الاستجابة لله ولرسوله طريق الحياة.pdf



الاستجابة لله ولرسوله طريق الحياة

الشيخ السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى

تعريف الاستجابة :

 يقول السعدي في تعريف الاستجابة: الانقياد لما أمرا به والمبادرة إلى ذلك والدعوة إليه، والاجتناب لما نهيا عنه، والانكفاف عنه والنهي عنه.[1]

ويقو الشوكاني: الْمَعْنَى اسْتَجِيبُوا لِلطَّاعَةِ وما تضمّنه القرآن من أوامر ونواه، فَفِيهِ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَالنِّعْمَةُ السَّرْمَدِيَّةُ[2]

قال القشيري: «حقّ الاستجابة أن تجيب بالكلية من غير أن تذر من المستطاع بقية» [3]

ثمرات الاستجابة :

أولا: الاستجابة لله ولرسوله طريق الحياة: المستجيب حي؛ فعلى قدر الاستجابة تكون الحياة، فهي مراتب كلما زاد العبد في الاستجابة لله وطاعة أوامره كلما زاده الله هداية وتوفيقاً. وقد شبه الله المستجيب لنداء الله ورسوله بالحي، والذي لا يستجيب بالميت: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [الأنعام: 36].

يقول ابن القيم في الفوائد: ذكر بعض المعاني الدقيقة لقوله (لما يحييكم)، فقد اعتبر “الْحَيَاة النافعة إِنَّمَا تحصل بالاستجابة لله وَرَسُوله فَمن لم تحصل لَهُ هَذِه الاستجابة فَلَا حَيَاة لَهُ”. كما رأى أن الحياة الحقيقية الطيبة «حياة من استجاب لله والرسول ظاهرا وباطنا فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسو» [4]

محل الاستجابة القلب :

لأن الاستجابة أصلها بالقلب فلا تنفع الاستجابة بالبدن. دون القلب. فإن الله سبحانه بين العبد وبين قلبه. فيعلم هل استجاب له قلبه، وهل أضمر ذلك أو أضمر خلافه.  [5]

ووصف هذه الحياة التي يدعوهم إليها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها “قوة التميز بين النافع والضار في العلوم والإرادات والأعمال وتفيده قوة الإيمان والإرادة والحب للحق وقوة البغض والكراهة للباطل فشعوره وتمييزه وحبه ونفرته بحسب نصيبه من هذه الحياة”.

يقول صاحب الظلال في الاستجابة لأوامر الله: بأنها دعوة للحياة... للحياة الدائمة المتجددة، لا لحياة تاريخية محدودة في صفحة عابرة من صفحات التاريخ.. إنها دعوة إلى الحياة بكل صور الحياة، وبكل معاني الحياة.. إنَّه يدعوهم إلى عقيدة تحيي القلوب والعقول، وتطلقها من أوهاق الجهل والخرافة، ومن ضغط الوهم والأسطورة، ومن الخضوع المذل للأسباب الظاهرة والحتميات القاهرة، ومن العبودية لغير الله والمذلة للعبد أو للشهوات سواء.. ويدعوهم إلى منهج للحياة، ومنهج للفكر، ومنهج للتصوّر. فانظر أخى وأختي على قدر استجابتك يكون القلب حي مع الله، فإذا تلكأت عن أوامر الله فاعرف أن هناك ما يشوب القلب، فبادر إلى تطهيره.[6]

ثانيا الاستجابة لله وللرسول طريق الى الرشاد و استجابة الدعاء:

اعلموا عباد الله أن الاستجابة لله وللرسول طريق إلى الرشاد وإجابة الدعاء ولقد بشر الله عاهل الاستجابة بذلك قال تبارك وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].

 يقول الشيخ سيد طنطاوي رحمه الله والمعنى: لقد وعدتكم يا عبادي بأن أجيب دعاءكم إذا دعوتموني، وعليكم أنتم أن تستجيبوا لأمري، وأن تقفوا عند حدودي، وأن تثبتوا على إيمانكم بي، لعلكم بذلك تصلون إلى ما فيه رشدكم وسعادتكم في الحياتين العاجلة والآجلة. وأمرهم- سبحانه- بالإيمان بعد الأمر بالاستجابة، لأنه أول مراتب الدعوة، وأولى الطاعات بالاستجابة.[7]

 فالاستجابة لله سبحانه بفعل الأوامر التي أمر بها واجتناب النواهي التي نهى عنها، وآمن به وأحسن الظن بالله جل وعلا فإنه سبحانه وتعالى قريب مجيب دعوته. قال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ» [8].

ثالثا: آخر طريق الاستجابة الجنة: إخوة الإسلام الكل يصبوا إلى أن يكون من أهل الجنة- اسأل الله العظيم أن يجمعنا في جنة عالية قطوفها دانية- فطريق الجنة هو الاستجابة و هو تلبية النداء و السير خلف سيد الأصفياء صلى الله عليه  وسلم -

يقول صاحب الظلال: فمن استجاب للّه فله الحسنى. والذين لم يستجيبوا له يلاقون من الهول ما يود أحدهم لو ملك ما في الأرض ومثله معه أن يفتدى به.

وما هو بمفتد، إنما هو الحساب الذي يسوء، وإنما هي جهنم لهم مهاد. ويا لسوء المهاد!:«لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى،وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ،أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ،وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ.وَبِئْسَ الْمِهادُ» ..

ويتقابل الذين يستجيبون مع الذين لا يستجيبون.وتتقابل الحسنى مع سوء العذاب ..

ومع جهنم وبئس المهاد ..على منهج السورة كلها وطريقتها المطردة في الأداء ...[9]

وهذا عمير بن الحمام الصحابي الجليل في يوم بدر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال عمير بن حمام الأنصاري: يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض، قال: نعم، قال: بخٍ بخٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحملك من قولك: بخ بخ؟ قال: والله يا رسول الله، إلا رجاءَ أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها، قال: فأخرج تمرات من قَرَنِهِ، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييتُ حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قُتل)[10]

وهذا حنظلةُ بنُ أبي عامر -رضي الله عنه- الشَّابُّ الصَّالحُ التقي تزوَّجَ جميلةَ بنتَ عبد الله -رضي الله عنها- ودخل بها في الليلة التي في صبيحتها غزوةُ أُحد. في تلك الليلة التي دخل فيها بزوجته طرَقَ سمعَهُ نداءُ الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- بالاجتماع في الصفوف لملاقاة العدُو، فيخرُجُ من عندها وهو جُنبٌ من أهله -رضي الله عنه-. استوى في الصفوف مع المؤمنين وقاتل -رضي الله عنه- حتى استُشهدَ وهو عريسٌ صاحبُ ليلة واحدة لم تكتمل!. هذا الصحابيُّ الجليلُ من الرجال الذين يحبُّهم الله -تعالى-، ويضحكُ إليهم، ويستبشرُ بهم؛ لأنَّهم رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه! هذا الرَّجُلُ غسَّلتهُ الملائكة عليهم السلام، قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لمَّا أرادَ الصحابةُ تغسيله: "إن صاحبكم تغسله الملائكة فاسألوا صاحبته"، فقالت: خرج وهو جنب لما سمعَ الهائعة أي النداء للجهاد[11]

إنَّ هذا المثالَ الفريدَ درسٌ للذين عاهدوا فما صدقوا، ولَمَّا فُتحت عليهم الدنيا أخلدوا إلى لذَّاتها، ورَضُوا بأن يكونُوا مع الخوالف في جنباتها. إنَّهُ لهم درسٌ فريد، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون!.

رابعا: المستجيب وهداية الله: قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50]. قال ابن قيم الجوزية طيب الله ثراه: فقسم الأمر إلى أمرين لا ثالث لهما، إما الاستجابة لله والرسول وما جاء به، وإما اتباع الهوى، فكل ما لم يأت به الرسول فهو من الهوى، وقال تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26] فقسّم سبحانه طريق الحكم بين الناس إلى الحق وهو الوحي الذي أنزله الله على رسوله، وإلى الهوى وهو ما خالفه، وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ . إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية: 18، 19]، فقسم الأمر بين الشريعة التي جعله هو سبحانه عليها، وأوحى إليه العمل بها، وأمر الأمة بها، وبين اتباع أهواء الذين لا يعلمون.

و تاملوا في قصة ذلك الشاب الذي جاء ليطب من النبي الاذن في الزنا كيف ستجاب لامر النبي و كيف حبب لديه العفة و الطهارة و كره الزنا و الفجور عن أبي أُمامةَ قال:

إنَّ فتًى شابًّا أتَى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: يا رسولَ الله، ائذنْ لي بالزِّنا.

فأقبلَ القومُ عليه فزجَروه وقالوا: مَهْ مَهْ.

فقال: "ادنُه".

فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال: "أتحبُّهُ لأُمِّك"؟

قال: لا والله، جعلني اللهُ فداءَك.

قال: "ولا الناسُ يحبُّونَهُ لأُمَّهاتِهم".

قال: "أفتُحبُّهُ لابنتِك"؟

قال: لا واللهِ يا رسولَ الله، جعلني اللهُ فداءَك.

قال: "ولا الناسُ يحبُّونَهُ لبناتِهم".

قال: "أفتحبُّهُ لأُختِك"؟

قال: لا والله، جعلني اللهُ فداءَك.

قال: "ولا الناسُ يحبُّونَهُ لأَخواتِهم".

قال: "أفتحبُّهُ لعمَّتِك"؟

قال: لا والله، جعلني اللهُ فداءَك.

قال: "ولا النَّاسُ يحبُّونَهُ لعمَّاتِهم".

قال: "أفتحبُّهُ لخالتِك"؟

قال: لا والله، جعلني اللهُ فداءَك.

قال: "ولا النَّاسُ يحبُّونَهُ لخالاتِهم".

قال: فوضعَ يدَهُ عليه وقال: "اللهمَّ اغفرْ ذنبَه، وطهِّرْ قلبَه، وحصِّنْ فَرْجَه".

فلم يكنْ بعد ذلك الفتَى يلتفتُ إلى شيءٍ.)[12]

خامسًا: الاستجابة علامة للإيمان. فأهل الاستجابة هم المؤمنون حقًا: قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51]. فقول أهل الإيمان إذا ما دعوا إلى الله ورسوله هو سمعنا وأطعنا، وقت النشاط والكسل، ووقت العسر واليسر، فحياتهم مبنية عن الاستجابة لأمر الله ورسوله، أما المنافقون فشعارهم وديدنهم الصد عن سبيل الله ومخالفة أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عنهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء: 61].

قصة الخاتم من الذهب:

لما رأى الصحابة في يد النبي -صلى الله عليه وسلم- خاتَمًا مِن ذهب، لبسوا خواتيم من ذهب، فلما خلَعه خلعوا خَواتيمَهم.

عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اصطَنع خاتَمًا مِن ذهب، وكان يَلبسه فيجعَل فصَّه في كفِّه، فصنَع الناس خواتيم، ثم إنه جلس على المنبر فنزعه، فقال: ((إني كنتُ ألبس هذا الخاتم وأجعل فصَّه من داخل)) فرمى به ثم قال: ((والله لا ألبسه أبدًا)) فنبَذ الناس خواتيمهم[13]

و لمّا رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في يد رجل خاتمًا مِن ذهبٍ نزَعه منه وطرَحه أرضًا، فمِن حرْص الرجل على طاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رفَض أن يرفَع الخاتم الذي طرحه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم.

عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى خاتمًا في يد رجل فنزعه فطرَحه، وقال: ((يَعمِد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده!))، فقيل للرجل بعدما ذهَب رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: خذ خاتمك انتفِع به، قال: "لا والله، لا آخُذه أبدًا؛ قد طرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم"[14]

قصة خلع النعال:

وحينما خلَع النبي -صلى الله عليه وسلم- نعلَيه في الصلاة خلع الصحابة نِعالهم؛ تأسيًا ومُتابعة له، وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُصلِّي بأصحابه إذ خلَع نعليه فوضَعهما على يَساره، فلما رأى ذلك القوم ألقَوا نِعالهم، فلما قضَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاته، قال: ((ما حملكم على إلقاء نِعالكم؟)) قالوا: رأيناك ألقيتَ نعلَيك فألقَينا نِعالنا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((إن جبريل - عليه السلام - أتاني فأخبرني أن فيها قذرًا))، أو قال: ((أذى)) وقال: ((إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظرْ فإن رأى في نعلَيه قذرًا أو أذًى فليَمسحه وليُصلِّ فيهما)) [15]

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:

الاستجابة في الحجاب:

ولم تكن تلك الاستجابة قاصرةً على الرجال فحسب، بل كان النساء مثلهم، فعن صفية بنت شيبة قالت: (بينا نحن عند عائشة، قالت: فذكرنا نساء قريش وفضلَهن؛ فقالت عائشة رضي الله عنها: إن لنساء قريش لفضلا، وإني والله وما رأيت أفضلَ من نساء الأنصار أشدّ تصديقًا بكتاب الله، ولا إيمانًا بالتنزيل. لقد أنزلت سورة النور: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31]، انقلب إليهن رجالهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته، وعلى كل ذي قرابة، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مِرْطها المُرَحَّل فاعتجرت به – أي اختمرت بالمرط وهو الكساء -، تصديقًا وإيمانًا بما أنزل الله من كتابه، فأصبحْنَ وراء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الصبح معتجرات، كأن على رؤوسهن الغربان) [

سادسا: الاستجابة لأوامر الله سبحانه نجاة في الدنيا والآخرة من هول يوم القيامة: قال الله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} [الشورى: 47]. فلنسارع بالاستجابة لأوامر الله؛ لنكون على خطى النبي والصحابة. لمَ نرضى بالدون ولا نطلب الدرجات العلى في الجنة من قبل أن يأتي يوم يرى المجرمون العذاب، فلا تكون لهم أمنية إلا العودة إلى الدنيا لتصحيح ما سلف منهم من تقصير. وما أشد حاجة المسلمين اليوم إلى استجابة الله لهم، ليحييهم بعد مواتهم، ويكشف عنهم كرباتهم، ويزيل الظلم والظالمين عن كواهلهم، فلن تنكشف الغمة، وينصلح حال الأمة إلا بقيامها لله فرادى وجماعات، منيبين إليه، مستجيبين له ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيحميها ويغار عليها، ويثأر لها، وينصرها: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].

الاستجابة في ترك المألوف:

عن أنس -رضي الله عنه- قال: "كنتُ أسقي أبا عُبيدة وأبا طَلحة وأُبيَّ بن كعب مِن فَضيخ زهر وتمْر، فجاءهم آتٍ فقال: إن الخمر قد حُرِّمتْ، فقال أبو طلحة: قم يا أنس فأَهرِقها، فأهرَقتُها"

الاستجابة المُطلَقة:

عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- قال: لما استَوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة، قال: ((اجلِسوا))، فسَمِع ذلك ابن مسعود فجلَس على باب المسجد، فرآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((تعالَ يا عبدالله بنَ مسعود))

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



[1] - تفسير السعدي (ص: 318)

[2] - فتح القدير للشوكاني (2/ 342)

[3] -[«لطائف الإشارات = تفسير القشيري» (1/ 614)].

[4] -[«الفوائد لابن القيم» (ص88)].

[5] - تفسير القرآن الكريم لابن القيم (ص: 301)

[6] - في ظلال القرآن ط-أخرى (1/ 505)

[7][7] - التفسير الوسيط لطنطاوي (1/ 392)

[8] - رواه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد، وصححه الألباني فس صحيح الترغيب: 1633)

[9] - في ظلال القرآن ط-أخرى (6/ 137)

[10] - خرجه مسلم في الصحيح (3/ 1509 - 1511)، كتاب الإمارة (33)، باب ثبوت الجنة للشهيد (41)، الحديث (145/ 190

[11] - رواه الحاكم ( 3/24 ، 25 )

[12] -

[13] -رواه البخاري (6651) ومسلم (2091).

[14] - رواه مسلم (2090).

[15] - رواه الدارمي (1378) أبوداود (650).

الاستجابة لله ولرسوله طريق الحياة.pdf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة فيض الإله بخلق المواساة.pdf

الحقوق العشر للوطن في الإسلام

خطبة الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان.pdf