وسائل الثبات أمام المتغيرات والتحديات.pdf
وسائل الثبات أمام المتغيرات والتحديات
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد إخوة الإيمان : في زمن المتغيرات
السريعة، وفي زمن الفتن الحالكة حيث استعرت فيه نار الشهوات، وأصبحت الجولة فيه
لأهل الباطل وجنده، وأضحى المسلمون فيه ضعفاء يختطفهم الناس من حولهم، وأصبح
المسلم غريبا بين أهله وقومه، وأصبح المسلم في حاجة الى ما يثبت به فؤاده على
الإيمان، ويربط على وأركانه ويثبت أقدامه على الصراط المستقيم، فهو في حاجة إلى
معرفة وسائل الثبات أمام تلك الفتن: فتنة الظلمة والطغاة، وفتنة الشهوات، أمام
المصائب والبلايا، والثبات عن الممات.
فهيا لنرى تلك الوسائل التي تثبت أقدمنا و
تربط على قلوبنا
أولا: الاعتصام بكتاب الله تعالى:
ذلك الكتاب الذي نزله على نبيه r منجما ليثبت به فؤاده
....
يقول الشيخ محمد المنجد: " القرآن
العظيم وسيلة الثبات الأولى، وهو حبل الله المتين، والنور المبين، من تمسك به عصمه
الله، ومن اتبعه أنجاه الله، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم.
نص الله على أن الغاية التي من أجلها أنزل
هذا الكتاب منجماً مفصلاً هي التثبيت، فقال تعالى في معرض الرد على شُبه الكفار: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ
الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ
وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)} [الفرقان: 32]}
* لماذا كان القرآن مصدراً للتثبيت
؟؟
1-لأنه يزرع الإيمان ويزكي النفس بالصلة
بالله.
2-لأن تلك الآيات تتنزل برداً وسلاماً على
قلب المؤمن فلا تعصف به رياح الفتنة، ويطمئن قلبه بذكر الله.
3-لأنه يزود المسلم بالتصورات والقيم
الصحيحة التي يستطيع من خلالها أن يُقوِّم الأوضاع من حوله، وكذا الموازين التي
تهيئ له الحكم على الأمور فلا يضطرب حكمه، ولا تتناقض أقوله باختلاف الأحداث
والأشخاص.
4- أنه يرد على الشبهات التي يثيرها أعداء
الإسلام من الكفار والمنافقين كالأمثلة الحية التي عاشها الصدر
و من منطلق القران الكريم تتولد جميع
وسائل الثبات ، فهو يدعو إلى الصبر و إلى الاعتصام بحبل الله و إلى تدبر قصص الأنبياء ، و إلى الدعاء ، فالقرآن الكريم
أعظم مصدر للتثبيت لأنه يزرع الإيمان و يقوي الصلة بالله كما أنه العاصم من الفتن
و كيد الشيطان وغوايته ، كما أنه يزود المسلم بالتصورات و القيم الصحيحة التي يستطيع
على ضوئها أن يُقوم الأوضاع التي حوله تقويما صحيحا ، كما أن القرآن الكريم بما
اشتمل عليه من أحكام و صول و قوعد و حكم
وقصص يرد على الشبهات ، فإن عُلِم ذلك كله لزم على من أراد الثبات في الدنيا و
الأخرة ، و الفوز بالنعيم المقيم أن يتخذ القرآن سميره و أنيسه وأن يجعله رفيقه
"
ثانيا: الإيمان بالقضاء والقدر:
فمن وسائل الثبات على الإيمان أن يؤمن العبد
بالقضاء و القدر ، و أن كل شيء مكتوب بقد ، و أن كل شيء في كتاب ، "فإذا آمن
العبد بأنَّ كل ما يصيبه مكتوب، وآمن أن الأرزاق والآجال بيد الله، فإنه يقتحم
الصعاب والأهوال بقلب ثابت وهامة مرفوعة، وقد كان هذا الإيمان من أعظم ما دفع
المجاهدين إلى الإقدام في ميدان النزال غير هيابين ولا وجلين، وكان الواحد منهم
بطلب الموت في مظانه، ويرمى بنفسه في مضائق يظن فيها هلكته، ثم تراه يموت على
فراشه، فيبكي أن لم يسقط في ميدان النزال شهيداً، وهو الذي كان يقتحم الأخطار
والأهوال.
وكان هذا الإيمان من أعظم ما ثُبَّت قلوب
الصالحين في مواجهة الظلمة والطغاة، ولا يخافون في الله لومة لائم، لأنهم يعلمون
أن الأمر بيد الله، وما قدر لهم سيأتيهم.
وكانوا لا يخافون من قول كلمة الحق خشية
انقطاع الرزق، فالرزق بيد الله، وما كتبه الله من رزق لا يستطيع أحد منعه، وما
منعه الله لعبد من عبيده لا يستطيع أحد إيصاله إليه.(
ثالثا: الاعتصام بالله
والافتقار إليه:
اعلم بارك الله فيك أنه إذا عرفت الهدف وبان لك الطريق ورضيت بهما فإياك
أن تعتمد على نفسك الضعيفة وعلى حولك وقوتك، فأنت أخي مهما بلغت ضعيف والله تعالى
يقول {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء:
28] نعم لا حول ولا قوة لك إلا بالله، فعليك في زمن الفتن والشبهات والشهوات
بالاعتصام بالله، أليس المتغيرات تتلاحق؟ أليس الشبهات والشهوات تموج كموج البحر
فلا عاصم لك إلا بالله.
تأمل: أخي لماذا نشكو للناس؟ لماذا تئن
بضعف نفسك؟
اشك الأمر لله، كن مع الله، إذا سجدت
فأعلن ضعفك وافتقارك لله " {وَمَنْ يَعْتَصِمْ
بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101]
ألست تريد الهداية إلى الصراط المستقيم؟
إذن اعتصم بالله تعالى، أعلن دائما في كل
لحظة الضعف والافتقار أكثر من الدعاء والانكسار في مثل هذا الزمن، فلا عاصم لك من
الفتن إلا الله، لا معين ولا منجي لك في زمن الشهوات إلا الله، لك في رسول الله × أسوة فقد كان × يكثر
في سجوده من قوله "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى
دينك".(
بل كان ×يقول
" اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ وَالْعَزِيمَةَ
عَلَى الرُّشْدِ "(
فأين نحن إذن من تكرار مثل هذا الأدعية خاصة في
مثل هذا الزمن؟ أليس الله يقول في الحديث القدسي " يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ
ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ،"(
اطلبوا الهداية .... افعلوا أسبابها .... تجنبوا
مواطن الشبهات ... ألحوا على الله تعالى بالهداية، إذا سألت أخي فاسأل الله، إذا
استعنت فاستعن بالله، و ردد دائما {رَبَّنَا أَفْرِغْ
عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} [البقرة: 250] كرر في كل وقت { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا
وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل
عمران: 8]
يقولُ ابنُ القيِّم: ((أجمع العارفون
بالله على أنَّ الخِذْلان: أنْ يكلك اللهُ على نفسِك، ويُخلِّي بينك وبينها.
والتوفيقُ أنْ لا يكِلك اللهُ إلى نفسِك.
فالعبيدُ متقلِّبون بين توفيقهِ
وخذلانِهِ، بلِ العبدُ في الساعةِ الواحدةِ ينالُ نصيبه منْ هذا وهذا، فيطيعهِ
ويُرضيهِ، ويذكرُه ويشكرُه بتوفيقِه له، ثم يعصيهِ ويخالفُه، ويُسْخِطُه ويغفلُ
عنه بخذلانِهِ له، فهو دائرٌ بين توفيقِه وخِذْلانِهِ.
فمتى شهِد العبدُ هذا المشهد وأعطاهُ
حقَّه، علِم شِدَّة ضرورتِه وحاجتِه إلى التوفيق في كلِّ نَفَسٍ وكلِّ لحظةٍ
وطرْفةِ عيْنٍ، وأنَّ إيمانه وتوحيده بيدِهِ تعالى، لو تخلَّى عنه طرفة عينٍ
لَثُلَّ عَرْشُ توحيدِه، ولخَرَّتْ سماءُ إيمانِهِ على الأرضِ، وأنَّ الممسك له:
هو منْ يمسك السماء أنْ تقع على الأرضِ إلا بإذنِهِ))
هيا أعلن افتقارك إلى الله واهتف:
فقيرا
جئت بابك يا إلهي ولست إلى
عبادك بالفقير
غني
عنهم بيقين قلبي وأطمع
منك في الفضل الكبير
إلهي
ما سألت سواك عونا فحسبي العون من
رب قدير
إلهي
ما سألت سواك عفوا فحسبي العفو من
رب غفور
إلهي
ما سألت سواك هديا فحسبي الهدي من
رب بصير
إذا
لم أستعن بك يا إلهي فمن عوني
سواك ومن مجيري؟
فالطلب العون من صاحب العون و اسمع إلى
كلام ابن القيم – رحمه الله-إذ يقول: { يُثَبِّتُ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27]
كنز عظيم من وفق لمظنته وأحسن استخراجه
واقتناءه وأنفق منه فقد غنم ومن حرمه فقد حرم وذلك أن العبد لا يستغني عن تثبيت
الله له طرفة عين فإن لم يثبته وإلا زالت سماء إيمانه وأرضه عن مكانهما وقد قال
تعالى لأكرم خلقه عليه عبده ورسوله {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ
لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } [الإسراء: 74]
فكان أثبت الناس قلبا وأثبتهم قولا،
والقول الثابت هو القول الحق والصدق وهو ضد القول الباطل الكذب فالقول نوعان ثابت
له حقيقة وباطل لا حقيقة له وأثبت القول كلمة التوحيد ولوازمها فهي أعظم ما يثبت
الله بها عبده في الدنيا والآخرة"
فما مُنح عبد أعظم من منحة القول الثابت،
ويجد أهل القول الثابت ثمرته أحوج من يكون إليه في قبورهم ويوم معادهم.
رابعا: الاستعانة بالأعمال
الصالحة التي تثبت العبد عند حلول الفتن والشهوات:
رأس تلك الأعمال الصبر والصلاة يقول
المولى سبحانه وتعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
[البقرة: 153]
يقول ابن القيم -رحمه الله-"الصبرُ
إذا قام به العبد كما ينبغي، انقلبتْ المِحنةُ في حقِّه مِنْحةً، واستحالتِ
البليَّة عطيَّة، وصار المكروهُ محبوباً، فإنَّ الله سبحانه وتعالى لم يبْتلِهِ
عطيَّة، وصار المكروهُ محبوباً، فإنَّ الله تعالى على العبدِ عبوديَّةً في
الضَّراءِ، كما له عبوديَّةٌ في السَّرَّاءِ، وله عبوديَّةٌ عليه فيما يحبُّونه،
والشأنُ في إعطاءِ العبوديَّةِ في المكارِهِ، ففيه تفاوتُ مراتبِ العبادِ، وبحسبِه
كانتْ منازلُهم عند اللهِ تعالى"
وصدق الله {وَاصْبِرْ
وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127] {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}
[يوسف: 18]
وقال ابن عمر -رضي الله عنه-بالصبر أدكنا
حسن العيش "
ولأهل السنة عند المصائب ثلاثة فنون:
الصبر، الدعاء، وانتظار الفرج.
وقال الشاعر:
سقيناهموا
كأسا سقونا بمثلها ولكننا كنا على
الموت أصبرا
وقال ×
"حِمَ اللهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هذَا فَصَبَرَ"
ببتَ
للمجدِ والساعون قد جهد النفوسِ وألقوا دونهُ الأُزُرَا بلغُوا
وكابدوا
المجد حتى ملَّ أكثرُهمْ وعانق المجد
مَنْ أوفى ومنْ صبرا
لا
تحسبِ المجد تمراً أنتَ آكلُهُ
لنْ تبلغ المجد حتى تلْعق الصَّبِرا
خامسا: الصلاة:
و من أعظم وسائل الثبات على طريق الإيمان
الصلاة فها هو النبي r كان اذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة "
وكان يقول r"أرحنا
بها يا بلال"
ويقول r" جُعِلَتْ
قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ"
إذا ضاق الصدرُ، وصعُب الأمرُ، وكثر
المكْرُ، فاهرعْ إلى المصلَّى فصلِّ.
إذا أظلمتْ في وجهِك الأيامُ، واختلفتْ
الليالي، وتغيَّرَ الأصحابُ، فعليك بالصلاةِ.
كان النبيُّ - r-
في المهمَّاتِ العظيمةِ يشرحُ صدره بالصلاةِ، كيومِ يدْرٍ والأحزابِ وغيرِها من
المواطنِ. وذكروا عنِ الحافظِ ابن حجرٍ صاحبِ (الفتحِ) أنه ذهب إلى القلعةِ بمصر
فأحط به اللصوصُ، فقام يصلي، ففرَّج اللهُ عنهُ.
وذكر ابنُ عساكر وابنُ القيمِ: أنَّ رجلاً
من الصالحين لقيه لصٌّ في إحدى طرقِ الشامِ، فأجهز عليه ليقتله، فطلب منه مهلةٍ
ليصلي ركعتين، فقام فافتتح الصلاة، وتذكَّرَ قول اللهِ تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} . فردَّدها
ثلاثاً، فنزل ملكٌ من السماءِ بحربةٍ فَقَتَلَ المجرم، وقال: أنا رسولُ منْ يجيبُ
المضطرَّ إذا دعاهُ. {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ
وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} ، {إِنَّ الصَّلَاةَ
تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} ، {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً} .
يقول ابن القيم – رحمه الله-: فالصلاةُ من
أكبر العَوْن على تحصيل مصالح الدنيا والآخرة، ودفع مفاسد الدنيا والآخرة، وهي
منهاةٌ عن الإثم، ودافعةٌ لأدواء القلوب، ومَطْرَدَةٌ للداءِ عن الجسد، ومُنوِّرةٌ
للقلب، ومُبيِّضَةٌ للوجه، ومُنشِّطةٌ للجوارح والنفس، وجالِبةٌ للرزق، ودافعةٌ
للظلم، وناصِرةٌ للمظلوم، وقامِعةٌ لأخلاط الشهوات، وحافِظةٌ للنعمة، ودافِعةٌ
للنِّقمة، ومُنزِلةٌ للرحمة، وكاشِفة للغُمَّة "
سادسا: التزام شرع الله والعمل
الصالح:
يقول الله تعالى
{ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ
مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27]
قال
قتادة: " أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح، وفي الآخرة في القبر
".
وكذا
روي عن غير واحد من السلف.
وقال سبحانه {وَلَوْ
أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ
تَثْبِيتًا } [النساء: 66] . أي على الحق.
وهذا
بيّن، وإلا فهل نتوقع ثباتاً من الكسالى القاعدين عن الأعمال الصالحة إذا أطلت الفتنة
برأسها وإدلهم الخطب ؟!
ولكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم
بإيمانهم صراطاً مستقيماُ. ولذلك كان × يثابر على الأعمال الصالحة، وكان أحب العمل
إليه أدومه وإن قل
أقول
قولي هذا و استغفرالله العظيم لي و لكم
الخطبة الثانية
أما بعد : ..................................
سابعا: تدبر قصص القران الكريم
ودراستها وللتأسي والعمل:
و الدليل على ذلك قوله تعالى { وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا
نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى
لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120] فما نزلت الآيات على عهد رسول الله × للتلهي و التفكه وإنما لغرض عظيم و هو
تثبيت فؤاد رسول الله r
و أفئدة المؤمنين ،فالله –سبحانه و تعالى –لما ذكر الأنبياء في سورة الأنعام أوضح
للنبي r
الهدف من ذلك بقوله { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ
فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } [الأنعام: 90]
و يقول العلامة ابن كثير – رحمه الله – في
قوله تعالى {
وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ
وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود:
120]
وكل أخبار نقصها عليك، من أنباء الرسل المتقدمين
قبلك مع أممهم، وكيف جرى لهم من المحاجات والخصومات، وما احتمله الأنبياء من
التكذيب والأذى، وكيف نصر الله حزبه المؤمنين وخذل أعداءه الكافرين -كل هذا مما
نثبت به فؤادك -يا محمد -أي: قلبك، ليكون لك بمن مضى من إخوانك من المرسلين أسوة.
وقوله: {
وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ } أي: [في] هذه السورة. قاله ابن عباس،
ومجاهد، وجماعة من السلف.
ثامنا: الدعاء:
و من صفات عباد الرحمن أنهم يتوجهون إلى
الله بالدعاء أن يثبتهم {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا
بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] {
رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} [البقرة:
250]
ولما كانت " قُلُوبَ
بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ كَيْفَ يَشَاءُ،"
وكان رسول الله × يكثر أن يقول "يَا مُقَلِّبَ
الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دينك".
فالدعاء هو سلاح المؤمن الذي يدافع به عن
نفسه وبه تثبت الأقدام والقلوب.
رأى أصحاب نور الدين محمود زنكي إنفاقه
على الفقراء والمساكين، ولا سيما طلبة العلم وشدة طلبه الدعاء منهم فعوتب في ذلك
فقال " والله إني لأرجو النصر إلا بأولئك، كيف أقطع صلات قوم يقالون عني وأنا
نائم على الفراش بسهام لا تخطئ (يريد الدعاء) وأصرفها إلى قوم لا يقاتل عني إلا
إذا رآني بسهام قد تصيب وقد تخطئ "
وما هو r
يتوجه إلى ربه بالدعاء يوم بدر، ويوم الأحزاب، وغيرها من مواقف ومعارك.
تاسعا: الالتفاف حول العناصر
المثبتة:
تلك العناصر التي من صفاتها ما أخبر به r " "إن
من الناس مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير،
فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه"
البحث عن العلماء والصالحين والدعاة
المؤمنين والالتفاف حولهم مُعين كبير على الثبات، وقد حدث في التاريخ الإسلامي فتن
ثبت الله فيها المؤمنين برجال
قال على -رضي الله عنه -: "إنا كنا
إذا حمى البأس -ويروى: إذا اشتد البأس -واحمرت الحدق اتقينا برسول الله r فما يكون أحد أقرب
إلى العدو منه، ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله × وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس
يومئذ بأسًا"
ومن ذلك ما قاله علي بن المديني –رحمه
الله – "أعز الله الدين بالصديق يوم الردة وبأحمد يوم المحنة "
وتأمل ما قاله ابن القيم –رحمه الله-عن
دور شيخ الإسلام في التثبيت " وكنا
إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه
ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنينة فسبحان من أشهد
عباده جنته قبل لقائه وفتح لهم أبوابها في دار العمل فآتاهم من روحها ونسيمها
وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها"
هنا تبرز الأخوة الإسلامية كمصدر أساسي
للتثبيت، فإخوانك الصالحون والقدوات والمربون هم العون لك في الطريق، والركن
الشديد الذي تأوي إليه فيثبتوك بما معهم من آيات الله والحكمة .. الزمهم وعش في
أكنافهم وإياك والوحدة فتتخطفك الشياطين فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
والتمسك بل العض بالنواجذ على الصاحب
الصالح والمصاحبة، ولو تأملنا هذه الآية الكريمة في كتاب الله تعالى لكفتنا في
الصحبة والمصاحبة، يقول الحق جل وعلا {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ
مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ
وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ
وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]
تأملوا في زمن الفتن والشهوات الوصية:
ولا
تصحب الأردى فتردى مع الردى فكل
قرين بالمقارن يقتدي
و
كم من شاب يحب الخير و يتمنى الصلاح لكن شياطين الإنس له بالمرصاد، و كم من فتاة
فيها الخير و على الفطرة و تحب الصلاح ولكن شياطين الإنس من الفتيات ممن جلسن لها
بالمرصاد يصدونها عن ذكر الله و عن الخير، ونعوذ بالله من شر الناس، فإياك وصحبة
البطال و عليك بالأبطال "
تعليقات
إرسال تعليق