فتح العلي بمفاتيح الرزق الخفي.pdf
فتح العلي بمفاتيح الرزق الخفي
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد معاشر الموحدين حياكم الله تعالى و بياكم
حديثنا في هذا اليوم عن فتح العلي بمفاتيح الرزق الخفي لنقف اليوم مع تلك المفاتيح
التي أهملها كثير منا و اعتمدوا على الأسباب و كنوا إليها و تعلقت قلوبهم بها و
نسي هؤلاء ء أن الأرزاق لا تنال بقوة العضلات ولا بالذكاء و إنما تنال بمقادير
القدير جل جلاله يقول الشافعي – رحمه -:
فَإِذا سَمِعتَ بِأَنَّ مَجدوداً حَوى عُوداً فَأَثمَرَ في يَدَيهِ فَصَدِّقِ
وَإِذا سَمِعتَ بِأَنَّ مَحروماً أَتى ماءً لِيَشرَبَهُ فَغاصَ فَحَقِّقِ
لَو كانَ بِالحِيَلِ الغِنى لَوَجَدتَني بِنُجومِ أَقطارِ السَماءِ تَعَلُّقي
لَكِنَّ مَن رُزِقَ الحِجا حُرِمَ الغِنى ضِدّانِ مُفتَرِقانِ أَيَّ تَفَرُّقِ
وَأَحَقُّ خَلقِ اللَهِ بِالهَمِّ اِمرُؤٌ ذو هِمَّةٍ يُبلى بِرِزقٍ ضَيِّقِ
وَمِنَ الدَليلِ عَلى القَضاءِ وَحُكمِهِ بُؤسُ اللَبيبِ وَطيبُ عَيشِ الأَحمَقِ
إِنَّ الَّذي رُزِقَ اليَسارَ فَلَم يَنَل أَجراً وَلا حَمداً لِغَيرُ مُوَفَّقِ
وَالجَدُّ يُدني كُلَّ أَمرٍ شاسِعٍ وَالجَدُّ يَفتَحُ كُلَّ بابٍ مُغلَقِ
قال أبو بكر محمد بن
سابق:
فكم قوي قوي في تقلبه ** مهذب الرأي عنه الرزق ينحرف
وكم ضعيف ضعيف في تقلبه ** كأنه من خليج البحر يغترف
هذا دليل على أن الإله له ... في الخلق سر خفي ليس ينكشف
ولقد بين الله تعالى لنا في كتابه وبين لنا الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم
مفاتيح خفية لا يدركها إلا أهل الإيمان ولا يجد ثمرتها إلا أهل اليقين بها تفتح الأبواب،
وبها تتنزل الأرزاق من الرزاق، وبها تخرج الأرض بركتها، وبها يبارك الله في القليل،
وبها تقنع النفوس وتطمئن القلوب، فهيا عباد الله لنقف على تلك المفاتيح.
وأقولها لكم كثير منا لا يؤمن إلا بالمادة وقد ينكر ذلك لضعف في إيمانه ونقص
في يقينه فحري بنا أن نربي انفسنا على
الثقة بموعود الله جل في علاه .........
أولا الإيمان بالله وتحقيق التقوى
إخوة الإيمان : فمن أعظم الأسباب التي تحقق للعبد
الرزق و البركة في كل شيء أن يحقق المسلم الإيمان بالله تعالى و أن يكون من الذين
آمنوا و كانوا يتقون يقول الله تعالى
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ
بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الأعراف:96]
يقول
القطان رحمه الله - بركات السماء : تشمل الروحية والمادية ، وبركات الأرض الخصب ،
وما فيها من معادن وخيرات.
بعد
أن بين الله أخْذّه لأهل القرى الذين كذّبوا رسُلهم- ذكر هنا لأهل مكةَ ما يكون من
إغداقِ النعم لو آمنوا بالرسول واهتَدوا بهدْية ، واعتبروا بسنّة الله في الأُمم
من قبلهم .
لو أن
أهل تلك القرى آمنوا بما جاء به أنبياؤهم ، وعملوا بوصاياهم ، وابتعدوا عما حرمه
الله- لفتحْنا عليهم أنواعاً من بركات السماء والأرض نِعماً لا تحصى ، كالمطر
والنبات والثمار والمعادن والأرزاق ، والسلامة من الآفات . . لكنهم جحدوا وكذبوا
أولئك الرسل ، فأنزلنا بهم عقوبتنا ، لِما كانوا يقترفونه من الشرك والمعاصي ([1])
قصة: الإمام
أحمد – رحمه الله- :وجدت في خزائن بعض بني أمية حنطة الحبة بقدر نواة التمرة وهي
في صرة مكتوب عليها كان هذا ينبت في زمن من العدل وكثير من هذه الآفات أحدثها الله
سبحانه وتعالى بما أحدث العباد من الذنوب وأخبرني جماعة من شيوخ الصحراء أنهم
كانوا يعهدون الثمار أكبر مما هي الآن وكثير من هذه الآفات التي تصيبها لم يكونوا
يعرفونها وإنما حدثت من قرب وأما تأثير الذنوب في الصور والخلق فعن أبي هريرة قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلق الله آدم على صورته طوله ذراعا فلما
خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك
فإنها تحيتك وتحية ذريتك فذهب فقال : السلام عليكم فقالوا : السلام عليك ورحمة
الله " قال : " فزادوه ورحمة الله " . قال : " فكل من يدخل
الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعا فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن ([2])
فإذا
أراد الله أن يطهر الأرض من الظلمة والخونة والفجرة ويخرج عبدا من عباده من أهل
بيت نبيه فيملأ الأرض قسطا كما ملئت جورا ويقتل المسيح اليهود والنصارى ويقيم
الدين الذي بعث الله به رسوله وتخرج الأرض بركاتها وتعود كما كانت حتى أن العصابة
من الناس ليأكلون الرمانة ويستظلون بقحفها ويكون العنقود من العنب وقر بعير ولبن
اللقحة الواحدة يكفي الفئام من الناس وهذا لان الأرض لما طهرت من المعاصي ظهرت
فيها آثار البركة من الله تعالى التي محقتها الذنوب والكفر ([3])
قيل
لحاتم: من [أين] تأكل فقال: (ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا
يفقهون).
وقال:
لي أربع نسوة وتسعة من الأولاد، فما طمع الشيطان أن يوسوس علي في شيء من أرزاقهم.([4])
وقيل لحاتم
الأصم: من أين تأكل ؟
فقال: من عند
الله،
فقيل له: الله
ينزل لك دنانير ودراهم من السماء ؟
فقال: كأن
ماله إلا السماء ! يا هذا الأرض له والسماء له، فإن لم يؤتني رزقي من السماء ساقه
لى من الأرض، وأنشد:
وكيف أخاف
الفقر والله رازقي * ورازق هذا الخلق في العسر واليسر
تكفل بالأرزاق للخلق كلهم * وللضب في البيداء
والحوت في البحر )([5])
قال
الحسن : « خزائنُ السماوات » الغُيوبُ ، وخزائنُ الأرضِ القلوبُ ، فهو علاَّمُ
الغيوب ومُقلبُ القُلوبِ . ([6])
ثانيا شكر الله تعالى على النعم :
فان
من مفاتيح الرزق البركة و النماء أن يشكر
العبد رب الأرض و السماء يقول الله تعالى { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ
لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ
(7)إبراهيم
}
يقول
الرازي – رحمه الله - واعلم أن المقصود من الآية بيان أن من اشتغل بشكر نعم الله
زاده الله من نعمه ، ولا بد ههنا من معرفة حقيقة الشكر ومن البحث عن تلك النعم
الزائدة الحاصلة عن الاشتغال بالشكر ، أما الشكر فهو عبارة عن الاعتراف بنعمة
المنعم مع تعظيمه وتوطين النفس على هذه الطريقة ، وأما الزيادة في النعم فهي أقسام
: منها النعم الروحانية ، ومنها النعم الجسمانية ، أما النعم الروحانية فهي أن
الشاكر يكون أبداً في مطالعة أقسام نعم الله تعالى وأنواع فضله وكرمه ، ومن كثر
إحسانه إلى الرجل أحبه الرجل لا محالة ، فشغل النفس بمطالعة أنواع فضل الله
وإحسانه يوجب تأكد محبة العبد لله تعالى ، ومقام المحبة أعلى مقامات الصديقين ، ثم
قد يترقى العبد من تلك الحالة إلى أن يصير حبه للمنعم شاغلاً له عن الالتفات إلى
النعمة ، ولا شك أن منبع السعادات وعنوان كل الخيرات محبة الله تعالى ومعرفته ،
فثبت أن الاشتغال بالشكر يوجب مزيد النعم الروحانية ، وأما مزيد النعم الجسمانية ،
فلأن الاستقراء دل على أن من كان اشتغاله بشكر نعم الله أكثر ، كان وصول نعم الله
إليه أكثر ، وبالجملة فالشكر إنما حسن موقعه ، لأنه اشتغال بمعرفة المعبود وكل
مقام حرك العبد من عالم الغرور إلى عالم القدس ، فهو المقام الشريف العالي الذي
يوجب السعادة في الدين والدنيا
ثالثا: الاستغفار :
فإن
من أسباب الرزق و البركة أن يكثر المرء من الاستغفار للعزيز الغفار فإن ذلك يمنحه
من ربه السعة في الرزق و البركة فيه يقول خير الرازقين { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ
مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)نوح }
يقول
ابن عطية – رمه الله -يقتضي أن الاستغفار سبب لنزول المطر في كل أمة .
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استسقى
بالناس فلم يزد على أن استغفر ساعة ثم انصرف فقال له قوم : ما رأيناك استسقيت يا
أمير المؤمنين ، فقال : والله لقد استنزلت المطر بمجادح السماء ، ثم قرأ الآية ،
وسقى رضي الله عنه ([7])،
وشكى
رجل إلى الحسن الجرب فقال له : استغفر الله ، وشكى إليه آخر الفقر ، فقال : استغفر
إليه ، وقال له آخر : ادع الله أن يرزقني ولداً ، فقال له استغفر الله ، فقيل له
في ذلك ، فنزع بهذه الآية .
قال
القاضي أبو محمد : والاستغفار الذي أحال عليه الحسن ليس هو عندي لفظ الاستغفار فقط
، بل الإخلاص والصدق في الأعمال والأقوال ، فكذلك كان استغفار عمر رضي الله عنه ،
وروي أن قوم نوح كانوا قد أصابهم قحوط وأزمة ، فلذلك بدأهم في وعده بأمر المطر ثم
ثنى بالأموال والبنين . قال قتادة : لأنهم كانوا أهل حب للدنيا وتعظيم لأمرها
فاستدعاهم إلى الآخرة من الطريق التي يحبونها ، ([8])
عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث
لا يحتسب .([9])
رابعا: التوكل على الله تعالى
ومن
أسباب السعة في الرزق و البركة فيه أن يتوكل العبد على ربه ثم يأخذ بالأسباب فان
الله تعالى أمرنا بالتوكل عليه فقال { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ (11ابراهيم }
و
النبي – صلى الله عليه و سلم أرشدنا إلى كل خير و حذرنا من كل شر و من الخير الذي
دلنا عليه التوكل على الله تعالى عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{ لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا ،و تروح
بطانا }"([10])
.
(لو أنكم توكلون على الله حق توكله) بأن تعلموا
يقينا أن لا فاعل إلا الله وأن كل موجود من خلق ورزق وعطاء ومنع من الله تعالى ثم
تسعون في الطلب على الوجه الجميل والتوكل إظهار العجز والاعتماد على المتوكل عليه
(لرزقكم كما ترزق) بمثناة فوقية مضمومة أوله بضبط المصنف (الطير) زاد في رواية في
جو السماء (تغدو خماصا) أي ضامرة البطون من الجوع جمع خميص أي
جائع
(وتروح) أي ترجع آخر النهار (بطانا) أي ممتلئة البطون جمع بطين أي شبعان أي تغدو
بكرة وهي جياع وتروح عشاءا وهي ممتلئة الأجواف
وما
أحسن ما قال شيخ الإسلام الصابوني :
توكل على الرحمن في كل حاجة * أردت فإن الله يقضي ويقدر
متى ما يرد ذو العرش أمرا بعبده * يصبه وما للعبد ما يتخير
وقد
يهلك الإنسان من رجه أمنه * وينجو بإذن الله من حيث يحذر ([11])
وقال
الشيخ أبو حامد: وقد يظن أن معنى التوكل ترك الكسب بالبدن وترك التدبير بالقلب
والسقوط على الأرض كالخرقة الملقاة أو كلحم على وضم، وهذا ظن الجهال، فإن ذلك حرام
في الشرع، والشرع قد أثنى على المتوكلين فكيف ينال مقام من مقامات الدين محظورا من
محظورات الدين، بل نكشف عن الحق فيه فنقول: إنما يظهر تأثير التوكل في حركة العبد
وسعيه بعمله إلى مقاصده. ([12])
فينبغي
للباحث عن البركة أن يتوكل على الله سبحانه و تعالى ثم يتبعه الحركة و السعي من
اجل طلب الحلال فان الله تعالى أمر سيدة البتول أن تهز جذع النخل حتى يتساقط عليها
الرطب و لم يأمرها بالتوكل فقط بل لابد من الأخذ بالأسباب فالأخذ بالأسباب أمر
واجب و قد أخذ بعض العلماء من قوله تعالى
في هذه الآية الكريمة: { وهزى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة } [ مريم : 25 ] الآية -
أن السعي والتسبب في تحصيل الرزق أمر مأمور به شرعاً وأنه لا ينافي التوكل على
الله جل وعلا . وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة .
وسُئِل
حاتم: " علام بنيتَ أمرَكَ هذا في التوكل علي الله؟ " ، قال: " علي
خصالِ أربع: علمتُ أن رزقي لا يأكله غيري، فاطمأنت به نفسي، وعلمتُ أن عملي لا
يعملهُ غيري، فأنا مشغول به، وعلمتُ أن الموت يأتيني بغتةً، فأنا أبادره، وعلمتُ أني
لا أخلو من عين الله حيث كنتُ، فأنا مستحٍ منه " .
وقال:
" ما من صباح إلا والشيطانُ يقول لي: " ما تأكل، وما تلبس؟ وأين تسكنُ؟
" . فأقول: " أّكل الموتَ، وألبس الكفنَ، وأسكن القبرَ ".
وقيل
له: " من أين تأكل؟ "، فقال: " ولله خزائنُ السمواتِ والأرض ولكن
المنافقين لا يعلمونَ ([13])([14])
خامسا: الصدق في البيع والشراء
واعلموا
رحمكم الله – أن من أسباب حصول البركة الصدق في البيع و الشراء فان ذلك من أبواب
البركة التي غفل عنها كثير من التجار فهم يربحون ولكن لا يجدون لربحهم بركة بل هم
في هم و غم و فقر رغم كثرة الأرباح بسبب الكذب في بيعهم و شرائهم ، ولقد أوضح
النبي الحبيب- صلى الله حكيم بن حزام،
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- « البيعان بالخيار، ما لم يتفرقا، أو قال حتى يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما
فى بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما » .([15])
عليه
و سلم – لنا أن من الأسباب الجالبة للبركة الصدق
يقول
ابن حجر-رحمه الله -قوله: (محقت بركة بيعهما )
يحتمل
أن يكون على ظاهره وأن شؤم التدليس والكذب وقع في ذلك العقد فمحق بركته، وإن كان
الصادق مأجورا والكاذب مأزورا . ويحتمل أن يكون ذلك مختصا بمن وقع منه التدليس،
والعيب دون الآخر، ورجحه ابن أبي جمرة. وفي الحديث فضل الصدق والحث عليه وذم الكذب
والحث على منعه، وأنه سبب لذهاب البركة، وأن عمل الآخرة يحصل خيري الدنيا والآخرة.([16])
أقول
قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم انه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
أما
بعد : ................................
سادسا: البكور في طلب الرزق:
إخوة الإسلام :ومن بواعث حصول البركة البكور في طلب الرزق و لقد دعا رسول
الله –صلى الله عليه و سلم لأهل البكور بالبركة و دعوة النبي – صلى الله عليه و
سلم – مستجابة عند الله تعالى عن صخر بن وداعة الغامدي الصحابي رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك لأمتي في بكورها وكان إذا بعث سرية
أو جيشا بعثهم من أول النهار وكان صخر تاجرا فكان يبعث تجارته من أول النهار فأثرى
وكثر ماله )([17])
يقول
ابن بطال – رحمه الله -وإنما خص – -صلى الله عليه وسلم - – البكور بالدعاء بالبركة فيه من بين سائر
الأوقات – والله أعلم - لأنه وقت يقصده الناس بابتداء أعمالهم وهو وقت نشاط وقيام
من دعة، فخصه بالدعاء؛ لينال بركة دعوته جميع أمته.([18])
عن ابن عمر –رضي الله عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم -بورك
لأمتي في بكورها([19])
يقول
ابن القيم – رحمه الله -ومن المكروه عندهم: النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس فإنه
وقت غنيمة وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة حتى لو ساروا طول ليلهم لم
يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس فإنه أول النهار ومفتاحه ووقت
نزول الأرزاق وحصول القسم وحلول البركة ومنه ينشأ النهار وينسحب حكم جميعه على حكم
تلك الحصة فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر)([20])
سابعا: الزكاة والصدقة:
ومن أسباب الرزق البركة و النماء الذي دل عليها رب
الأرض و السماء و سيد الأنبياء – صلى الله عليه و سلم – يقول الله تعالى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)التوبة }
يقول السعدية- رحمه الله - { خُذْ
مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } وهي
الزكاة المفروضة، { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } أي: تطهرهم من الذنوب والأخلاق الرذيلة.
{ وَتُزَكِّيهِمْ }
أي: تنميهم، وتزيد في أخلاقهم الحسنة، وأعمالهم الصالحة، وتزيد في ثوابهم الدنيوي
والأخروي، وتنمي أموالهم.
{ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ }
أي: ادع لهم، أي: للمؤمنين عموما وخصوصا عندما يدفعون إليك زكاة أموالهم.
{ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } أي: طمأنينة لقلوبهم، واستبشار لهم، { وَاللَّهُ سَمِيعٌ }
لدعائك، سمع إجابة وقبول.
{ عَلِيمٌ } بأحوال
العباد ونياتهم، فيجازي كل عامل بعمله، وعلى قدر نيته، فكان النبي صلى الله عليه
وسلم يمتثل لأمر اللّه، ويأمرهم بالصدقة، ويبعث عماله لجبايتها، فإذا أتاه أحد
بصدقته دعا له وبرَّك.
ففي هذه الآية، دلالة على وجوب الزكاة، في جميع
الأموال، وهذا إذا كانت للتجارة ظاهرة، فإنها أموال [ ص 351 ] تنمى ويكتسب بها،
فمن العدل أن يواسى منها الفقراء، بأداء ما أوجب اللّه فيها من الزكاة.
وما عدا أموال التجارة، فإن كان المال ينمى، كالحبوب،
والثمار، والماشية المتخذة للنماء والدر والنسل، فإنها تجب فيها الزكاة، وإلا لم
تجب فيها، لأنها إذا كانت للقنية، لم تكن بمنزلة الأموال التي يتخذها الإنسان في
العادة، مالا يتمول، ويطلب منه المقاصد المالية، وإنما صرف عن المالية بالقنية
ونحوها.
وفيها: أن العبد لا يمكنه أن يتطهر ويتزكى حتى يخرج زكاة
ماله، وأنه لا يكفرها شيء سوى أدائها، لأن الزكاة والتطهير متوقف على إخراجها.
وفيها: استحباب الدعاء من الإمام أو نائبه لمن أدى
زكاته بالبركة، وأن ذلك ينبغي، أن يكون جهرا، بحيث يسمعه المتصدق فيسكن إليه.
ويؤخذ من المعنى، أنه ينبغي إدخال السرور على المؤمن بالكلام
اللين، والدعاء له، ونحو ذلك مما يكون فيه طمأنينة، وسكون لقلبه. وأنه ينبغي تنشيط
من أنفق نفقة وعمل عملا صالحا بالدعاء له والثناء، ونحو ذلك.([21])
ومن
ذلك قوله -سبحانه و تعالى – { وَمَا
آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ
اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) الروم }
يقول الماوردي- رحمه الله -{ وَمَا ءَآتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ
اللَّهِ } أي ثواب الله ، وفيها قولان: أحدهما : أنها الزكاة المفروضة وهو
الظاهر .
الثاني
: أنها الصدقة ، قاله ابن عباس والسدي .
{ فَأُوْلَئِكَ الْمُضْعِفُونَ } فيه
وجهان: أحدهما : تضاعف لهم الحسنات لأن من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ، قاله
السدي .
الثاني
: تضاعف أموالهم في الدنيا بالزيادة فيها ، وقال الكلبي : لم يقل مال رجل من زكاة
.)([22])
و
المشاهد المحسوس و الواقع الملموس أن الله تعالى يبارك في الأموال التي يخرج
أصحابها الزكاة و هي في نماء ما اخرجوا زكاة أموالهم و لم لا و النبي – صلى الله
عليه وسلم – اقسم قسما حقا أن المال لا ينقص بالصدقة عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
( ثلاث والذي نفسي بيده إن كنت لحالفا
عليهن لا ينقص مال من صدقة فتصدقوا ولا يعفو عبد عن مظلمة إلا زاده الله بها عزا
يوم القيامة ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر)([23])
عن أبي كبشة الأنماري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه قال ما نقص مال عبد من صدقة ولا
ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله
عليه باب فقر أو كلمة نحوها ([24])
ثامنا: الزواج وعدم المغالاة في المهر:
إخوة
الإيمان : اعلموا أن من مظان الرزق اليسر و السماحة في الزواج لا التعنت و العناد
الذي نشاهده في عصرنا والإسلام الحنيف
اعتبر أن المرأة كلما كان مهرها قليلاً كان خيرها كثيراً، عن عائشة رضي
الله عنها قالت: قال رسول الله : ((إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة))([25])
و لم
لا والله تعالى قد ضمن له العون على زواجه و جعل ذلك حقا للمتزوج عليه – و هذا تفضل من الله لأنه لا يجب عليه شيء – عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : " ثلاثة حق على الله عونهم : المكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي
يريد العفاف والمجاهد في سبيل الله "([26])
وعن
عمر رضي اللَّهُ عنه : عجبت لمن لا يطلب الغنى بالباءة .
قال
الزمخشري –رحمه الله- ولقد كان عندنا رجل رازح الحال ، ثم رأيته بعد سنين وقد
انتعشت حاله وحسنت ، فسألته؟ فقال : كنت في أول أمري على ما علمت ، وذلك قبل أن
أُرزق ولداً ، فلما رزقت بكر ولدي تراخيت عن الفقر ، فلما ولد لي الثاني زدت خيراً
، فلما تتاموا ثلاثة صبّ الله عليّ الخير صباً ، فأصبحت إلى ما ترى { والله واسع }
أي غنيّ ذو سعة لا يرزؤه إغناء الخلائق ، ولكنه { عَلِيمٌ } يبسط الرزق ولمن يشاء
ويقدر )([27])
.
تاسعا: صلة الرحم
ومن
أسباب الرزق و النماء و كثرة الخير و العطاء صلة الأرحام و الإحسان إلى ذوي الرحم
المسلم فان الله تعالى وعد من يصل رحمه
بالصلة في الدنيا و الآخرة عن
أَنَس، قَالَ عليه السَّلام:: «
مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ،
فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ » ([28])
عن
داود بن عيسى قال مكتوب في التوراة صلة الرحم وحسن الخلق وبر القرابة تعمر الديار
وتكثر الأموال وتزيد في الآجال وإن كان القوم كفارا
يقول
بدر الدين العيني – رحمه الله - فإن قلت الآجال مقدرة وكذا الأرزاق لا تزيد ولا
تنقص فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون قلت أجيب عن هذا بوجهين (
أحدهما ) أن هذه الزيادة بالبركة في العمر بسبب التوفيق في الطاعات وصيانته عن
الضياع وحاصله أنها بحسب الكيف لا الكم
(
والثاني ) أن الزيادة على حقيقتها وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر وإلى
ما يظهر له في اللوح المحفوظ بالمحو والإثبات فيه يمحو الله ما يشاء ويثبت كما أن
عمر فلان ستون سنة إلا أن يصل رحمه فإنه يزاد عليه عشرة وهو سبعون وقد علم الله عز
وجل بما سيقع له من ذلك فبالنسبة إلى الله تعالى لا زيادة ولا نقصان ويقال له
القضاء المبرم وإنما يتصور الزيادة بالنسبة إليهم ويسمى مثله بالقضاء المعلق ويقال
المراد بقاء ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت وهو إما بالعلم الذي ينتفع به أو
الصدقة الجارية أو الخلف الصالح ([29])
عن أبي سلمة قال اشتكى أبو الرداد الليثي فعاده عبد الرحمن بن عوف فقال
خيرهم وأوصلهم ما علمت أبا محمد فقال عبد الرحمن سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول قال الله تبارك وتعالى أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من
اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته([30])
الدعاء ......................
[1] - تفسير القطان - (ج 2 / ص 63)
[2] - أخرجه البخاري ح 3148 و مسلم ح 2841
[3] - الجواب الكافي [ جزء 1 -
صفحة 43 ]
[4] - تاريخ بغداد ج 3 ص 477 وفيات الأعيان - (ج 2 / ص 28)
[5] - تفسير القرطبي - (ج 9 / ص 6)
[6] - تفسير اللباب لابن عادل
- (ج 15 / ص 299)
[7] -مصنف ابن أبي شيبة - (ج 7 / ص 76)
[8] - المحرر الوجيز - (ج 6 / ص 425)
[9] -قال الألباني : ضعيف ، الضعيفة
( 706 ) ، ضعيف أبي داود ( 268 ) ، التعليق الرغيب ( 2 / 268 ) // ضعيف الجامع (
5829 ) /
[10] - قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 557 : أخرجه أحمد ( 1 /
30 ) و الترمذي ( 2 / 55 - ) و الحاكم ( 4 / 318 ) و قال الترمذي : " حديث حسن
صحيح ".
[11] - تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 129)
[12] - الرسالة للقشيري ص 76
[13] - طبقات الأولياء - (ج 1 /
ص 30)
[14] - الشكر - (ج 1 / ص 19)
[15]- أخرجه أحمد
(3/402، 434) والدارمي (2550) والبخاري (3/83) . ومسلم (5/10) ، وأبو داود (3459) والترمذي
(1246) والنسائي (7/247
[16] - فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص
431)
[17] واه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي
حديث حسنة وصححه الألباني في صحيح الترغيب ح 1693 و انظر حديث رقم : 1300 في صحيح الجامع .
[18] - شرح ابن بطال -(ج 9 / ص 163)
[19] - أخرجه الطبراني في الكبير و الأوسط ح 765
و أبو يعلى ح 5281 و قال الألباني ( صحيح ) انظر حديث رقم : 2841 في صحيح الجامع
.
[20] - مدارج السالكين [ جزء 1 -
صفحة 459 ]
[21] - تفسير السعدي - (ج 1 / ص 350)
[23] - أخرجه احمد ح 1584والطبراني
في الصغير ح 2361 صحيح الترغيب ح 814
[24] - أخرجه الترمذي ح 2247 و صححه الألباني في صحيح ابن ماجه ح ابن ماجة (
4228 )
[25] - أخرجه احمد ح 23388 و البيهقي في الشعب ح 6295 و الطيالسي ح 1518و
قال شعيب الأرنؤوط : إسناده
ضعيف ابن الطفيل بن سخبرة اختلف على حماد بن سلمة في اسمه
[26] قال أخرجه الترمذي ح 1579 و
النسائي 3166 و الحاكم ح 2629 الألباني ( حسن ) انظر
حديث رقم : 3050 في صحيح الجامع .
[27] - الكشاف - (ج 4 / ص 403)
[28] - أخرجه أحمد (2/374)أخرجه
البخاري (8/6) ومسلم (8/8)وفى الأدب المفرد (57) .والترمذى (1979)
[29] - عمدة القاري [ جزء 22 -
صفحة 91 ]
[30] - أخرجه احمد ح1571و الترمذي ح 1830
و ابن بطة في الإبانة ح 1891و
الحاكم ح 7373و الطبراني في الكبير و الأوسط ح 3469و ابن حبان في صحيحه ح
444و قال الألباني ( صحيح ) انظر حديث رقم : 4314
تعليقات
إرسال تعليق