عناية الإسلام بالنشء.pdf



عناية الإسلام بالنشء

الشيخ السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا معاشر الموحدين حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون الأغر عن عناية الإسلام بالنشء، فأعيروني القلوب والأسماع

اعلموا علمني الله و إياكم: أن الأبناء أمانة من أخطر وأعظم الأمانات التي حملها الله تعالى للآباء و الأمهات و الله تعالى أمرنا في غير آية من كتابه بحفظ الأمانة و حذرنا من تضييعها فقال الله تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا .. }{النساء58}

و أنت أيها الوالد مطالب أن تقي نفسك و زوجتك و أبنائك نار حر ها شديد و قعرها بعيد و مقامعها من حديد يقول الله تعالى  { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ...} (6) (التحريم)

عن علي t  أنه قال في الآية: علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم، والمراد بالأهل على ما قيل: ما يشمل الزوجة والولد والعبد والأمة.

واستدل بها على أنه يجب على الرجل تعلم ما يجب من الفرائض وتعليمه لهؤلاء، وأدخل بعضهم الأولاد في الأنفس لأن الولد بعض من أبيه، وفي الحديث " رحم الله رجلاً قال: يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم لعل الله يجمعكم معه في الجنة "([1]) وقيل: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة من جهل أهله. ([2])

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } قال : اعملوا بطاعة الله ، واتقوا معاصي الله ، وأمروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله : { قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } قال : أوصوا أهليكم بتقوى الله .

يقول ابن القيم-رحمه الله- : ( وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه ، فأضاعوهم صغاراً ، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً ، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال : يا أبتِ إنك عققتني صغيراً ، فعققتك كبيراً ، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً ) [[3]]

أولا :التنشئة العقدية : وهي: أن تربط ابنك بأصول الدين ، بأركان الإيمان ، بأركان الإسلام ، بحقائق النبوات ، بمنهج رسول الله r، بتفسير القرآن ، بسيرة الصحابة الكرام التربية الإيمانية أن تغرس فيه حقائق الإيمان ، إما أنت ، أو أمه ، أو معلم آخر ، أو معهد شرعي ، لأنه لو أمكن أن تعتقد ما تشاء وأن تكون ناجياً اعتقد ما تشاء ، ولكن ما من تصور غير صحيح إلا وينعكس سلوكاً خاطئاً ، يعني الإيمان بأسماء الله الحسنى ، وصفاته الفضلى ، الإيمان بالكتب المنزلة ، فهم كلام الله ، فهم القضاء والقدر ، خيره وشره من الله تعالى .([4])

إن المتأمل في المنهج النبوي في التربية الإيمانية يجده ينبثق من القران الكريم حيث اقتدى النبي r بالأنبياء من قبله فهذا إبراهيم -عليه السلام- يلقن أبنائه عقيدة الاستسلام لأوامر الله –تعالى- ﴿‌وَمَنْ ‌يَرْغَبُ ‌عَنْ ‌مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٣١) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة: 130-133] 

و سار على دربه يعقوب -عليه السلام-كما قال-تعالى-: ﴿‌أَمْ ‌كُنْتُمْ ‌شُهَدَاءَ ‌إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة: 133] 

و ها هو المولى -جل في علاه-يذكرنا بوصية لقمان لابنه فيقول تعالى ﴿‌وَلَقَدْ ‌آتَيْنَا ‌لُقْمَانَ ‌الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)

و قد خبرنا النبي  r أن كل مولود يولد على الفطرة وتأتي قضية التغيير و التحريف من قبل الآباء و الأمهات

 عن الأعرج عن أبى هريرة قال: قال رسول الله r « كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس من جدعاء ». قالوا يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير قال « الله أعلم بما كانوا عاملين ».([5])

وتأمل كيف كان النبي r  كيف أنه كان يغرس العقيدة في نفوس الأبناء عن ابن عباس قال: كنت رديف رسول الله r  فقال : يا غلام ألا أعلمك شيئا ينفعك الله به ؟ قلت: بلى يا رسول الله قال: احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة إذا سألت فسل الله وإذا استعنت فاستعن بالله فقد جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة فلو جهد الخلائق أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم يقدروا على ذلك ولو جهد الخلائق أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا على ذلك) ([6])

ثانيا: العناية التعبدية:

إخوة الإيمان: ومن الواجبات التي فرط فيها وضيعها كثير من الآباء والأمهات التنشئة التعبدية فتركوا أبنائهم للشاشات والفضائيات والأفلام والمسلسلات فنشأ جيل يقبل على المقاهي والنوادي والطرقات واعرضوا عن بيوت رب الأرض والسماوات هجروا المساجد وعكفوا على المحرمات فنشأ جيل لا يعظم شعائر الله تعالى .......

إخوة الإسلام: إن الإسلام حرص على التنشئة التعبدية الكاملة المتكاملة فهيا لنرى صورا مشرقة

تنشئة الأبناء على الصلاة وتعظيمها:

أحباب الحبيب المحبوبr  :الصلاة من اعظم شعائر الله فهي الركن الثاني من أركان الإسلام و من حافظ عليها و أقامها فقد أقام الدين و من ضيعها فقد ضيع دينه لذا جاء الأمر من الله تعالى بها و حث الآباء على تنشئة أبنائهم عليها قال تعالى ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه: 132]؛ حيث أخبر الله تعالى أنه لا بد للمحافظة على الصلاة من الاصطبار، وهو أجلُّ وأرفع من مجرد الصبر،

وجاء في الحديث أيضًا أنَّ غرْسَ القِيَم الشرعيَّة، والشعائر التعبُّدية، إنما هو في الأصل على كاهل الأسرة المسلمة؛ من حديث عبد الملك بن الربيع بن سَبْرَة، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله r: "مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها" ([7])

يقول البيهقي: "وهذا شعار الصالحين ومن سلف من المسلمين، يعودون صبيانهم الصوم والصلاة والخير، حتى يتعوَّدوا ذلك"  ([8]) .

وقال المهلَّب: "في هذا الباب وضوء الصبيان وصلاتهم، وشهودهم الجماعات في النوافل والفرائض، وتدريبهم عليها قبل وجوبها عليهم؛ ليبلغوا إليها وقد اعتادوها وتمرنوا فيها" ([9]).

وإلى هذا المعنى أشار عبد الله بن مسعود في نصيحته الثمينة للآباء والمربين: «حافظوا على أولادكم في الصلاة، وعلموهم الخير، فإنما الخير عادة» ([10])

فتعويد الأطفال على العبادة من الصغر، وتدريبهم عليها؛ طريقٌ مجرَّب منصوحٌ به من الصحب والسلف.

بل فوق ذلك: كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يرى أن الصغير الذي لم يجرِ عليه القلم تُكتَبُ حسناته، ولا تُكتب عليه سيئات([11])

يقول حسين بن علي بن الحسين: دخل علينا أبي علي بن حسين ومعه محمد بن علي أبو جعفر, وأنا وجعفر في حائط لنا نلعب، فقال أبي لمحمد: «كم أتى على ابنك جعفر؟» قال: سبع سنين. قال: «فمُرْه بالصلاة»([12])

وأخرج البيهقي عن الحسن رضي الله تعالى عنه أن لقمان عليه السلام قال لابنه‏:‏ يا بني لا تكونن أعجز من هذا الديك الذي يصوت بالأسحار([13])، وأنت نائم على فراشك‏ ([14])  

تنشئة الأبناء على الصوم: والصوم : عبادة روحية جسدية في وقت واحد، يتعلم منها الصغير الإخلاص الحقيقي لله، ومراقبته وحده في السر، وتتربى إرادة الطفل بالبعد عن الطعام رغم الجوع، وعن الماء رغم العطش ([15])

وعبادةٌ بهذا القدر في الإسلام، مع كونها أحد أركانه؛ لم يكن الصحب والآل ليفوتهم محاولة تدريب أبنائهم وصغارهم عليها، وقد عَنْوَن البخاري في صحيحه لما ورد في هذا الباب بقوله: "باب صوم الصبيان"([16])

ومن أشهر ما ورد في هذا الباب: ما حكته الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ ابنِ عَفْراء رضي الله عنها في شأن صيام عاشوراء؛ حيث قالت: "أرسل رسول الله r غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار، التي حول المدينة: «من كان أصبح صائما، فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرا، فليتم بقية يومه» فكنا بعد ذلك نصومه، ونُصوِّم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار (أي: حتى يكون عند الإفطار) " ([17])

تنشئة الأبناء على محبة وحفظ القرآن:

أحباب رسول اللهr : ومن الأمور التي ينبغي على الآباء أن يهتموا بها و يربوا أبنائهم عليها تعظيم كتاب الله تعالى و حفظه و العمل بما فيها فالقران الكريم هو سر التفوق الدنيوي و الفوز الأخروي و لقد كان سلف هذه الأمة يهتمون بتعليم أبنائهم كتاب الله تعالى، يقول سعيد بن جُبير متحدِّثًا عن طائفة الصحابة والآل: «كانوا يحبون أن يكون يقرأ الصبي بعد حين» ([18])

 و ها هو حبر الأمة و ترجمان القران يحدثنا عن طفولته و عن رحلته مع القران الكريم  عبد الله بن عباس -رضي الله عنه -. يقول عن نفسه: «توفي رسول الله r وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأتُ المحكَم». فقال له سعيد بن جبير: وما المحكم؟ قال: «المفصَّل»([19])

ولذا حرص الصحب والآل على تعليم الصبيان القرآن، وبوَّب البخاري في «صحيحه» لهذا المعنى؛ فقال: "باب تعليم الصبيان القرآن" ([20])

 و يخبرنا ابن عباس -رضي الله عنه – عن أثر القران في حياة الأبناء قبل بلوغه: من قرأ القرآن قبل أن يحتلم؛ فقد أوتي الحكم صبيًّا([21])

هذا عكرمة مولى ابن عباس، يشهد وصية من هذه الوصايا وينقلها؛ فيقول: قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنه -لرجل: «ألا أطرفك بحديث تفرح به»؟

قال الرجل: بلى، يا أبا عباس، -رحمك الله-قال: «اقرأ {تبارك الذي بيده الملك}، واحفظها، وعلِّمها أهلك، وجميع ولدك، وصبيان بيتك، وجيرانك. فإنها المنجية، وهي المجادلة تجادل وتخاصم يوم القيامة عند ربها لقارئها، وتطلب إلى ربها أن ينجيه من النار إذا كانت في جوفه، وينجي الله بها صاحبها من عذاب القبر» ([22])

ثالثا: التنشئة الأخلاقية:

إخوة الإيمان: الأخلاق هي المؤشِّر على استمرار أمَّة ما أو انهيارها؛ فالأمة التي تنهار أخلاقُها يوشك أن ينهارَ كيانُها، كما قال أحمد شوقي رحمه الله تعالى:

وإذا أُصيب القومُ في أخلاقِهم       فأقِمْ عليهم مأتَمًا وعويلا

قال الإمام ابن قيم الجوزية - رحمه الله -: "ومن له معرفةٌ بأحوالِ العالم ومبدئه يعرفُ أنَّ جميعَ الفسادِ في جوه ونباته وحيوانه وأحوال أهله - حادثٌ بعد خلقِه بأسبابٍ اقتضت حدوثه، ولم تزل أعمال بني آدم ومخالفتهم للرسلِ تحدثُ لهم من الفسادِ العام والخاص ما يجلبُ عليهم من الآلام والأمراض والأسقام، والطواعين والقحوط والجدوب، وسلب بركاتِ الأرض وثمارها ونباتها، وسلب منافعها أو نقصانها أمورًا متتابعة يتلو بعضها بعضًا، فإن لم يتسع علمُك لهذا فاكتفِ بقولِه - تعالى -:‏ ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم : 41]، ونزِّل هذه الآيةَ على أحوالِ العالم، وطابقْ بين الواقعِ وبينها، وأنت ترى كيف تحدثُ الآفات والعللُ كلَّ وقتٍ في الثمار والزرع والحيوان، وكيف يحدثُ من تلك الآفاتِ آفات أخر متلازمة، بعضها آخذ برقابِ بعض، وكلما أحدث النَّاسُ ظلمًا وفجورًا، أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفاتِ والعللِ في أغذيتِهم وفواكههم، وأهويتهم ومياههم، وأبدانهم وخلقهم، وصورهم وأشكالهم وأخلاقهم من النَّقصِ والآفات، ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم‏".([23])

ويدلُّ على هذه القضية قولُه - تعالى ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء: 16]. ويقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى : إن الله يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة.

لذا اهتم الإسلام بغرس وتنشئة الأبناء على الأخلاق الفاضلة التي يُعرِّفها بعضُ المعنيين بشؤون التربية بأنها: "تنشئة الصغير على المبادئ الأخلاقية المستمدة من القرآن والسنة، حتى يُصبح مفتاحًا للخير، مغلاقًا للشر، في كل الظروف والأحوال، وذلك في إطار تكوين الشخصية الإسلامية المتكاملة والمتوازنة" ([24])

وهي في الوقت نفسه: "توجيه مستمر لأعمال الإنسان على سنن الاستقامة، حتى تتكون العادات الصالحة، والأخلاق الحميدة الراسخة"([25])

فهذا أبو حامد الغزالي يقول: "إن الصبي إذا أُهمل في ابتداء نشوه؛ خرج في الأغلب رديء الأخلاق، كذَّابًا، حسودًا، سروقًا، نمَّامًا، لحوحًا، ذا فضول وضحك، وكياد ومجانة، وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب"([26])

 تربية الولد على مجموعة المبادئ الخلقية، والفضائل السلوكية، والوجدانية، ليعتاد عليها منذ تمييزه وتعقله، على الأخلاق الفاضلة الكريمة.

والأخلاق الإسلامية هي مجموعة الأقوال والأفعال التي يجب أن تقوم على أصول وقواعد وفضائل مرتبطة ارتباطا وثيقا بالعقيدة والشريعة الإسلامية من خلال القرآن الكريم وسنة الأكرم  r.

تنشئة الأبناء على الصدق: اعلموا علمني الله تعالى وإياكم: أن من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الآباء والأُمهات تنشئة أبنائهم على الكذب من حيث لا يشعرون ولنضرب على ذلك أمثله:

الأُم تقوم بعمل ما لا يرضاه الزوج ويشاهدها الأبناء فإذا جاء الزوج وسألها أنكرت فيترسخ عند الأبناء أن الأم كذبت في قولها و أن الكذب حيلة جائزة للخروج من المسؤولية........!

*إذا جاء سائل يسأل عن الأُم أو الأب يقول لابنه: قل له إنه غير وموجود في البيت ...!

فمن هنا ينشأ الولد وقد ترسخ في مخيلته أن الكذب أمر عادي ولا غبار عليه

فقد روى الصحابي الجليل عبد الله بن عامر قائلاً: دعتني أمي يومًا وأنا صغير، ورسول الله قاعد في بيتنا، فقالت لي: تعال أعطيك، فسألها الرسول الصادق المصدوق: ((ما أردت أن تعطيه؟))

قالت: أردت أن أعطيه تمرًا، فقال لها r : ((أما إنك لو لم تعطه شيئًا كُتِبت عليك كذبة)). ([27])

قال أبو هريرة   tأن رسول الله r قال : ((من قال لصبي: تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة)). ([28])

الخطبة الثانية

أما بعد: .......................

تنشئة الأبناء على حفظ الأسرار وكتمانها:

 إخوة الإيمان ومن الأمور التي أهتم بها الإسلام  تربية الأبناء على كتمان و حفظ الأسرار عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي r قالت أقبلت فاطمة -رضي الله عنها- تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله r  فقال النبي r مرحباً بابنتي فأقعدها عن يمينه ثم أسر إليها حديثا فبكت ثم أسر إليها حديثا فضحكت قلت ما رأيت كاليوم ضحكاً أقرب من بكاء فسألتها ما قال لك فقالت ما كنت لأفشي سر رسول الله r فلما مات النبي r سألتها عن ذلك فقالت إنه أسر إلي أن جبريل عليه السلام كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة وإنه عارضني العام مرتين ولا أراني إلا أجلي قد حضر واعلمي أنك أول أهلي لحوقاً بي فبكيت لذلك فقال وما يبكيك أما ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو سيدة نساء العالمين قال فضحكت لذلك )([29])

عن أنس قال: كنت ألعب مع الغلمان، فأتانا رسول الله r  فسلم، قال يزيد في حديثه علينا، وأخذ بيدي فبعثني في حاجة، وقعد في ظل حائط، أو جدار، حتى رجعت إليه، فبلغت الرسالة التي بعثني فيها، فلما أتيت أم سليم قالت: ما حبسك؟

قلت: بعثني النبي r  في حاجة له، قالت: وما هي؟

 قلت: سرى.

قالت: احفظ على رسول الله r  سره، قال: فما حدثت به أحدا بعد. ([30])

عن عبد الله بن عباس قال لي أبى يا بنى إني أرى أمير المؤمنين يعنى عمر بن الخطاب قد اختصك من دون من ترى من المهاجرين والأنصار وإني موصيك بخلال أربع لا يجربن عليك كذبا ولا تغتابن عنده مسلما ولا تفشين له سرا ولا تطو عنه نصيحة قال: فقلت يا أبه كل واحدة منها خير من ألف فقال كل واحدة منها خير من عشرة آلاف ([31])

تنشئة الأبناء على العدل وحب الخير للغير:

من الأخطاء التي يقع فيها بعض الآباء والأمهات عدم العدل بين الإخوة والأخوات فتجد الوالد يفضل ابنا ويميزه بالعطاء و الحنان دون الآخرين يفضلونه لذكائه أو جماله أو حسن خلقه الفطري، أو لأنه ذكر، مما يزرع في نفس الطفل الإحساس بالغيرة تجاه إخوته، ويعبر عن هذه الغيرة بالسلوك الخاطئ والعدوانية تجاه الأخ المدلل بهدف الانتقام من الكبار، وهذا الأمر حذرنا منه الرسول r حيث قال: r " اتقوا الله واعدلوا في أولادكم".

عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: { نحلني أبى نحلاً فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله ، فجاءه ليشهده على صدقتي فقال: "أكل ولدك نحلت مثله" قال: لا، فقال: "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم"، وقال: "إني لا أشهد على جور"، قال: فرجع أبي فرد تلك الصدقة. }([32])

وهناك قصة لطيفة رواها البيهقي في شعب الإيمان: أن رجلاً كان جالساً مع النبي r  فجاء ابن له ذكر، فقبله وأجلسه في حجره، ثم جاءت ابنته -بنت نفس الأب هذا-فأخذها فأجلسها إلى جنبه.

إذاً الابن في حجره والبنت إلى جنبه، والابن قبله والبنت لم يقبلها بل أجلسها إلى جنبه فقط، فقال النبي  r : ( فما عدلت بينهما ) )([33])

عن عبد الله بن دينار قال: قال لقمان لابنه: «يا بني: كيف يتباعد عن الناس ما يوعدون؟ والوعد يدنو ([34])، وهم كل يوم يموتون، يا بني، كيف يتباعد عن الناس ما يوعدون؟ والوعد يدنو وهم سراعا إلى الوعد يذهبون، يا بني، إنك استدبرت ([35]) الدنيا يوم نزلتها، واستقبلت الآخرة، فأنت إلى دار تدنو ([36]) منها أقرب منك إلى الدار التي تباعد عنها ([37]

 

الدعاء ....................................

 



[1] - ذكره الزيلعي في «تخريج الأحاديث والآثار» (4/ 66) ، وقال: غريب.

[2] - تفسير الألوسي - (ج 21 / ص 101)

[3] -تحفة المولود لابن القيم / 139 .

[4] - تربية الأولاد في الإسلام النابلسي (ص: 25)

[5] -أخرجه البخاري (1/456، رقم 1292) ، ومسلم (4/2047 ، رقم 2658) ، وأبو داود (4/229 ، رقم 4714)

[6] -أخرجه أحمد (1/307 ، رقم 2804) ، والضياء (10/23 ، رقم 13) .و الطبراني (11/123 ، رقم 11243)وقال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 7957 في صحيح الجامع

[7] - رواه ابن أبي شيبة ( 1 / 137 / 1 ) وأبو داود ( 494 ) والترمذي ( 2 / 259 ) والدارمي ( 1 / 333

[8] - البيهقي، «معرفة السنن والآثار» (٦/ ٣٥٩).

[9] -ابن بطال، «شرح صحيح البخاري» (٢/ ٤٦٩).

[10] -سناده صحيح: أخرجه عبدالرزاق (٧٢٩٩)، وابن أبي شيبة (٣٤٩٧)، والبيهقي (٣/ ١٢٠)؛ من طريق عمارة بن عمير، والطبراني في «المعجم الكبير» (٩/ رقم ٩١٥٥)، والبيهقي (٣/ ١١٩)

[11] - إسناده صحيح: أخرجه ابن عبدالبر في «التمهيد» (١/ ١٠٥).

[12] -إسناده حسن: أخرجه الدولابي في «الكنى والأسماء» (٧٤٣

[13] - الأسحار: جمع سحر وهو وقت ما قبل الفجر

[14] - شعب الإيمان للبيهقي - (ج 12 / ص 184)

[15] -محمد قطب، «منهج التربية الإسلامية» (١/ ١٢٠)، محمد نور سويد، «منهج التربية النبوية للطفل» (ص/ ٢٦٥).

[16] -محمد قطب، «منهج التربية الإسلامية» (١/ ١٢٠)، محمد نور سويد، «منهج التربية النبوية للطفل» (ص/ ٢٦٥).

[17] -متَّفقٌ عليه: أخرجه البخاري (١٩٦٠)، ومسلم (١١٣٦) واللفظ له، وما بين القوسين من رواية البخاري.

[18] -هذا الأثر نقله الحافظ في «فتح الباري» (٩/ ٨٣)، وعزاه لابن أبي داود، ولم أجده في كتاب «المصاحف» المطبوع له، فلعله في كتابه «فضائل القرآن»

[19] - «صحيح البخاري» (٥٠٣٥، ٥٠٣٦).

[20] - «صحيح البخاري» (٩/ ٨٣ -مع الفتح).

[21] -إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في «المدخل إلى السنن» (٦٣٩)، و «شعب الإيمان» (١٧٩٨) من طريق الحسن بن أبي جعفر، حدثنا أبو الصهباء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ به. ورواية «الشُّعب»: مرفوعة.

[22] -إسناده ضعيف: أخرجه عبد بن حميد (٦٠٣ -المنتَخَب) عن إبراهيم بن الحكم بن أبان، عن أبيه، عن عكرمة؛ به. وإبراهيم هذا قال عنه الحافظ في «التقريب» (١٦٦): "ضعيف، وصل المراسيل

[23] - زاد المعاد (4/ 362 - 364)

[24] -مقداد يالجن، «التربية الأخلاقية الإسلامية» (ص/ ١٣).

[25] -محمد عبدالله دراز، «كلمات في مبادئ علم الأخلاق» (ص/ ٣٩).

[26] -الغزالي، «إحياء علوم الدين» (٣/ ٧٢).

[27] - أخرجه أحمد (3/447، رقم 15740) ، وأبو داود (4/298 ، رقم 4991)وقال الألباني (حسن) انظر حديث رقم: 1319 في صحيح الجامع.

[28] - أخرجه أحمد 2/452(9835)

[29] - أخرجه: البخاري 8/ 79 (6285) و (6586)، ومسلم 7/ 142 (2450) (98)

[30] - أخرجه ابن أبي شيبة 8/385(25521). و"أحمد" 3/109(12083). و"البخاري" ، في (الأدب المفرد) 1139. و"ابن ماجة" 3700

[31] - جمهرة خطب العرب (1/ 263) المعجم الكبير للطبراني - (9/ 130، و كتاب 500 من وصايا الأنبياء و العلماء و الشعراء لأبنائهم (ص: 97)

[32] - مسند أحمد -الرسالة (30/ 327)رقم18378 و مسلم صحيح مسلم - عبد الباقي (3/ 1244)1623

[33] - سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 8 ) وبعض التاسع (6/ 493)أخرجه ابن عدي في " الكامل " ( 4 / 239 ) و من طريقه البيهقي في " الشعب " ( 6/ 410 / 8700 )

[34] - يدنو : يقترب

[35] - استدبرها : وَلَّاها ظهره

[36] - الدنو : الاقتراب

[37] - الزهد والرقائق لابن المبارك - (ج 3 / ص 97ح 1049

 

عناية الإسلام بالنشء.pdf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة فيض الإله بخلق المواساة.pdf

الحقوق العشر للوطن في الإسلام

خطبة الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان.pdf