أرجى نداء في القرآن لصفوة الأنبياء صلى الله عليه وسلم.pdf



🌷💥🌴 أرجى نداء في القرآن لصفوة الأنبياء صلى الله عليه وسلم 🌷💥🌴

🌷💥🌴 الشيخ السيد مراد سلامة 🌷💥🌴

🌷💥🌴 الخطبة الأولى 🌷💥🌴

أما بعد :

إخوة الإيمان: حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون الأغر عن {أرجى نداء في القرآن لصفوة الأنبياء صلى الله عليه وسلم } فيها لنتعرف على ذلك النداء الرباني الذي يدخل على القلب بهجة و سرورا فاعيروني القلوب و الأسماع .

رفع الله ذكره بأن قرن اسمه باسمه

عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبريل عليه السلام، فقال: إن ربي وربك يقول: تدري كيف رفعت ذكرك؟

قلت: الله علم. قال: إذا ذكرتُ ذكرتَ معي) ، صحيح.([1])

أن الله تعالى لم يناده باسمه مجردا:

 واعلموا عبد الله أنَّ الله تعالى وَقّره في ندائه، فناداه بأحبّ أسمائه، وأسْنى أوْصافه. فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ...}، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ...} وهذه الخَصيصَةُ لم تَثْبُتْ لِغَيْرِه، بل ثَبَتَ أنَّ كُلًّا منهم نودِي باسمه.

فقال الله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}، {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ}، {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ}، {يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ}، {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ}، {يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}، {يا لُوطُ إنَّا رُسُلُ ربِّكَ}، {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى}، {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}.

ولا يَخْفى على أحدٍ أنَّ السيِّد إذا دعا أحدَ عبيدِه بأفْضَلِ ما وُجد فيهم من الأوصافِ العليّة والأخلاق السِّنِيّة، ودعا الآخرين بأسمائهم الأعلام التي لا تُشْعِرُ بوصْف من الأوصاف، ولا بخُلُقٍ من الأخلاق، أنَّ منزلةَ مَنْ دعاه بأفْضَلِ الأسماء والأوصافِ أعزُّ عليه، وأقْرَبُ إليه مِمّن دعاه باسمه العَلَم. وهذا معلوم بالعُرْف أنَّ مَنْ دُعِيَ بأفْضَلِ أسمائه وأخلاقِه وأوْصافِه كان ذلك مبالغةً في تَعْظيمه واحترامه، حتى قال القائل:

لا تَدْعُني إلَّا بيا عَبْدَها          فإنّه أشرفُ أسمائي

أرجى نداء في القرآن لصفوة الأنبياء صلى الله عليه وسلم ولأمته

إخوة الإيمان: نقف مع أرجى نداء في القرآن الكريم تلك الآية هي نداء الله تعالي لحبيبه صلى الله عليه وسلم {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا } [الأحزاب: 45 - 47]

وأبشروا معاشر الموحدين فهذه هي أرجى آية في القران الكريم قال ابن عطية رحمه الله: هذه الآية فيها تأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، وتكريم لجميعهم. وهذه الآية فيها من أسمائه   ست أسماء ولنبينا   أسماء كثيرة وسمات جليلة، ورد ذكرها في الكتاب والسنة والكتب المتقدمة. وقد سماه الله في كتابه محمدا وأحمد. وقال   فيما روى عنه الثقات العدول: (لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب). وفي صحيح مسلم حديث جبير بن مطعم: وقد سماه الله "رؤوفا رحيما" في قوله تعالى. (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة : 128 )؛ وفيه أيضا عن أبي موسى الأشعري قال: كان رسول الله   يسمي لنا نفسه أسماء، فيقول: (أنا محمد وأحمد والمقفي والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة).([2])

قال ابن عطية: قال لنا أبي رضي الله عنه: هذه من أرجى آية عندي في كتاب الله تعالى، لأن الله عز وجل قد أمر نبيه أن يبشر المؤمنين بأن لهم عنده فضلا كبيرا، وقد بيَّن تعالى الفضل الكبير في قوله تعالى: {َالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ} (الشورى: 22) فالآية التي في هذه السورة خبر، والتي في "حم. عسق" تفسير لها. "([3])

عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما حيث سئل عن ذلك فقال: أجلْ والله، إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [الأحزاب: 45]، وحِرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتُك المتوكل، ليس بفظٍّ ولا غليظ، ولا سخَّاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه اللهُ حتى يُقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينًا عُميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غُلفًا" متفق عليه

 فقد ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية خمسة أصاف لنبينه عليه الصلاة والسلام، هي: شاهد، ومبشر، ونذير، وداع إلى الله، وسراج منير، فهذه الأوصاف تنطبق على من يقوم بالرسالة، وعليها تقوم الدعوة إلى الإسلام....................

الوصف الأول: أنه عليه الصلاة والسلام شاهدا على هذه الأمة وعلى الأمم السابقة وهو شاهد عليه الصلاة والسلام على العباد يوم الحساب وعلى ما فعلوا في الدنيا من أعمال كما قال سبحانه (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً)( سورة النساء آية41)

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} وقد كان أمَر - صلى الله عليه وسلم - علياً ومعاذاً رضي الله عنهما أن يسيرا إلى اليمن فقال «انطلقا فبشِّرا ولا تنفِّرا, ويسِّرا ولا تعسِّرا, إنه قد أنزل علي {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}» ورواه الطبراني ،عن عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي بإسناده مثله, وقال في آخره «فإنه قد أنزل علي يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا على أمتك وَمُبَشِّرًا بالجنة وَنَذِيرًا من النار وَدَاعِياً إلى شهادة أن لا إله إلا الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً بالقرآن».

عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «يدعى نوح ـ عليه السلام ـ يوم القيامة، فيقال له: هل بلَّغت؟ فيقول: نعم! فيدعى قومُه، فيقال لهم: هل بلَّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، أو ما أتانا من أحد. قال: فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته. قال فذلك قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] ، قال: الوسط: العدل. قال: فيُدعون، فيشهدون له بالبلاغ. قال: ثم أشهد عليكم» (([4])) .

الوصف الثاني والثالث: أنه مبشر للمؤمنين بجنات النعيم ونذير للكفار، وتركيب هذه الآية بانه مبشر ثم هو نذير تريب جميل فأن الأنسان لا يعاقب إلا بعد البلاغ وفيه البشارة بالجنة والنذارة من النار وقدم التبشير على الإنذار لشرف المبشرين وعظيم أجرهم وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام رحمة

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [الأحزاب: 45]، وهنا قدَّم الله تعالى البشارة على النذارة، وإن الله تعالى قدم التبشير على الإِنذار؛ تكريمًا للمؤمنين المبشرين، وإشعارًا بأن الأصل في رسالته صلى الله عليه وسلم التبشير، فقد أرسله الله تعالى رحمة للعالمين[([5])]، ويقول ابن عاشور رحمه الله تعالى في تفسيره عند هذه الآية: "قُدمت البِشارة على النِذارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غلب عليه التبشير؛ لأنه رحمة للعالمين، ولكثرة عدد المؤمنين في أمته".

وها هو صلى الله عليه وسلم  يبشر امته بأعظم بشارة :عن ‏‏عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‏ ‏قال: ‏ قال لنا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم: ‏ "‏أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة قال فكبرنا ثم قال أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة قال فكبرنا ثم قال إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة وسأخبركم عن ذلك ما المسلمون في الكفار إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود أو كشعرة سوداء في ثور أبيض" ([6])

وقال تعالى: َ (بَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

ما ورد في الصحيحين: عَنْ أَنَس بن مالكٍ رضيَ اللهُ عنهُ: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لمُعاذ وهو رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ: «يا مُعاذُ بنَ جَبَلٍ».قال: لَبَّيكَ يا رسولَ الله وسَعدَيكَ. قال: «يا مُعاذُ». قال: لبَّيكَ يا رسولَ الله وسَعدَيك (ثلاثاً).قال صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما مِنْ أَحَدٍ يَشهدُ أنْ لا اله إلا الله وأنَّ مُحَمَّداً رسولُ الله، صِدْقاً مِن قَلبِه إِلاّ حرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّار».قال رضيَ اللهُ عنهُ: يا رسولَ الله أَفَلا أُخبرُ بهِ النّاسَ فيَسْتَبْشِروا؟ قال صلى الله عليه وسلم: «إِذاً يَتَّكِلوا». وأَخبرَ بها مُعاذٌ عندَ مَوتِه تَأثُّماً  )([7]) يعني خروجًا من إثم كتم العلم.

وروى مسلم في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ، قَالَ: " أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ " قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: " أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ " فَقُلْنَا: نَعَمْ، فَقَالَ: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَذَاكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ، أَوِ الشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَحْمَرِ ".([8])

الوصف الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم داعية للناس إلى توحيد الله وطاعته وعبادته والإخلاص له سبحانه وتعالى بأمر من الله والتحذر من المخالفة له سبحانه وتعالى ( وداعيا إلى توحيد الله وإفراد الألوهة له وإخلاص الطاعة لوجهه دون كل من سواه من الآلهة والأوثان ) (([9]))

جاء المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى هذا العالم داعيا إلى الله راسماً الطريق إلى رضوان الله ومحبته، رافعا علم التوحيد موضحا معالم العبودية لذي الجلال والإكرام. عاش الهادي الأمين صلوات الله وسلامه عليه حياته الطيبة المباركة مجاهدا أعظم ما يكون الجهاد، عابدا أكمل ما تكون العبادة والإنابة والخشوع والخوف من الله تعالى.

عاش صلوات الله وسلامه عليه يبلغ رسالة ربه في رحمة، ويرسم الطريق إلى الله في رفق وحكمة وتؤدة، داعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا فكان المثل الأعلى في الأسوة الكاملة.

كان المثل الأعلى في عظمة الأخلاق في كل ناحية من النواحي وفي كل ميدان من الميادين أدَّبه ربُنا تبارك وتعالى فأحسن تأديبه وأثنى عليه سبحانه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} .

وكان صلى الله عليه وسلم الأسوة الكريمة والقدوة الحسنة، ومثلا أعلى للمؤمنين الذين صفت أرواحهم، وزكت نفوسهم، وطهرت قلوبهم، واطمأنت أفئدتهم واستنارت ألبابهم، فعاشوا في دنياهم يريدون الله والدار والآخرة، ويجمعون الزاد لدار البقاء برجاء أن يجعلهم مع أطيب رفقة، رفقة الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، وقد أمر الله المؤمنين بقوله تبارك وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} .

يقول الله تعالى لنبيه وصفيه – صلى الله عليه وسلم- {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ} فلم يزل صلى الله عليه وسلم قائماً بأمر ربه ومولاه لا يرده عن ذلك راد ، داعياً إلى الله لا يصده عنه صاد يبلغ دين الله ورسالته لا يخشى فيه لومة لائم ، أوذي في الله أبلغ الأذى في نفسه وماله وأهله وأصحابه كذبه قومه وعابوه وسفهوا رأيه وضللوه حاولوا قتله وسجنه أخرجوه من بلده طريداً سليباً ثم قاتلوه وحاربوه فكسروا رباعيته وشجوا رأسه وأدموا وجهه فكان يقول: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون))([10])

عاش صلوات الله وسلامه عليه حياته المباركة، فملأ الدنيا نورا ورحمة وخيرا وبركة، وبرا وعدلا، ملأها أمنا وإيمانا، وسلما وإسلاما، وروحا وريحانا، ثم ودعها راحلا إلى الله يلقى وجه الله الكريم بعد أن أدى الأمانة كاملة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد.

بلغ الرسالة أعظم ما يكون التبليغ، وأدى الأمانة أكمل ما يكون الأداء وترك الدنيا وفيها نور التوحيد الصادق وعبير الإيمان وكمال الأخلاق، وعطر المحبة، والأخوة في الله ولله، والرحمة الشاملة المباركة في كل ناحية من نواحي الحياة، والعدالة في أسمى صورها ومحاسنها وأكمل معانيها، والأمانة مع أجمل ثمارها وأعظم بركاتها وفوائدها.

الوصف الخامس: أنه سراج وهذا السراج مقيد أنه منير ، أي ينير لمن أراد الضياء،وهذه النور هو ما أرسله به سبحانه من الهدى والحق ، فمن أتبعه من أمته فله الخير في الدنيا والأخرة ولهذه معناه ( وضياء لخلقه يستضيء بالنور الذي أتيتهم به من عند الله عباده منيرا ) (([11]))

قال ابن القيم: وقد سماه الله سراجا منيرا، وسمي الشمس سراجا وهاجا.

والمنير: هو الذي ينير من غير إحراق بخلاف الوهاج، فإن فيه نوع إحراق وتوهج (([12])).

أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم

🌷💥🌴 الخطبة الثانية 🌷💥🌴

أما بعد عباد الله: ......................

لماذا وُصِفَ السراج بالإنارة؟

1-وُصِفَ السِّراجُ بالإنارة؛ لأنَّ من المصابيح ما لا يُضِيء، إذا لم يُوجد به ما يُضيئه من زيت أو ما يُشبهه.

2-ووُصِفَ السراجُ -أيضاً -بالإنارة؛ لأن من السراج ما لا يضيء إذا قَلَّ زيته، ودقَّت فتيلتُه.

وكونه صلى الله عليه وسلم﴿ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب: 46] يقتضي أن الخلق كانوا - قبل مبعثه - في ظُلمةٍ عظيمة، وليس ثمَّة نور؛ يُهتدى به في هذه الظلمات، ولا علم؛ يُستدل به في هذه الجهالات، حتى جاء اللهُ تعالى بهذا النبي الكريم، فأضاء اللهُ به تلك الظلمات، وعَلَّمَ به من الجهالات، وهدى به ضُلاَّلاً إلى الصراط المستقيم، وأمَدَّ اللهُ بنور نُبوَّتِه نورَ البصائر؛ كما يُمَدُّ بنور السراجِ الأبصار.

الدعاء..............................................

إنه أنار وفتح عيونا عميا، وأذانا صما، وقلوبا غلفا، وأخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، فيستحق أن يكون من أسمائه

ولهذا قال قتادة رضي الله عنه في قوله ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً) قال على أمتك بالبلاغ ( وَمُبَشِّراً) بالجنة (وَنَذِيرا) من النار(وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ) إلى الشهادة أن لا إله إلا الله (بِإِذْنِهِ) قال بأمره (وَسِرَاجاً مُنِيراً) قال كتاب الله يدعوهم اليه ) (([13]))

وقيل (وَسِرَاجاً)أي هاديا من ظلم الضلالة وأنت كالمصباح المضيء ووصفه بالإنارة لأن من السرج مالايضيء إذا قل سليطه ودقت فتيلته وفي كلام بعضهم ثلاثة تضني رسول بطيء وسراج لا يضيء)(([14]))

الأدب من مع علم الأدب صلى الله عليه وسلم

  واعلموا عباد الله انه يجب علينا أن نتأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]. قوله: لا تجعلوا دعاء الرسول أي نداءه بمعنى لا تنادوه باسمه فتقولوا يا محمد ولا بكنيته فتقولوا يا أبا القاسم بل نادوه وخاطبوه بالتعظيم والتكريم والتوقير بأن تقولوا يا رسول الله يا نبي الله يا إمام المرسلين يا رسول رب العالمين يا خاتم النبيين. واستفيد من الآية أنه لا يجوز نداء النبي بغير ما يفيد التعظيم لا في حياته ولا بعد وفانه.

 فبهذا يعلم أن من استخف بجنابه صلى الله عليه وسلم فهو كافر ملعون في الدنيا والآخرة. قوله: وخفض الصوت أي لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}.

قال إبراهيم التيمي: واجب على كل مؤمن متى ذكره صلى الله عليه وسلم أو ذكر عنده أن يخضع ويخشع ويتوقر ويسكن من حركته ويأخذ في هيبته وفى جلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه صلى الله عليه وسلم ويتأدب بما أدبه الله، مثل قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ … الخ، ولَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ …} وغيره كما تقدم،

 



29/  أخرجه أبو يعلى، وابن جرير وابن حبان وصححه وابن مردويه ، وذكره ابن حجر في فتح الباري – كتاب تفسير القرآن ـ وقال ( وصححه ابن حبان ).

([2]) - مسند أحمد، 4/395.

([3]) - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (4/ 389)

([4]) - المسند 17/ 383 (11283)، والبخاري 6/ 371 (3339)

([5]) -التفسير الوسيط.

([6]) -[رواه مسلم324]

([7]) - أخرجه البخاري في: 3 كتاب العلم: 49 باب من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا

([8]) - أخرجه البخاري (6528) ، ومسلم (221) (337) ، وابن ماجه (4283) ، وابن منده في "الإيمان " (985)

([9]) - جامع البيان ج22 ص18

([10]) - خرجه البخاري في: 60 كتاب الأنبياء: 54 باب حدثنا أبو اليمان

([11]) - جامع البيان ج22 ص18، تفسيرالبغوي ج 3 ص535

([12]) - زاد المعاد ج 1 ص 97.

([13]) - الدر المنثور ج6 ص625

([14]) - الجامع لأحكام القرآن ج14 ص201


أرجى نداء في القرآن لصفوة الأنبياء صلى الله عليه وسلم.pdf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة فيض الإله بخلق المواساة.pdf

الحقوق العشر للوطن في الإسلام

خطبة الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان.pdf