تذكرة النبلاء بفضائل سيناء.pdf



تذكرة النبلاء بفضائل سيناء

الشيخ السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى

الحمد لله ذي العزة و الكبرياء.

 الحمد الله الذي تجلى لموسى في أرض سيناء.

 الحمد لله الذي جعل من سيناء معبرا لصفوة خلقه من الأنبياء.

الحمد لله الذي جعل سيناء مقبرة للغزاة والأعداء.

 الحمد لله الذي وضع الخير والبركة والنماء في سيناء.

الحمد لله الذي اقسم بالتين والزيتون والطور من سيناء.

وأشهد أن لا اله إلا الله من له العزة و البقاء. ومن حكم على بني إسرائيل بالتيه في سيناء

وأشهد أن محمدا سيد الأوفياء من أخبرنا أن نجاتنا من يأجوج ومأجوج تكون بالتحصن في طور من سيناء

أما بعد ...................حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون الأغر عن:

 أرض تجلى الله عز وجل فيها لكليمه موسى عليه السلام

عن أرض البركة والنماء عن أرض شهدت نزول التوراة 

عن ارض هي حصن المؤمنين وعيسى عليه السلام من خطر يأجوج ومأجوج

حديث عن قطعة من القلب

 حديثنا عن سيناء أرض التضحية والفداء عن أرض يقيناه من دماء الشهداء  

ولـ مصر في قلب الزمان رسالة مكتوبة يصغي لها الأحياء

من مصر تبدأ قصة في طيها تروي الحوادث والعلا سيناء

ولـ مصر آيات الوفاء ندية أبناؤها الأصداء والأنداء

هي مصر إن أنشدتها متشوقاً طرب الزمان وغنت الورقاء

ما مصر إلا الفجر والدمع السخي وإنها سر المحبة حاؤها والباء

معنى كلمة سيناء: هل تدرون أيها الإخوة ما معنى سيناء:

قالوا: وكلمة سيناء-بفتح السين والمد على الراجح-معناها: الحسن باللغة النبطية.

أو معناها: الجبل المليء بالأشجار.

 وقيل: مأخوذة من السنا بمعنى الارتفاع.

أقسم الله بطور سيناء: 

اعلموا عباد الله تعالى من فضائل سيناء أن الله تعالى اقسم الله تعالى بطورها مرتين و اسمى سورة في القران الكريم باسمه و هي سورة الطول

الطور في اللغة: كل جبل نبت فيه الشجر، لكن الطور إذا أطلق ينصرف إلى ذلك الجبل المبارك، الذي كلم الله جل وعلا عنده نبيه موسى عليه الصلاة والسلام، ومعلوم أن موسى أحد أعظم أنبياء بني إسرائيل، وقد سمى الله جل وعلا سورة مكية في القرآن باسم ذلك الجبل، قال الله جل وعلا: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور:1 - 2]

افتتح الله-تعالى-هذه السورة الكريمة بالقسم بخمسة أشياء هي من أعظم مخلوقاته، للدلالة على كمال قدرته، وبديع صنعته، وتفرد ألوهيته.. فقال-سبحانه-: وَالطُّورِ والمراد به جبل الطور، والمشار إليه في قوله-تعالى-: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ.

قال القرطبي: والطور: اسم الجبل الذي كلم الله-تعالى-عليه موسى. أقسم الله به تشريفا وتكريما له، وتذكيرا لما فيه من الآيات ... وقيل: إن الطور اسم لكل جبل أنبت، ومالا ينبت فليس بطور «[1]» .

وغلب علما على طور سينا الذي ناجى فيه موسى عليه السلام، وأنزل عليه فيه الألواح المشتملة على أصول شريعة التوراة.

فالقسم به باعتبار شرفه بنزول كلام الله فيه ونزول الألواح على موسى وفي ذكر الطور إشارة إلى تلك الألواح لأنها اشتهرت بذلك الجبل فسميت طور المعرب بتوراة.([2])

إنه الذي أقسم الله به لفضله على الجبال. إذ قد روي أن الله تعالى أوحى إلى الجبال إني مهبط على أحدكم أمري. يريد رسالة موسى عليه السلام، فتطاولت كلها إلا الطور فإنه استكان لأمر الله وقال حسبي الله، فأهبط الله الأمر عليه.([3])

و أقسم مرة أخر في ور التين قال تعالى: (( والتين والزيتون وطور سينين. وهذا البلد الأمين ))

ومعنى القسم بهذه الأشياء إبانة شرفها وما ظهر فيها من الخير بسكنى الأنبياء والصالحين. فمنبت التين والزيتون مهاجر إبراهيم عليه السلام ومولد عيسى ومنشأه، والطور هو المكان الذي نودي عليه موسى عليه السلام، ومكة مكان مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه ومكان البيت الذي هو هدى للعالمين.([4])

و ذكرها الله في بيان قدرته ووحدانيته فقال { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} [المؤمنون: 20]

*أنها أول أرض شهدت أول وحي إلهي مباشر بغير واسطة (جبريل عليه السلام)، وذلك عند جبل الطور بسيناء على أرض مصر، قال تعالى عن سيدنا موسى عليه السلام: { وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } (مريم 52)..  و قال جل شأنه {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) } [طه: 9 - 16]

قبس بدا من جانب الصحراء ** هل عاد عهد الوحي في سيناء

أرنو إلى الطور الأشم فأجتلي ** إيماض برق واضح الإيماء

حيث الغمامة والكليم مروع ** أرست وقوراً أيما إرساء

دكناء مثقلة الجوانب رهبة ** مكظومة النيران في الأحشاء

حتى تكلم ربها فتمزقت ** بين الصواعب في سنى وسناء

وتنزلت أحكامه في لوحها ** مكتوبة آياتها بضياء

*وهي الأرض التي شهدت أولَ تدريب موسى عليه السلام على معجزة العصا، والذي سيستخدمها فيما بعد مع قومه بني إسرائيل حين يضرب بها الحجر، فتنفجر منه اثنتا عشر عينًا بالماء، ومع سحرة فرعون حين تلفق ما كانوا يأفكون، ومع فرعون ومطاردته مع جنوده لموسى وقومه، فيضرب بها البحر فينفلق كل فرق كالطود العظيم.

* وهي الأرض التي شهدت أولَ حوار وقع بين موسى وبين ربه عز وجل، بعد أن عرف بنبوته، وهو حوار للإيناس والتهيئة التي أشرنا إليها سابقًا، قال تعالى: { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23).........الآيات }[سورة طه].

*وهي الأرض التي استجاب الله فيها لرغبة موسى عليه السلام، فجعل معه أخاه هارون نبيًّا ووزيرًا ليشد من أزره، قال تعالى: { وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36)} [سورة طه]

*وهي الأرض التي انفرد جبلها (جبل الطور) من بين جبال الكرة الأرضية بأنه مبارك مشهور معروف إذا ذكر في القرآن معرَّفًا، فالمتأمل لكلمة (جبل) في القرآن سيجد أنها ذكرت ست مرات، منها ثلاث مرات نكرة، أي لا يعلم أي جبل، ومنها ثلاثة مقرونة بأل التعريف، إشارة إلى هذا العلم المشهور المبارك (جبل الطور).

*وهي الأرض التي تجلى الله فيها للجبل

فهو الجبل الذي شهد ظاهرة فريدة لم تجرِ أحداثها فوق أي أرض إلا على أرضٍ مصر في جبل الطور ؛ حيث تجلى الله تعالى للجبل فجعله دكّا وخرّ موسى صعقًا، قال تعالى: { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:143]

عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: جاء رجل من اليهود إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد لُطم وجهه وقال: يا محمد إن رجلاً من أصحابك من الأنصار لطم وجهي. قال: "ادعوه"، فدعوه، قال: "لِمَ لطمتَ وجهه؟ " قال: يا رسول الله، إني مررت باليهود، فسمعته يقول: والذي اصطفى موسى على البشر. فقلت: وعلى محمد؟ وأخذتني غضبة فلطمته. قال: "لا تخيّروني من بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يُفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جُزي بصعقة الطور".([5])

عن أنس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ هذه الآية: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً) قال حماد: هكذا وأمسك سليمان بطرف إبهامه على أنملة إصبعه اليمنى قال: فساخ الجبل (وخر موسى صعقاً) .([6])

*تواضع كليم الله- وكان موسى عليه السلام إذا مشى ليكلم الله في طور سيناء؛ يمشي قليلاً ويسجد على الأرض، ويبكي ويقول: [[اللهم إليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك]].

فكان يرفعه الله درجة حتى كلمه.

ويقول ابن كثير في تفسيره وأهل الأثر: كان الله إذا كلم موسى وجد النور على وجهه أربعين يوماً من آثار ذاك الكلام وذكر ابن كثير في سورة طه: أن الله قال لموسى: أتدري لماذا اخترتك من بين الناس رسولاً ونبياً؟! قال: لا، قال: نظرت إلى قلوب الناس فوجدت قلبك يحبني أكثر الناس، ووجدت قلبك أكثر الناس تواضعاً لي.

*عجلة كليم الله إلى لقا الله جل جلاله :

وبعد عبورهم إلى سيناء وعد الله موسى ثلاثين ليلة، ثم أتمها بعشر: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف:142]، وفي سورة البقرة: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} [البقرة:51].

فخرج موسى إلى جبل الطور بوعد من الله بعد صيام واعتكاف وطاعات وقرب، فقال الله له: تعال يا موسى مع قومك من بني إسرائيل، هم يقتربون من جبل الطور وأنت تصعد إلى أعلى الجبل، حتى يكلمك ربك ويوحي إليك بالتوراة التي فيها هدى ونور لإصلاح بني إسرائيل، {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [الأعراف:145]، وكان موسى قد قال لقومه: سأذهب للقاء ربي ثلاثين يوماً -ولم يقل: أربعين؛ لأن الله زاده عشرة بعد أن ضرب له ثلاثين- ثم أنتم تأتون في أثري مع أخي هارون، فقال الله له: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى} [طه:83]، أي: لماذا تركت وتعجلت قبل بني إسرائيل؟ فهم إذا غبت عنهم ينحرفون عن الطريق السوي، فقال: {هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي} [طه:84]، أي: هم سيقدمون خلفي مع أخي هارون، {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:84]، إنه تعجيل بالطاعة، لكن حال بعض الناس أنه يسوف، فإذا قلت له: صل، رد عليك: بعد أن أنتهي من التعليم، وإن قلت لامرأة كاشفة: تحجبي، ترد عليك: بعد أن أُخطب أو بعد الزواج أو بعد الإنجاب! تسويف، فالشيطان يسوّف للإنسان ويمهله، ولا يدري متى سيموت؟ فعجّل بالطاعة على التو، ولا تسوف أبداً.

*هو الجبل الذي شهد نزول الألواح أو كتاب التوراة، قال تعالى: { وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)} [سورة الأعراف].

عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "احتجّ آدم وموسى، فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا، خيبتنا وأخرجتنا من الجنة. قال له آدم: يا موسى اصفاك الله بكلامه وخطّ لك بيده، أتلومني على أمر قدّره الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحجّ آدم موسى، فحجّ آدم موسى "ثلاثا".([7])

وهو الجبل الذي شهد مجيء موسى بسبعين رجلًا من قومه للتوبة عند الطور فأخذتهم الرجفة، قال تعالى: { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا } [الأعراف:155].

*وهو الجبل الذي شهد هذه القاعدة الإلهية (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)، فحين أخذتهم الرجفة قال موسى عليه السلام مخاطبًا ربه عز وجل: { قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف]، فكانت الإجابة من قبل الله عز وجل: { قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)}[الأعراف]

*وهي الأرض التي سميت بهذه الخصوصية (الوادي المقدس طوى) فانعكست على مكانة موسى بين الأنبياء، قال تعالى: { إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى } [سورة طه:12].

سيناء والعقوبات الإلهية لبني إسرائيل

إخوة الإسلام و لقد شهدت سيناء عقوبات ربانية لبني إسرائيل جرا تعتنهم و عصيانهم  نذكر منها :

رفع جبل الطور فوق رؤوس بني إسرائيل

 وهو الجبل الذي شهد ذلك اللقاء الذى رفع الله جل وعلا الجبل فوق بنى إسرائيل وأخذ عليهم فيه العهد والميثاق: { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) } [سورة الأعراف].

قيل: «إن موسى لما أتى بنى إسرائيل بالتوراة وقرأها عليهم وسمعوا ما فيها من التغليظ كبر ذلك عليهم، وأبوا أن يقبلوا ذلك، فأمر الله الجبل فانقطع من أصله حتى قام على رءوسهم مقدار عسكرهم، فلما نظروا إليه فوق رءوسهم خروا ساجدين، فسجدوا كل واحد منهم على خده وحاجبه الأيسر، وجعل ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل خوفا من أن يسقط فوقهم ([8]) .

أي: واذكر يا محمد وذكر بنى إسرائيل المعاصرين لك وقت أن رفعنا الجبل فوق آبائهم الذين كانوا في عهد موسى حتى صار كأنه غمامة أو سقيفة فوق رءوسهم لنريهم آية من الآيات التي تدل على قدرتنا وعلى صدق نبينا موسى- عليه السلام-. ([9])

ثم يأتي التحديد بموضع معين في الجبل، وذلك في اللقاء الذي حدث عنده فيقول تعالى لبني إسرائيل: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ)

وجانب الطور الأيمن من جبل الطور كان فيه أول وحي وحوار جرى بين موسى مع ربه، كما كان ذلك اللقاء الذي رفع فيه الله الجبل فوق بني إسرائيل وأخذ عليهم فيه العهد والميثاق (وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ) –

أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم  فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

أما بعد :.............................

سيناء وتيه بني إسرائيل

عباد الله: بعدما أنجى الله -عز وجل- بني إسرائيل من فرعون وقومه الذين ساموه سوء العذاب دهرًا، ثم أهلك فرعون وقومه بالغرق، وجعلهم بعد ذلك أحرارًا بعد أن كانوا عبيدًا أذلاّء، وجعل فيهم عددًا من الأنبياء يرشدونهم وقد كانوا جهلاء ضلالاً، وفجّر لهم الصخر، وأنزل عليهم المن والسلوى، وآتاهم ما لم يؤتِ أحدًا من العالمين، وإتمامًا لنعم الله -عز وجل- عليهم أوحى الله -عز وجل- إلى موسى أن يتجه ببني إسرائيل إلى الأرض المقدسة من بلاد الشام، وهي أرض الميعاد التي وعد الله -عز وجل- إبراهيم الخليل أن يجعلها ملكًا للصالحين من ذريته والقائمين على شريعته.

ولكن بني إسرائيل اعتادوا على ظلم فرعون وقومه وإذلالهم، حتى هانوا على أنفسهم، وحبب إليهم الضعف والاستسلام، فلم يكادوا يسمعون كلمة الغزو أو يكلفون دخول أريحا حتى قالوا لموسى جبنًا وضعفًا: (إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ)[المائدة:22] ، وكأنهم طمعوا أن يخرجوا منها بما ألفوا من المعجزات وخوارق العادات، ثم يدخلوا موفورين لم يقاتل أحد منهم في سبيل الله، شأنهم في ذلك شأن الضعيف العاجز والخائر الجبان، ولكن رجلين كانا ممن طبعهم الله على الإيمان توجها إلى القوم ناصحين ومرشدين فقالوا: (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [المائدة:23]، ولكنهم بقوا على خوفهم وجبنهم وقالوا لموسى: (يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) [المائدة:24] .

وعند ذلك عجز فيهم موسى ولم يجد من ينصره بعد الله -عز وجل- إلا أخاه هارون، فأمامه عدو قوي المراس كثير الجنود، فتوجه إلى الله داعيًا الله -عز وجل-: (رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) [المائدة:25]، فأوحى الله -عز وجل- إليه أن دعهم يتيهون في هذه البيداء من أرض سيناء، يضربون في جوانبها، ويخبطون في نواصيها، أربعين عامًا، حتى يفنى كبراؤهم، ويهلك رؤساؤهم، ويظهر بعدهم جيل عزيز قوي الجانب صنيع الساحة، حينئذٍ يعودون إلى الغزو ويركبون متن الجهاد؛ قال تعالى: (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) [المائدة:26]، والتيه المفازة، ثم بعد هلاكهم دخلها أبناؤهم الذين ولدوا في التيه.

جبل الطور هو الحز والحص الذي سيتحصن فيه نبي الله عيسى عليه السلام من يأجوج و مأجوج :

عن النَّوَّاسِ بن سَمْعانَ قال: ذَكَرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الدَّجَّالَ فقال: "إنْ يَخْرُجْ وأنا فيكُم فأَنا حَجِيْجُهُ دُونَكُمْ، وإنْ يَخْرُجْ ولَسْتُ فيكُم فامرُؤٌ حَجِيْجُ نَفْسِهِ، والله خليفَتي على كُلِّ مُسْلِمٍ، إنَّهُ شابٌّ قَطَطٌ عينُهُ طافِئةٌ، كأنَّي أُشَبهُهُ بِعَبْدِ العُزَّى بن قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ منكُمْ فلْيَقْرأْ علَيهِ فواتِحَ سُورةِ الكَهْفِ"قُلنا: يا رسولَ الله! وما لَبْثُهُ في الأَرْضِ؟ قال: "أَرْبعونَ يَوْمًا، يومٌ كسَنةٍ، ويَوْمٌ كَشَهْرٍ، ويَوْمٌ كجُمُعَةٍ، وسائِرُ أيَّامِهِ كأيَّامِكُمْ"، قُلنا: يا رسولَ الله! فذلكَ اليَوْمُ الذي كسَنةٍ أيَكفِينا فيهِ صلاةُ يومٍ؟ قال: "لا، اقْدُروا لهُ قَدرَهُ". قُلنا: يا رسولَ الله! وما إسْراعُهُ في الأَرْضِ؟ قال: "كالغَيْثِ استَدْبَرتْهُ الرَّيحُ، فيأْتي على القَوْمِ فيَدعوهُمْ فيُؤمِنونَ بهِ، فيأْمُرُ السَّماءَ فتُمطِرُ، والأَرض فتُنبتُ، فتَروحُ عليهم سارحَتُهُمْ أطولَ ما كانتْ ذُرًى، وأسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وأَمَدَّهُ خَواصِرَ، ثم يأتي القَوْمَ فيَدعوهُم فيَردُّونَ عليهِ قولَهُ، فيَنصرِفُ عنهُمْ، فيُصبحونَ مُمْحِلينَ ليسَ بأَيْديهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوالِهِمْ، ويمرُّ بالخَرِبَةِ فيقولُ لها: أَخْرِجي كُنوزَكِ فتتبَعُهُ كنوزُها كيَعاسِيبِ النَّحْلِ، ثمَّ يَدعُو رَجُلاً مُمْتلِئًا شبابًا، فيَضْرِبُهُ بالسَّيْفِ فيقطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَميَةَ الغَرَضِ، ثمَّ يَدعُوه فيُقبلُ ويَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ، فَبَيْنَما هوَ كذلكَ إذْ بَعَثَ الله المَسيحَ ابن مَرْيمَ، فيَنزِلُ عِندَ المنارَةِ البَيْضاءَ شرْقِيِّ دِمَشْقَ بينَ مَهْرودَتَيْنِ واضعًا كفَّيْهِ على أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إذا طَأْطَأَ رأسَهُ قَطَرَ، وإذا رفعَهُ تَحَدَّرَ منهُ مِثْلُ جُمانٍ كاللُّؤْلؤِ، فلا يَحِلُّ لكافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إلا ماتَ، ونَفَسُهُ يَنْتَهي حَيْثُ يَنْتَهي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حتَّى يُدرِكَهُ ببابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُه، ثمَّ يأتي عيسَى قَوْمٌ قد عَصَمَهُمُ الله مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عنْ وُجوهِهِمْ ويُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجاتِهِمْ في الجَنَّةِ، فبينَما هوَ كذلكَ إذْ أَوْحَى الله إلى عيسى: إنَّي قد أَخْرَجتُ عِبادًا لي لا يَدانِ لأَحَدٍ بقتالِهمْ فَحَرِّزْ عِبادِي إلى الطُّورِ، ويَبْعَثُ الله يأْجُوجَ ومَأْجُوجَ {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} فيمُرُّ أوائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرةِ طَبَرِيَّةَ، فيشرَبونَ ما فيها، ويمُرُّ آخِرُهُمْ فيقولُ: لقدْ كانَ بهذِهِ مَرَّةً ماءٌ، ثمّ يَسيرونَ حتَّى يَنتهُوا إلى جَبَلِ الخَمْرِ، وهو جَبلُ بيتِ المَقْدِسِ، فيقولونَ: لقدْ قَتَلنا مَنْ في الأرضِ، هَلُمَّ فلْنَقْتُلْ مَنْ في السَّماءِ، فيَرمُونَ بنشَّابهِمْ إلى السَّماءِ، فيرُدُّ الله عليهِمْ نُشَّابَهُم مَخْضُوبَةً دَمًا. ويُحْصَرُ نبَيُّ الله وأَصْحابُهُ حتَّى يكونَ رأسُ الثَّوْرِ لأَحدِهِم خَيرًا مِنْ مِئَةِ دِينارٍ لأحدِكُمُ اليَوْمَ، فيَرْغَبُ نبيُّ الله عِيسَى وأَصحابُهُ إلى الله، فيُرسِلُ الله عَلَيهِمُ النَّغَفَ في رِقابهِمْ، فيُصْبحونَ فَرْسَى كمَوْتِ نَفْسٍ واحِدَةٍ، ثمّ يَهبطُ نبيُّ الله عيسَى وأصحابُهُ إلى الأَرْضِ، فلا يَجدونَ في الأَرْضِ موضعَ شِبرٍ إلَّا مَلأَهُ زهَمُهُمْ ونَتْنُهُم، فَيَرْغَبُ نبيُّ الله عيسَى وأصحابُهُ إلى الله، فيُرسِلُ الله طيرًا كأعْنَاقِ البُخْتِ فَتَحمِلُهُمْ فتطرَحُهُمْ حَيْثُ شاءَ الله "([10])



[1] - تفسير القرطبي ج 17 ص 58.

[2] - التحرير والتنوير (27/ 37)

[3] - تفسير ابن عطية (5/ 185)

[4] - البحر المحيط في التفسير (10/ 503)

[5] -(صحيح البخاري  8/152-153 ح 4638 -ك التفسير- سورة الأعراف، ب الآية) ، وأخرجه مسلم (الصحيح4/1843 - ك الفضائل، ب من فضائل موسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .

[6] - السنن 5/265 ح 3074 - ك تفسير القرآن، ب ومن سورة الأعراف) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة. وأخرجه أحمد في المسند (3/125) ، وابن خزيمة في التوحيد (1/258-263 ح 162-166) ، والحاكم في المستدرك (2/320-321 -ك التفسير) ، والضياء المقدسي في (المختارة 5/54-57 ح 1672-1675)

[7] -(الصحيح 11/ 513 ح 6614 - ك القدر، ب تحاج آدم وموسى عند الله) .

[8] - حاشية الجمل على الجلالين ج 2 ص 306.

[9] - التفسير الوسيط لطنطاوي (5/ 429)

تذكرة النبلاء بفضائل سيناء.pdf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة فيض الإله بخلق المواساة.pdf

الحقوق العشر للوطن في الإسلام

خطبة الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان.pdf