فتح الإله بفضائل ومواطن الحمد لله.pdf
فتح الإله بفضائل
ومواطن الحمد لله
الشيخ السيد مراد
سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام حياكم رب الأنام وجمعني
الله وإياكم في دار السلام في صحبة النبي الهمام .... حديثنا إليكم في هذا اليوم
الطيب الميمون الأغر عن عبادة من أجل العبادات وعن قربة من أعظم القرب بها يتزلف
المؤمنون لربهم سبحانه وتعالى .... مع الثناء على رب الأرض والسماء .... مع
الاعتراف بعد الاغتراف لله تعالى بما منَ علينا من نعم.... مع الحمد لله .... فما
معنى الحمد لله ؟.......... وما هي فضائل الحمد؟ وما هي مواطن؟ الحمد أعيروني القلوب
والأسماع .................
تعريف الحمد:
إخوة الإسلام: يعرف الحمد بأنه: الثناء الحسن على الذات
الإلهية؛ لأنه متصف بصفات الجلال وصفات الكمال الذاتية اللازمة، والصفات المتعدية،
فالعبد يثني على الله بما هو أهل له
واللَّه -سبحانه وتعالى -وحده، هو المستحق للمحامد كلها،
فهو -سبحانه -المحمود من كل وجه، وبكل اعتبار، بجميع أنواع الحمد.
فالحمد لله على إحسانه وآلائه ...
والحمد لله على أسمائه الحسنى، وصفاته العليا ...
والحمد لله كما يحب ويرضى.
لكَ الحَمدُ
وَالنَعماءُ وَالمُلكُ رَبَّنا فَلا
شَيءَ أَعلى مِنكَ مَجداً وَأَمجَدُ
مَليكٌ عَلى
عَرشِ السَماءِ مُهيمِنٌ لِعِزَّتِهِ
تَعنو الوجوهُ وَتَسجُدُ
ثانيا: فضائل الحمد:
معاشر الموحدين: اعلموا بارك الله فيكم – أن للحمد فضائل
وثمرات عظيمة يجنيها الحامد في الدنيا والآخرة وإليكم بعضا منها:
1-الحمد لله تملأ الميزان :
تأملوا عباد الله أن هذه الكلمة البسيطة تملأ الميزان
وما أدراكم عباد الله ما الميزان وما سعته ...فعن سلمان عن النبي - صلى الله عليه
وسلم - قال: يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعت، فتقول
الملائكة يا رب لمن يزن هذا؟ فيقول الله تعالي: لمن شئت من خلقي فتقول الملائكة:
سجانك ما عبدناك حق عبادتك..."([1])
عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْحَمد لله تملأ الْمِيزَان وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله
أكبر تملأ مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض"([2])
وها هي الكلمة
المبارك تملأ ذلك الميزان الله أكبر ....عن عبد اللهِ بن عمرٍو؛ أنَّ رسولَ اللهِ
صلى الله عليه وسلم قال: «التَّسْبِيحُ نِصْفُ المِيزَانِ، و"الحَمْدُ
للَّهِ" تَمْلَأُ المِيزَانَ، وَ"لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ" لَيْسَ
لَهَا سِتْرٌ حَتَّى تَخْلُصَ إِلَى الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ» .([3])
2-الحمد لله أفضل الدعاء:
والحمد لله تعالى أيها الإخوة أفضل الدعاء فهي دعاء وثناء،
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ أَفْضَلَ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَأَفْضَلُ
الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ».([4])
فسمَّى الحمدَ لله دعاءً وهو ثناءٌ محضٌ، لأنَّ الحمدَ
متضمِّنٌ الحبَّ والثناء. والحبُّ أعلى أنواع الطلب فالحامد طالبٌ للمحبوب فهو
أحقُّ أنْ يسمَّى داعياً من السائل الطالب، فنفس الحمد والثناء متضمِّن لأعظم
الطلب فهو دعاءٌ حقيقةً بل أحقُّ أنْ يسمَّى دعاءً من غيره من أنواع الطلب الذي هو
دونه.
3-الحمد لله سبيل لرضى الله تعالى:
هل تريدون رضى
الله تعالى؟
اعلموا أن تلك الكلمة إذا قالها العبد بعد أن يتناول
طعامه وشرابه يرضى الله عنه بها عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ
يَأْكُلُ الْأَكْلَةَ أَوْ يَشْرَبُ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا»([5])
4-الحمد لله تمحو الذنوب:
الحمد لله ماحية للذنوب تلك الكلمة التي لا تكلفك مشقة و
لا عناء تلك الكلم التي ستقولها بعد الفراغ من الطعام حمدا لله على رزقه و شكرا له
على عطائه عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " مَنْ أَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ:
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ
حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ , غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "([6])
5-الحمد لله أعظم النعم:
و الحمد أحبتي من أعظم نعم الله على عباده أن يلهمهم
كلمة الحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -
صلى الله عليه وسلم -: " مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَحَمِدَ
اللهَ عَلَيْهَا , إِلَّا كَانَ ذَلِكَ الْحَمْدُ أَفْضَلُ مِنْ تِلْكَ النِّعْمَةِ
([7])
"
إذا أعطاك الله
نعمة الصحة، وكنتَ شديداً عتيداً قوياً نشيطاً كالحصان، لا بد من سنوات تمضي وتمضي
حتى يأتي الأجل، ويموت الإنسان , فأين هذه النعمة؟ , زالت .. لكنك إذا حمدت الله
عليها، وارتقت نفسك في مدارج الحمد وسَمَتْ , سَعِدْتَ بحمدك إلى الأبد، إذن ,
الحمد على النعمة أفضل من النعمة نفسها، قال - صلى الله عليه وسلم -: " مَا
أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَقَالَ: الْحَمْدُ للهِ، إِلَّا كَانَ
الَّذِي أَعْطَاهُ أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذَ ".([8])
لو أنك وُهِبتَ زوجةً صالحة , فأعانتك على متاعب الحياة
, وحصَّنتك، وسكنت إليها، فلا بد من ساعة تفارقها أو تفارقك، إما أن تفارقها
أولاً، وإما أن تفارقك أولاً، لكنَّكَ إذا حمدتَ الله على نعمة الزوجة الصالحة ,
فإنَّ هذا الحمد تَسْعَدُ بثوابه إلى أبد الآبدين.
العبد ماذا أَعطى؟ , هذه الكلمة، كلمة (الْحَمْدُ للهِ)،
هذه الكلمة التي أعطاها العبد لربه أفضل عند الله مما أَخذ، لو أخذ بيتاً ثمنه
خمسة ملايين , وقال: يا ربي لك الحمد , فكلمة (الْحَمْدُ للهِ) أفضل عند الله من
هذا البيت، لأن هذا البيت مصيره إلى الخراب، لكن هذا الحمد يَسعدُ به الإنسان إلى
الأبد. أ. هـ
6-الحمد سبب من أسباب المباهاة الربانية:
وعلموا -بارك الله فيكم- أن الحمد سبب من أسباب مباهاة
الله تعالى بالحامدين ملائكته الكرام ...عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَا يُجْلِسُكُمْ؟
قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ
إِلَّا ذَلِكَ؟ قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَلِكَ، قَالَ: أَمَا
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ
مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «مَا يُجْلِسُكُمْ؟»، قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ , وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَمَنَّ
عَلَيْنَا بِهِ، قَالَ: «آللَّهِ مَا يُجْلِسُكُمْ إِلَّا ذَلِكَ؟»، قَالُوا:
آللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَلِكَ، قَالَ: «أَمَا إِنِّي لَمْ
أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ , وَلَكِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي
أَنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ»([9])
أعلم أَن معنى المباهاة هُوَ أَن الله عز وَجل يظْهر من
فعله للْمَلَائكَة مَا يحقرون طاعتهم وعبادتهم فِي عِبَادَتهم
وأصل المباهاة هُوَ مفاعلة من الْبَهَاء والبهاء من
العظمة فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن الله عز وَجل يظْهر من عَظمَة هَؤُلَاءِ المطيعين
وبهائهم فِيهَا مَا يزِيد على بهاء الْمَلَائِكَة وحالهم فِي طاعتهم وعبادتهم
وَالْغَرَض فِي معنى هَذَا الْخَبَر وَفَائِدَته تَعْرِيف الْخلق من الْآدَمِيّين
مَوَاضِع الْفضل فِي طاعتهم وعبادتهم وَأَنَّهُمْ قد تبلغ طاعتهم مبلغا يزِيد قدره
على قدر طَاعَة الملائكة وَهَذَا مِمَّا يُمكن أَن يسْتَدلّ بِهِ أَن أفاضل
الْآدَمِيّين أفضل من الْمَلَائِكَة لِأَنَّهُ لَا يباهي إِلَّا بالأفضل([10])
7-الحمد لله أحب الأعمال:
أمة الإسلام: ومن فضائل الحمد أنه أفضل وأحب الأعمال لدى
الكبير المتعال ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ، قَالَ: " التَّأَنِّي مِنَ اللهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ
الشَّيْطَانِ، وَمَا شَيْءٌ أَكْثَرُ مَعَاذِيرَ مِنَ اللهِ وَمَا مِنْ شَيْءٍ
أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْحَمْدِ "([11])
8-أفضل الناس يوم القيامة الحمادون
و من ثمراته أن
أهله أهل الحمد أفضل الناس يوم القيام عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله
عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إِنَّ أَفْضَلَ
عِبَادِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ , الْحَمَّادُونَ" ([12])
9-بيت الحمد في الجنة:
إخوة الإسلام: في الجنّة -أيها المؤمنون-بيتٌ يُقال له
بيتُ الحمد خصَّه ربُّنا -جلَّ ثناؤه-للحامدين في السرّاء والضرّاء والشدِّة
والرخاء، جاء في الترمذي وغيره: أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا
مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ
عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟
فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ
وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ".([13])
أقول هذا القول وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين
فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ عظيمِ الإحسان، له الحمدُ في الأولى
والآخرةِ وله الحُكمُ وإليه تُرجعون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
ثالثا: مواطن يشرع فيها الحمد:
أحبتي في الله بعدما تعرفنا على ثمرات الحمد إليكم بعض
المواطن التي يسن ويستحب فيها الحمد.
عند الفراغ من الطعام والشراب: وردت في السنة
النبوية صيغ متعددة لحمد الله سبحانه وتعالى عند الفراغ من الطعام، فعن أبي أمامة
الباهلي رضي الله تعالى عنه قال: " أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان
إذا فرَغ من طَعامِهِ، وقال مرةً: إذا رفَع مائِدَتَهُ، قال: «الحمدُ للهِ الذي
كَفانا وأَرْوانا، غيرَ مَكفِيٍّ ولا مَكفورٍ». وقال مرةً: «الحمدُ للهِ ربِّنا،
غيرَ مَكفِيٍّ ولا مُوَدَّعٍ ولا مُسْتَغْنًى، ربَّنا»."([14])
ووردت صيغة أخرى للحمد فعن معاذ بن أنس الجهني رضي الله
تعالى عنه قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : «مَنْ أكلَ طعامًا ثُم
قال : الحمدُ للهِ الّذي أطعمَنِي هذا الطعامَ ، ورزَقَنِيهِ من غيرِ حولٍ مِنِّي
ولا قُوَّةٍ ، غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ من ذنْبِهِ»([15])
عند لبس الثوب حمد الله ملك الملوك
على نعمة الثياب أمر يعقله المسلم اللبيب،
وههذه السنة الشريفة من السنن المهجورة التي ينبغي لنا تعلمها وتعليمها
للأهل والمسلمين، فعن معاذ بن أنس الجهني
رضي الله تعالى عنه قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : «مَنْ لبِسَ
ثوبًا فقال : الحمدُ للهِ الّذي كسَانِي هذا ، ورزَقَنِيِهِ من غيرِ حولٍ مِنِّي
ولا قُوَّةٍ غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ من ذنْبِهِ ومَا تأخَرَّ»([16])
عند العطاس عن أبي هريرة رضي
الله تعالى عنه قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «إذا عطس أحدُكم
فليقلْ : الحمدُ للهِ ، وليقلْ له أخوهُ أو صاحبُه : يرحمُك اللهُ ، فإذا قال له :
يرحمُك اللهُ ، فليقلْ : يهديكم اللهُ ويصلحُ بالَكم» ([17])
عند دخول الجنة من أجمل المواطن التي
يأذن الله تعالى فيها لعباده بحمده سبحانه هي موطن دخول الجنة، ومن يثابر على حمد الله الكريم في الدنيا فلن
يخذله الله رب العالمين في الآخرة، ومن
عاش على شيء مات عليه، قال الله تعالى: {وَنَـزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا
وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ
رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
[الأعراف:43].
رابعا الحمادون:
بعد هذه الرحلة الممتعة في رياض القران والسنة وفي رياض أهل
الحمد هيا لنقف مع أهل الحمد والثناء لنتعلم منهم كيف ننزل منزلتهم ونسير على
طريقهم ....
الحمد لله قالها
((نوح)) عيه السلام -عندما استوى هو ومن معه على الفلك - الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين} [المؤمنون: 28].
وقالها ((إبراهيم)) عليه السلام - حينما أنعم اللَّه
عليه بنعمة الولد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ
لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ
(39)} [إبراهيم].
وقالها ((داود)) و ((سليمان)) عليهما السلام - لما من
اللَّه عليهما بالملك العريض: {الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)} [النمل].
وتقولها ((الملائكة)) عليهم السلام: {وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ
يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [الزمر: 75].
ويقولها أهل الجنة في الجنة: {الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر: 34]، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ}
[الزمر: 74]، {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا
لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}
[الأعراف: 43].
بل إن ما في الكون كله؛ يسبح بحمد اللَّه وبقدسه، ويسلم
له، ويعنو لسلطانه، {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ
وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} [الرعد: 13]. {إِن
مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}
[الإسراء: 44].
صاحب لواء الحمد:
وقد كان ((الرسول الخاتم)) صاحب لواء الحمد صلى الله
عليه وسلم كثير الحمد للَّه، والضراعة إليه، كما أمره ربه وعلمه
نبي الله نوح -عليه السلام-:
مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ، قَالَ: " كَانَ نُوحٌ -عَلَيْهِ
السَّلَامُ -إِذَا أَكَلَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَإِذَا شَرِبَ قَالَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَإِذَا لَبِسَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَإِذَا رَكِبَ
قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَسَمَّاهُ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا "([18])
نبي الله دنيال-عليه السلام-:
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: " أُتِيَ
بُخْتَنَصَّرُ بِدَانِيَالَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَمَرَ بِهِ
فَحُبِسَ وَضَرَّى أَسَدَيْنِ فَأَلْقَاهُمَا فِي جُبٍّ مَعَهُ، وَطَيَّنَ
عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَسَدَيْنِ، ثُمَّ حَبَسَهُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ مَعَ
الْأَسَدَيْنِ، ثُمَّ فَتَحَ عَنْهُ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ، فَوَجَدَ
دَانِيَالَ قَائِمًا يُصَلِّي وَالْأَسَدَانِ فِي نَاحِيَةِ الْجُبِّ لَمْ
يَعْرِضَا لَهُ، فَقَالَ لَهُ بُخْتَنَصَّرُ: أَخْبِرْنِي مَاذَا قُلْتَ فَدُفِعَ
عَنْكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَنْسَى مَنْ ذَكَرَهُ،
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُخَيِّبُ مَنْ رَجَاهُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
لَا يَكِلُ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ إِلَى غَيْرِهِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
هُوَ يَقِينَا حِينَ تَنْقَطِعُ عَنَّا الْحِيَلُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هُوَ
رَجَاؤُنَا يَوْمَ تَسُوءُ ظُنُونُنَا وَأَعْمَالُنَا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
يَكْشِفُ حُزْنَنَا عَنْ كَرْبِنَا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَجْزِي
بِالْإِحْسَانِ إِحْسَانًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَجْزِي بِالصَّبِرِ
نَجَاةً "([19])
هكذا يكون الحمد:
عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ
الْحُكَمَاءِ قَالَ: خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ الرِّبَاطَ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ
بِعَرِيشِ مِصْرَ، أَوْ دُونَ عَرِيشِ مِصْرَ، إِذَا أَنَا بِمِظَلَّةٍ وَإِذَا
فِيهَا رَجُلٌ قَدْ ذَهَبَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَبَصَرُهُ، وَإِذَا هُوَ
يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَحْمَدُكَ حَمْدًا يُوَافِي مَحَامِدَ خَلْقِكَ،
كَفَضْلِكَ عَلَى سَائِرِ خَلْقِكَ، إِذْ فَضَّلْتَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ
خَلَقْتَ تَفْضِيلًا، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأَسْأَلَنَّهُ أَعَلِمَهُ أَمْ
أُلْهِمَهُ إِلْهَامًا؟ قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ
عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلْتُ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ أَتُخْبِرُنِي بِهِ؟
قَالَ: إِنْ كَانَ عِنْدِي مِنْهُ عِلْمٌ أَخْبَرْتُكَ بِهِ، فَقُلْتُ: عَلَى
أَيِّ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ تَحْمَدُهُ عَلَيْهَا؟ أَمْ عَلَى أَيِّ فَضِيلَةٍ
مِنْ فَضَائِلِهِ تَشْكُرُهُ عَلَيْهَا؟ قَالَ: أَلَيْسَ تَرَى مَا قَدْ صَنَعَ
بِي؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى قَالَ: فَوَاللَّهِ لَوْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ
صَبَّ عَلَيَّ السَّمَاءَ نَارًا فَأَحْرَقَتْنِي، وَأَمَرَ الْجِبَالَ
فَدَمَّرَتْنِي، وَأَمَرَ الْبِحَارَ فَغَرَّقَتْنِي، وَأَمَرَ الْأَرْضَ
فَخُسِفَتْ بِي، مَا ازْدَدْتُ لَهُ إِلَّا حُبًّا، وَلَا ازْدَدْتُ لَهُ إِلَّا
شُكْرًا. وَإِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، بُنَيٌّ لِي كَانَ يَتَعَاهَدُنِي
لِوَقْتِ صَلَاتِي، وَيُطْعِمُنِي عِنْدَ إِفْطَارِي، وَقَدْ فَقَدْتُهُ مُنْذُ
أَمْسِ، انْظُرْ هَلْ تُحِسُّهُ لِي؟
فَقُلْتُ: إِنَّ فِي قَضَاءِ حَاجَةِ هَذَا الْعَبْدِ لَقُرْبَةً إِلَى
اللَّهِ. قَالَ: فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بَيْنَ كُثْبَانٍ
مِنْ رِمَالٍ، إِذَا أَنَا بِسَبُعٍ قَدِ افْتَرَسَ الْغُلَامَ يَأْكُلُهُ قَالَ:
قُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، كَيْفَ آتِي هَذَا
الْعَبْدَ الصَّالِحَ مِنْ وَجْهٍ رَفِيقٍ فَأُخْبِرُهُ الْخَبَرَ لَا يَمُوتُ؟
قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ،
فَقُلْتُ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ أَتُخْبِرُنِي بِهِ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ
عِنْدِي مِنْهُ عِلْمٌ أَخْبَرْتُكُ بِهِ قَالَ: قُلْتُ: أَنْتَ أَكْرَمُ عَلَى
اللَّهِ مَنْزِلَةً أَمْ أَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟ قَالَ: بَلْ أَيُّوبُ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنِّي، وَأَعْظَمَ
مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنِّي. قَالَ: قُلْتُ: أَلَيْسَ ابْتَلَاهُ اللَّهُ
فَصَبَرَ، حَتَّى اسْتَوْحَشَ مِنْهُ مَنْ كَانَ يَأْنَسُ بِهِ وَصَارَ غَرَضًا
لِمُرَّارِ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: فَإِنَّ ابْنَكَ الَّذِي
أَخْبَرْتَنِي مِنْ قِصَّتِهِ مَا أَخْبَرْتَنِي، خَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ، حَتَّى
إِذَا كُنْتُ بَيْنَ كُثْبَانٍ مِنْ رِمَالٍ، إِذَا أَنَا بِسَبُعٍ قَدِ افْتَرَسَ
الْغُلَامُ يَأْكُلُهُ. فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ فِي
قَلْبِي حَسْرَةً مِنَ الدُّنْيَا ثُمَّ شَهِقَ شَهْقَةً فَمَاتَ رَحِمَهُ
اللَّهُ.
قَالَ: قُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ مَنْ يُعِينُنِي عَلَى غُسْلِهِ وَكَفَنِهِ وَدَفْنِهِ؟ قَالَ:
فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكُ، إِذَا أَنَا بِرَكْبٍ قَدْ بَعَثُوا رَوَاحِلَهُمْ
يُرِويدُونَ الرِّبَاطَ. قَالَ: فَأَشَرْتُ إِلَيْهِمْ، فَأَقْبَلُوا إِلَيَّ.
فَقَالُوا: مَا أَنْتَ وَهَذَا؟ فَأَخْبَرْتُهُمْ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ
قَالَ: فَثَنَوْا أَرْجُلَهُمْ، فَغَسَّلْنَاهُ بِمَاءِ الْبَحْرِ، وَكَفَّنَّاهُ،
بِأَثْوَابٍ كَانَتْ مَعَهُمْ، وَوُلِّيتُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِهِمْ،
وَدَفَنَّاهُ فِي مِظَلَّتِهِ تِلْكَ وَمَضَى الْقَوْمُ إِلَى رِبَاطِهِمْ،
وَبِتُّ فِي مِظَلَّتِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أُنْسًا بِهِ فَلَمَّا مَضَى مِنَ
اللَّيْلِ مِثْلُ مَا بَقِيَ مِنْهُ، إِذَا أَنَا بِصَاحِبِي فِي رَوْضَةٍ
خَضْرَاءَ، عَلَيْهِ ثِيَابٌ خَضِرٌ، قَائِمًا يَتْلُو الْوَحْيَ، فَقُلْتُ:
أَلَسْتَ أَنْتَ صَاحِبِي؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: فَمَا الَّذِي صَيَّرَكَ إِلَى
مَا أَرَى؟ قَالَ: وَرَدَتُ مِنَ الصَّابِرِينَ عَلَى دَرَجَةٍ لَمْ يَنَالُوهَا
إِلَّا بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْبَلَاءِ، وَالشُّكْرِ عِنْدَ الرَّخَاءِ.([20])
الدعاء ...............................
([3]) -واه الترمذي (3518) من طريق إسماعيل
بن عياش، عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، به. ورواه إسحاق بن راهويه (340) ،
والمصنف في "الدعاء" (1733)
([4]) -
(أخرجه الترمذي) 3383 , (و ابن ماجة)
3800 , (والنسائي) 10667،, انظر صَحِيح الْجَامِع: 1104، صَحِيح التَّرْغِيبِ
وَالتَّرْهِيب: 1526
([6]) - أخرجه أبو داود :ح 4023
،(والترمذي) 3458 , (وابن ماجة) 3285 ،انظر صحيح الجامع: 6086 ، وصحيح الترغيب
والترهيب: 2042 ، الإرواء: 1989
([7]) - (أخرجه الطبراني) 8/ 193ح7794 , (و
البيهقي) 4405 , انظر صَحِيح الْجَامِع: 5562 , صَحِيح التَّرْغِيبِ
وَالتَّرْهِيب: 1573
([8]) - (أخرجه ابن ماجة) 3805 , (و الطيالسي
1357 , صَحِيح الْجَامِع: 5563 , والضعيفة تحت حديث (2011)
([11]) -(أخرجه أبو يعلى) 4256 , (و البيهقي)
4058 , (والترمذي) 2012 , انظر صَحِيح الْجَامِع: 3011، الصَّحِيحَة: 1795
([12]) -(أخرجه الطبراني ) ج18ص125ح254 , (و
أحمد ) 19909 ، انظر صَحِيح الْجَامِع: 1571 , الصَّحِيحَة: 1584
تعليقات
إرسال تعليق