مفاتيح السعادة الزوجية العشرة من داخل بيت النبوة.pdf
مفاتيح السعادة الزوجية العشرة من داخل بيت النبوة
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد:
.................حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون الأغر عن " مفاتيح السعادة الزوجية العشرة من داخل بيت
خير البرية صلى الله عليه وسلم" لنتكلم عن السعادة الزوجية في عصر كثرة فيه
المشاكل الزوجية وتفرقت الأسرة أيدي سبأ وانتشر الطلاق وقل الوفاق وانهار صرح الأسرة
لأتفه الأسباب لأننا لم نتعلم ونربي أبنائنا وبناتنا على مبادئ السعادة الزوجية
التي أسسها خير البرية صلى الله عليه وسلم
المفتاح الأول:
الحب:
إخوة الإسلام الحب
هو من أعظم الأسس التي تبنى عليها الأسر و قد عبر عنه سبحانه بالمودة فقال جل ذكره { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]........................
ها هو صلى الله عليه وسلم يعلن لأمته بل للعالم أجمع أنه حبب إليه من
الدنيا أمرين الطيب والنساء و ياله من تعبير رائع رومانسي إذ قرن المرأة بالطيب، وَالنِّسَاء وَالطّيب فيهمَا قُوَّة للروح.
عَنْ أَنَسٍ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا حُبِّبَ
إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ، وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي
فِي الصَّلَاةِ»(([1]))
و من حبها صلى الله عليه وسلم لزوجته أنه
كان يناديها بأحب أسمائها و يداعبها عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوماً: "يا عائش، هذا جبريل يقرئك السلام" فقلت:
وعليه السلام ورحمة الله وبركاته".(([2])).
(رواه البخاري).
إفصاحه صلى الله عليه وسلم عن حبه لعائشة رضي
الله عنها –لأصحابه:
الرسول البشر صلى الله عليه وسلم-لا يجد غضاضة في أن يحب
امرأته، وأن يصارحها بذلك معبرا عن عاطفة خيرة، ويكتم كثيرون سواه عواطفهم تجاه
أزواجهم لئلا يخدش كبرياؤهم، أو يقل احترامهم فيما يحسبون وهم مخطئون، قَالَ
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟
قَالَ: «عَائِشَةُ»، قَالَ: إِنَّمَا أَعْنِي مِنَ الرِّجَالِ، قَالَ: «فَأَبُوهَا» (([3])).
لقد كانت
حياة النبي -صلى الله عليه وسلم -سهلة وبسيطة وبعيدة كل البعد عن التعقيد والجمود،
كما كانت حياته مع زوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأهل بيته نموذجا متكاملا
يجمع بين الجلال والوقار واللين والدلال والمداعبة،
حب حتى الممات: ما أصبع الموت والفراق للأحبة ولكن الذي يسهل
الموت اليقين بانه سيلتقي بهم في جنة عالية قطوفها دانية ففي الجنة يجتمع المحبين
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ
عَلَيَّ الْمَوْتَ
إِنِّي أُرِيتُكِ زَوْجَتِي فِي الْجَنَّةِ»
(([4]))
المفتاح الثاني: الرفق:
الرفق ما كان في شيء إلا زانه
فهو زينة القلوب و هو زينة البيوت وهو زينة الأخلاق و لم تكن تعليمات النبي صلى الله
عليه وسلم أقوالا فحسب لا والله بل كانت تترجم في كل حركة من حركاته صلى الله عليه
وسلم عَنْ عَائِشَةَ . قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِِ صلى الله عليه وسلم
خَادِمًا لَهُ قَطًّ ، وَلا امْرَاةً لَهُ قَطُّ ، وَلا ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلاَّ
أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ "؛(([5])) .
وتأملوا
في الحب والرفق عن ميمونة بن الحارث زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ” كانَ رَسولُ
اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يضعُ رأسَهُ في حِجرِ إحدانا، فَيتلو
القُرآنَ وَهيَ حائضٌ، وتقومُ إِحدانا بالخُمرةِ إلى المسجِدِ، فتبسُطُها، وَهيَ
حائضٌ ”. (([6]))
عَنْ مَنْصُورِ
بْنِ صَفِيَّةَ: أَنَّ أُمَّهُ حَدَّثَتْهُ: أَنَّ عَائِشَةَ
حَدَّثَتْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَتَّكِئُ
فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ يَقْرَأُ
الْقُرْآنَ» (([7]))
المفتاح الثالث: التواضع:
ولم تخلُ حياة النبي صلى الله عليه وسلم من مشاهد التواضع
مع زوجاته حتى وقت الشدة والحروب رغم المسئوليات والمشقة، ففي وقت خروجه إلى
المدينة -قادما من خيبر-جلس النبي عند بعيره، ليضع ركبته وتضع زوجته صفية رجلها
على ركبتيه حتى تركب البعير، فلم يخجل من أن يرى جنوده هذا المشهد وهو يظهر الحب
والمودة لزوجته السيدة صفية.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «قَدِمَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ
الْحِصْنَ، ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ
قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ
الرَّوْحَاءِ حَلَّتْ، فَبَنَى بِهَا، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ،
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ،
فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
صَفِيَّةَ ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ
يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى
تَرْكَبَ.»(([8]))
كان هذا المشهد مؤثرًا يدل على تواضعه -صلى الله عليه
وسلم -، لقد كان -صلى الله عليه وسلم -وهو القائد المنتصر والنبي المرسل يعلم أمته
أنه لا ينقص من قدره ومن مكانته أن يوطئ أكنافه لأهله وأن يتواضع لزوجته، وأن
يعينها ويسعدها.
المفتاح الرابع: المزاح والفسحة:
ومن جمال المرح والحب أنه يطلب من جيشه في غزوة غزاها أن
يتقدم ثم ينتظر قليلا ثم يطلب من عائشة رضي الله عنها أن تسابقه.
وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: (خَرَجْتُ
مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ , وَأَنَا جَارِيَةٌ
لَمْ أَحْمِلْ اللَّحْمَ , وَلَمْ أَبْدُنْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: " تَقَدَّمُوا
" , فَتَقَدَّمُوا) (" ثُمَّ قَالَ
لِي: تَعَالَيْ
أُسَابِقْكِ
") (قَالَتْ: فَسَابَقْتُهُ عَلَى
رِجْلَيَّ فَسَبَقْتُهُ) (" فَسَكَتَ عَنِّي "، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ
اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ
لِلنَّاسِ: " تَقَدَّمُوا " , فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لِي: "
تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ " , قَالَتْ: فَسَابَقْتُهُ , "
فَسَبَقَنِي , فَجَعَلَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ: هَذِهِ بِتِلْكَ ") (([9]))
حبه وعاطفيته صلى الله عليه وسلم مع عائشة
رضي الله عنها والحبشة يلعبون:
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِالْحِرَابِ،
وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ لِأَنْظُرَ
إِلَى لَعِبِهِمْ مِنْ بَيْنِ أُذُنِهِ وَعَاتِقِهِ، ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي،
حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ "، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ
الْحَدِيثَةِ السِّنِّ، الْحَرِيصَةِ عَلَى اللهْوِ (([10]))
المفتاح الخامس الحكمة في
معالجة المشكلات:
ومن مفاتيح
السعادة الزوجية الحكمة في حل المشكلات الزوجية و تأملوا فن إدارة الأزمات الأسرية
عباد الله إلى حبه ومودته ورحمته صلى الله عليه وسلم حتى عند الخلاف والغضب من
زوجاته صلى الله عليه وسلم:عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَضِبَ عَلَى عَائِشَةَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى مِنْكَبِهَا
فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهَا ذَنْبَهَا وَأَذْهِبْ غَيْظَ قَلْبِهَا وَأَعْذِهَا مِنْ
مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ)(([11]))
ولم تكن حياة النبي صلى الله عليه وسلم قاتمة بلا ابتسامة،
أو جامدة بلا مشاعر، أو حادة بلا تلذذ بجمال الحياة وبهجتها، التي تمثل النساء
جزءًا كبيرًا في هذا الجانب، من حيث الحب والرومانسية والامتزاج الذي وصل إلى درجة
من التوحد في بعض الأحيان ومنح المرأة مكانة بين المسلمين
يطيب خاطر زوجته ويمسح الدمع بيده عن خديها
صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَتْ صَفِيَّةُ مَعَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ ذَلِكَ
يَوْمَهَا فَأَبْطَأْتُ فِي الْمَسِيرِ، فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَبْكِي وَتَقُولُ: «حَمَلْتَنِي عَلَى بَعِيرٍ
بَطِيءٍ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ بِيَدَيْهِ عَيْنَيْهَا وُيُسْكِتُهَا
(([12]))
تطيب خواطرهن حتى لا يبكين: عَنِ أَنَسٍ، قَالَ: بَلَغَ
صَفِيَّةَ أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ: بِنْتُ يَهُودِيٍّ،
فَبَكَتْ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ لَهَا: «مَا شَأْنُكِ؟» ،
فَقَالَتْ: قَالَتْ لِي حَفْصَةُ إِنِّي بِنْتُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكِ لَبِنْتُ نَبِيٍّ، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ
نَبِيٍّ، فَبِمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟» ، ثُمَّ قَالَ: «اتَّقِي اللَّهَ يَا
حَفْصَةُ»(([13]))
المفتاح
السادس: التعاون:
إخوة الإسلام
و من مفاتيح و أسرار السعادة الزوجية في بيت النبوة التعاون مع زوجاته في شؤون
البيت فها هو صلى الله عليه وسلم لا يتكبر
و لا يستنكف أن يخدم أهله و يساعدهم في عمل بيت الزوجية وسُئلت عما كان النبيُّ -
صلى الله عليه وسلم - يصنَع في أهلِه، قالت: "كان في مِهنَة أهلِه فإذا حضَرت
الصلاة قام إلى الصلاة"؛(([14]))
رواه البخاري،
المفتاح
السابع: الوفاء:
معشر الإخوة: ومن نبع وفائه صلى الله عليه
وسلم – وفاؤه للسيد الفاضلة خديجة –رضي الله عنها التي واسته بماله وحسبها ونصرته
صلى الله عليه وسلم – فما نسي النبي – لها ذلك الجميل فعمها بوفائه في حياتها وبعد
مماتها – رضي الله عنها -
فمن وفائه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب،
أنه كان يكرم صديقات زوجته خديجة رضي الله عنها بعد موتها عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
أُتِيَ بِالشَّيْءِ يَقُولُ: «اذْهَبُوا بِهِ إِلَى فُلَانَةٍ، فَإِنَّهَا كَانَتْ
صَدِيقَةَ خَدِيجَةَ. اذْهَبُوا بِهِ إِلَى بَيْتِ فُلَانَةٍ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ
خَدِيجَةَ» (([15]))
.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ
مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ،
وَمَا بِي أَنْ أَكُونَ أَدْرَكْتُهَا وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِكَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ
فَيَتَتَبَّعُ بِهَا صَدَائِقَ خَدِيجَةَ فَيُهْدِيهَا لَهُنَّ»: (([16]))
يقول توماس كارليل- منبهرًا بوفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - لزوجته
السابقة المتوفاة: (...كان وفاؤه وفاءً لا تحده حدود.... إنه لم ينس أبدًا زوجته الطيبة
الكريمة الأخلاق خديجة. وبعد وفاة زوجته أم المؤمنين خديجة بوقت طويل، سألته زوجته
الشابة، وهى امرأة كانت تشعر بمكانتها المتميزة بين نساء النبي، وسألته يومًا قائلة
له: " ألستُ أنا الآن أفضل من خديجة؟ لقد كانت أرملة تقدم بها العمر، وكانت قد
فقدت رونق شبابها. ألست تحبني أنا أكثر مما كنت تحبها؟ فقال لها: " لا، والله
لقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، وصدقتنى إذ كذبني الناس، ورزقت
منها الولد وحُرِمتموه مني").(([17]))
المفتاح
الثامن: فهم النفسيات:
و لقد كان نبيكم صلى الله عليه
وسلم يفهم نفسية زوجاته في حال الرضا أو الغضب، و ذلك أساس لو فهمه كثير من
الأزواج لما وجدت خلافات و لا مشاحنات داخل الأسرة فها هو صلى الله عليه وسلم يفهم
نفسية زوجته و يعلم من خلالها إن كانت راضية عنه أو غضبى منه صلى الله عليه وسلم ففي
الصحيحَين عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم: إِني لأعلم إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ
عَلَيَّ غَضْبَى قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمِنْ أيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ ؟ قَالَ: أمَّا
إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لا. وَرَبِّ مُحَمَّدٍ
وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى، قُلْتِ: لا . وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ، قَالَتْ: قلْتُ: أجَلْ.
وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا اهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ.. (([18]))
المفتاح
التاسع: العدل:
والعدل هو
أساس الملك و العدل هو أساس السعادة و الأسرة التي يغيب عن سمائها العدل تعيش في
شقاء و عناء و بغض و شحناء و لقد كان صلى الله عليه وسلم أعدل الخلق مع زوجاته رغم
أنه كان تحته تسعة نسوة فلم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه فضل امرأة على أخرى أو
ظلم امرأة من نسائه صلى الله عليه وسلم ..... عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
قَالَتْ عَائِشَةُ: «يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - لَا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ، مِنْ مُكْثِهِ
عِنْدَنَا، وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا،
فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ، حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى
الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتَ عِنْدَهَا» ([19])
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم - يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَذَا
قَسْمِي، فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي، فِيمَا تَمْلِكُ، وَلَا أَمْلِكُ».
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: يَعْنِي الْقَلْبَ " أبو داود([20])
عن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى
الله عليه وسلم - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا
أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا
خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا،
وَلَيْلَتَهَا غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا
لِعَائِشَةَ»([21])
فالنبي صلى الله عليه وسلم يطوف على
زوجاته ويتفقد أحوالهن ولكن من غير جماع ، أو مبيت ، ولا يكون مبيته إلا عند التي
هو يومها ، وهذا من عدله صلى الله عليه وسلم ، وقسمه بين زوجاته رضوان الله عليهن
، لأنه لو لم يتفقد أحوال الواحدة إلا في يومها ، لكان في ذلك مشقة عليهن لكثرتهن
، ولاحتياج كل واحدة لشيء من متطلبات الحياة ، فكان عليه الصلاة والسلام يطوف
عليهن ويداعبهن ويلاطفهن من غير جماع ، وذلك لتطمئن نفوسهن ، مع أن الله تعالى لم
يوجب على نبيه القسم بين نسائه وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم ، فله أن يرجي
من يشاء منهن ويؤوي إليه من يشاء ، وأن أعينهن قارة بذلك وراضية به ، لأنه أمر
الله تعالى ، ومع ذلك فكان عليه الصلاة والسلام أعدل الناس مع نسائه ، وأعظمهم
قسماً لهن . وكان تفقده صلى الله عليه وسلم لنسائه بعد صلاة العصر، ويشهد لذلك
حديث عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى
العصر دار على نسائه ثم يدنو منهن . . . الحديث " ([22])
أقول قولي هذا واستغفر
الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
أما
بعد: .........................
المفتاح العاشر الرضا والقناعة:
إخوة الإسلام: إن من أسباب الخلافات
الزوجية وانتشار ظاهرة الطلاق عدم الرضا والقناعة لأن الشاب أو الفتاة يعيش في
فترة الخطوبة بصورة مزيفة فيظهر البذل والجود والعيش في مستوى أكبر من مستواه فإذا
تم الزواج يظهر كل إنسان على حقيقته ولا يرضى بالواقع لذا لابد أن نربي أبنائنا
على القناعة والرضا وأن نعلمهم دستور السعادة الزوجية ومفتاحها من خلال حياة خير
البرية صلى الله عليه وسلم فقد كان بيت النبوة كله رضا وكله قناعة .... قناعة
بالمسكن والفراش كَانَتْ عَائِشَةُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ فِي بُكَائِهَا عَلَيْهِ: "بِأَبِي، مَنْ
لَمْ يَنَمْ عَلَى الْوَثِيرِ(([23]))
وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ"(([24]))
قناعة بالطعام
وإن كان رديئا عَنْ أبِي حَازِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فَقُلْتُ:
هَلْ أَكَلَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيَّ؟ فَقَالَ
سَهْلٌ: مَا رَأَى رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيَّ مِنْ
حِينَ ابْتَعَثَهُ الله حَتَّى قَبَضَهُ الله، فَقُلْتُ: فهَلْ كَانَتْ لَكُمْ على
عَهْدِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَاخِلُ؟ قَالَ: مَا رَأَى
رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْخُلًا مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ
الله حَتَّى قَبَضَهُ الله، قَالَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غَيْرَ
مَنْخُولٍ؟ قَالَ: كُنَّا نَطْحَنُهُ وَنَنْفُخُهُ فَيَطِيرُ مَا طَارَ وَمَا
بَقِيَ ثَرَّيْنَاهُ فَأَكَلْنَاهُ(([25]))
عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ الْبُرِّ ثَلَاثَ لَيَالٍ تِبَاعًا
حَتَّى قُبِضَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ُ(([26]))
عن عائشة رضي
الله عنها : (إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ ثُمَّ
الْهِلَالِ ، ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ ، وَمَا أُوقِدَ فِي أَبْيَاتِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ ، فسئلت : فَمَا كَانَ
يُعَيِّشُكُمْ ؟ قَالَتْ : الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ ، إِلَّا أَنَّهُ
قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِيرَانٌ مِنْ
الْأَنْصَارِ وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ ، فَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَلْبَانِهَا فَيَسْقِينَاهُ)(([27]))
.
وعنها رضي
الله عنها قالت: (تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمَا فِي رَفِّي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ) (([28])).
وعن ابن عباس
رضي الله عنهما قال : (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَبِيتُ اللَّيَالِي الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا ، وَأَهْلُهُ لاَ يَجِدُونَ
عَشَاءً ، وَكَانَ أَكْثَرُ خُبْزِهِمْ خُبْزَ الشَّعِيرِ)(([29]))
.
وعن أبي هريرة
-رضي الله عنه- (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يربط على بطنه الحجر
من الغرث – يعني الجوع -) (([30]))
وقال عمرو بن
الحارث رضي الله عنه : (مَا تَرَكَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ
سِلاَحَهُ وَبَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ ، وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَةً) (([31]))
إن أسوأ ما
يلحق العبد أن يُحرم الرضا، فيمسي ويصبح شاكيا متبرما مما قدر الله له من رزق، أو
ما امتحنه به من بلاء، فإنه سبحانه طمأن القلوب في محكم تنزيله برزقه الموصول
ورحمته الواسعة، وحسب المؤمن كدًا وانشغالاً دخوله تحت قوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ
رَبَّهُ} [سورة البينة:8].
إن طاحونة
الاستهلاك التي ألقي فيها المسلم المعاصر طوعا أوكرها أفقدته الإحساس بالرضا،
وأرخت على وجوده ستارا من الهواجس والتوقعات المخيبة للآمال، فقلما يفلت اليوم أحد
من هوس التملك والذعر المتواصل الذي تخلفه الإعلانات المبثوثة في كل زاوية وركن،
لهاث مستعر لتأثيث الحياة بمئات، وربما آلاف المنتجات والسلع التي تتجدد في كل
لحظة، وأوهام تمزج السعادة بالتبضع، وترى في القناعة ضربا من الخبل أو العجز عن
مسايرة الركب، وما أسوأه من ركب !
هذا هو محمد-صلى
الله عليه وسلم-زوجاً، وهذه هي بعض معاملاته وأخلاقه مع أزواجه فقد كان أفضل
الأزواج على الإطلاق. فهل للأزواج اليوم أن يحسنوا معاملة ومعاشرة أزواجهم كما كان
نبيهم-صلى الله عليه وسلم-، هل للأزواج أن يغيروا من أسلوب القهر والظلم على
الزوجات. آمل أن تكون حيات النبي -صلى الله عليه وسلم-قدوة لنا نجعلها نصب أعيينا
في التعامل مع أزواجنا.
وصلى الله على
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه.
([2]) - أخرجه البخاري في بدء الخلق (3217)، وفي الاستئذان (6249). وفي فضائل
الصحابة (3768)، وفضل عائشة (6201)، ومسلم (2447)، والنسائي في الكبرى (8358).
([6]) -
أخرجه النسائي (1/ 147 و 192/ 273 و 385)، وأحمد (6/ 331
و 334)، وإسحاق (4/ 219 - 220/ 2026)، وعبد الرزاق (1/ 325/ 1249)
([9]) -
رواه أحمد ح 26320 , (وأبو داود ) 2578 , (و ابن حبان في
صحيحه) 4691 , صحيح الجامع: 7007 , والصحيحة
([11]) -
رواه ابن عساكر في "التاريخ" (18/ 153/ 1) ،
وأبو منصور ابن عساكر في "الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين" (37/ 2)
تعليقات
إرسال تعليق