تذكير أولي الأفهام بثمرات صلة الأرحام.
تذكير أولي الأفهام
بثمرات صلة الأرحام
للشيخ السيد مراد
سلامة
الخطبة الأولى
الحمد لله الواحد الحد، الفرد الصمد، الحمد لله الكبير المتعال،
ذي الجلال والإكرام.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العظيم وطاعته:
الحمد لله الذي فضلنا على الناس وسقانا من القران أروى كاس
و جعل نبينا صلى الله عليه وسلم خير نبي رعى وساس، وقال لنا: ﴿ كُنْتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا
لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران:
110]
ثمرات صلة الارحام
1- طاعة الله - بصلة الأرحام
============
فقد امرنا الله تعالى في غير ما آية من القران بصلة
الأرحام فقال { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ
ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ
وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا
}
وقال الله - عز وجل -:
{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا
تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا }
وقال - سبحانه -:
{ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
وقال - عز وجل -: { يَسْأَلُونَكَ
مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ
اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }
وقال تبارك وتعالى:
{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .
وبين الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: أن المعنى لقوله تعالى: { فِي كِتَابِ اللَّهِ} أي في حكم الله، وأنها ليست خاصة بالأرحام الذين يذكرهم علماء الفرائض
الذين ليس لهم فرض، وليسوا من العصبة، بل الحق أن الآية عامة تشمل جميع القرابات، كما نص عليه ابن عباس رضي الله عنهما وغيره( ).
وقال تعالى: {
وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُهَاجِرِينَ }0
أي القرابات أولى
بالتوارث من المهاجرين والأنصار، وهذه ناسخة
لما كان قبلها من التوارث بالحلف والمؤاخاة التي كانت بينهم كما قال ابن عباس رضي الله
عنهما وغيره( ).
وقال تعالى: {
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }
والمعنى: اتقوا الله
بطاعتكم إياه، واتقوا الأرحام أن تقطعوها ولكن
برّوها وصلوها، قاله ابن عباس رضي الله عنهما
وغيره
2-السعة في الأرزاق و البركة في الأعمار:
اعلم علمني الله تعالى وإياك أن من أسباب السعة في الرزق
والبركة في العمر صلة الأرحام و هذا هو
موعود الله تعالى لمن وصلها
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم
- أنه قال: ((من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه / متفق عليه
ينسأ له في أثره:
أي يؤخر له في أجله، وبسط الرزق: توسيعه وكثرته، وقيل: البركة
فيه. وأما التأخير في الأجل، فقيل: هذه الزيادة بالبركة في عمره والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك، ورجحه النووي. وقيل: إن التأجيل في العمر بالنسبة لما يظهر للملائكة
وفي اللوح المحفوظ, ونحو ذلك، فيظهر لهم في
اللوح أن عمره ستون سنة، إلا أن يصل رحمه فإن
وصلها زيد له أربعون، وقد علم الله عز وجل
ما سيقع من ذلك وهو من معنى قوله تعالى: {
يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}
فيه النسبة إلى علم
الله تعالى وما سبق به قدره، ولا زيادة بل
هي مستحيلة، وبالنسبة لما ظهر للمخلوقين تتصور
الزيادة، وهو مراد الحديث. وقيل: إن المراد بقاء ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت، حكاه القاضي،
وهو ضعيف أو باطل والله أعلم. انظر:
شرح النووي على صحيح مسلم (16/350).
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - قال لها: ((إنه من أُعطي حظه من الرفق
فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، وصلة
الرحم، وحسن الخلق وحسن الجوار، يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار) مسند الإمام أحمد
فكم راينا من أناس يعيشون في سعة و في بركة في الأوقات
فاذا بحثت عن سر ذلك تبين لك انهم من أوصل الناس إلى أرحامهم
3 – صلة الأرحام من أول الأمور المهمة التي
دعا إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول بعثته
ففي حديث سفيان ابن حرب: أن هرقل عظيم الروم قال له حينما سأله عن رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - ((ماذا يأمركم؟ قال: أبو سفيان: قلت: يقول: ((اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف، والصلة))( البخاري، ).
و ها هو صلى
الله عليه وسلم يبن ذلك عند أول لحظة من دخوله المدينة المنورة بعد الهجرة قَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ فَانْجَفَلَ النَّاسُ وَكُنْتُ فِيمَنِ انْجَفَلَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ،
فَأَوَّلُ مَا سَمِعْتُهُ، يَقُولُ: «أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ،
وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ»
4– التوفيق والسداد و البعد عن الخذلان؛
فقد استدلت السيدة الرشيدة خديجة – رضي الله عنها- على حماية و توفيق الله تعالى لنبيه بأفعاله الكريمة التي منها صلة الرحم
ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصل الناس لرحمه
كما قالت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها له:
((...فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ
فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي،
فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ:
لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ
اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ،
وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَانْطَلَقَتَ بِهِ خَدِيجَةُ...))
(متفق عليه).
5 – صلة الأرحام شهادة ضمان لدخول جنة
الرحمن
إذا أردت أن يكون معك شهادة ضمان لدخول جنة عرضها
السماوات و الأرض فعليك بالوصفة النبوية
، فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة،
وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم))( البخاري ).
وعن عبدالله بن سلام رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه
وسلم - أنه قال: ((أيها الناس، أفشوا السلام،
وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام))( أخرجه ابن ماجه).
6 – صلة الأرحام من أحب الأعمال عند
الكبير المتعال:
و علم انك لن تصل إلى محبة الله إلا بطاعته و محبة ما يحب جل جلاله عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ خَثْعَمَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ.
قَالَ: قُلْتُ: أَنْتَ الَّذِي تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ
اللَّهِ.
قَالَ: «نَعَمْ» .
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ
إِلَى اللَّهِ؟
قَالَ: «إِيمَانٌ
بِاللَّهِ» .
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ:
«ثُمَّ صِلَةُ الرَّحِمِ» .
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الأَعْمَالِ أَبْغَضُ
إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ» .
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ:
«ثُمَّ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ» .
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ:
«ثُمَّ الأَمْرُ بِالْمُنْكَرِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمَعْرُوفِ» أبو يعلى في مسنده).
7 – إعانة الله الواصل على من قطعه
أخي المسلم اذا ارد تان يكون الله تعالى في عونك و ناصرك و حاميك على من ظلمك من ذوي أرحامك فعليك بصلة من قطعك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونَ، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ، قَالَ: «لَئِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ كَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ» (مسلم).
أي: إن كنت كما قلت أنك تصلهم وهم يقطعونك وتحسن إليهم وهم
يسيئون إليك، وتحلم عن جهلهم وعن سخطهم وعن شتمهم وهم يجهلون ويسيئون إليك؛ فكأنك تحط
في فم هؤلاء الرماد الحار؛ ولا شيء عليك؛ لأنك تحسن إليهم.
فلا تدع فرصة لهؤلاء إن يقولوا عنك بأنك قاطع للرحم، ولا
تضيع على نفسك ثواباً عند الله تبارك وتعالى.
فالمفترض في الإنسان المسلم أن يتعامل مع الله سبحانه ولم
ينتظر إلى إحسان الناس.
وقال المقنع الكندي :
وإن الذي بيني وبين بني أبي *** وبين بني عمِّي لَمُختلفٌ
جِدّا
إذا قدحوا لي نارَ حربٍ بزندهم *** قدحت لهم في كلِّ مكرمةٍ
زندا
وإن أكلوا لحمي وَفَرْتُ لحومَهُمْ *** وإن هدموا مجدي بنيتُ
لهم مجدا
ولا أَحْمِل الحقدَ القديمَ عليهمُ *** وليس رئيسُ القومِ
مَنْ يَحْمِلُ الحقدا
وأعطيهمُ مالي إذا كنت واجداً *** وإن قلّ مالي لم أكَلّفْهمُ
رِفْدا
8- صلة الأرحام علامة من علامات الإيمان بالله
و اليوم الآخر
إخوة الإسلام للإيمان دلائل و براهين تدل على مدى إيمان صاحبه و من تلك الدلائل صلة الأرحام عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» متفق عليه ).
9- صلة الرحم من صفات أصحاب أولي الألباب
الذين وعدهم الله تعالى بجنته و دار كرامته ، قال الله تعالى: ر
أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى
إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ
وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ
أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ } (
قال ابن كثير رحمه الله: ((والذين يصلون
ما أمر الله به أن يوصل)) من صلة الأرحام والإحسان إليهم، وإلى الفقراء والمحاويج، وبذل المعروف))
10 – الصدقة على ذي
الرحم: اثنتان
و علموا ان الصدقة تضاعف لمن وصل رحمه عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ
صَدَقَةٌ، وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ
" (أخرجه أحمد في مسنده).
11-الصدقة على ذي الرحم الذي يضمر العداوة
في باطنه من أفضل الصدقات.
عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، أن رجلًا سأل رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - عن الصدقات أيُّها أفضل؟ قال: ((على ذي الرحم الكاشِح))([1])([2]).
وعن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها قالت: قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل
الصدقة على ذي الرحم الكاشح))([3]).
عقوبات قطيعة الأرحام
إخوة الإيمان اذا كانت تلك هي الثمرات و
العطايا و الهبات من رب الأرض و السماوات
فاليكم العقوبات التي تنتظر قاطع
الأرحام في الدنيا و الآخرة
1- أتدري يا قاطعا للرحم في أي شيء فرطت؟
إنك ضيعت وصية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – التي فيها خير الدنيا و الأخرة
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِصَالٍ مِنَ الْخَيْر
* أَوْصَانِي أَن لَا أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي وَأَنْ
أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي
وَأَوْصَانِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ
وَأَوْصَانِي أَنْ أَصِلَ رَحِمِي وَإِنْ أَدْبَرَتْ وَأَوْصَانِي أَنْ لَا أَخَافَ
فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ وَأَوْصَانِي أَنْ أَقُولَ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا
وَأَوْصَانِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ فَإِنَّهَا
كنز مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ.)( ابن حبان في صحيحه
).
2- تعجيل العقوبة لمن قط رحمه
فالله تعالى يجازي أهل الصلة بالصلة في الدنيا و الأخرة و يجازي أهل القطيعة بالقطية في الدنيا و الأخرة و الجزاء من جنس العمل
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا من ذَنْب أَجْدَر أَن يعجل لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي
الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْبَغْيِ".
د ت
يعني: أنه تحصل له عقوبة في الدنيا والآخرة، فيجمع له بين
العقوبة الدنيوية والأخروية، حيث يجعل له الله العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في
الآخرة، فيجمع له بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، والضرر الذي يحصل في الدنيا، والضرر
الذي يحصل في الآخرة، وهذا يدل على عظم وخطورة شأن البغي وقطيعة الرحم؛ لأن الرسول
صلى الله عليه وسلم ذكر أن صاحبهما جدير بأن يحصل له هذا وهذا، وأن يجمع له بين هذا
وهذا، وهذا يدل على خطورة أمر البغي وقطيعة الرحم.
3- الحجب و الحرمان من دخول الجنان :
فالجنة هي صلة الله التي جعلها لأهل كرامته و لأهل طاعته
فاذا قطع المسلم رحمه حجبه الله من جنته
عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
قَاطِعٌ» يعني قاطع رحم(مسلم )، ولفظ أبي داود: ((لا يدخل الجنة قاطع رحم)
و في معنى هذا الحديث قولان
* أنه لا يدخلها من أول وهلة، أي أنه يتأخر في دخول الجنة،
وأنه يدخل النار ويعذب بها، ولكنه إذا دخل النار لا يستمر فيها أبداً، بل لابد أن يخرج
منها، وأن يدخل الجنة ما دام أنه مرتكب لكبيرة فقط، ولا يمنع من دخول الجنة أبداً إلا
الكفار الذين هم أهل النار، فلا سبيل لهم إلى الخروج منها أبداً.
* أنه لا يدخلها أبداً إذا كان مستحلاً؛ لأن استحلال الذنب
كفر، فيكون ذلك مانعاً من دخول الجنة أبداً؛ لأنه يكون بذلك كافراً، والكافر لا يخرج
من النار ولا يدخل الجنة أبداً،
4-
صلة الله للواصل و قطعه للقاطع و الطرد من رحمته
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الله خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ
قَالَتْ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ،
أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ، قَالَتْ: بَلَى
يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ».
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَاقْرَءُوا
إِنْ شِئْتُمْ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}».
وَخَرَّجَهُ في: باب قول الله {يُرِيدُونَ
أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} (7502)، وفي تفسير سورة محمد عليه السلام،
قوله {وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} (4830).. متفق عليه
فهذا وعد من الله تبارك وتعالى أنه يصل من وصل الرحم، فيجب
على الإنسان أن يصل أقربائه كأبيه وعمه وخاله وأخته وعمته وخالته وأبناء أخواته وأبنائه
ولا يقطع رحمه.
وجاء في الحديث الآخر: (حتى إن أهل الديار لا يصبرون على
شيء من الذنوب، ولكن يصلون أرحامهم فيعطيهم الله عز وجل الغنى في الدنيا) فالإنسان
الذي يرتكب الذنوب والمعاصي ولكنه يصل رحمه فإن الله تعالى قد يغفر له، لأن صلة الرحم
عظيمة جداً، قال الله سبحانه وتعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ
إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ
الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 -
23].
فالذين أفسدوا في الأرض وقطعوا أرحامهم أصم الله عز وجل آذانهم
وأعمى أبصارهم.
5- رد الأعمال على قاطع الأرحام:
تخيل أخي المسلم
يا من زين لك الشيطان قطيعة الأرحام أن أعمالك لا يقبلها الله تعالى إلا بالصلة و
الإحسان إلى ذوي رحمك
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ عَشِيَّةَ خَمِيسٍ لَيْلَةَ
الْجُمُعَةِ فَقَعَدَ النَّاسَ حَوْلَهُ، فَقَالَ: أُحَرِّجُ عَلَى كُلِّ قَاطِعِ رَحِمٍ
إِلَّا قَامَ مِنْ عِنْدِنَا. فَقَامَ شَابٌّ، فَأَتَى عَمَّةً لَهُ قَدْ صَرَمَهَا
مُنْذُ سَنَتَيْنِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَخِي، مَا جَاءَ بِكَ؟
قَالُ: لَا إِلَّا
أَنِّي قَعَدْتُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أُحَرِّجُ عَلَى كُلِّ قَاطِعِ رَحِمٍ
إِلَّا قَامَ مِنْ عِنْدِنَا. ثُمَّ قَالَ: حَتَّى كَانَتِ الثَّالِثَةُ. قَالَتِ:
ارْجِعْ إِلَيْهِ فَاسْأَلْهُ لِمَ قَالَ ذَلِكَ. فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَصَّ عَلَيْهِ
مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، وَمَا قَالَتْ لَهُ عَمَّتُهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَعْمَالَ
بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ عَشِيَّةِ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَلَا يُقْبَلُ
عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ» حم
وأخرج الطبراني من حديث ابن مسعود "إن أبواب السماء
مغلقة دون قاطع الرحم".
6- قاطع الرحم ملعون في القران مرتين
،قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }
{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ
أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ
لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } [محمد: 22، 23]
قصة:
ومن أشهر قصص صلة الرحم ما كان من أمر صديق الأمة أبي بكر -رضي الله عنه- مع أحد قرابته وهو مسطح بن أثاثة الذي كان فقيرًا، فكان أبو بكر ينفق عليه، ولكن مسطحًا تكلم في أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها- في قصة الإفك، فماذا كان من أبي بكر نحوه؟! أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة الطويل في قصة الإفك أنها قالت: "فأنزل الله عز وجل: (إِنّ الّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ...) عَشْرَ آيَاتٍ، فَأَنْزَلَ اللّهُ -عَزّ وَجَلّ- هَؤُلاَءِ الآيَاتِ بَرَاءَتِي، قَالَتْ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَىَ مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللّهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الّذِي قَال لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللّهُ الآية: (وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، فقالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللّهِ، إِنّي لأُحِبّ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النّفَقَةَ الّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا".
الدعاء
.............................................................................
([1]) الكاشِحُ:
هو الذي يضمر عداوته في كشحه: وهو خصره، يعني أن أفضل الصدقة على ذي الرحم القاطع المضمر
العداوة في باطنه، [المنذري في الترغيب
والترهيب (1/682)]، وقيل: ((الكاشح: العدو الذي يضمر عداوته ويطوي عليها كَشْحَهُ: أي باطنه، والكشح: الخصر، أو الذي يطوي عنك كشحه ولا يألفك، وفي حديث سعد: إن أميركم هذا لأهضم الكشحين: أي دقيق الخصرين)) النهاية لابن الأثير (4/176).
تعليقات
إرسال تعليق