تـَّـنـَمُــر التكوينين على شريعة رب العالمين سنة الأولين.pdf


تـَّـنـَمُــر التكوينين على شريعة رب العالمين سنة الأولين

الشيخ السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى

أما بعد: أيها الإخوة الأحباب حديثنا في ذلك اليوم الطيب المبارك عن ظاهرة من اخطر الظواهر التي حرمها الإسلام و حذر من خطرها و ضررها .....إنها ظاهرة التنمر على شريعة رب العالمين بالاستهزاء و السخرية و الطعن في حملة الرسالة من الصحابة و التابعين و ممن سار على دربهم ....... إن ما تناقلته وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن تأسيس (مركز تكوين )الذي يهدف للطعن في ثوابت الأمة و يسخر من تراثها و يطعن في حملة الرسالة، للتنمر على شرع الله تعالى، بث بذور الشك، و الإلحاد في نفوس أبناء الأمة...........................

أعيروني القلوب والأسماع أيها الكرام......................

التنمر على الشريعة سنة الاولين

أخي المسلم: من مظاهر التنمر الخطيرة التنمر على شريعة الله تعالى و سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ليس بدعا من القول بل هؤلاء هم أحفاد أبي جهل و أبي لهب وأمية بن خلف .....بل الأمر ابعد من ذلك فهم أحفاد الظلمة و المستهزئين من قوم نوح و عاد و ثمود وإبراهيم و لوط  و موسى ..... فقد لاقت ثلة الأنبياء شتى أنواع التنمر على أيدي أقوامهم    

 ومنذ أن بعث الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا والحرب مستمرة قائمة عليه وعلى دينه الذي أرسل به، كم هي حملات التشويه والسخرية والاستهزاء بنبينا التي عشناها في حياتنا وزمننا هذا؟ لا تكاد تخمد حملة إلا وتشتعل أخرى ولن تنتهي هذه الحرب مادام هناك حق وباطل وإسلام وكفر وإيمان ونفاق ومؤمنين وكفار.

بل هي سنة قائمة جارية في حق الأنبياء أجمعين والمصلحين منذ أن خلق الله آدم عليه السلام إلى قيام الساعة، يتوارث هذه الحرب أعداء الرسل والمصلحين جيلًا بعد جيل، يستخدمون فيها كل الوسائل المادية والمعنوية.

ومن أكبر وسائل حربهم الاستهزاء والسخرية والتشويه وقلب الحقائق، مارسها الأولون بوسائلهم البدائية ومورست في عصور الحضارة المتأخرة بوسائل غاية في التأثير وغاية في السرعة وغاية في الانتشار حتى إنهم ﴿ سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأعراف: 116]، وغايتهم في ذلك ﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32].

ومن العجائب أن مدرسة الاستهزاء والسخرية متوارثة عبر الأجيال مع بعد المسافات الزمنية والمكانية بينها واختلاف اللغات والبلاد والألوان والأوطان والتوجهات والملل والطوائف ولكنها واحدة تجاه دين الله تعاد وتكرر مع كل رسول ومع كل مصلح ومع كل رسالة ودعوة مع اختلاف وسائلها كما قال الله سبحانه: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُواسَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ [الذاريات: 52-53].

{ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} سورة الأنعام

فإنْ يستهزئ هؤلاء بطلبهم إنزال ملك معك فقد استهزأت أمم من قبلك برسلها، فأحاط بهم العذاب الذي كانوا ينكرونه ويستهزئون به عند تخويفهم منه.

وقال تعالى {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}سورة الرعد

ولستَ أول رسول كذب به قومه وسخروا منه، فقد استهزأت أمم من قبلك - أيها الرسول - برسلها وكذبوا بهم، فأمهلت الذين كفروا برسلهم حتى ظنوا أني غير مهلكهم، ثم أخذتهم بعد الإمهال بصنوف العذاب، فكيف رأيت عقابي لهم؟ لقد كان عقابًا شديدًا.

وقال جل جلاله {{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَوَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } سورة الحجر

ولقد بعثنا من قبلك - أيها الرسول - رسلًا في جماعات الكفر السابقة فكذبوهم، فلست بِدْعًا من الرسل في تكذيب أمتك لك.

وقال جل جلاله{ وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ هُمْ كَافِرُونَ}سورة الأنبياء

وإذا رآك - أيها الرسول - هؤلاء المشركون لا يتخذونك إلا سخرية منفّرين أتباعهم بقولهم: أهذا هو الذي يسبّ آلهتكم التي تعبدونها؟! وهم مع السخرية بك جاحدون بما أنزل الله عليهم من القرآن وبما أعطاهم من النعم كافرون؛ فهم أولى بالعيب لجمعهم كل سوء.

{ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} سورة الأنبياء

ولئن سخر بك قومك فلست بِدْعًا في ذلك، فقد استهزئ برسل من قبلك - أيها الرسول - فأحاط بالكفار الذين كانوا يسخرون منهم العذابُ الذي كانوا يستهزئون به في الدنيا عندما تخوّفهم رسلهم به.

وقال جل جلاله {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًاإِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا ۚ وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا }سورة الفرقان

وإذا قابلك - أيها الرسول - هؤلاء المكذبون سخروا منك قائلين على سبيل الاستهزاء والإنكار: أهذا الذي بعثه الله رسولًا إلينا؟! ال

: يقول – سبحانه و تعالى- ﴿وَلَئِنْ ‌سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة: 65-66]

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ  رضي الله عنهما -قَالَ: قَالَ رَجُلٌ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فِي مَجْلِسٍ يَوْمًا: ‌مَا ‌رَأَيْتُ ‌مِثْلَ ‌قُرَّائِنَا هَؤُلاءِ لَا أَرْغَبَ بُطُونًا، وَلا أَكْذَبَ أَلْسِنَةً، وَلا أَجْبَنَ عِنْدَ اللِّقَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ فِي الْمَجْلِسِ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ مُنَافِقٌ لأُخْبِرَنّ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ× وَنَزَلَ الْقُرْآنُ قال عبد الله فَأَنَا رَأَيْتُهُ مُتَعَلِّقًا بِحَقَبِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْكُبُهُ الْحِجَارَةُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ وَرَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ (أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن)([1])

و قال القرطبي – رحمه الله - قال القاضي أبو بكر بن العربي: لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدا أو هزلا، وهو كيفما كان كفر، ‌فإن ‌الهزل ‌بالكفر ‌كفر لا خلاف فيه بين الأمة. فإن التحقيق أخو العلم والحق، والهزل أخو الباطل والجهل. قال علماؤنا: انظر إلى قوله: قَوْلِهِ: « أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ» [البقرة: 67]. ([2])

وحكى ابن خلكان قال: بلغنا أن رجلا يدعى أبا سلامة من ناحية بصرى، كان فيه مجون واستهتار، فذكر عنده السواك وما فيه من الفضيلة، فقال: والله لا أستاك إلا في المخرج- يعني دبره- فأخذ سواكا فوضعه في مخرجه ثم أخرجه، فمكث بعده تسعة أشهر [وهو يشكو من ألم البطن والمخرج]  فوضع ولدا على صفة الجرذان له أربعة قوائم، ورأسه كرأس السمكة، [وله أربعة أنياب بارزة، وذنب طويل مثل شبر وأربع أصابع] [2] وله دبر كدبر الأرنب. ولما وضعه صاح ذلك الحيوان ثلاث صيحات، فقامت ابنة ذلك الرجل فرضخت رأسه فمات، وعاش ذلك الرجل بعد وضعه له يومين ومات في الثالث، وكان يقول هذا الحيوان قتلني وقطع أمعائي، وقد شاهد ذلك جماعة من أهل تلك الناحية وخطباء ذلك المكان، ومنهم من رأى ذلك الحيوان حيا، ومنهم من رآه بعد موته»([3])

فهذا المسكين استهزأ بسنة، فجعله الله عبرة وعظة، وصدق الله تعالى إذا يقول ﴿‌وَإِذَا ‌لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [البقرة: 14-15] 

و هذا أخر:«وذكر الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي رحمه الله في كتابه شرح صحيح مسلم هذه الحكاية فيها وشلت رجلاه ويداه وسائر أعضائه. قال وقرأت في بعض الحكايات أن بعض المبتدعة حين سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم) إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإِناء حتى يغسلها فإنه لا يدري أين باتت يده (. قال ذلك المبتدع على سبيل التهكم أنا أدري ‌أين ‌باتت ‌يدي في الفراش فأصبح وقد أدخل يده في دبره إلى ذراعه. قال التيمي فليتق المرء الاستحفاف بالسنن ومواضع التوقيف فانظر كيف وصل إليهما شؤم فعلهما»([4])

التنمر على السنة و الطعن فيها و في حملتها من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم

فمن حين لاخر يظهر في المجتمع الإسلامي أناس حاقدون على هذا الدين وكثير منهم ينتمون اليه ،و لكنهم يجهلون حقيقته ،فيعمدون الى ترويج آرائهم الجائرة بالطعن في السنة النبوية ،والحال انها المصدر الثاني من مصادر الشريعة الإسلامية قائلين :يكفينا كتاب الله ،نعمل بما جاء فيه ،بحجة أن السنة دونت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بزمن يسير ،وقد شابها و دخل فيها الكثير من الزيف مما حملهم على ان يتناولوا الكتب الصحاح كالبخاري ومسلم و غيرهما بالنقد و الهدم ،وغالبا ما تكون وراءهم أيدِ خفية من أعداء الإسلام تحركهم ،وتدفعهم الى هذا الافتراء الذي يقصدون من ورائه التشكيك و البلبلة .

ثم هدم الدين لبنة بعد لبنة ، حتى يتسنى لاؤلئك أن يشبعوا نهمهم و يشفوا غليلهم بالقضاء عليه ،و لكنهم لن يجدوا الى ذلك سبيلا ، وسيرد كيدهم الى نحورهم

وما يزيدنا  ذلك الطعن و تلك السخرية  إلا ايمانا و تثبيتا و حالنا كما قال الله في حق المؤمنين {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22]

فها هو الصادق المصدوق  النبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا عن هؤلاء  بأوصافهم ففي الحديث الذي رواه أحمد و الترمذي و ابن ماجه عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: ‌عَلَيْكُمْ ‌بِالْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، "[5]

وفي روية " أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ‌مِثْلُ ‌مَا ‌حَرَّمَ ‌اللَّهُ "[6]

و هذا عمران بن حصين رضي الله عنه – عندما دعا رجل الى الاكتفاء بكتاب الله –عز وجل – و ترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد سأله ذلك الرجل عن شيء فاجابه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ذلك الرجل  ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَحَدَّثَهُ ، فَقَالَ الرَّجُلُ: حَدِّثُوا عَنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا تُحدِّثُوا عَنْ غَيْرِهِ ، فَقَالَ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ أَحْمَقُ ، أَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ ‌صَلَاةَ ‌الظُّهْرِ ‌أَرْبَعًا لَا يُجْهَرُ فِيهَا ، وَعَدَّدَ الصَّلَوَاتِ وَعَدَّدَ الزَّكَاةِ وَنَحْوَهَا ، ثُمَّ قَالَ: أَتَجِدُ هَذَا مُفَسَّرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ، إِنَّ‌‌ اللَّهَ قَدْ أَحْكَمَ ذَلِكَ وَالسُّنَّةُ تُفَسِّرُ ذَلِكَ»[7]

و في رواية:قال الْحَسَنُ، قَالَ: بَيْنَمَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ، عَنْ سُنَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا نُجَيْدٍ، حَدَّثَنَا بِالْقُرْآنِ، فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ: «أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، ‌أَكُنْتَ ‌مُحَدِّثِي ‌عَنِ ‌الصَّلَاةِ وَمَا فِيهَا وَحُدُودِهَا؟ أَكُنْتَ مُحَدِّثِي عَنِ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَأَصْنَافِ الْمَالِ؟ وَلَكِنْ قَدْ شَهِدْتُ وَغِبْتَ أَنْتَ» ، ثُمَّ قَالَ: «فَرَضَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الزَّكَاةِ كَذَا وَكَذَا» وَقَالَ الرَّجُلُ: أَحْيَيْتَنِي أَحْيَاكَ اللَّهُ. قَالَ الْحَسَنُ: فَمَا مَاتَ ذَلِكَ الرَّجُلُ حَتَّى صَارَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ»[8]

عَنْ أَيُّوبَ، « أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِمُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ: لَا تُحَدِّثُونَا إِلَّا بِالْقُرْآنِ فَقَالَ لَهُ مُطَرِّفٌ: وَاللَّهِ مَا نُرِيدُ ‌بِالْقُرْآنِ ‌بَدَلًا وَلَكِنْ نُرِيدُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِالْقُرْآنِ مِنَّا »[9]

أقول قولي هذا و استغفر الله تاعظيم لي ولكم

الخطبة الثانية

أما بعد: ..............

صور من تنمر السابقين على الأنبياء و المرسلين :

السخرية من أنبياء الله عز وجل ورسله عليهم الصلاة والسلام ورميهم – من قبل الباطل – تارة بالسحر، وتارة بالجنون والسفاهة وتارة بالكذب والضلالة.

والشواهد من القرآن على هذا كثيرة منها:

قوله تعالى عن قوم نوح عليه السلام: ﴿قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ [الأعراف: ٦٠].

وقال عز وجل عن قوم هود عليه السلام: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [الأعراف: ٦٦] .

وقال تعالى عن مشركي العرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ [الأنبياء: ٥] وقال عز وجل مخبرا عن هذا الموقف الموحد من المشركين مع أنبيائهم عليهم السلام: ﴿كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾[الذاریات: ٥٢-٥٣].

وصدق الله العظيم، فإن هذا الأسلوب الرخيص من الأذى والسخرية يتكرر في كل زمان يتواجه فيه الحق والباطل؛ حيث نجد سخرية الطواغيت وأتباعهم من أهل الحق وأتباع الأنبياء فيرمونهم بسفاهة العقل، وسذاجة التفكير، وسطحية الرؤية .. إلخ هذه التهم التي يقذفونهم بها زورا وبهتانا ويملأون بها وسائل إعلامهم المختلفة؛ ليشوهوهم عند الناس وينفروهم منهم. وذلك ما تطفح به الصحف الخبيثة بأقلام أعداء هذا الدين من علمانيين وغيرهم؛ فهذا أحدهم يستهزئ في مقال له بالحجاب، ويصف عقول الداعين له بالانحطاط الفكري، ويصف من يدعو إلى ترك نحت التماثيل والصور المجسمة خوفا من عبادتها والرجوع إلى الوثنية، بأنه ذو عقل خرافي. ويصف كاتب آخر علماء الإسلام بضيق الأفق والهمجية.. إلى غير ذلك من الترهات والمسائل الجاهلية التي واجه بها المشركون الأولون أنبياءهم عليهم الصلاة والسلام. فما على دعاة الحق الا أن يصبروا ويهتدوا بهدي سلفهم الكريم من الأنبياء والمرسلين الذين واجهوا مثل هذا الأذى بل أشد.

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأنعام: ٣٤].

واجب الأمة نحو ذلك التنمر:

اعلموا عباد الله أن واجب الأمة أن تقف صفا واحدا لبيان عور هؤلاء الملحدين و المتنمرين و الرد عليهم و الأخذ على أيديهم كل على حسب موقعه و مكانته ...... و ان مما يثلج الصدر و يوحي بالأمل ما قام به فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر  فقد قرر  الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إنشاء وحدة جديدة تحمل اسم "بيان"، بهدف الإجابة على جميع الأسئلة التي تثار حول تكوين دعاة الإلحاد.

تأتي هذه الخطوة في إطار جهود الأزهر لتوعية الناس وتبيان مواقفه حول القضايا الدينية والفكرية المثارة. وفي هذا السياق، تعبر هذه المبادرة عن حرص الأزهر على توجيه الرد على التساؤلات المعقدة بشكل مباشر وموثوق، بهدف توضيح الرؤية الدينية الصحيحة ونبذ التشكيك والارتباك.

يأتي هذا القرار في إطار جهود الأزهر للحفاظ على العروبة والإسلام في مصر، ولترسيخ دوره الريادي في مواجهة التحديات الفكرية المعاصرة.



([1]) جامع البيان" للطبري 10/ 172، "تفسير القرآن العظيم" لابن أبي حاتم 6/ 1829، "أسباب النزول" للواحدي (ص 256)، "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير 7/ 227، "الدر المنثور" للسيوطي 3/ 455 - 456

([2]) الجامع لأحكام القرآن» (8/ 197)

([3]) «البداية والنهاية ط السعادة» (7/ 263) وسرعة العقاب لمن خالف السنة والكتاب (77)

([4]) «بستان العارفين للنووي» (ص50) وسرعة العقاب لمن خالف السنة والكتاب (78)

[5]  «مسند أحمد» (28/ 411 ط الرسالة):«وأبو داود في "السنن" (4604) ، والطبراني في "الكبير" 20/ (668) و (670)»

[6] «مسند أحمد» (28/ 429 ط الرسالة) «وأخرجه ابن أبي شيبة 8/261-262، ومن طريقه ابن ماجه (12) و (3193)»

[7] «نهاية المراد من كلام خير العباد» (2/ 193 )

[8] «المستدرك على الصحيحين للحاكم - ط العلمية» (1/ 192)

[9] كتاب الشريعة للإمام أبي بكر محمد بن الحسين الآجري، تحقيق محمد حامد الفقي، نشر. حديث أكاديمي، فيصل آباد، باكستان، ص51

تـَّـنـَمُــر التكوينين على شريعة رب العالمين سنة الأولين.pdf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة فيض الإله بخلق المواساة.pdf

الحقوق العشر للوطن في الإسلام

خطبة الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان.pdf