تذكرة اهل العقول بانتصار المصريين على المغول.pdf
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا مصر أنت كوكبة العصر
وكتيبة النصر وإيوان القصر.
أنتِ أم الحضارة ورائدة المهارة ومنطلق
الجدارة.
من أين نبدأ يا مصر الكلام وكيف نلقي
عليكي السلام قبل وقفة الإحترام لأن في عينيكى الأيام والأعلام والأقلام والأعوام.
حديثنا عن دور مصر الحضاري الرائد عن
صفحة من صفحات التاريخ كتبت هذه الصفحة بدماء الشهداء و أشلاء الابطال و بكاء
المتضرعين الى الله تعالى
عن دور مصر في القضاء على اعظم خطر
داهم البشرية منذ أن خلق الله الأرض و من عليها إنه الخطر المغولي التتاري الذي
دمر البلاد و قتل العباد و أهلك الأخضر و اليابس، و لولا الله سبحانه وتعالى ثم أبطال
مصر لنمحى الإسلام و أهله من على وجه الأرض .... لم يبق في ديار الإسلام إلا مصر
بسقوطها يسقط العالم الإسلامي كله بل لا أكون مبالغا إذا قلت بسقوطها سيسقط العالم
كله هيا لنعيش مع الأبطال والكماة هيا لنعيش مع العلماء والدعاة و دورهم في القضاء
على جحافل التتار .............
🌴☘️🌺من
هم التتار؟
أصل التتر وعقيدتهم:
هذه الأمة (التترية) خرجوا من أراضيهم
(بادية الصين) وراء بلاد تركستان [1][10]،
وأصولهم تركية، بل هم من أكثر الترك عددا
وأول ملوكهم (جنكز خان)، وهو سلطانهم
الأول، وليس للتتر ذكر قبله، إنما كانت طوائف
🌴☘️🌺أما عن عقيدة التتر وعوائدهم:
فيقول عنها ابن الأثير: وأما ديانتهم
فإنهم يسجدون للشمس عند طلوعها، ولا يحرمون شيئا فإنهم يأكلون جميع الدواب حتى
الكلاب والخنازير وغيرها، ولا يعرفون نكاحا، بل المرأة يأتيها غير واحد من الرجال،
فإذا جاء الولد لا يعرف أباه
🌴☘️🌺جنكيز خان تسبب في مقتل ما يقارب 40 مليون شخص:
من المستحيل معرفة العدد الحقيقي
لضحايا الغزو المغولي لكن الكثير من المؤرخين يقدرونه ب 40 مليون. تعدادات السكان
خلال العصور الوسطى تشير إلى انخفاض عدد سكان الصين بعشرات الملايين خلال حياة
الخان ويقدر الباحثون أنه قتل ثلاثة أرباع سكان إيران الحالية في حربه على
الإمبراطورية الخوارزمية، بعد كل ما قيل فإن هجمات المغول خفضت عدد سكان العالم
بنسبة 11%.
🌴☘️🌺سقوط بغداد وبلاد الشام
سقطت بغداد على يد المغول سنة 656هـ .
وبعدها بعامين تقريبا سقطت دمشق. يومها أصيبت دولة الخلافة الإسلامية في مقتل
بسقوط هاتين المدينتين. جاءت قوات الجيش المغولي إلى بلادنا وفي مقدمة أهدافها محو
الإسلام من على خريطة الوجود. وكان من كثرة الأساطير والأقاويل التي نسجت حول قوة
هذا الجيش أن دب الرعب، وسيطر الخوف على قلوب المسلمين في كل مكان. حتى أنهم كانوا
يعتقدون أن المغول ما هم إلا بلاء سلطه الله عليهم. وأنهم جنس غير الأجناس البشرية
المعروفة. بل هم جنس مستحيل أن يقهر أو يهزم أو يكسر.
بعد سقوط بغداد ودمشق لم يكن للمسلمين
في جميع بقاع الأرض – بعد الله سبحانه وتعالى – إلا مصر كما يجمع المؤرخون . فلو
سقطت مصر فلن تقوم للمسلمين قائمة. بل سيصبح المسلمون تاريخ وذكريات . وفي الوقت
نفسه كانت كل التوقعات تشير إلى أن مصر هي المحطة القادمة لهولاكو .
🌴☘️🌺رسالة من جهنم:
أرسل هولاكو إلى السلطان قطز رسالة
كلها تهديد ووعيد يشيب من هولها الولدان و يهرع منها الوجدان رسالة يذكره بمصير من
سبقوه من أمم و ممالك و ليست مذبحة بغداد عنهم ببعيد
فكان رد السلطان قطز-رحمه الله - رعد
قاصف وبرق خاطف وسيل جارف أرعب التتار لأنهم لم يعهدوا في حروبهم أمثال تلك
الرسائل .................
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الْكُتُبِ فِي حَدِّهِ الْحَدُّ بَيْنَ الْجِدِّ
وَاللَّعِبِ
بِيضُ الصَّفَائِحِ لاَ سُودُ الصَّحَائِفِ فِي مُتُونِهِنَّ جَلاَءُ الشَّكِّ وَالرِّيَبِ
وَالْعِلْمُ فِي شُهُبِ الْأَرْمَاحِ لاَمِعَةً بَيْنَ الْخَمِيسَيْنِ لاَ فِي السَّبْعَةِ
الشُّهُبِ
🌴☘️🌺انعقاد المجلس العسكري للشورى
أخوة الإسلام اجتمع السلطان قطز مع
قادة و أمراء المماليك ليشارهم في الامر فالأمر لا يحتاج الى تأخير و اختلفت وجهات
النظر حول الموقف الذي يجب اتخاذه امام جحافل التتار
وفي الصالحية في منطقة الشرقية (شمال
شرقي مصر) رأى السلطان تردد وخوف كبار القادة العسكريين، فعزم على مواجهة هؤلاء
الأمراء المترددين ليضع حدًا لهذا الخوف الذي قد يأتي بنتائج وخيمة في أرض
المعركة؛ فطلب الأمراء وتكلم معهم في الرحيل، فأبوا كلهم عليه وامتنعوا من الرحيل.
فقال لهم "يا أمراء المسلمين لكم
زمان تأكلون أموال بيت المال وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجّهٌ فمَن اختار الجهاد
يصحبني ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته؛ فإن الله مطّلعٌ عليه وخطيئة حريم المسلمين
في رقاب المتأخِّرين"، فتكلم الأمراء الَّذين تخيّرهم وحلّفهم في موافقته على
المسير، فلم يسع البقيَّة إلَّا الموافقة وانفض الجمع، فلمَّا كان في اللَّيل ركب
السُّلطان وقال "أنا ألقى التتار بنفسي فلمَّا رأى الأمراء مسير السُّلطان
ساروا على كُرْهٍ".
🌴☘️🌺الاستعداد للحرب :
إخوة الإسلام أمر قطز -رحمه الله -بقتل الرسل الأربعة الذين أرسلهم
المغول امتثالًا لنصيحة مستشاره الأمير بيبرس، فقطع رؤوسهم ثم عُلّقت في أشهر
مواقع القاهرة وقتها وهي؛ الريدانية (العباسية الآن) وباب النصـر في شمال القاهرة،
وباب زويلة في جنوبها، وفي سوق الخيل أحد أهم الأسواق أسفل القلعة؛ ليراها كافة
الناس فترتفع معنوياتهم وتنهض هممهم للقاء العدو، وفي 15 شعبان سنة 658هـ/1260م
أمر السلطان المظفر قطز بإعلان النفير العام "وسار حتى نزل بالصالحية وتكامل
عنده العسكر"
🌴☘️🌺الخطوة الثانية جمع المال لتجهيز الجيش
معاشر الموحدين: لم تكن حال مصر في هذا
الفترة حالة اقتصادية جيدة بل كانت متردية بسبب الحروب التي دارت بينهم و بين الصليبين
و غيرهم لذا قرر السلطان قطز فرض ضرائب
على جموع الشعب المصرية و لكن واجه بذلك العلماء و على رأسهم سلطان العلماء العز
بن عبد السلام الذي أمره أن يجمع جميع ما لدى الأمراء المماليك من ذهب ومال لتجهيز
الجيش فإن لم يف ذلك فرض على الشعب
واستجاب السلطان قطز –رحمه الله -وأتى بجميع
ما يملك من مجوهرات ومن مال وكذا فعل جميع الأمراء
ولكنها لم تكف لتجهيز الجيش فأخذ إيراد
التركات شهرا ثم أمر الأغنياء بتعجيل زكاة أموالهم ثم فرض على كل مصري دينارا ولما
رأى المصريون ذلك تسابقوا للبذل والعطاء وجمع 600ألف دينار جهز بها الجيش
🌴☘️🌺حالة الشعب المصري في تلك الأزمة
إخوة الإسلام: أحس الشعب المصري بأنه
رجع إلى عهد الصحابة رضوان الله عنهم أجمعين فداعي الجهاد في كل حي و في كل بلد أقبل
الشعب على الله و أعلنوا التوبة و الأوبة إلى الله تعالى ......... العصاة الذين
كانوا يجاهرون بالمعاصي كفوا عن معاصيهم سادت روح التضحية و الفداء لدى جميع أفراد
المجتمع المصرية فنفوسهم تواقة للجهاد مشتاقة إلى الشرب من كاس الشهادة في سبيل
الله
قام علماء الأزهر في ربوع مصر بالدعوة إلى
الإقبال على الله و التضرع إليه و بينوا أنه لم يبقى للإسلام سوى مصر فان سقطت سق الإسلام
...................
🌴☘️🌺ثانيا تأكيد الهدنة بين المسلمين والصليبين في عكا
فقد كان خط سير الجيش إلى عين جالوت
يمر بإمارات صليبية فأراد أن يامن شرهم فراسلهم و طلب منه الأمان و السماح للجيش
المصري بالمرور و التزود بالمتاع من عكا وطلب ولى عكا أن يمدهم بالجنود و المشاركة
في المعركة و لكن قطز-رحمه الله - رفض وطلب منه ألا يكون عليه و ألا يكون معه
🌴☘️🌺ثالثا الظاهر بيبرس و الفرقة الاستطلاعية و معركة غزة وهزيمة التتار :
بدأ بالفعل في تجميع الجيوش في منطقة
الصالحية بمحافظة الشرقية، وأخذ فعلاً قرار التحرك إلى فلسطين.
وهذا التحرك كان في أوائل شهر شعبان
سنة (658هـ) الموافق شهر يوليو سنة (1260م).
أي: أن هذا التحرك كان في أشد شهور
السنة حراً، فكان السفر من الصالحية باتجاه الشمال الشرقي إلى سيناء، ثم سلوك طريق
الساحل الشمالي لسيناء بحذاء البحر الأبيض المتوسط حتى غزة شديد المشقة، لأن
الجيش سيخترق الصحراء الشرقية في مصر، ثم يخترق صحراء سيناء بكاملها حتى يصل إلى غزة،
ومع ذلك صبر الجيش المجاهد، وتذكر الجميع غزوة تبوك وما صاحبها من صعوبات شديدة
الشبه بما يصاحب هذه الموقعة
🌴☘️🌺رابعا :موقعة غزة:
اجتاز ركن الدين بيبرس رحمه الله
الحدود المصرية في (26) يوليو سنة (1260م) ودخل فلسطين، وكان بقية الجيش المسلم لا
يزال في الطريق، وبمجرد دخول المقدمة الإسلامية أرض فلسطين، اجتازت بسرعة رفح وخان
يونس ودير البلح واقتربوا جداً من غزة، ورآهم التتار هناك بعد أن اكتشفت عيونهم
هذه المقدمة، وحدث ما توقعه قطز رحمه الله، ظنوا أن المقدمة هي كل الجيش، والتقت
الحامية التترية التي كانت في غزة مع مقدمة الجيش المسلم في موقعة غزة، وكانت الحامية
التترية في غزة صغيرة نسبياً، والجيش التتري الرئيسي معسكر على مسافة بعيدة جداً،
على مسافة حوالي (300) كيلو متر من غزة في سهل البقاع في لبنان، و التقى الجيشان
اهل الايمان الذين يحملون ارواحهم على اكفهم يبغون النصر والشهادة و حامية التتار
و انزل الله تعالى نصره و انتصر بيبرس – رحمه الله و فرت بقية الكتيبة
أثر انتصار غزة على الحالة النفسية على
الجيش المصري
كان لهذا النصر في معركة غزة أثر كبيرا
في نفسية الجيش المصري حيث زال الرعب والخوف من قلوبهم وعلموا أن التتار ليسوا
بالقوة والشجاعة التي سمعوا عنها وأنه يمكن هزيمتهم فارتفعت الروح المعنوية لدي
المجاهدين و كان لهذا النصر اثر في نفسية التتار حيث شاهدوا مالم يشاهدوه من قبل
من الصبر و الثبات و الشجاعة لدي الجيش المصري
🌴☘️🌺خامسا :التخطيط العبقري للمعركة
انتهى اليوم الرابع والعشرين من رمضان،
وقضى المسلمون هذه الليلة في القيام والابتهال والدعاء والرجاء، وكانت هذه من أعظم
ليالي السنة، أولاً: لأنها ليلة وترية، وثانياً وهذا هام جداً جداً: لأنها ليلة
تسبق يوم الجهاد في سبيل الله، وفي صباحها سيكون اللقاء العظيم الذي يثأر فيه
المسلمون لدماء الملايين من المسلمين التي سفكت على أيدي هؤلاء التتار الهمج،
فكانت ليلة خالدة حقاً، ومتعة حقيقية لا يشعر بها إلا المجاهدون في سبيل الله،
نسأل الله عز وجل أن يكتب لنا جهاداً في سبيله، وأن يرزقنا ثباتاً في أرض الجهاد.
كان قطز رحمه الله قد اجتهد كثيراً في
تربية الزرع وغداً هو يوم الحصاد، وستكون نتائج جميع الأعمال الضخمة التي قام بها
قطز رحمه الله قبل ذلك.
جاء وقت الفجر، وصلى المسلمون الفجر في
خشوع، ورتبوا صفوفهم بعد الصلاة واستعدوا، وما هي إلا لحظات وأشرقت الشمس، وكان ذلك
اليوم يوم الجمعة، فهو عيد في السماء وعيد في الأرض، وسيكون عيداً للنصر من أعظم
أعياد المسلمين إن شاء الله.
فيوم الجمعة (25) من رمضان سنة (658هـ)
تاريخ من الواجب على جميع المسلمين ألا ينسوه، فهو من أعظم تواريخ المسلمين
مطلقاً، وبشروق الشمس أضاءت الدنيا ورأى المسلمون من بعيد جيش التتار من اتجاه
الشمال، جاء الجيش التتري المهول الذي دوّخ العالم، وأسقط نصف العالم الإسلامي
ونصف أوروبا، واقترب من سهل عين جالوت، وعلى أبواب السهل في الناحية الشمالية وقف
الجيش التتري في عدده الرهيب وعدته القوية، ولم يكن بالسهل أحد من رجال المسلمين،
فقد كان السهل خالياً تماماً، فكل المسلمين كانوا مختبئين خلف التلال، حتى المقدمة
التي كان على رأسها ركن الدين بيبرس رحمه الله كانت مختبئة في ذلك الصباح.
🌴☘️🌺سادسا :دور فرقة الطبول العسكرية الإسلامية في عين جالوت
بعد أن نزلت مقدمة المسلمين بقيادة ركن
الدين بيبرس واكتملت، بدأت فرقة الطبول العسكرية الإسلامية المملوكية تظهر على
الساحة، وانطلقت في قوة تدق طبولها وتنفخ في أبواقها، وتضرب صنوجها النحاسية،
وتعمل دوراً في غاية الأهمية في موقعة عين جالوت، فقد كانت هذه الضربات بمعان
معينة، وكانت الجيوش المملوكية تتلقى الأوامر عن طريق هذه الدقات التي لا يعرفها
الأعداء، فقد كان هناك ضربات معينة للميمنة، وضربات معينة للميسرة، وضربات معينة
للقلب، وهناك ضربات للتقدم وضربات للانسحاب، وهناك ضربات خاصة لكل خطة عسكرية،
وبذلك يستطيع القائد قطز رحمه الله أن يقود المعركة من مكان بعيد، وأيضاً يشعر
الجنود بمعية القائد معهم، وأنه يرى كل خطوة من خطوات الجنود، ويستطيع أن يسد
الثغرات من على بعد وهو يراقب الموقف، كما أن هذه الضربات القوية كانت تزلزل قلوب
الأعداء، وتثبت قلوب المسلمين.
ووقف الأمير ركن الدين بيبرس بقواته
على المدخل الشمالي لسهل عين جالوت، بينما ترك السهل بكامله خالياً من خلفه،
واقتربت جداً ساعة الصفر.
وكان جيش المماليك بكامله مختفياً خلف
الأشجار والأحراش وفوق التلال، والذي يظهر منه هو جيش ركن الدين بيبرس فقط، وكانت
المعلومات التي جاءت إلى كتبغا قبل ذلك من غزة قد وصفت له الجيش بهذا العدد، فكان
كتبغا معتقداً أن جيش المسلمين كله هو فرقة المقدمة الإسلامية التي تقف أمامه، في
حين أنها كانت جزءاً قليلاً من الجيش المسلم الكامل.
وللأسف الشديد لم نجد إحصاءً دقيقاً في
أي كتاب من الكتب التي روت قصة التتار عن أعداد جيش التتار أو أعداد جيش المسلمين،
لكننا نعلم أن الأعداد كانت هائلة في هذه الموقعة الضخمة.
🌴☘️🌺سابعا: بداية معركة عين جالوت
نظر كتبغانوين إلى القوات الإسلامية
فوجدها قليلة، فأراد أن يحسم الموقعة من بدايتها، صحيح أنهم كانوا في هيئة حسنة،
ومنظرهم مهيب عند كتبغا وعند جيش التتار، ولكن أعدادهم قليلة، فأراد أن يحسم
الموقعة بكاملها، فدخل بجل جيشه أو كله إلى سهل عين جالوت.
وهذا تماماً ما كان يريده الملك المظفر
قطز رحمه الله.
وأعطى كتبغا قائد التتار إشارة البدء
لقواته، وانهمرت جموع التتار الرهيبة، وهي تصيح صيحاتها المفزعة على مقدمة جيش
المسلمين، وكانت أعداداً هائلة من الفرسان ينهبون الأرض نهباً في اتجاه القوات
الإسلامية.
أما القائد المحنك ركن الدين بيبرس
رحمه الله فكان يقف في رباطة جأش عجيبة, ووقف معه الأبطال المسلمون في ثبات ولم
يتحركوا، وقد ألقى الله عز وجل عليهم سكينة وأمناً واطمئناناً، فكانوا يرون جحافل
التتار الضخمة لا تعدو أن تكون حفنة قليلة من الرجال، {وَإِذْ
يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي
أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ
تُرْجَعُ الأُمُورُ }[الأنفال:44].
حتى إذا اقتربت جموع التتار من مقدمة
الجيش الإسلامي أعطى القائد المحنك الظاهر ركن الدين بيبرس رحمه الله إشارة البدء
لرجاله، فانطلقوا في شجاعة نادرة باتجاه جيش التتار، ولا ننسى أن هذه المقدمة
الإسلامية قليلة جداً بالنسبة لجيش التتار.
وارتطم الجيشان ارتطاماً مروعاً بمعنى
الكلمة، وارتفعت سحب الغبار الكثيف في ساحة المعركة، وتعالت أصوات دقات الطبول
وأصوات الآلات المملوكية، وعلت صيحات التكبير من الفلاحين الفلسطينيين الواقفين
على جنبات السهل، وامتزجت قوات المسلمين بقوات التتار، وسرعان ما تناثرت الأشلاء
وسالت الدماء، وارتفع صليل السيوف وغطى على كل شيء.
احتدمت المعركة في لحظات، ورأى الجميع
من الهول ما لم يرونه أبداً في حياتهم قبل ذلك.
كل هذا وقطز رحمه الله يرقب الموقف عن
بعد، ويصبّر نفسه وجنده عن النزول لساحة المعركة حتى تأتي اللحظة المناسبة. ومرت
الدقائق والساعات كأنها الأيام والشهور.
ومع أن الفجوة كانت هائلة في العدد
والعدة بين الفريقين، إلا أن اللقاء كان سجالاً حتى هذه اللحظات.
وكان هم المسلمين إلى هذه اللحظة هو
استنزاف القوات التترية في حرب مرهقة، والتأثير على نفسياتهم عند مشاهدة ثبات
المسلمين وقوة بأسهم.
هذا كان الجزء الأول من الخطة
الإسلامية، الصبر قدر المستطاع من الجيش حتى تستنزف الطاقات التترية عن آخرها.
🌴☘️🌺ثامنا :سحب قوات التتار إلى داخل سهل عين جالوت:
إخوة الإسلام هنا جاء وقت تنفيذ الجزء
الثاني من الخطة الإسلامية البارعة، ودقت الطبول دقات معينة؛ لتصل بالأخبار من قطز
إلى بيبرس ليبدأ في تنفيذ الجزء الثاني الخطير من الخطة.
وكان الجزء الثاني من الخطة عبارة عن
محاولة سحب جيش التتار إلى داخل سهل عين جالوت، ويا حبذا لو سُحب الجيش بكامله!
بحيث تدخل قوات التتار في الكمائن الإسلامية تمهيداً لحصارها والقضاء عليها.
وبدأ ركن الدين بيبرس في تنفيذ مهمة
صعبة جداً، فكان عليه أن يُظهر الانهزام أمام التتار، ويتراجع بظهره وهو يقاتل،
على ألا يكون هذا التراجع سريعاً جداً حتى لا يلفت أنظار التتار إلى الخطة، ولا
بطيئاً جداً فتهلك القوة الإسلامية القليلة أثناء التراجع تحت الضغط التتري
الرهيب، وهذا الميزان في الانسحاب يحتاج إلى قدرة قيادية فائقة، كما يحتاج إلى
رجال أشداء مهرة في القتال، ويحتاج فوق كل ذلك وقبل كل ذلك إلى توفيق من رب
العالمين سبحانه وتعالى.
وبدأ ركن الدين بيبرس في الانسحاب
التدريجي المدروس، وكلما رجع خطوة في السهل تقدم جيش التتار مكانها، وقام المسلمون
بتمثيلية الانهزام خير قيام، وتحمس كتبغا ومن معه للضغط على المسلمين، وبدءوا
يدخلون السهل وبأعداد كبيرة، ومر الوقت ببطء على الطرفين، ولكن في النهاية دخل جيش
التتار بكامله إلى داخل سهل عين جالوت, وانسحب ركن الدين بيبرس بمقدمة الجيش إلى
الناحية الجنوبية من سهل عين جالوت، وفي غضون حماسة كتبغا للقضاء على جيش المسلمين
لم يترك أياً من قواته الاحتياطية خارج السهل لحماية مؤخرة الجيش، بل أخذ معه كل
الجنود إلى داخل السهل.
🌴☘️🌺تاسعا :محاصرة جيش التتار:
معاشر المؤمنين كأني أنظر الى الجيش الإسلامي وبيبرس
قد دخل الى داخل سهل عين جالوت و قد دخلت كل القوات المغولية خلف دون ترك خط دفاع
يدافع عنهم من الخلف و اشتد القتال و ظن المغرور المغولي أنه قد انتصر و أنه سيبد
الجيش المصري عن اخره
🌴☘️🌺عاشرا :بدأ تنفيذ الجزء الثالث بالغ الأهمية في الخطة.
وجاءت إشارة البدء من قطز رحمه الله عن
طريق الطبول والأبواق، ونزلت الكتائب الإسلامية العظيمة من خلف التلال إلى ساحة
المعركة من كل جوانب الميدان، من الشرق والغرب والجنوب، بل وأسرعت فرقة عسكرية
قوية لتغلق المدخل الشمالي لسهل عين جالوت، وبذلك في دقائق معدودات أحاطت القوات
الإسلامية بالتتار إحاطة السوار بالمعصم.
واكتشف كتبغا الخطة الإسلامية، ولكن
بعد فوات الأوان، فقد حصر هو والتتار في داخل سهل عين جالوت، وبدأ الصراع المرير
في واحدة من أشد المعارك التي وقعت في التاريخ بصفة عامة.
فلا مجال للهرب أو المناورات، فالسهل
منبسط والمساحات مكشوفة، وليس هناك من حماية إلا خلف السيوف والدروع، ولم يكن هناك
بديل عن القتال، فلا بد من القتال حتى الموت.
وكانت حرباً ضارية بشعة، أخرج التتار
فيها كل إمكانياتهم، وبدءوا يقاتلون بحمية بالغة، والمسلمون بفضل الله صابرون
ثابتون.
🌴☘️🌺الحادي عشر: تراجع الجناح الأيسر للجيش الإسلامي ونزول قطز إلى ميدان
المعركة
إخوة الإسلام لقد أخبر صارم الدين أيبك
سيف الدين قطز أن ميمنة المغول اقوى من
ميسرة جيش المسلمين لذا ينبغي تقوية الميسرة لصد
تلك القوة الضارية و بالفعل ظهر تفوق الميمنة التترية كما أخبر بذلك من قبل
رسول صارم الدين أيبك ، وبدأت هذه الميمنة تضغط على الجناح الأيسر للقوات
الإسلامية، وظهر تأثر القوات الإسلامية بذلك، وأخذت ميسرة المسلمين تتراجع
تدريجياً تحت الضغط الرهيب للتتار، وبدأ التتار يخترقون الميسرة الإسلامية، وازداد
تساقط الشهداء، وظهرت الأزمة الكبرى، ولو أكمل التتار اختراقهم للميسرة فسيلتفون
بذلك حول الجيش الإسلامي، وسوف تتعادل بذلك الكفتان، بل وقد ترجح كفة التتار، وهنا
يصبح إغلاق السهل خطراً على المسلمين، كما كان خطراً على التتار.
فما الذي سيعمله قطز رحمه
الله؟
كان قطز رحمه الله يقف في مكان عال خلف
الصفوف يراقب الموقف بكامله، ويوجه الفرق إلى سد الثغرات، ويخطط لكل صغيرة وكبيرة.
حين شاهد قطز رحمه الله المعاناة التي
تعيشها ميسرة المسلمين، فدفع إليها بقوات احتياطية الواحدة تلو الأخرى، ولكن الضغط
التتري استمر، وبدأ بعض المسلمين يشعر بصعوبة الموقف، وبدأت معنويات البعض تنهار
وشكوا في النصر، ولا ننسى السمعة المرعبة لجيش التتار الذي قيل عنه: إنه لا يُهزم.
كان قطز رحمه الله يشاهد كل ذلك، ويدفع
بقوات إضافية إلى الميسرة، ولكن الموقف تأزم جداً، وهنا لم يجد قطز رحمه الله إلا حلاً
واحداً لا بديل له، فقرر أن ينزل بنفسه رحمه الله إلى ساحة القتال، ويُثبت لجنوده
بالطريقة التي اعتادها معهم أن الجهاد في سبيل الله عز وجل أُمنية، وأن الموت في
سبيل الله مطلب لكل مسلم صادق، ويعلمهم بالطريقة التي اعتاد أن يعلمهم بها، وهي
طريقة التربية بالقدوة، فنزل رحمه الله إلى أرض الموقعة، ولم ينزل بهيئته العسكرية
الكاملة، وإنما خلع خوذته وألقاها على الأرض؛ تعبيراً عن اشتياقه للشهادة وعدم
خوفه من الموت، وأطلق الصيحة الشهيرة التي قلبت الموازين تماماً في أرض المعركة،
فصرخ قطز رحمه الله بأعلى صوته والجميع يسمع: وا إسلاماه! وا إسلاماه! وألقى
السلطان المظفر القائد العظيم رحمه الله بنفسه وسط الأمواج المتلاطمة من البشر،
وفوجئ الجنود الإسلاميون بوجود القائد الملك المظفر قطز رحمه الله في وسطهم، يعاني
مما يعانون ويشعر بما يشعرون ويقاتل كما يقاتلون.
فأي تأييد نزل عليهم، وأي تثبيت، وأي
سكينة، وأي اطمئنان.
وأصبحت القضية واضحة جداً أمام الجميع،
القضية قضية الإسلام، القضية قضية وا إسلاماه، القضية ليست أبداً حفاظاً على ملك
أو حماية لكرسي أو حرصاً على توريث لابن أو عائلة، فالقتال لله عز وجل، ويمكن أن
تكون نهاية قطز رحمه الله، ويمكن أن يموت وهو في زهرة شبابه، فهو يقاتل في سبيل
الله حقيقة، هكذا شعر الجنود، وشتان بين القائد الصادق الذي يعيش لدينه ولشعبه،
والقائد الكاذب الذي يتكلم كثيراً عن فضائل الأعمال، وهو لا يعيش إلا لنفسه،
فالتهب حماس الجنود، وهانت عليهم تماماً جيوش التتار، وحملوا أرواحهم على أكفهم،
وانطلقوا في جسارة نادرة يصدون الهجمة التترية البشعة، فهي ليست هجمة على ذواتهم،
بل هي هجمة على الإسلام، واشتعل القتال في سهل عين جالوت، واستحر القتل، وعلت
أصوات تكبير الفلاحين على كل شيء، ولجأ المسلمون بصدق إلى ربهم في هذا اليوم
المجيد من أيام شهر رمضان.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
إخوة العقيدة في الأرض المجيدة:
ثم صوب أحد التتر سهمه نحو قطز رحمه الله، فأخطأه السهم،
وأصاب الفرس الذي كان يركب عليه قطز فقُتل الفرس من ساعته، فترجل قطز رحمه الله
على الأرض، وقاتل ماشياً لا خيل له وما تردد، وما نكص على عقبيه، وما حرص على
حياته رحمه الله، ورآه أحد الأمراء وهو يقاتل ماشياً، فجاء إليه مسرعاً، وتنازل له
عن فرسه، إلا أن قطز رحمه الله امتنع، وقال: ما كنت لأحرم المسلمين نفعك، وظل
يقاتل ماشياً إلى أن أتوه بفرس من الخيول الاحتياطية.
وبعد هذه الموقعة لامه أحد الأمراء على
هذا الموقف، وقال له: لم لمْ تركب فرس فلان؟ فلو أن بعض الأعداء رآك لقتلك، وهلك
الإسلام بسببك. فانتفض قطز رحمه الله وقال في يقين رائع: أما أنا لو قتلت فكنت
أذهب إلى الجنة، وأما الإسلام فله رب لا يضيعه، وقد قُتل فلان وفلان وفلان، حتى عد
خلقاً من الملوك، مثل: عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، فأقام الله للإسلام
من يحفظه غيرهم، ولم يضع الإسلام، فرحمه الله فقد كان وما زال قدوة للمسلمين، وعلى
أكتاف أمثاله تنهض الأمم.
الثاني عشر :مقتل كتبغانوين
قائد التتار
إخوة الإسلام مازال القتال على اشده
صيحات التكبير و صهيل الخيول و صليل السيوف و أصوات الرماح الرؤوس تتطاير والأيدي تقطع والأجساد تتمزق و في مشهد من مشاهد خالد بن الوليد رضي الله عنه
– عندما شق صفوف الفرس و اختطف قائدهم -تقدم أمير من أمراء المماليك المهرة من
أمراء الشام الذين انضموا إلى جيش قطز رحمه الله قبل موقعة عين جالوت، من أمراء
جيش الناصر الأيوبي الذي فر قبل ذلك، وهو الأمير جمال الدين آقوش الشمسي رحمه
الله، فتقدم وأبلى بلاء حسناً في القتال، واخترق صفوف التتار حتى وصل إلى كتبغا
القائد النصراني العجوز الخبير وقاتله، ورفع المسلم سيفه، ورفع الكافر سيفه، وأهوى
المسلم بكل طاقته على الكافر، فأراد الله عز وجل أن يُقتل الكافر {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى }[الأنفال:17].
فقُطعت رقبة الطاغية المتغطرس كتبغا على أرض القتال وسقط زعيم التتار، وبسقوطه
سقطت كل عزيمة عند جيش التتار، { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ
رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17].
الثالث عشر :هزيمة التتار
وهروبهم من عين جالوت
كان مقتل كتبغا نقطة محورية في القتال،
وتغير السيناريو تماماً عند التتار، فما أصبح لهم من هَمّ إلا أن يفتحوا لأنفسهم
طريقاً في المدخل الشمالي لسهل عين جالوت ليتمكنوا من الهرب، وانطلق المسلمون
الصادقون خلف التتار يقتلون فريقاً ويأسرون فريقاً.
وسقطت جحافل التتار تحت أقدام المسلمين
صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، فضاعت السمعة، وضاعت الهيبة، ومُزّق الجيش الرهيب
تمزيقاً، وركز جهده على فتح ثغرة في مدخل سهل عين جالوت الشمالي، واستطاعوا بعد
جهد شديد أن يفتحوا ثغرة، ووصلوا بالفعل إلى الخروج من سهل عين جالوت، وبدءوا في
الفرار في اتجاه الشمال، ولكن جيوش المسلمين كانت تجري خلفهم، فلم يكن الغرض أبداً
في هذه الموقعة هو الانتصار في موقعة عابرة، أو تحقيق كسب سياسي مؤقت يتفاوضون
بعده أبداً، وإنما كان الغرض الواضح هو تحرير البلاد بكاملها عن طريق الجهاد في
سبيل الله.
🌴☘️🌺الرابع عشر :معركة بيسان وإبادة جيش التتار:
إخوة الإسلام لكن المعركة لم تنته بعد فقد فر
المغول حتى وصلوا إلى مدينة بيسان، وهي على بعد حوالي (20) كيلو متر شمال
شرق عين جالوت، فوجدوا أن المسلمين جادون في طلبهم، فلم يجدوا إلا أن يصطفوا من
جديد للقتال، ولتدور موقعة أخرى عند بيسان، أجمع المؤرخون على أنها أصعب من عين
جالوت وقاتل التتار قتالاً رهيباً، ودافعوا عن حياتهم بكل قوة، وبدءوا يضغطون على
المسلمين, وكادوا أن يقلبوا الأمور لمصلحتهم، وابتلي المؤمنون وزُلزلوا زلزالاً
شديداً، وكانت هذه اللحظات من أحرج اللحظات في حياة القوات الإسلامية مطلقاً، ورأى
قطز رحمه الله كل ذلك، فهو لم يكن أبداً قريباً من الأحداث، وإنما كان في وسطها
رحمه الله، فانطلق رحمه الله يحفز الناس، ويدعوهم للثبات، ثم أطلق صيحته الخالدة
مرة أخرى وقال: وا إسلاماه، وا إسلاماه، وا إسلاماه، قالها ثلاث مرات، ثم قال في
تضرع: يا الله! انصر عبدك قطز على التتار.
الله أكبر، ما أحسن اعترافك يا قطز
بعبوديتك في هذا المقام! فلستُ أنا الملكَ المظفر، ولستُ أنا أميرَ المسلمين،
ولستُ أنا سلطانَ مصر، وإنما أنا عبدك.
دق قطز رحمه الله على الباب الذي ما
طرقه صادق إلا وفُتح له، وتقرب رحمه الله إلى من بيده ملكوت السماوات والأرض،
وعندما يخشع ملوك الأرض فلابد أن يرحم جبار السماوات والأرض، وكان خشوع قطز الصادق
هو الجبل الذي وقع على جيش التتار، فأهلكهم بكاملهم، فما إن انتهى من دعائه وطلبه
رحمه الله إلا وخارت قوى التتار تماماً، وبدأ الجنود الذين روعوا الأرض قبل ذلك
يتساقطون كالذباب على أرض بيسان، وقضى المسلمون تماماً على أسطورة الجيش الذي لا
يُقهر، وارتفعت راية الإسلام وتهاوت راية التتار.
وجاءت اللحظة التي انتظرها المسلمون
منذ أربعين سنة أو يزيد، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ
يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الروم:4-5].
وتخيلوا أنه في موقعة عين جالوت أُبيد
جيش التتار بكامله، هل سمعتم عن هذا؟! أو هل سمعتم عن مثل ذلك؟! لقد أبيد جيش
التتار بكامله! ولم يبق على قيد الحياة من هذا الجيش أحد أبداً، وفني الجيش الذي
اجتاح نصف الكرة الأرضية، وسفك دماء الملايين وخرّب مئات المدن، وعاث في الأرض
فساداً، وانتصر الجيش الإسلامي العظيم.
فهنيئاً لكم أيها المسلمون! بالنصر
العظيم، وهنيئاً لك يا قطز ! فقد حان وقت قطف الثمار.
ولما رأى قطز رحمه الله جموع التتار
صرعى على أرض بيسان المباركة، لم يفق ليتلقى التهنئة في ذلك الوقت ويرفع رأسه
ويفتخر، بل إن أول شيء فعله رحمه الله أن نزل من على فرسه، ومرّغ وجهه على الأرض
يسجد لله شكراً، ولم يدخله غرور المنتصرين، أو يرفع رأسه بزهو المتكبرين، ولم يشعر
أنه قد فعل شيئاً، بل إن الفضل والمنة لله عز وجل، فهو الذي أنعم عليه واختاره
ليكون مجاهداً، وهو الذي منّ عليه بالثبات، وهو الذي ألهمه الحكمة في القتال،
والصواب في الرأي، وهو الذي هداه السبيل.
وهنا أيها المؤمنون! بيت القصيد، أن
تعرف أنك عبد لله عز وجل، لا تُنصر إلا بنصره، ولا تنجو إلا برحمته، ولا تتحرك إلا
بإرادته {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم:4].
الدعاء.................................
تعليقات
إرسال تعليق