تربية النبي أصحابه وأمته على الثقة بالله.pdf
تربية النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمته على الثقة بالله
الخطبة الأولى
إخوة
الإسلام: في زمان الانهزامية النفسية و في زمان التبعية الفكرية و الاجتماعية في
زمان تسلط الأعداء على الأمة الإسلامية لا
يرفع المسلم طرفه في أي قطر من الأقطار إلا ورأى مآسي فيرتد الطرف إليه خاسئا وهو
حسير فقد كثير من أبناء الأمة الأمل في
النهضة و العودة إلى مجدنا المفقود و شرفنا المسلوب نقف اليوم مع ثقة النبي صلى
الله عليه وسلم بربه عز وجل و كيف ربى أصحابه و امته على مبدأ الثقة بالله تعالى
فما هي الثقة بالله؟
الثقة
بالله، هي أن تعلق قلبك بالله وحده في تحصيل ما ينفعك ودفع ما يضرك، وأن تقطع
تعلقَك بالمخلوقين، فهم لا يملكون لك ولا لأنفسهم نفعاً ولا ضرا.
هي
التسليم والانقياد المطلق بالجوارح كلها لله جل وعلا.
الثقة
بالله، أن تكون أوثقَ بما عند الله منك مما في يدك أو في يد غيرك.
الثقة
هي الاطمئنان القلبي الذي لا يخالطه شك.
الثقة
هي التسليم المطلق لله جل وعلا، فهو الأعلم بما يصلحنا وهو الأعلم بما ينفعنا وما
يضرنا
﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك:14].
الثقة
بالله هي - كما قال شقيق البلخي رحمه الله تعالى - : "أن لا تسعى في طمع، ولا
تتكلم في طمع، ولا ترجو دون الله سواه، ولا تخاف دون الله سواه، ولا تخشى من شيء
سواه، ولا يحرك من جوارحك شيئاً دون الله؛ يعني في طاعته واجتناب معصيته".
وقال
بعض السلف: "صفة الأولياء ثلاثة: الثقة بالله في كل شيء والفقر إليه في كل
شيء والرجوع إليه من كل شيء".
الثقة
بالله هي التي لقَّنها الله عز وجل أم موسى بقوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ
أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي
وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: 7].
إذ لولا ثقتها بربها لما ألقت ولدها
وفلذة كبدها في تيار الماء تتلاعب به أمواجه وينطلق به إلى ما شاء الله، لكنه أصبح
في اليّم في حماية الملك جل وعلا ورعايته, وما كان جزاء هذه الثقة العظيمة، قال
تعالى: ﴿فرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ
عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [القصص:13].
ولرُبَّ نازلةٍ يضيق بها الفتى ذرعًا وعند الله فيها المخرجُ
نزلتْ فلما استحكمتْ حلقاتها فُرجت وكنتُ أظنُّها لا تُفرج
قال آخر:
يا صاحبَ الهمِّ إن الهم منفرجٌ أبشر بخير فإن الكاشف اللهُ
اليأس يقطع أحيانًا بصاحبهِ لا تيئَسَنَّ فإن الكافي اللهُ
إذا ابُتليتَ فثِق بالله وارضَ بهِ فإن الذي يكشف البلوى هو اللهُ
الله يُحدث بعد العُسر ميسرةً لا تَجزعنَ فإن الصانع اللهُ
والله ما لك غيرُ الله من أحدٍ فحسبُك الله في كلٍّ لك اللهُ
مَن وثقَ بالله، نجَّاه من كلِّ كرْبٍ
أهمَّه؛ قال أبو العالية: "إن الله - تعالى - قضَى على نفسه أنَّ مَن آمَن به
هدَاه، وتصديق ذلك في كتاب الله: ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ
﴾ [التغابن:
11]، ومَن توكَّل عليه كفاه، وتصديق ذلك في كتاب الله: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق:
3]، ومَن أقرَضَه جازاه، وتصديق ذلك في كتاب الله: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ
أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة: 245]، ومَن استَجار من عذابه
أجارَه، وتصديق ذلك في كتاب الله: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ﴾ [آل
عمران: 103]، والاعتصام: الثقة بالله، ومَن دعاه أجابَه، وتصديق ذلك في كتاب الله:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي
قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة:
186]"؛ فكنْ واثقًا بالله، متوكِّلاً عليه، معتصمًا به.
الله
ما عظم الثقة بالله:
لما أتاه
أصحابه صلى الله عليه وسلم يشتكون إليه ما
أصابهم من أذى و من تضيق من كفار مكة قبل الهجرة قال قولة واثق بالله تعالى الواثق
بنصره جل جلاله فعَنْ خَبَّابٍ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا:
أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَوْ أَلَا يَعْنِي: تَسْتَنْصِرُ
لَنَا ـ؟ فَقَالَ: " قَدْ كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ
فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ
بِنِصْفَيْنِ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ
الْحَدِيدِ مَا دُونَ عَظْمِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ
عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ
الرَّاكِبُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ عَزَّ
وَجَلَّ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ " ([1])
النبي
صلى الله عليه وسلم خشي على هذا الرجلِ المضطهد المقهور وعلى غيره أن يُصاب أو
يُبتلى بمرض اليأس والقنوط، فأوقد صلى الله عليه وسلم في نفسه شعلة الأمل، وبث فيه
روح الأمل، وعلمه من تلك المدرسة العظيمة، وبشره بأن الله سَيُظهر هذا الدين،
فتَدينُ به العباد، وتُفتح به البلادُ حتى يَبلغَ ما أراد له الله أن يَبلغ،
وقد
اشتدّ أذى المشركين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأصحابه، حتى جاء بعض
الصحابة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستنصره، ويسأل منه الدعاء والعون،
ولكن النبي الحكيم واثق بنصر الله وتأييده، فإن العاقبة للمتقين
الثقة بالله يوم الهجرة:
و من مواطن الثقة بالله و بنصره ثقته يوم أن أخرجه
أهل مكة ثاني اثنين فقد رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك الإخراج فتحا و
نصرا قال تعالى: ﴿ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ
كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ
لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ
وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ
السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40].
عَنْ
أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي الْغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ
قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ
بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ([2])
.
الثقة بالله فى صلح الحديبية
وبهذا الصلح دخلت قبيلة خزاعة في عهد
المسلمين ودخلت قبيلة بني بكر في عهد المشركين، وقبل أن يوقع الرسول - صلى الله
عليه وسلم - على كتاب الصلح إذا بأبي جندل بن سهيل بن عمرو يأتي مسلمًا، فلما رآه
أبوه سهيل؛ قام إليه فضرب وجهه، وأخذ بثيابه، ثم قال: يا محمد، قد لجت القضية (أي
حسمت) بيني وبينك قبل أن يأتي هذا. قال: صدقت.
فأخذ سهيل يجر ابنه ليرده إلى قريش،
وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أأرد إلى المشركين يفتنونني في
ديني؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : (يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك
ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا
وأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم) _[ابن إسحاق] وغضب
المسلمون من هذا الصلح، فقد بَدَت الشروط في أعينهم ظالمة، فقال لهم الرسول - صلى
الله عليه وسلم - : (أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره، ولن يُضَيِّعني)
[البخاري].
الثقة بالله فى يوم الخندق:
فحين أغارت قريش على المسلمين في
المدينة في غزوة الأحزاب فحاصروا المسلمين واشتد الكرب حتى غمز المنافقون المسلمين
، وطعنوا في وعد رسول الله بالتمكين فقالوا:كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى
وقيصر وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ، لكن المؤمنين كان لهم موقف آخر سطره القرآن
وأشاد به ، فقال الله عز وجل: (وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ
الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) (الأحزاب:22)
.
وكان النبي في هذا الوقت العصيب يبشرهم
بأمر عظيم! قَالَ: حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ ، قَالَ: لَمَّا كَانَ
حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَحْفِرَ
الْخَنْدَقَ عَرَضَ لَنَا فِي بَعْضِ الْجَبَلِ صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ شَدِيدَةٌ ،
لَا تَدْخُلُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ ، فَاشْتَكَيْنَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهَا أَخَذَ الْمِعْوَلَ وَأَلْقَى ثَوْبَهُ ، وَقَالَ:
«بِاسْمِ اللَّهِ» ، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَهَا ، وَقَالَ:
«اللَّهُ أَكْبَرُ ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ ، وَاللَّهِ إِنِّي
لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ السَّاعَةَ» ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ
فَقَطَعَ ثُلُثًا آخَرَ فَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ
فَارِسَ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ الْأَبْيَضَ» ، ثُمَّ
ضَرَبَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: «بِاسْمِ اللَّهِ» ، فَقَطَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ ،
وَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ ، وَاللَّهِ إِنِّي
لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ»([3])
والنبي يبشر ويرفع من عزائم الصحابة
وكان أحدهم من شدة الجوع يرفع عن بطنه الحجر فرفع رسول الله عن بطنه الشريف حجرين!
لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا
الْأَمْرَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ" أَمَا إِنِّي
أَعْلَمُ مَا الَّذِي يَمْنَعُكَ مِنَ الْإِسْلَامِ، تَقُولُ: إِنَّمَا اتَّبَعَهُ
ضَعَفَةُ النَّاسِ، وَمَنْ لَا قُوَّةَ لَهُ، وَقَدْ رَمَتْهُمْ الْعَرَبُ.
أَتَعْرِفُ الْحِيرَةَ؟ "
قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ سَمِعْتُ بِهَا.
قَالَ: "فَوَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ، لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ، حَتَّى تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ
مِنَ الْحِيرَةِ، حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فِي غَيْرِ جِوَارِ أَحَدٍ،
وَلَيَفْتَحَنَّ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ" قَالَ: قُلْتُ: كِسْرَى بْنُ
هُرْمُزَ؟
قَالَ: "نَعَمْ، كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ،
وَلَيُبْذَلَنَّ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ"
قَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ:
"فَهَذِهِ الظَّعِينَةُ تَخْرُجُ مِنَ الْحِيرَةِ، فَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ فِي
غَيْرِ جِوَارٍ، وَلَقَدْ كُنْتُ فِيمَنْ فَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ،
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكُونَنَّ الثَّالِثَةُ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صلى الله عليه وسلم - قَدْ قَالَهَا"([4])
عن عدي بن حاتم قال: بينما أنا عند
النبي - صلى الله عليه وسلم - إِذ أتاه رجل فشكا إِليه فاقة، ثم أتاه آخر فشكا
إِليه قطع السبيل، فقال: يا عدي بن حاتم: هل رأيت الحيرة؟ فقلت: لم أرها، وقد
أنبئت عنها. قال: فإِن طالت بك حياة: لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف
بالكعبة لا تخاف أحدًا إِلا الله. قلت: - فيما بيني وبين نفسي -فأين دُعّارُ ([5])
طيء الذين سَعَّروا البلاد؟. ولئن طالت بك حياة: لتفتحن كنوز كسرى، قلت: كسرى بن
هرمز!! قال: كسرى بن هرمز. ولئن طالت بك حياة: لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو
فضة يطلب من يقبله فلا يجد أحدًا يقبله منه
قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من
الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إِلا الله.
وكنت في من افتتح كنوز كسرى بن هرمز.
ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - يخرج
ملء كفه ([6])
إنه يقين بما أخبر به الرسول - صلى
الله عليه وسلم -.
والرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا
بأن الإسلام سينتصر مهما فعل أعداء الإسلام، فلا يجوز أن يصاب المسلم بالهزيمة
النفسية، ويقعد عن نصرة دين الله، فكن على يقين كامل بأن الله سينصر دينه، ولكن
عليك بالأخذ بكل الأسباب الممكنة
كنْ واثقًا بأن الله ناصر دينه وعباده
المؤمنين؛ فقد وعَد بذلك، فقال: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]،
وقال: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا
لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ﴾
[الصافات: 171 - 172].
فإذا كنتَ مؤمنًا بالله، واثقًا
بوعْده، فلا تَهِن ولا تَحزن؛ قال - تعالى -: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].
أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم لي
ولكم
الخطب الثانية
أما بعد :...........................................
و لقد تربى المسلمون على هذه الصفة ففتحوا البلاد و مصروا الأمصار لا يهابون إلا
العزيز الجبار
ثقة
قتيبة بن مسلم:
أثناء التوجه لفتح الصين توغَّل قتيبة
بن مسلم في أماكن مجهولة بجرأةٍ عجيبةٍ، فقالوا له كيف يتوغل في هذه الأماكن؟
ه فقال: بثقتي في الله، فقالوا له: أما
تخشى الموت؟، فقال إذا انتهت المدة لم تنفع العُدة، فقالوا له: "هذا عزم لا
يفله إلا الموت".
أقسم
بالله أنتم المنصورون
وهذا ابن تيمية- رحمه الله- وأثناء
خروجه في الجيش الإسلامي مجاهدًا مذكرًا بالله، فقال: أقسم بالله أنتم المنصورون،
فقالوا: قل إن شاء الله. فقال: إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقًا.
بالثقة بالماء سار الجيش على
الماء
إخوة الإسلام إن الثقة بالله هي التي
جعلت النار بردا وسلاما على إبراهيم عليه
الصلاة و السلام و الثقة بالله هي التي شقت البحر لموسى الكليم عليه السلام و الثقة
بالله هي التي جعلت الصحابة يمشون فوق موج البحار عَنْ أَبِي السَّلِيلِ ضُرَيْبِ
بْنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ مُرَافِقًا لِلْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ حِينَ
بُعِثَ إِلَى الْبَحْرَيْنِ فَسَلَكْنَا مَفَازَةً فَعَطِشْنَا عَطَشًا شَدِيدًا
حَتَّى خَشِينَا عَلَى أَنْفُسِنَا الْهَلَاكَ وَمَا نَدْرِي مَا مَسَافَةُ
الْأَرْضِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لَهُ فَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: يَا
حَلِيمُ يَا عَلِيمُ يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ اسْقِنَا، قَالَ: فَإِذَا نَحْنُ
بِسَحَابَةٍ كَأَنَّهَا جَنَاحُ طَائِرٍ قَدْ أَظَلَّتْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى
خَلِيجٍ مِنَ الْبَحْرِ مَا خِيضَ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا خِيضَ بَعْدَهُ،
فَالْتَمَسْنَا سُفُنًا فَلَمْ نَجِدْ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَصَلَّى
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: يَا حَلِيمُ يَا عَلِيمُ يَا عَظِيمُ أَجْرِنَا، ثُمَّ
أَخَذَ بِعِنَانِ فَرَسِهِ ثُمَّ قَالَ: جُوزُوا بِاسْمِ اللَّهِ، قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ: فَمَشَيْنَا عَلَى الْمَاءِ فَوَاللَّهِ مَا ابْتَلَّتْ قَدَمٌ
وَلَا خُفُّ بَعِيرٍ وَلَا حَافِرُ دَابَّةٍ، وَكَانَ الْجَيْشُ أَرْبَعَةَ
آلَافٍ، فَلَمَّا جُزْنَا قَالَ: هَلْ تَفْقِدُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ:
فَأَتَيْنَا الْبَحْرَيْنِ فَافْتَتَحَهَا وَأَقَامَ بِهَا سَنَةً ثُمَّ مَاتَ
رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَكُنْتُ فِيمَنْ مَرَّضَهُ
وَغَسَّلَهُ وَكَفَّنَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ، فَلَمَّا دَفَنَّاهُ
تَلَاوَمْنَا فِي دَفْنِهِ، وَقَالُوا: يَنْبَشُهُ كَلْبٌ أَوْ سَبْعٌ،
فَكَشَفْنَا عَنْهُ التُّرَابَ فَلَمْ نَجِدْهُ فِي قَبْرِهِ
يقول عفيف بن المنذر وكان شاهدا معهم:
ألم تر أن الله ذلل بحره
وأنزل بالكفار احدى الجلائل
دعانا الذى شق البحار فجاءنا بأعظم من فلق البحار الأوائل» ([7])
خالد بن الوليد يشرب السم ثقة
بالله
عن سيف الله خالد: "إنَّ خالدًا
حاصَرَ حِصنًا منيعًا للروم، وطَلَب منهم التسليمَ، فقالوا له: لا نُسلِّمُ حتى
تشربَ السُّمَّ، فَشرِبَ قَدَحَينِ منه ولم يُوجِعْه مُصرانٌ واحدٌ من
مصارينه" ([8])
نحن
امة لا تموت
ولو قدر لهذه الأمة أن تموت لماتت يوم
اجتاح التتار بغداد، يومها كانوا كما اليوم في حلب الفيحاء، يمارسون تدمير المدن،
وخراب العمران، يومها عملوا في الأمة ما لم يعمله أحد قبلهم، أسقطوا الخلافة،
وعطلوا الصلوات، وألقوا الكتب في نهر دجلة، حتى اسود ماؤه من كثرة ما سال من مداد
الكتب، حينها قال المؤرخ ابن الأثير: "ليت أمي لم تلدني، ليتني مت قبل هذا
وكنت نسيا منسيا".
ولو قدر لهذه الأمة أن تموت لماتت يوم
اجتاح القرامطة مكة، وذبحوا الطائفين حول بيت الله، واقتلع زعيمهم يومها الحجر
الأسود من الكعبة، ووقف يصرخ بأعلى صوته في ساحة الكعبة.. أين الطير الأبابيل؟ أين
الحجارة من سجيل؟،
لو قدر لهذه الأمة أن تموت لماتت في
الجزائر على أيدي الفرنسيين،
ولماتت في البوسنة على أيدي الصرب
ولماتت في الشيشان على أيدي الروس، ولماتت في
بغداد، وفي حلب، لكنها أمة لا تموت لأنها أمة الاستخلاف في الأرض والتمكين.
فقد روى الإمام أحمد في مسنده، عن
تميمٍ الدَّاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:"ليَبْلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت
مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله اللهُ هذا الدِّين، بِعِزِّ عَزِيزٍ أو بِذُلِّ
ذَليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر"([9])
قال أبو الفتح البستي:
دع المقادير تجري في أعنتها ولا تبيتن إلا خالي البال
ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال
[1] - أخرجه البخاري (3612) و
(6943) ، والنسائي 8/204، وابن حبان (6698) ، والطبراني (3638) ، والبيهقي في
"الدلائل" 6/315
[2] - أخرجه البخاري (3563)،
ومسلم (2381)، وأحمد (11)
[3] - رواه النسائي في الكبرى
(8858) وأحمد (4/ 303)
[4] - السيرة لابن هشام ج 4 ص
577 - 580
[5] - دعار: جمع داعر،
والداعر: الخبيث المفسد، والمراد هنا قطاع الطريق (النهاية في غريب الحديث والأثر
مادة
[6] - صحيح البخاري، كتاب
المناقب، باب علامات النبوة ح رقم 3595 وانظر: (فتح الباري 6/ 610)
[7] -«تاريخ الخميس في أحوال
أنفس النفيس» (2/ 221):
[8] - رواه أبو يعلى في مسنده
(13/ 109/ 7186)
[9] - أخرجه أحمد 6/4،
والطبراني 20/"601"، وابن منده في "الإيمان" "1084"
م
تعليقات
إرسال تعليق