روائع النشر بذكر الأمانات العشر.pdf
روائع النشر بذكر الأمانات العشر
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما
بعد فيا معاشر الموحدين المحتسبين حديثنا إليكم في هذا اليوم الطيب الميمون الأغر
عن النشر بذكر الأمانات العشر لأنشرها إليكم نشرا وأبينها لكم بيانا شافيا حتى
نكون من أهلها وحتى ننال أجرها وثوابها فأعيروني القلوب والأسماع ...........
شمولية الأمانة في
الإسلام:
إخوة الإسلام: الأمانة في الإسلام تشمل
أبوابا شتى من الطاعات والعبادات والمعاملات ......ويقول الكفويُّ رحمه الله:
الأمانة كلُّ ما افتَرَض الله على العِباد، فهو أمانةٌ كالصلاة والزكاة والصيام
وأداء الدَّيْن، وأوكدها الوَدائع، وأوكد الودائع كتمُ الأسرار.
وقال في موضعٍ آخَر: كلُّ ما يُؤتَمن
عليه من أموالٍ، وحُرمٍ وأسرار فهو أمانةٌ، وقال ابن عباسٍ رضِي الله عنه: المقصود
بالأمانة التكاليف -وهذا هو قول الجمهور.
الأصل في الإنسان أنَّه
أمين:
اعلموا عباد الله :أن الأصل في الإنسان
الأمانة والخيانة طارئة عليه، فالله عزَّ وجلَّ أنزَل الأمانةَ فوضَعَها في أصْل
قُلوب الناس، ثم نزَلتِ الشَّرائع التي أنزَلَها الله في كتبه وجاءت بها رسلُه؛
لتُنمِّي هذا الأصلَ وتُزكِّيه.
ولكنَّ كثيرًا من الناس انحرَفَ عن هذا
الأصل؛ إمَّا لظُلمه أو جهلِه، فخانَ وضيَّع الأمانة التي حُمِّلَها، وهذا خِلافُ
الأصل.
يقول محمد رشيد رضا: الأصل أنْ يكون الناس
أُمَناء يقومون بوازع الفِطرة والدِّين، والخيانةُ خِلافُ الأصل، ا.هـ.
النشر بذكر الأمانات
العشر:
وإليكم أيها الإخوة الأحباب عشرة أنواع
من أنواع الأمانة التي كلفنا الله تعالى بها و استأمننا عليها:
أولا: العلم:
إخوة الإسلام :من أهم الأمانات أمانة العلم
فالعلم الذي تعلمه الإنسان مسؤول عنه أمام الله تعالى هل بلغه للناس أم أنه كتمه و
جحده فقد توعده الله تعالى بالعذاب الأليم قال الله تعالى {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ
كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ
لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى
ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ
الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
} [آل عمران: 81، 82]
وقال تعالى {
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ
بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ
وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } [البقرة: 159]
و عن انس بن مالك رضي الله عنه قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم "
من سئل عن علم فكتمه الجم بلجام من نار ([1])
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه
- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " مَثَلُ الَّذِي
يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ ثُمَّ لَا يُحَدِّثُ بِهِ، كَمَثَلِ الَّذِي يَكْنِزُ
الْكَنْزَ فلَا يُنْفِقُ مِنْهُ "([2])
ثانيا: أمانة التكاليف:
إخوة الإيمان: أن من أعظم الأمانات
التكاليف التي كلف الله تعالى بها عباده فمن فرض فيها وضيعها فقد خان الأمانة {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا
وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72]
الأمانة تشمل الطاعات والفرائض التي
يتعلق بأدائها الثواب، وبتضييعها العقاب، وتشمل أمانة الأموال كالودائع وغيرها مما
لا بيّنة عليه، وغسل الجنابة أمانة، والفرج أمانة، والأذن أمانة، والعين أمانة،
واللسان أمانة، والبطن أمانة، واليد أمانة، والرّجل أمانة.
وقد حملها الإنسان بسبب جهله بما فيها،
وعلم هذه الأجرام، وهو مع ذلك يتأثر بالانفعالات النفسية وبالشهوات الذاتية، ولا
يتدبر عواقب الأمور، وكانت هذه التكاليف وسيلة للحد من سلطان الشهوة، وتأثير
النوازع، والقوى الداخلية في نفسه.
قال مجاهد والضحاك والحسن البصري: إن
الأمانة هي الفرائض، وقال آخرون: هي الطاعة
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ،
قَالَ: " ...... ثُمَّ قَالَ: الصَّلَاةُ أَمَانَةٌ، وَالْوُضُوءُ أَمَانَةٌ،
وَالْوَزْنُ أَمَانَةٌ، وَالْكَيْلُ أَمَانَةٌ، وَأَشْيَاءُ عَدَّدَهَا، وَأَعْظَمُ
ذَلِكَ الْوَدِائِعُ " فَأَتَيْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ فَقُلْتُ: أَلَا
تَرَى إِلَى مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ؟ قَالَ: كَذَا " قَالَ، كَذَا قَالَ،
صَدَقَ أَمَا سَمِعْتَ يَقُولُ اللهُ: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ
إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] "([3])
ثالثا: أمانة السر:
معاشر الموحدين: ومن الأمانات كتمان
الأسرار التي تساهل فيها كثير من المسلمين وضيعوها فأفشوها مما يترتب على ذلك من
مفاسد ومضار في النفس والمال والعرض
عن جابرِ بنِ عبدْ الله، قال: قال
رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا، حدَّث الرجلُ بالحديثِ ثمَّ التفتَ
فهيَ أمانةٌ" ([4]).
أي: إذا حدث رجل رجلاً بحديث، والمقصود بالحديث: خبر من الأخبار أو شيء من الأشياء
التي هي سر أفشاه إليه، فإنه أمانة، وقوله: (ثم التفت)، أي: ذلك المتحدث، وهذه
علامة تقوم مقام قوله: لا تفش هذا السر، أو اكتم هذا الكلام، فإن هذا فعل يقوم
مقام القول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه أمانة، فكونه التفت معناه:
أنه يخشى أن يسمعه أحد، أو أنه لا يريد أن يسمعه أحد غير الذي يحدثه، فهذه علامة
على أنه لا يريد إفشاءه، وتكون الأمَانَة فيها بكتمانها ([5])
عن أبي بكر بن محمّد بن بكر بن حزم قال: قال رسول اللّه صلّى
اللّه عليه وسلّم: «إنّما يتجالس المتجالسان بالأمانة ولا يحلّ لأحدهما أن يفشي علي
صاحبه ما يكره»).([6])
(إنما يتجالس المتجالسان) أي الشخصان الذي يجلس
أحدهما إلى الآخر للتحدث (بأمانة الله تعالى فلا يحل لأحدهما أن يفشي عن صاحبه ما
يخاف) من إفشائه.
قال
البيهقي فيه حفظ المسلم سر أخيه وتأكد الاحتياط لحفظ الأسرار لاسيما عن الأشرار
والفجار فاحذر أن تضيع أمانة استودعتها ، وتضييعها أن تحدث بها غير صاحبها فتكون
ممن خالف قول الله * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * [ النساء : 58 ] فتكون
من الظالمين وتحشر في زمرة الخائنين
وكان أبو سعيد الثوري يقول: إذا أردت أن تؤاخي رجلاً
فأغضبه ثم دس عليه من يسأله عنك وعن أسرارك، فإن قال خيراً وكتم سرك فاصحبه. وقيل
لأبي يزيد: من تصحب من الناس؟ قال: من يعلم منك ما يعلم الله ثم يستر عليك كما
يستره الله.
رابعا الجوارح:
أحبتي في الله:
ومن الأمانات التي استأمننا الله تعالى عليها جوارحنا فالسمع والبصر والفؤاد كلها أمانات
واجب عليك حفظها من أن تستعملها في معصية الله تعالى................................
وحفظها يكون بكفِّها عن العدوان على
أصحاب الحقوق، وبحفظها عن معصية الله فيها، وبتوجيهها للقيام بما يجب فيها مِن
أعمال، فاستراق السَّمع خيانة، واستراق النَّظر إلى ما لا يحلُّ النَّظر إليه
خيانة، واستراق اللَّمس المحرَّم خيانة قال الله
تعالى { وَلَا تَقْفُ
مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ
أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]
(ومِن معاني الأمَانَة أن تنظر إلى
حواسك التي أنعم الله بها عليك، وإلى المواهب التي خصَّك بها، وإلى ما حُبيت مِن
أموالٍ وأولادٍ، فتدرك أنَّها ودائع الله الغالية عندك، فيجب أن تسخرها في قرباته،
وأن تستخدمها في مرضاته. فإن امتُحِنتَ بنقص شيء منها فلا يستخفَّنَّك الجزع
متوهمًا أنَّ ملكك المحض قد سُلب منك، فالله أولى بك منك. وأولى بما أفاء عليك وله
ما أخذ وله ما أعطى. وإن امتُحِنتَ ببقائها فما ينبغي أن تجبن بها عن جهاد، أو
تفتتن بها عن طاعة، أو تستقوي بها على معصية. قال الله عزَّ وجلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ
وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ
أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ
عَظِيمٌ [الأنفال: 27-28] )
خامسا أمانة الأبناء:
إخوة الإسلام: و من الأمانات أيضا
الأبناء فهم أمانة عند الآباء و الأمهات فالله تعالى سائلكم عن أبنائكم عن تربيتهم
التربية الإسلامية ووقايتهم من كل عمل يقربهم من نار جهنم قال الله تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا
أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6]
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة)
قال: قال: يقيهم أن يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليهم بأمر
الله يأمرهم به ويساعدهم عليه، فاذا رأيت لله معصية ردعتهم عنها، وزجرتهم عنها.
عن أَنس بن مالك، أنَّ رسولَ الله -
صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راع عمّا استرعاه: حفظ أَم
ضيّع؟! حتّى يسأل الرَجل عن أَهل بيته".([7])
قال القاضي أبو بكر بن العربي -رحمه
الله-: إن الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل
نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش وقابل لكل ما يُمَال به إليه، فإن عُوِّد الخير وعلمه
نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة يشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن
عُوِّد الشر وأهمل شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيِّم به والوالي عليه. ومهما
كان الأب يصون ولده من نار الدنيا فينبغي أن يصونه من نار الآخرة وهو أولى،
وصيانته بأن يؤدبه ويهديه ويعلمه محاسن الأخلاق ويحفظه من قرناء السوء. انتهى
كلامه رحمه الله.
سادسا: أمانة الودائع:
اعلموا-علمني الله و إياكم و زادني الله وغياكم
علما -: أن من الأمانات الودائع المالية و غيرها التي يؤتمن عليها المسلم فواجب
عليه أن يحفظها و أن يردها إلى أصحابها والا يجحدها قال الله تعالى { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ
إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ
إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا }
[النساء: 58]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلَاثَةٌ مَنْ كُنَّ
فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ: إِذَا
حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ ". ([8])
وأداء الأمانات واجب، ولا سيما عند
طلبها من صاحبها، ومن لم يؤدها في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى
أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقْتَصَّ لِلشَّاةِ الْجَمَّاءِ مِنَ
الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ نَطَحَتْهَا».([9])
سابعا: الأمَانَة في
الولاية:
فمِن الأمَانَة في الولاية: تأدية
الحقوق إلى أهلها، وإسناد الأعمال إلى مستحقِّيها الأكفياء لها، وحفظ أموال
النَّاس وأجسامهم وأرواحهم وعقولهم، وصيانتها ممَّا يؤذيها أو يضرُّ بها، وحفظ
الدِّين الذي ارتضاه الله لعباده مِن أن يناله أحدٌ بسوء، وحفظ أسرار الدَّولة
وكلِّ ما ينبغي كتمانه مِن أن يسرَّب إلى الأعداء، إلى غير ذلك مِن أمور
والمناصب العامة أمانات مسؤولة، وهي من
بين أعلى مراتب الأمانة، والتفريط فيها بتسليمها لغير المؤهلين لها يُعَد خيانة
عظيمة. ولذلك لما سأل أبوذر رضي الله عنه – وهو من هو في الصلاح والزهد والعلم
والخُلق – الرسول – عليه السلام – لماذا
لا يستعمله ( أي يوليه وظيفة عامة ) ، قال له : (( يا أباذر! إنك ضعيف ، وإنها
أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها
)) رواه مسلم.([10])
وقد رُويت أحاديث تحذر من الخيانة في
تولية المناصب لغير الأكفاء تحذيراً شديداً وتُرهّب منه ترهيباً مخيفاً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى
عِصَابَةٍ، وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ، فَقَدْ
خَانَ اللَّهَ، وَرَسُولَهُ، وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ"،.([11])
ولمعرفة حكم العلماء على الحديث أنظر الحاشية *.
فأنت أيها الموظف مؤتمن على وظيفتك
وأنت أيها المعلم مؤتمن على طلبتك
كان العلامة يحيى المليكي المتوفى سنة
(678هـ) يدرّس في ذي جبلة في المدرسة الأشـرفية، ويبقى فيها العام الدراسي ما عدا
شهرين منه يعود فيهما إلى بلده، فكان يُعطَى مستحقه من الأجر على تدريسه لعام
كامل، ولكنه كان لا يأخذ إلا عن المدة التي كان يتصدر فيها للتدريس، ويعيد إلى
الناظر مستحق الشهرين، ولما قيل له: (افعل كما يفعل المدرسون الآخرون؛ فإنهم
يأخذون أجور السنة كاملة، مع أنهم يتخلفون عن التدريس أكثر من شهرين) فكان يجيب عليهم
بقوله تعالى: ﴿ قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ
﴾
[سبأ: 25].
وأنت أيها الطبيب مؤتمن على مرضاك
فالأمين من الأطباء من يحفظ مرضاه من
الأدوية الفاسدة أو الضارة ويداوي المرض كما ينبغي، وإلا أحاله إلى من عنده الكفاءة
العالية والأجهزة المناسبة لعلاج ذلك المرض.
والأمين من الأطباء من يتخذ هذه
الوظيفة عبادة لله، وخدمة للناس، ولا يسعى للكسب فيها من خلال الخيانة فيها
بالتجارة بأبدان الناس وغشهم.
وأنت أيها المهندس مؤتمن على عملك
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
قال: كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط، فمر بي رسول الله فقال: (يا غلام هل من
لبن؟ قال: قلت: نعم، ولكني مؤتمن، قال: فهل من شاة لم ينز –يثب- عليها الفحل؟
فأتيته بشاة فمسح ضـرعها فنزل لبن فحلبه في إناء فشـرب وسقى أبا بكر، ثم قال
للضـرع: اقلص فقلص –اجتمع- قال: ثم أتيته بعد هذا فقلت: يا رسول الله علمني من هذا
القول، قال: فمسح على رأسي وقال: يرحمك الله؛ فإنك غليم معلم) ([12])
ثامنا: مالك أمانة:
إخوة الإيمان: و من الأمانات التي
استأمننا عليها رب الأرض و السمات المال فهو أمانة في يد مالكه فيجب عليه أن ينفقه
فيما احل الله و أن يتصدق على الفقراء و المساكين لأننا مستخلفين فيه كما قال
تعالى : ﴿ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ [الحديد: 7]، وما
دام الإنسان قد استَخلَفه الله تعالى على هذا المال فلا بُدَّ أنْ يَضَعَه أو يتصرَّف
فيه حيث أمَرَه مالِكُه، وإلا فسوف يكون مسؤولاً عن ضَياعه أو تقصيره في المحافظة
عليه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسَةٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ,
وَشَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ , وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ
أُنْفِقَهُ , وَعَنْ مَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ ".([13])
وما دام الإنسان سيُسأَل عن هذا المال
من أين اكتسَبه وفيمَ أنفقه فلا بُدَّ أنْ يكون كسبُه حَلالاً، وإنفاقُه في طاعة
الرحمن، ساعتَها يكون المال نعمةً عليه ويُغبَط بهذه النِّعمة.
تاسعا: من الأمانة توفية
الكيل والميزان، والأمانة في البيع والشراء:
أحبتي الكرام :و من الأمانات التي
شرعها رب الأرض و السماوات الأمانة في الكيل و الميزان و أن يوفي البائع الكيل و ألا
يبخس المشتري شيئا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " ...... ثُمَّ
قَالَ: الصَّلَاةُ أَمَانَةٌ، وَالْوُضُوءُ أَمَانَةٌ، وَالْوَزْنُ أَمَانَةٌ،
وَالْكَيْلُ أَمَانَةٌ، وَأَشْيَاءُ عَدَّدَهَا، وَأَعْظَمُ ذَلِكَ الْوَدِائِعُ
" فَأَتَيْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ فَقُلْتُ: أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ؟ قَالَ: كَذَا " قَالَ، كَذَا قَالَ، صَدَقَ أَمَا سَمِعْتَ
يَقُولُ اللهُ: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ
تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] "([14])
و قال الله تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ
وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ﴾ [الأنعام: 152].
قال تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا
كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ﴾ [الإسراء: 35].
عاشرا: الحياة الزوجية أمانة:
و أخيرا أيها الأحباب إن من الأمانات
التي ضيعها كثير من الرجال و النساء إفشاء الأسرار الزوجية و نقلها خارج البيت
فتسمع المرأة في المواصلات تفشي أسرار بيتها و ما يحدث في بيتها و تسمع من الرجل
يتحدث بما عمل مع زوجته و يفشي سرها و ذلك من اعظم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ عِنْدَ اللَّهِ الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى
امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا».([15])
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي
ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
أما بعد: ..................
خطورة تضيع الأمانة:
إخوة الإسلام إن تضييع الأمانة بشكاله سبب من أسباب
ضياع الأمة و فساد المجتمع و هو دليل على ضعف الإيمان بالله واليك بيان ذلك :
فضَياع الأمانة دليلٌ
على ضَياع الإيمان أو نُقصانه:
الذي يضيع الأمانة ضعيف الإيمان ضعيف
الصلة بالملك الديان جل في علاه ....فقد أخرج الأمام أحمدُ من حديث أنسٍ رضِي الله
عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا إيمانَ لِمَن لا أمانةَ له،
ولا دِين لِمَن لا عهدَ له))([16])
يقول عروة بن الزبير رضِي الله عنه:
"ما نقصت أمانةُ الرجل إلا نقص إيمانُه".
وضَياع الأمانة من
عَلامات النفاق:
و احذروا من تضييع الأمانة لان ذلك من
علامات و دلائل النفاق كما بين لنا ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أخرج البخاري
ومسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " ثَلَاثَةٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ، وَإِنْ
صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ
أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ ". ([17])
وضَياع الأمانة دليلٌ
على فساد الزمان:
إخوة الإسلام: إن الذي يتأمل في
أحوالنا يرى أننا قد ضيعنا الأمانة فنحن في سنوات خداعات كما اخبرنا سيد الكائنات
صلى الله عليه وسلم
فقد أخرج الإمام أحمد وابن ماجَهْ عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ يُصَدَّقُ فِيهَا
الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ،
وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَتَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ» قِيلَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ يَنْطِقُ فِي
أَمْرِ الْعَامَّةِ».([18])
وأخرج الأمام أحمدُ وابن ماجه عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ، يُغَرْبَلُ
النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً، وَتَبْقَى حُثَالَةٌ مِنَ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ
عُهُودُهُمْ، وَأَمَانَاتُهُمْ، فَاخْتَلَفُوا، وَكَانُوا هَكَذَا؟» ، وَشَبَّكَ
بَيْنَ أَصَابِعِهِ، قَالُوا: كَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ
ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَأْخُذُونَ بِمَا تَعْرِفُونَ، وَتَدَعُونَ مَا تُنْكِرُونَ،
وَتُقْبِلُونَ عَلَى خَاصَّتِكُمْ، وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَوَامِّكُمْ»([19])
ضَياع الأمانة علامةٌ من
علامات الساعة:
والناظر إخوة الإسلام في أحوالنا ليرى
ما اخبر به نبينا كم من إنسان يوسد إليه الأمر و هو ليس من أهله و لا يستحق و يبعد
من هو افضل منه علما و خبرة و دينا فذلك هو تضييع الأمانة
فقد أخرج البخاري عن أبي هُرَيرة رضِي
الله عنه قال: بينما النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مجلسٍٍ يُحَدِّثُ القوم
جاء أعرابيٌّ فقال: متى الساعة؟ فمضى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يحدثُ،
فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمعْ. حتى إذا قضَى
حديثه فقال: ((أينَ أراهُ السَّائِلُ عن الساعِة؟)) قال: ها أنا يا رسول الله،
قال: ((فإذا ضُيِّعَتِ الأمانَةُ فانتَظِرِ الساعة))، قال: كيف إضاعتها؟ قال:
((إذا وُسِّدَ الأمرُ إلى غيِر أهْلِهِ فانتَظِرِ الساعة)).([20])
الدعاء
.................................................
[1] - أخرجه ابن أَبي شَيْبَة 9/55 (26444)
[2] - أخرجه الطبرانى فى الأوسط (1/213، رقم 689) . صحيح الجامع (
5835) وعدى 3/982
[3] - صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 1763 , 2995
[4] - أخرجه أبو داود الطيالسي في المسند، ص 242 - 243، الحديث (1761)،
وأخرجه أحمد في المسند 3/ 379 - 380، وأخرجه أبو داود في السنن 5/ 188 - 189، كتاب
الأدب (35)
[5] - شرح سنن أبي داود - عبد المحسن العباد - (1 / 2)
[6] - مصنف
عبد الرزاق (13/ 22) برقم (1979)،
[7] - مستخرج أبي عوانة برقم( 5684) وابن حبان برقم( 4569و4570 ) وفتح
الباري 113/13 وقال : إسناده صحيح والسلسلة الصحيحة برقم( 1636) وهو صحيح
[8] - وأخرجه أحمد 2/397 و536، ومسلم "59" "110"، وأبو
عوانة 1/21، وابن منده "530"،
[9] - أخرجه أحمد 2/323 و372 و411، والبخاري في "الأدب المفرد"
"183"، ومسلم"2582" في البر والصلة: باب تحريم الظلم
[10] - أخرجه مسلم رقم (1826) في الإمارة، باب كراهية الإمارة بغير ضرورة،
وأبو داود رقم (2868
[11] - رواه العقيلي في "الضعفاء" (90) و (1/ 248 - ط) ، وابن أبي
عاصم في "السنة" (2/ 126/ 1462) ، وابن عدي (95/ 1) و (2/ 352 - ط)
[12] - حسن صحيح ـ ((الروض النضير)) (652)
[13] - سنن الترمذي (2416) وقال: حديثٌ غريب، وحسَّنَهُ له في صحيح الجامع
(7299).
[14] - صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 1763 , 2995
[15] - أخرجه مسلم (1437) (124) ، وأبو داود (4870)
[16] - أخرجه أحمد (19/ 376)
ابن حبان (1/422، رقم 194) .
[17] - وأخرجه أحمد 2/397 و536، ومسلم "59" "110"، وأبو
عوانة 1/21، وابن منده "530"،
[18] - أخرجه أحمد (2/291، رقم 7899) ، وابن ماجه (2/1339، رقم 4036)
[19] - أخرجه أبو داود (4343)، والنسائي في "الكبرى" (9962) صحيح الجامع (4594)
[20] - أخرجه أحمد 2/316 (8714) والبخاري" 1/23 (59) و8/129 (6496)
تعليقات
إرسال تعليق