اليواقيت العَشرة من حُسن العِشْرة.pdf
اليواقيت العَشرة
من حُسن العِشْرة
السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد: ........ إخوة الإسلام حياكم الله وبياكم
وجمعني الله وإياكم في الدنيا على طاعته وفي الأخرة في مستقر رحمته .... حديثنا
اليوم " اليواقيت العَشرة من حُسن العِشْرة" فهيا لنلتقط تلك اليواقيت
من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم –فأعيروني القلوب والأسماع
..........................
أولا- تعريف حسن العشرة : اعلموا يبارك الله فيكم :أن حسن العشرة من أولى
الأخلاق بأن تنجذب النفوس إلى صاحبه، وتتلهّف الأرواح على الاقتراب من المتحلّي
به؛ وذلك لأنه لا يتّصف به إلا من اجتمعت له أنواع من الشّيم النبيلة من صبرٍ
وحلمٍ وكرمٍ وسلامةِ صدرٍ، ورجاحةِ عقلٍ، وغيرها، والقلوبُ مجبولةٌ على حُبِّ من
أحسن إليها، وربّما تحوّل البغض العارم إلى مودةٍ صافيةٍ بسبب الإحسان، ولين
الجانب، وحسن العشرة، قال الله تبارك وتعالى: (ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ
وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
أن من حسن العشرة أن يكون الإنسان موطّأ الأكناف يألفُ
ويؤلفُ، وهذا من أوصاف المؤمن الأكمل إيماناً، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحَاسِنُهُمْ أَخْلَاقًا،
الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ، أخرجه الطبراني
([1])،
وفسّر العلماء قوله: "الموطؤون أكنافاً" بأن جوانبهم وطيئة يتمكّنُ فيها
من يصاحبهم ولا يتأذى، فمن لم يكن حسن العشرة لم يألف ولم يُؤلف، ولم يوطَّأ كنفه.
ثانيا: حُسن العشرة مع الوالدين:
اعلموا عباد الله-أن حُسن العشرة مع الوالدين من أعظم
الأمور التي أمرنا بها الإسلام وحضنا عليها لأنهما من أعظم الناس حبا وعطفا ورقة
وحنانا على أبنائهم لذا كان من رد الجميل الاعتراف بجميلهما والإحسان إليهما فقال
سبحانه وتعالى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي
إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
[البقرة: 83]
يقول الأمام الشوكاني – رحمه الله – في تفسيره هذه الآية:
والإحسان إلى الوالدين: معاشرتهم بالمعروف، والتواضع لهما وامتثال أمرهما، وسائر
ما أوجبه الله على الولد لوالديه من الحقوق. أ . هـ.
وقال الإمام البغوي –رحمه الله -في تفسيره هذه الآية: أي
ووصيناهم بالوالدين إحسانا، برا بهما وعطفا عليهما ونزولا عند أمرهما ، فيما لا يخالف أمر الله . أ . هـ
وقد حث النبي (صلى
الله عليه وسلم) أصحابه على حسن مصاحبة الوالدين، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال : جاء رجل
إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : يا رسول الله : من أحق بحسن صحابتي ؛
قال : أمك ، قال ثم من ؛ قال : أمك ؛ قال : ثم من ؛ قال : أمك ؛ قال : ثم من ، قال
: أبوك . (([2]))
وقال رجل لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-أن أُمّا بلغ
منها الكبر أنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري مطية لها ، فهل أديت حقها ؛ قال : لا
لأنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءك ، وأنت تصنعه وتتمنى فراقها . فالأم تنظف
ولدها وتزيل عنه الأقذار، غير مشمئزة ولا متأففة، فإذا تقدمت بها السن وحل بها
الضعف واضطر إلى تنظيفها، يوما متعض وجهه وستقذرت نفسه فأين من حنانها حنانه ؟ (([3]))
ثالثا: حُسن العشرة مع الزوجة: إخوة الإسلام ومن
يواقيت حسن العشرة الإحسان إلى الزوجة ومعاشرتها بالمعروف، قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ
فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}
[النساء:19].
وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن
يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة.([4])
وقال الله
تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً
وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].
- وروى البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ رضي الله تعالى
عنه قَالَ: "خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ثُمَّ
ذَكَرَ النِّسَاءَ فَوَعَظَ فِيهِنَّ ، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِلَامَ
يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ، وَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا
مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ ؟»".([5])
وروى الترمذي عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ،
وَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِمْ»([6])
عَن أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:{مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ
مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ
تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا
بِالنِّسَاءِ خَيْرًا} ([7])
عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه
وسلّم قالت: دخل الحبشة المسجد يلعبون، فقال لي: يا حميراء، أتحبّين أن تنظري
إليهم؟» فقلت: نعم، فقام بالباب، وجئته، فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى
خدّه، قالت، ومن قولهم يومئذ:
أبا القاسم طيّبا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
حسبك.
فقلت: يا رسول الله، لا تعجل، فقام لي، ثمّ قال:
حسبك. فقلت: لا تعجل يا رسول الله، قالت: ومالي حبّ
النّظر إليهم، ولكنّي أحببت أن يبلغ النّساء مقامه لي، ومكاني منه)([8])
رابعا: حُسن العشرة مع الزوج:
ومن يواقيت حُسن العشرة أن تحسن المرأة العشرة مع زوجها وتعترف
بفضله وأن تعرف له حقه فقد حَذرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة من أن تكفرَ
العشير أي تُنكر فضلَ الزوج عليها ففي الحديث الصحيح عَنْ جَابِرٍ: ":
«تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ مِنْ حَطَبِ جَهَنَّمَ» فَقَامَتِ امْرَأَةٌ
مِنْ سِفْلَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ
اللهِ؟ فَقَالَ: «إِنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشِّكَايَةَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ»
فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ بِخَوَاتِيمِهِنَّ وَقَلَائِدِهِنَّ، وَأَقْبَلْنَ
يُعْطُونَهُ بِلَالًا يَتَصَدَّقُ بِهِ "([9])
والعشير هو الزوج والمعنى أنَّ أكثرَ ما هو سبب لدخولهنَّ النّار كونهن يكثرنَ من
اللعن بغير حق ومنهنَّ من يُكثرنَّ كُفرانَ عشرة الزوج وإحسَانه، فلو أحسنَ إلى
إحداهنَّ الدهر ثم رأتْ منه شيئا قالت: ما رأيتُ منكَ خيراً قط!!
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ
كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ
تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا لِمَا عَظَّمَ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ عَلَيْهَا» ([10])معناه
سجودَ تحية واحترام وليس عبادة ولكن حتى هذا السجود الذي للإحترام حَرمَّهُ رسول
الله على أمته، ولو كانَّ حلالاً لكانَ أولىَ الناس بفعلهِ المرأةُ لزوجها.
خامسا: حسن العشرة مع الأولاد:
أُمة الحبيب المحبوب حبيب علام الغيوب-صلى الله عليه وسلم-:
ومن يواقيت حُسن العشرة أن تعامل أبنائك وبناتك بلطف و لين و أن تكون رحيما بهم عطوفا عليه وكما
أن اللعب حق لهم فإن الحنان والعطاء والرحمة من حقوقهم.
عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قَبَّل رسول الله
الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسًا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من
الولد ما قبَّلْتُ منهم أحدًا، فنظر عليه رسول الله ثم قال من لا يَرْحَم لا
يُرْحَم.
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَتُقَبِّلُونَ
الصِّبْيَانَ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَمَا أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ
مِنْ قَلْبِكَ"([11])
وتأملوا أيها
الأحباب إلى حسن عشرة النبي الاواب – صلى الله عليه وسلم مع الأطفال الصغار عَنْ
خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ
سَعِيدٍ قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ
أَبِي وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " سَنَهْ سَنَهْ " قَالَ عَبْدُ اللهِ وَهِيَ بِالْحَبَشَةِ:
حَسَنَةٌ، قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ فَزَبَرَنِي
أَبِي، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَعْهَا
" ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ: " أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي
وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي " قَالَ عَبْدُ اللهِ فَبَقِيَتْ
حَتَّى ذَكَرَ ([12]).
( فبقيت حتى ذكر ) عاشت أم خالد حتى ذكر الراوي زمنا
طويلا نسي طول مدته ويروى ( حتى ذكرت ) أي صارت مذكورة عند الناس لخروجها عن
العادة .
من جميل عشرته
صلى الله عليه وسلم ذلك المشهد الذي رواه البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحٍ
فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ أَصْغَرُ الْقَوْمِ وَالأَشْيَاخُ عَنْ
يَسَارِهِ فَقَالَ يَا غُلاَمُ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ الأَشْيَاخَ قَالَ
مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللهِ فَأَعْطَاهُ
إِيَّاه.([13]).
عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: ما رأيت
أحدا أشبه سمتا ودلّا وهديا برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم قالت: وكانت إذا دخلت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قام
إليها فقبّلها وأجلسها في مجلسها، فلمّا مرض النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخلت
فاطمة فأكبّت عليه فقبّلته، ثمّ رفعت رأسها فبكت، ثمّ أكبّت عليه، ثمّ رفعت رأسها
فضحكت فقلت: إن كنت لأظنّ أنّ هذه من أعقل نسائنا فإذا هي من النّساء، فلمّا توفّي
النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قلت لها: أرأيت حين أكببت على النّبيّ صلّى الله
عليه وسلّم فرفعت رأسك فبكيت، ثمّ أكببت عليه، فرفعت رأسك فضحكت، ما حملك على ذلك؟
قالت: إنّي لبذرة ([14])
أخبرني أنّه ميّت من وجعه هذا فبكيت ثمّ أخبرني أنّي أسرع أهله لحوقا به فذاك حين
ضحكت)([15])
سادسا: حُسن العشرة مع الجيران:
ومن يواقيت حُسن
العشرة أيها الأحباب: الإحسان إلى الجيران فقد أوصانا النبي-صلوات الله وسلامه
عليه وعلى آله- في أكثر من حديث شريف بحسن الجوار والعشرة الطيبة،
عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ،»([16])،
فربط النبي- صلى الله عليه وآلة وسلم- بين الإيمان بالله واليوم الآخر، وبين إكرام
الجار يدل على أنه من لوازم الذى يؤمن بالله واليوم الآخر أن يكرم جاره، وأن يوده
وأن يتفقد أحواله ويمد له يد العون، ويواسيه في مصائبه ويهنئه في أفراحه، فألذى لا
يكرم جاره يكون في إيمانه نقص وخلل،
ومن حرص النبي-صلى الله عليه وآلة وسلم-على حقوق الجيرة،
فقد شدد على ضرورة تفقد أحوال الجيران ومد يد العون إليهم، فقال: «ليس بمؤمن من
بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم».([17])
لذلك قد يكون الإتيكيت والآداب النبوية فى التعامل مع
الجيران من أسباب دخول الجنة، وإيذاؤهم من أسباب دخول النار- والعياذ بالله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ،
إِنَّ فُلَانَةَ، ذَكَرَ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وصيامها، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي
جيرانها بِلِسَانِهَا؟ قَالَ: "هي فِي النَّارِ"، قَالَ: يَا رَسُولَ
اللهِ، إِنَّ فُلَانَةَ، ذَكَرَ مِنْ قِلَّةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا، وَإِنَّهَا
تَصَدَّقَتْ بِأَثْوَارِ أَقِطٍ، غَيْرَ أَنَّهَا لَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا؟ قَالَ:
"هِيَ فِي الْجَنَّةِ».([18])
سابعا: حسن العشرة الأخوات:
معاشر الموحدين:
و من يواقيت حُسن العِشرة حسن العشرة بين الإخوة والأخَوات، بأداء الإحسان ببعضِهم
على بعضٍ، والأدبِ في القولِ والمُعاملَة؛ الصغيرُ يحترِمُ الكبير، والكبيرُ يرحمُ
الصغير، حتى تسُودَ المحبَّةُ، وتزدادَ المودَّة، وتستقرَّ الأُلفَة، وتُظلِّلَهم
السعادة، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: (قَالَ
رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي أُمًّا وَأَبًا , وَأَخًا وَأُخْتًا ,
وَعَمًّا وَعَمَّةً , وَخَالًا وَخَالَةً، فَأَيُّهُمْ أَوْلَى إِلَيَّ
بِصِلَتِي؟) (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " يَدُ
الْمُعْطِي الْعُلْيَا , وَابْدَأ بِمَنْ تَعُولُ , أُمَّكَ وَأَبَاكَ ,
وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ , ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ "([19]).
إن الواصل لرحم إخوته أخواته من يقابل الإساءة بالإحسان
والقطيعة ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْوَاصِلُ
بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إِذَا انْقَطَعَتْ رَحِمُهُ
وَصَلَهَا»([20]).
ونبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - كان وحيدَ
أَبَوَيه، ولكن كان له إخوة من الرضاعة، ووقَعَ له قصة مع أخته الشيماء بنت
الحارث، حين وقعتْ في الأَسْر مع بني سعد، قالتْ: يا رسول الله، إني أُختك من
الرضاعة، قال: وما علامة ذلك؟ قالتْ: عضة عضضتَنيها في ظهْري وأنا مُتَوركتُك،
فعرَفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العلامة، فبسطَ لها رداءَه، فأجْلَسَها
عليه وخيَّرها، وقال: ((إنْ أحببتِ فعندي مُحَببة مُكرمَة، وإنْ أحببتِ أن
أُمتِّعك وترجعي إلى قومك فعلتُ))، فقالتْ: بل تُمتِّعني وتردُّني إلى قومي،
فنحلَها غلامًا وجارية، وردَّها إلى قومها، وفي رواية قال لها: ((سَلِي تُعْطَي،
واشْفَعَي تُشَفَّعي)). (([21]))
وصِلة الأخت بالمال والهدية أَوْلَى من الصدَقة على
غيرها، ولَمَّا استشارت ميمونة - رضي الله عنها - رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- في جارية تريد عِتْقَها، قال لها: ((أَعْطِيها أُخْتَكِ، وَصِلِي بها رَحِمَكِ،
ترعى عليها؛ فإنه خَيْرٌ لَكِ))؛ رواه مالك مُرسلاً.
ثامنا: حسن العشرة مع الأصدقاء:
أحبتي في الله: ومن
يواقيت حُسن العشرة أن يحسن إلى أصدقائه ويعينهم إذا احتاجوا و أن يصلهم بمعروفه و
أن يكون عونا لهم عند الشدائد و المدلهمات و ألا ينسى فضلهم و إحسانهم عليه
الأخوة تكافل مادي
لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه
كربه من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن
ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه
. ([22])
وعن هشام بن عروة عن
أبيه قال : أسلم أبو بكر وله أربعون ألفا فأنفقها في سبيل الله ، وأعتق سبعة كلهم
يعذب في الله ، أعتق بلالا وعامر بن فهيرة ، وزينرة والنهدية وابنتها وجارية بني مؤمل وأم عبيس .
وقال الله تعالى {وَسَيُجَنَّبُهَا
الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ
مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20)
وَلَسَوْفَ يَرْضَى } [الليل: 17 - 21]
عن إسحاق بن سعيد الأموي عن أبيه قال : كان سعيد بن عياض يدعو جيرانه
وجلسائه في كل جمعة فيصنع لهم الطعام ويكسوهم الثياب فإذا أرادوا أن يتفرقوا أمر
لهم بالجوائز وبعث إليهم .(([23]))
عن أبي عمرو الثمالي قال : قدم الأشعث بن قيس من مكة
فلما صلى الفجر أمرهم فأخذوا بأبواب المسجد ، فأمر لكل من في المسجد بحلة ونعلين
.) ([24])
أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم لي و لكم فاستغفروه
إن الله غفور رحيم
الخطبة الثانية
أما بعد: ...........................................
تاسعا: حُسن العشرة من الخدم والأجراء:
أيها الإخوة والكرام: إن من جميل يواقيت حسن العشرة أن
يحسن المسلم معاملة الخدم و ألا يسيء اليهم و أن يطعمهم مما يأكل و يلبسهم مما
يلبس قال الْمَعْرُورُ بْنَ سُوَيْدٍ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ
وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ:
إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَشَكَانِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ "؟ ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ إِخْوَانَكُمْ
خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ
يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا
تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ
فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ آدَمَ،([25])
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَأَنَا ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ، فَانْطَلَقَتْ
بِي أُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا ابْنِي اسْتَخْدِمْهُ. " فَخَدَمْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي
لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا، وَمَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ لَمْ
أَفْعَلْهُ: أَلَا فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا "
وَأَتَانِي ذَاتَ يَوْمٍ وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ
الْغِلْمَانِ - أَوْ قَالَ: مَعَ الصِّبْيَانِ - فَسَلَّمَ عَلَيْنَا ثم دَعَانِي
فَأَرْسَلَنِي فِي حَاجَةٍ، فَلَمَّا رَجَعْتُ. قَالَ: " لَا تُخْبِرْ
أَحَدًا "، فَاحْتَبَسْتُ عَلَى أُمِّي، فَلَمَّا أَتَيْتُهَا قَالَتْ: يَا
بُنَيَّ، مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ لَهُ، قَالَتْ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: إِنَّهُ قَالَ: "
لَا تُخْبِرْن بِهَا أَحَدًا ". قَالَتْ: أَيْ بُنَيَّ، فَاكْتُمْ عَلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرَّهُ. .([26])
وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: بَيْنَا
أَنَا أَضْرِبُ غُلَامًا لِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ وَرَائِي: " اعْلَمْ
أَبَا مَسْعُودٍ " ثَلَاثًا. فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " وَاللهِ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ
مِنْكَ عَلَى هَذَا " قَالَ: فَحَلَفْتُ أَنْ لَا أَضْرِبَ مَمْلُوكًا
أَبَدًا"([27])
(عن عائشة- رضي الله عنها- قالت ما ضرب رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم شيئا قطّ بيده ولا امرأة ولا خادما إلّا أن يجاهد في سبيل الله،
وما نيل منه منه شيء قطّ، فينتقم من صاحبه إلّا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم
لله- عزّ وجلّ-»([28])
عاشرا:
حُسن العِشرة مع الضعفاء واليتامى والأرامل:
أمة الإسلام : ومن يواقيت حسن العشرة ،حُسن
عِشرة الضعفاء والمساكين بخدمتهم بالمال والوقت والمشاعِر، يُخفِّفُ عنهم
مُصابَهم، يُسلِّيهم على الفَجيعة، يصونُ وجههم عن السؤال، ويُغنيهم عن
الاستِجداء، ويسُدُّ جوعتَهم، ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ
وَالْمَسَاكِينَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ " - قَالَ أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ -: " أَحْسِبُهُ قَالَ: كَالْقَائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ
وَكَالصَّائِمِ الَّذِي لَا يُفْطِرُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ ».([29])
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا
وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ
وَالْوُسْطَى "([30])
قال بن بطال حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون
رفيق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من
ذلك. أهـ
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (لأن أعول أهل بيت من
المسلمين شهرًا، أو جمعة، أو ما شاء الله، أحب إلي من حجة، ولطبق بدرهم أهديه إلى
أخ في الله أحب إلي من دينار أنفقه في سبيل الله) ([31]).
يروى أن أبا بكر -رضي الله عنه - عندما تولى خلافة
المسلمين بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بالناس صلاة الفجر، ثم
ينسل من بين الصف ويخرج، لا يدرى أين يذهب؟ فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -:
(والله! إن لأبي بكر خبيئًا من عمل صالح) -أي أنه يعمل عملاً صالحًا لا يريدنا أن
نراه فيه أو نطلع عليه-وذات يوم صلى أبو بكر بالناس صلاة الفجر ثم خرج؛ فتبعه عمر
وقال: (والله، لأرمقنه فلأرين ماذا يصنع؟ ).
فخرج أبو بكر من أطراف المدينة، وتبعه عمر، فإذا بأبي
بكر يدخل بيت شعر قديم، يكاد أن يسقط من البلى على رءوس أصحابه.
ادَّرع عمر خلف صخرة ساعة من نهار، فإذا بأبي بكر يخرج
من البيت ليتبعه عمر فيدخل فيه، فإذ به يجد امرأة عجوزًا هرمة مقعدة عمياء، فقال
لها: من أنت؟ ومن هذا الرجل الذي يأتيك؟
قالت: أنا أمة من إماء الله، وهذا رجل من المسلمين
يأتيني كل صباح، يقم بيتي، ويعجن عجيني، ويحلب شاتي، ويقوم على مصلحتي، ويدفع عني
الأذى، ويذهب والله لا أعرفه، والله .... إنه لخير من أبي بكر خليفة رسول الله!
عند ذلك ضرب عمر كفًّا بكفٍ، وقال: أتعبت الخلفاء بعدك
يا أبا بكر! من يطيق ما تطيق؟ من يستطيع أن ينافسك في خير؟ أو يسابقك إلى قربى؟ أو
يمشي أمامك إلى طاعة؟
الدعاء
..............................................................
([2]) - أخرجه البخاري ( 4 / 108 )رقم 5971و أخرجه في " الأدب المفرد " ( رقم 5 ، 6 ) ومسلم
( 7 / 2 ، 3 ).
([7]) أخرجه البخاري في كتاب النكاح باب
الوصاة بالنساء رقم (4890) وأخرجه مسلم في كتاب الأيمان برقم (47) وفي كتاب الرضاع
برقم ((1468)
([9]) - أخرجه الإمام أحمد في المسند
(3/318) رقم14420، ومسلم في الصحيح (2/603) رقم 4_855 والنسائي في المجتبى (3/186)
([18]) أحمد (2/ 440) . والبزار وابن حبان
في صحيحه رقم (5764) ، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. وذكره الهيثمي في مجمع
الزوائد (8/ 169) وقال: رجاله ثقات
([19]) , (أخرجه أحمد ) 7105 , (وابن حبان
3341 , (و الحاكم ) 7245 , وحسنه الألباني في الإرواء: 2171، وصَحِيحِ الْجَامِع:
8067
تعليقات
إرسال تعليق