَلَ فَخَرَّ إِلَى الْأَرْضِ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: «إِزَارِي إِزَارِي»، فَشُدَّ عَلَيْهِ إِزَارُهُ."([3])

وهذا الحديث يوضح لنا حقيقتين كل منهما على جانب كبير من الأهمية:

1 -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان متمتعاً بخصائص البشرية كلها، وكان يجد في نفسه ما يجده كل شاب من مختلف الميولات الفطرية التي اقتضت حكمة الله أن يجبل الناس عليها، فكان يحس بمعنى السمر واللهو ويشعر بما في ذلك من متعة، وتحدثه نفسه لو تمتع بشيء من ذلك كما يتمتع الآخرون.

2 -أن الله عز وجل قد عصمه مع ذلك عن جميع مظاهر الانحراف وعن كل مالايتفق مع مقتضيات الدعوة التي هيأه الله لها.

لقاء الراهب بحيرا بالرسول وهو غلام:

خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه النبي -صلى الله عليه وسلم -في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا ([4]) على الراهب([5]) ، هبطوا فحلوا رحالهم ([6])، فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يسيرون، فلا يخرج إليهم، ولايلتفت.

فبينما هم يحلون رحالهم جعل الراهب يتخللهم ([7])  حتى جاء فأخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خرّ ([8])  ساجداً، ولا يسجدان إلا لنبيّ، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف([9])  كتفه مثل التفاحة.

ثم رجع فصنع لهم طعاماً، فلما أتاهم به، وكان هو في رعية الإبل قال: أرسلوا إليه، فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فئ الشجرة، فلما جلس مال فئ الشجرة ([10])  عليه، فقال: انظروا إلى فئ الشجرة مال عليه.

قال: فبينما هو قائم عليهم، وهو يناشدهم ([11]) أن لا يذهبوا به إلى الروم فإن الروم إذا عرفوه بالصفة فيقتلونه، فالتفت فإذا سبعة قد أقبلوا من الروم، فاستقبلهم، فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جاءنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر، فلم يبقى طريق إلا بعث إليه بأناس، وإنا قد أخبرنا خبره، بعثنا إلى طريقك هذا، فقال: هل خلفكم أحد هو خير منكم؟

قالوا: إنما اخترنا خيره لك لطريقك هذا، قال: أفرأيتم أمراً أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا: لا. قال: فبايعوه وأقاموا معه.

قال: أنشدكم الله أيكم وليه([12]) ؟ قالوا: أبو طالب فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب([13]) .

يستفاد من قصة بحيرا عدة أمور منها:

1 -إن الصادقين من رهبان أهل الكتاب يعلمون أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - هو الرسول للبشرية، وعرفوا ذلك لما وجدوه من إمارات وأوصاف عنه في كتبهم.

2 -إثبات سجود الشجر والحجر للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وتظليل الغمام له وميل فئ الشجرة عليه.

3 -إن النبي - صلى الله عليه وسلم - استفاد من سفره وتجواله مع عمه وبخاصة من أشياخ قريش، حيث اطلع على تجارب الآخرين وخبرتهم، والاستفادة من آرائهم، فهم أصحاب خبرة، ودراية، وتجربة لم يمر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنه تلك.

4 -حذر بحيرا من النصارى، وبين أنهم إذا علموا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سيقتلونه وناشد عمه وأشياخ مكة ألا يذهبوا به إلى الروم فإن الروم إذا عرفوه بالصفة يقتلونه، لقد كان الرومان على علم بأن مجيء هذا الرسول سيقضي على نفوذهم الاستعماري في المنطقة، ومن ثم فهو العدو الذي سيقضي على مصالح دولة روما، ويعيد هذه المصالح إلى أربابها، وهذا ما يخشاه الرومان.

 



([1]) - (أخرجه أحمد) 17976، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.

([2]) - (أخرجه البخاري في فضائل الصحابة رقم 3614).

([3]) - أخرجه أحمد 3/ 295 و380، والبخاري [3829].

([4]) - أشرفوا: طلعوا.

([5]) - الرهب: زاهد النصارى.

([6]) - حلو رحالهم: أي انزولها وفتحوها.

([7]) - يتخللهم: يمشي بينهم.

([8]) - خر: سقط.

([9]) - الغضروف: رأس لوح الكتف.

([10]) -ظل الشجرة

([11]) - يناشدهم: يقسم عليهم.

([12]) - ايكم وليه: قريبه.

([13]) - صحيح السيرة النبوية، ص 58،59.


الدرس الثالث عشر حفظ الله تعالى لنبيه قبل البعثة ولقاء بحيرا الراهب.pdf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة فيض الإله بخلق المواساة.pdf

الحقوق العشر للوطن في الإسلام

خطبة الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان.pdf