الموانع العشر للنصر والتمكين.pdf
الموانع
العشر للنصر والتمكين
الشيخ
السيد مراد سلامة
الخطبة
الأولى
أما بعد: فحياكم الله أيها
الأخوة الأفاضل وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا ، وأسأل الله
الحليم الكريم جل وعلا الذي جمعني مع حضراتكم في هذا البيت الطيب المبارك على
طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته ،إنه ولى
ذلك والقادر عليه ..
فيا أنصار الشريعة و يا حملة راية التوحيد اعلموا أن هناك أسباب عديدة تحول
بيننا وبين النصر والتمكين لأن للنصر سننا لا تتغير ولا تتبدل ولا تحابي أحدا فيها
لنتعرف على تلك الموانع حتى نزيلها من أمامنا.
✍ سنة النصر والتمكين:
اعلم علمني الله وإياك أن هناك أسباب تمنع من النصر والتمكين
وقد أجملها ربنا سبحانه وتعالى في كلمات معدودات فقال سبحانه وتعالى {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا
قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) آل عمران 165}
يقول القطان – رحمه الله – (لا ينبغي أن تعجبوا وتجزعوا مما حل
بكم يوم أُحُد من ظهور المشركين عليكم ، وقتْل سبعين رجلاً منكم ، فلقد أصبتم منهم
مِثْلَيْها يوم بدر بقتل سبعين رجلاً منهم وأسر سبعين آخرين . إذن كان نصركم في
بدر ضِعف انتصار المشركين في أحد .
وقد كان سبب تعجبهم أن بعضهم قال : نحن ننصر دين الله وفينا
رسوله ، وهم ينصرون الشرك بالله ، ومع ذلك يُنصرون علينا؟ فرد الله عليهم بهذه
الآية بقوله : { قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا } ،
و { قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } أي أن
الذي أصابكم إنما هو من عند أنفسكم : لقد خالفتم الرسول في أمور كثيرة ، فقد كان
من رأيه البقاء في المدينة و محاربة المشركين فيها إذا هاجموا ، لكنكم تحمستم
وأردتم الخروج للقاء العدو . ثم إنكم تنازعتم الرأي فيما بينكم . ثم كانت الطامة
الكبرى بمخالفة الرماة منكم أمر الرسول ونزولهم عن الجبل . . كل هذه المخالفات
أدّت إلى الهزيمة . والله قادر على كل شيء ، ومن مقتضى قدرته أن تنفُذ سُنَنُه ،
وأن تمضي الأمور وفق حكمة وإرادته ، وألا تتعطل سُنّته التي أقام عليها الكون
والحياة .)([1])
فإن قلت ما هي تلك الموانع التي تمنع من التمكين في الأرض حتى
نبتعد عنها ونعمل جاهدين على إزالتها؟
الجواب بحول الملك الوهاب
✍ أولا: ضعف الإيمان بالله تعالى وعدم نصرة
دينه:
اعلموا رباك الله فيكم
:أن ضعف الإيمان بالله تعالى أيها الكرام و عدم الثقة به من أخطر الأسباب التي
توقع الأمم و الشعوب في الانتكاس و الهزيمة أمام أعدائها و لقد قرر الله تعالى تلك
الحقيقة في غير ما آية من كتابه فقال سبحانه وتعالى مخاطبا المؤمنين { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ
بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ
بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) النور}
هذا من أوعاده الصادقة، التي شوهد تأويلها ومخبرها، فإنه وعد
من قام بالإيمان والعمل الصالح من هذه الأمة، أن يستخلفهم في الأرض، يكونون هم
الخلفاء فيها، المتصرفين في تدبيرها، وأنه يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وهو دين
الإسلام، الذي فاق الأديان كلها، ارتضاه لهذه الأمة، لفضلها وشرفها ونعمته عليها،
بأن يتمكنوا من إقامته، وإقامة شرائعه الظاهرة والباطنة، في أنفسهم وفي غيرهم،
لكون غيرهم من أهل الأديان وسائر الكفار مغلوبين ذليلين، وأنه يبدلهم من بعد خوفهم
الذي كان الواحد منهم لا يتمكن من إظهار دينه، وما هو عليه إلا بأذى كثير من
الكفار، وكون جماعة المسلمين قليلين جدا بالنسبة إلى غيرهم، وقد رماهم أهل الأرض
عن قوس واحدة، وبغوا لهم الغوائل.
فوعدهم الله هذه الأمور وقت نزول الآية، وهي لم تشاهد
الاستخلاف في الأرض والتمكين فيها، والتمكين من إقامة الدين الإسلامي، والأمن
التام، بحيث يعبدون الله ولا يشركون به شيئا، ولا يخافون أحدا إلا الله، فقام صدر
هذه الأمة، من الإيمان والعمل الصالح بما يفوقون على غيرهم، فمكنهم من البلاد
والعباد، وفتحت مشارق الأرض ومغاربها، وحصل الأمن التام والتمكين التام، فهذا من
آيات الله العجيبة الباهرة، ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة، مهما قاموا بالإيمان
والعمل الصالح، فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله، وإنما يسلط عليهم الكفار
والمنافقين، ويديلهم في بعض الأحيان، بسبب إخلال المسلمين بالإيمان والعمل الصالح.
([2])
و قد اشترط سبحانه و
تعالى للنصر شروطا منها أن تنصر ه سبحانه و تعالى فقال { يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
(7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)محمد }
يقول سيد قطب – رحمه
الله - وكيف ينصر المؤمنون الله ، حتى يقوموا بالشرط وينالوا ما شرط لهم من النصر
والتثبيت؟
إن لله في نفوسهم أن تتجرد له، وألا تشرك به شيئاً، شركاً
ظاهراً أو خفياً، وألا تستبقي فيها معه أحداً ولا شيئاً، وأن يكون الله أحب إليها
من ذاتها ومن كل ما تحب وتهوى، وأن تحكمه في رغباتها ونزواتها وحركاتها وسكناتها،
وسرها وعلانيتها، ونشاطها كله وخلجاتها. ... فهذا نصر الله في ذوات النفوس.
وإن لله شريعة ومنهاجاً للحياة، تقوم على قواعد وموازين وقيم
وتصور خاص للوجود كله وللحياة. ونصر الله يتحقق بنصرة شريعته ومنهاجه، ومحاولة
تحكيمها في الحياة كلها بدون استثناء، فهذا نصر الله في واقع الحياة. ([3])
فأين الأمة الإسلامية من نصرة الله
تعالى و نصرة دينة و نصرة رسوله – صلى الله عليه و سلم –فكم نرى و نسمع عن الذين
يتساءلون لما لا ينصر الله على اليهود و على أعوانهم لماذا لا يمكن الله تعالى لدينه و أوليائه ؟؟!
فإذا نظرات إلى أحوالهم و أفعالهم لرأيت
البون شاسعا و الهوة كبيرة لرأيتهم لا ينصرون الله و لا رسوله و لا عباده
الصالحين، إذ كيف ينصر الله تعالى أقواما تخاذلوا عن نصرة كتابه و قد أهانه اليهود
و دنسوه ؟ كيف ينصر الله تعالى أقواما
سُب نبيهم وأساء إليه الأقزام و تطاول
عليه الأوغاد و ما رفع المسلمون لذلك رأسا بل
هزوا رؤوسهم و مصمصوا شفاههم وكأن الأمر لا يعنيهم فكيف يأتي النصر ؟
لقد غضب الكلب عند سب رجل من النصارى
رسول الله – صلى الله عليه و سلم – و قتل الساب يقول ابن كثير – رحمه الله - : ذُكر
عن جمال الدين إبراهيم بن محمد الطيبي أن بعض أمراء المغول تنصر فحضر عنده جماعة
من كبار النصارى والمغول فجعل واحد منهم
ينتقص النبي- صلى الله عليه وسلم - وهناك
كلب صيد مربوط فلما أكثر من ذلك وثب عليه الكلب فخمشه فخلصوه منه وقال بعض من حضر
هذا بكلامك في محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال كلا بل هذا الكلب عزيز النفس رآني
أشير بيدي فظن أني أريد أن أضربه ثم عاد إلى ما كان فيه فأطال فوثب الكلب مرة أخرى
فقبض على زردمته فقلعها فمات من حينه فأسلم بسبب ذلك نحو أربعين ألفا من المغول ([4])
فهذا كلب انتصر لرسول الله – صلى الله
عليه و سلم – فمتى تنتصر الأمة لنبيها حتى ينصرها ربها ؟
✍ ثانيا : مولاة الكافرين و معادة المؤمنين :
أيها الأحباب : إن من موانع النصر و التمكين
للأمة مولاة الكافرين فهذا من اخطر الموانع التي تمنع من النصر و التمكين بل هو من
أسباب الذل يقول سبحانه و تعالى { إِنَّ الَّذِينَ
آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ
شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ
النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ
آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ
وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا
مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ
فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) [الأنفال/72-75]}
و يقول سبحانه و تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ
وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ
فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا
دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا
عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا
أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ
حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ
مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ
الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)المائدة }
يقول السعدي – رحمه الله- لما نهى عن
ولاية الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم، وذكر مآل توليهم أنه الخسران المبين،
أخبر تعالى مَن يجب ويتعين توليه، وذكر فائدة ذلك ومصلحته فقال: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } فولاية
الله تدرك بالإيمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن كان وليا
لله فهو ولي لرسوله، ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه، وهم
المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة
بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها
منهم.
وقوله: {وَهُمْ
رَاكِعُونَ} أي: خاضعون لله ذليلون. فأداة الحصر في قوله {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}
تدل على أنه يجب قصر الولاية على المذكورين، والتبري من ولاية غيرهم.
ثم ذكر فائدة هذه الولاية فقال: {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} أي: فإنه من الحزب المضافين
إلى الله إضافة عبودية وولاية، وحزبه هم الغالبون الذين لهم العاقبة في الدنيا
والآخرة، كما قال تعالى {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ
الْغَالِبُونَ } .
وهذه بشارة عظيمة، لمن قام بأمر الله
وصار من حزبه وجنده، أن له الغلبة، وإن أديل عليه في بعض الأحيان لحكمة يريدها
الله تعالى، فآخر أمره الغلبة والانتصار، ومن أصدق من الله قيلا ([5])
فبينت الآيات أن حزب الله هم الذين
حققوا مبدأ المولاة لله و لرسوله ولعبداه المؤمنين هم أهل نصرته وأهل الغلبة على عدوهم فنظر يمينا و يسارا ترى
العروة الوثقى قد انفصمت فأصبح الولاء و البراء لأعداء الله و رسوله
لقد كان هذا هو السبب في هزيمة الدولة
العباسية أمام التتار لما وثقت بالرافضي الخبيث ابن العلقمي وولته الوزارة، وكان
ذلك الخبيث ممن مالأ التتار وكاتبهم من أجل أن تهدم الخلافة وتسقط الدولة، فكان
ذلك وحصل له ما أراد، ولكن الله كان له بالمرصاد، فجازاه ملك التتار أن قتله، وقال
له: أنت لا تستحق أن يثق فيك، فقتله شر قتلة، وما أكثر أمثال ابن العلقمي في هذه
العصور.
✍ ثالثا : ترك الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر:
أحبيتي في الله و من موانع النصر و التمكين
للامة ما نراه و نشاهد الأن من منكرات و مجاهرة بالذنوب و المعاصي و لكننا لم نحرك
ساكنا و لم يتمرع الوجه من معصية الله تعالى
وهو سبب من أسباب الهلاك ونزول العذاب، يقول الله:{
فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ
عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ
وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا
مُجْرِمِينَ[116]وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا
مُصْلِحُونَ[117]}[سورة هود] . إذا كان أهلها يأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر لا يهلكهم الله، أما إذا تركوا ذلك، وانتشرت الرذائل، وأصبحت علانية،
فليسوا مهددين بالهزيمة بل بأعظم من ذلك، وهو أن يهلكهم الله، ويحل بهم العذاب عن
أبي بكر الصديق أنه قال أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية﴿
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ
إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105]
وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا
على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ([6])
يقول المناوي – رحمه الله - (أن يعمهم
الله بعقاب منه) إما في الدنيا أو الأخرى أو فيهما لتضييع فرض الله بغير عذر وزاد
قوله منه زيادة في التهويل والزجر والتحذير وقد أفاد بالخبر أن من الذنوب ما يعجل
الله عقوبته في الدنيا ومنه ما يمهله إلى الآخرة والسكوت على المنكر يتعجل عقوبته
في الدنيا بنقص الأموال والأنفس والثمرات وركوب الذل من المظلمة للخلق وقد تبين
بهذا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية لا عين ، إذ القصد إيجاد مصلحة
أو دفع مفسدة لا تكليف فرد فرد فإذا أطبقوا على تركه استحقوا عموم العقاب لهم وقد
يعرض ما يصيره فرض عين وأما قوله تعالى ﴿يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [المائدة:
105] فمعناه إذا فعلتم ما كلفتم به لا يضركم
تقصير غيركم (1) وفيه تحذير عظيم لمن سكت عن النهي فكيف بمن داهن فكيف بمن رضي
فكيف بمن أعان ؟ نسأل الله السلامة.
أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر
بالمعروف أوحى الله إلى يوشع عليه السلام إني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم
وستين ألفا من شرارهم فقال يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار قال إنهم لم
يغضبوا لغضبي وكانوا يؤاكلونهم ويشاركونهم ، واعلم أنه قد يقوم كثرة رؤية المنكر
مقام الارتكاب فيسلب القلوب نور التمييز والإنكار لأن المنكرات إذا كثر ورودها على
القلب وتكرر في العين شهودها ذهبت عظمتها من القلوب شيئا فشيئا
إلى أن يراها الإنسان فلا يخطر بباله أنها منكر ولا يمر بفكره أنها معاصي لتألف القلوب
بها ([7])
كما أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر سبب من أسباب الاختلاف، وسبب من أسباب التفرق، وهذا من أهم أسباب الهزيمة
و تركة سبب من أسباب حلول النقم و تسلط
الأعداء
وقال تعالى في
قصة أصحاب السبت: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا
الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ
بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } (165) سورة الأعراف.
يقول السعدي –
رحمه الله - {
أَنْجَيْنَا } من العذاب { الَّذِينَ يَنْهَوْنَ
عَنِ السُّوءِ } وهكذا سنة اللّه في عباده، أن العقوبة إذا نزلت نجا منها
الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.
{
وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا } وهم الذين اعتدوا في السبت { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ
} أي: شديد { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }
وأما الفرقة
الأخرى التي قالت للناهين: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا
اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } فاختلف المفسرون في نجاتهم وهلاكهم، والظاهر أنهم
كانوا من الناجين، لأن اللّه خص الهلاك بالظالمين، وهو لم يذكر أنهم ظالمون.
فدل على أن
العقوبة خاصة بالمعتدين في السبت، ولأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض
كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين، فاكتفوا بإنكار أولئك، ولأنهم أنكروا
عليهم بقولهم: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ
مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا } فأبدوا من غضبهم
عليهم، ما يقتضي أنهم كارهون أشد الكراهة لفعلهم، وأن اللّه سيعاقبهم أشد العقوبة.([8])
فإن لم يكن في الأمة من ينهى عن السوء
والفساد؛ فلا نجاة لأحد منها، (فَلَوْلا كَانَ مِنَ
القُرُون مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّة يَنْهَوْنَ عَن الفَسَاد في الأَرْض
إلاَّ قَليلاً مِمَّنْ أنْجَيْنَا مِنْهُمْ واتَّبَعَ الَّذينَ ظَلَمُوا مَا
أُتْرِفُوا فيه...)(هود:116.).
وفي حديث جرير: "ما من رجل يكون في قوم، يعملُ فيهم بالمعاصي، يقدِرون
على أن يغيِّروا عليه، فلا يغيِّروا؛ إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن
يموتوا".
إنَّ وجود المصلحين في أمَّة هو صمام الأمان لها، وسبب نجاتها من الإهلاك العام،
فإن فُقِد هذا الصنف من الناس؛ فإنَّ الأمة -وإن كان فيها صالحون- يحلُّ عليها
عذاب الله كلِّها؛ صالحها وفاسدها؛ لأنَّ الفئة الصالحة سكتت عن إنكار الخَبَث،
وعطَّلت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فاستحقَّت أن تشملها العقوبة.
وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه: أنَّه قال: أيها الناس! إنَّكم تقرؤون هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا
يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ) (المائدة: 105.)، وإني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا
على يديه؛ أوشك أن يعمَّهُم الله بعقاب منه".([9])
والظالم هنا هو المرتكِب لأيِّ نوع من أنواع الظلم الكثيرة: فالمشرك ظالـمٌ: (إنَّ
الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيمٌ)(لقمان: 13.)، والعاصي- أيًّـا كانت معصيته -ظالـمٌ
لنفسه ولغيره؛ سواء كان سارقًا، أو غاشًّا، أو منتهكًا عرضًا… أو غير ذلك.
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي
نفسي بيده؛ لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولتَنْهَوُنَّ عن المنكر، أو ليوشِكَنَّ الله أن
يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعونَه فلا يُستجاب لكم".
إنه تهديد يهزُّ القلوب الحيَّة، ويدفع أصحابها إلى أن يكونوا من أولي البقيَّة
الذين ينهَوْن عن الفساد في الأرض؛ لتكون سفينة المجتمع محميَّة من الغرق الذي
يهدِّدها عندما يُترَك السفهاء يخرِقون فيها؛ كما روى النعمان بن بشير عن النبي
صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها..."([10])
الحديث.
✍ رابعا : الاختلاف والتناحر:
معاشر الموحدين: إن تفرق المسلمين وتشتت أحوالهم
سبب من أسباب الهزيمة الماحقة، يقول الله:{ وَلَا
تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ[46]}[سورة الأنفال].
قول الرازي – رحمه الله -: {وَلاَ تنازعوا فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} وفيه
مسائل:
المسألة الأولى: بين تعالى أن النزاع
يوجب أمرين: أحدهما: أنه يوجب حصول الفشل والضعف. والثاني: قوله: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} وفيه قولان: الأول: المراد
بالريح الدولة، شبهت الدولة وقت نفاذها وتمشية أمرها بالريح وهبوبها. يقال: هبت
رياح فلان، إذا دانت له الدولة ونفد أمره. الثاني: أنه لم يكن قط نصر إلا بريح
يبعثها الله، وفي الحديث «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور» والقول الأول أقوى،
لأنه تعالى جعل تنازعهم مؤثراً في ذهاب الريح، ومعلوم أن اختلافهم لا يؤثر في هبوب
الصبا . قال مجاهد : { وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } أي
نصرتكم ، وذهبت ريح أصحاب محمد حين تنازعوا يوم أحد ([11]).
وحذر الله المسلمين من الخلاف في الدين والتفرّق
في فهمه شِيعًا متناحرة وأحزابًا متلاعنة كما فعل الأولون، فقال الله تعالى:{ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ
تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:105]، وكما قال الله تعالى: فَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا
لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون:53].
فيا عباد الله، اتقوا الله، واعلموا أن الشقاق
يضعف الأمم، ويوهن المجتمعات القويّة، ويميت الأمم الضعيفة، ولذلك جعل الله أوّل عظة
للمسلمين بعد انتصارهم في معركة بدر أن يوحّدوا صفوفهم ويلمّوا شملهم ويجمعوا أمرهم،
وذلك عندما تطلّعت بعض النفوس لحظها من الغنائم، فقال تعالى:{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الانفَالِ قُلِ الأنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ
فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [الأنفال:1]) ،
ثم أفهمهم أن الاتحاد في العمل لله هو طريق
النصر الأكيد واتجاه الهدف وتوحيد الكلمة، كما أن الفرقة والتنازع هي طريق الهزيمة
والخسران، فقال الله تبارك وتعالى: وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ
فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46].
إخوة الإسلام: ما حل بالأمة من محن و هوان إلا
بسبب تفرقهم و تناحرهم و عندها أصبحوا كالقصعة المستباحة لكلاب الأرض و أضحوا لا
وزن لهم بين سائر الأمم الكافرة وذلك منبعه
إنَّ من أنكى العقوبات التي تنـزل
بالمجتمع المهمِل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أن يتحوَّل المجتمع إلى فرق
وشيعٍ تتنازعُها الأهواء، فيقع الاختلاف والتناحُر:
{ قُلْ هُوَ القَادرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ
عَذَابًا منْ فَوْقكُمْ أَوْ منْ تَحْت أَرْجُلكُمْ أَوْ يَلْبسَكُمْ شيَعًا
وَيُذيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْض) (الأنعام: 65.)}.
وذلك التناحر يجعل المجتمع عرضة للانهيار والانهزام أمام العدو الخارجي
المتربِّص.
ولا يحمي المجتمع من التفرُّق والاختلاف؛ إلا شريعة الله؛ لأنها تجمعُ الناس،
وتحكمُ الأهواء، أما إذا ابتعد الناس عن شريعة الله تعالى؛ أصبح كلُّ امرئ يتَّبع
هواه، وأهواء الناس لا يضبطها ضابط.
إنَّ مما يدلُّ على ارتباط التفرُّق والتَّناحُر بترك الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر: أنَّ الله عزَّ وجلَّ قال: {وَلْتَكُنْ منْكُمْ
أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْر وَيَأمُرُونَ بالمَعْرُوف وَيَنْهَوْنَ عَن
المُنْكَر وَأُولَئكَ هُمُ المُفْلحُونَ)(آل عمران: 104.)، ثم قال بعد ذلك
مباشرة: (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذينَ تَفَرَّقُوا
وَاخْتَلَفُوا منْ بَعْد مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ) (آل عمران: 105.)}.
والمتأمِّل في حال عدد من البلاد الإسلاميَّة يجدُ أنَّ من أهمِّ أسباب
تفرُّق المجتمع فيها أنَّهم أهملوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فترتَّب على
ذلك شيوع الفساد وظهوره وسيطرتُه بشتَّى صوره وأنواعه؛ ما بين عُرْيٍ، وسُكْر،
وحفل غنائي، وسهرة راقصة، وعَرْض مسرحي... وغير ذلك.
وهذا الفساد يَغيظ الصالحين، فيغارون على حُرُمات الله، فيحاولون تغيير المنكرِ،
فلا يجدون قناةً شرعيَّةً تمكِّنهم من تغيير المنكر، فيضطرُّون إلى أساليب مندفعة؛
تجعل المجتمع أطرافًا متصارعة متناحِرة.
✍ خامسا- تسليط الأعداء:
أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: إن الله
جلَّ وعلا قد يبتلي المجتمع التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأن يسلِّط
عليهم عدوًّا خارجيًّا، فيؤذيهم، ويستبيح بيضَتهم، وقد يأخذ بعض ما في أيديهم، وقد
يتحكَّم في رقابهم وأموالهم.
وقد مُنِي المسلمون في تاريخهم بنماذج من ذلك، لعلَّ منها ما وقع للمسلمين في
الأندلس، حيث تحوَّلت عزَّتهم وقوَّتهم ومَنَعَتهم - لمَّا شاعت بينهم المنكراتُ
بلا نكير- إلى ذلّ وهوان سامهم إيَّاه النَّصارى، حتى صار ملوكُهم وسادتُهم يُنادى
عليهم في أسواق الرقيق، وهم يبكون وينوحون؛ كما قال الشاعر:
فَلَـوْ
رَأَيتَ بُكـاهُمْ عِنْدَ بَيْعِهِـمُ لَهَالَكَ الوَجْـدُ واسْتَهْـوَتْكَ أحزانُ
وتقول أمُّ أحدهم -وهو أبو عبد الله،
آخر ملوك الطوائف- تخاطب صاحبَ الملك المضاع:
ابْكِ
مـِثْلَ النِّسـاءِ مُلْكًا مُضـاعًا لَمْ
تُحافِظْ عَلَيـْهِ مِثـْلَ الرِّجـالِ
وشبيهٌ بذلك ما حدث في فلسطين؛ من
تسلُّط اليهود على المسلمين، وتنكيلهم بهم، وطردِهم لهم، حتى صارت فلسطين أخت
الأندلس، وحتى ذهبت كما قال الشاعر:
يا
أُخْـتَ أَنْدَلُسٍ صَبْرًا وتَضْحـِيَةً وطُولَ صَبْرٍ عَلى الأرْزاءِ والنُّـوَبِ
ذَهَبْـتِ في لُجَّـةِ الأيَّامِ ضَائعـةً
ضَياعَ أَنْدَلُسٍ مِنْ قَبْلُ في
الحِـقَبِ
وطَـوَّحَتْ ببنيـكِ الصِّيْدِ نـازِلَةٌ بِمِـثْلِها أُمَّةُ الإسـلامِ لم تُصـَبِ ([12])
✍ سادسا: نقض عهد الله وعهد رسوله:
واعلموا رحمكم الله –أن من مانع النصر و
التمكين ما حل بالأمة من نقض العهد الذي بينها و بين ربها – سبحانه و تعالى - فقد جاء في حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ
عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا
مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ
أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ... فذكرها، ومنها: [ وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ
وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ
فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ]([13])
. ومن المعلوم أن العدو لن يستطيع أن
يأخذ بعض ما في أيدي المسلمين من الأموال، أو من الأراضي، أو من غيرها إلا بعد أن
يهزم المسلمون، ويستذلوا.
بارك الله لي
ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البينات والحكمة، أقول ما
تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه إنه
هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله
على إحسانه.
أما بعد أيها المسلمون:
.................................
✍ سابعا: كثرة الذنوب و الخطايا
وهناك معاصي تؤدي إلى
ضرب الذلة على الأمة المؤمنة ضرباً مؤبداً:وهذه المعاصي تؤثر تأثيراً مباشراً في
هزيمة الأمة أمام أعدائها، وقد بينها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بقوله عن ابن عمر – قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم- إذا تبايعتم
بالعينة و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا
ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " .
([14])
( إذا تبايعتم بالعينة )
قال الجوهري : العين بالكسر السلف . وقال في القاموس
: وعين أخذ بالعينة بالكسر أي السلف أو أعطى بها . قال والتاجر باع سلعته بثمن إلى
أجل ثم اشتراها منه بأقل من ذلك الثمن انتهى . قال الرافعي : وبيع العينة هو أن يبيع
شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من
ذلك القدر انتهى .
وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العينة مالك وأبو حنيفة وأحمد
، وجوز ذلك الشافعي وأصحابه . كذا في النيل . وقد حقق الإمام ابن القيم عدم جواز العينة
ونقل معنى كلامه العلامة الشوكاني في النيل .
( وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع )
حمل هذا على الاشتغال بالزرع في زمن يتعين فيه الجهاد
فالعينة نوع من أنواع الربا والربا قد
انتشر الآن في بلدان المسلمين فحقت عليهم الذلة، [وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ
وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ] يعني: الإخلاد إلى الدنيا والالتفات إليها.
[وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ] من أسباب ضرب
الذلة،
✍ ثامنا: ترك الجهاد سبب لعذاب الله وبطشه
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ
إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ
عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)التوبة }. ترك الجهاد والفرح بالقعود من صفات
المنافقين قال الله تعالى فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ
خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ
حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا
جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)}.
ترك الجهاد
سبب لإفساد أهل الأرض بالقضاء على دينهم،
قال الله تعالى:
{ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ
وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ(251)[البقرة/251]
ترك الجهاد قد يعرض لعقوبة عاجلة تنزل بالقاعدين
عن الجهاد ،كما قص الله تعالى من خبر بني إسرائيل لما طلب إليهم موسى عليه الصلاة والسلام
أن يدخلوا الأرض المقدسة فقالوا{ قَالُوا يَا مُوسَى
إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ
فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ
إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ
(25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي
الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) [المائدة/24-26]} ،
ترك الجهاد سبب للذل والهوان قال الله تعالى:{ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)التوبة }ومن الذي ينكر أن الأمة الآن لا تعيش في أقصى درجات
الذل والهوان. والمشكلة ليس في إعلان الجهاد الآن، المشكلة أن الأمة إلى الآن لم تتحرك
ولا حتى في مرحلة الإعداد، والتهيؤ النفسي والشعوري، وبث هذه القضية في روح أبناء الأمة.
تجد أن التوجه وتربية الناشئة على الدفاع، وزرع فكرة الأمن العام، والتعايش السلمي،
وغيرها من العبارات العائمة حتى أن الناس تربوا على الخوف والجبن والرغبة في الحياة،
وعدم التفكير في البذل والعطاء والتضحية، واقتنع الناس شيئاً فشيئاً بمبدأ عدم اعتداء
دولة على أخرى، والأعداء لم يقصدوا من ترسيخ هذه المفاهيم إلا منع حركة الجهاد،
بينما إعتداءاتهم هم في وضح النهار، ويبرر لها بألف تبرير. ولا يمكن إيقاف هذه الألاعيب،
ولن يرجع العدل إلى نصابه إلا بعودة الأمة إلى الجهاد. وإقامة الجهاد، ليست قضية سهلة،
بل يجب أن يسبقها مراحل وخطوات وجهود، في مقدمتها تحكيم الشريعة أولاً، وتربية الناس
على الإسلام ثانياً، والتهيؤ والإعداد ثالثاً ،وهكذا.
[سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا]، ليس الذل
على اليهود فقط، بل الذل يضرب أيضاً على هذه الأمة إذا عصت أمر ربها، [سَلَّطَ
اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ] لا يرفعه إلى متى؟ ليس إلى أن يصبح
عندكم مليون جندي، ولا أن يصبح عندكم ألف طائرة، ولا أن يصبح عندكم خمسة آلاف
دبابة، لا.. وإنما [حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ] فإذا رجعتم إلى دينكم يرفع
الله عنكم الذلة، بهذا الشرط الوحيد، وهو أن ترجعوا إلى دينكم كله من أوله إلى
آخره، لا تقولوا: هذه قشور وهذا لباب، ولا تقولوا: هذه سنن وهذه وهذه ، ولا
تقولوا: هذه تفرق المسلمين إذا بحثت أمور العقائد بين السنة والروافض، أو بين
السنة والأشعرية وغيرهم . بل تأخذ هذا الدين كاملاً كما جاء به محمد صلى الله عليه
وسلم من عند ربه، تأخذ به كاملاً نقياً صافياً.. فعند ذلك يمنح لك النصر، ويمنح لك
الظفر على العدو .
✍ تاسعا خماسية الشقاء الاجتماعي والاقتصادي
والسياسي والعسكري
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ:
أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
" يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ،
وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ
قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ
الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ
يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ
الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ
أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا
الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ،
إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ
مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ،
وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ
بَيْنَهُمْ " ([15])
نقص المكيال والميزان ومنع الزكاة
قال: (ولم ينقصوا المكيال والميزان)، والله
ما نقص المكيال وما نقص الميزان ولو نقص المكيال والميزان لكان الأمر هيناً، بل لقد
انقلبت الموازين بأسرها واضطربت المقاييس كلها، ( ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا
أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر
من السماء ولولا البهائم لم يمطروا )، هذا المطر الذي يتنزل بعد هذا كله إنما هو رحمة
من الله من أجل البهائم والشيوخ الركع والأطفال الرضع، ولو نزل بلاء بهذه الأرض فإن
الحشرات والهوام يسبان ويلعنان بني آدم؛ لأنه لا ينزل البلاء إلا بذنب، ولا يرفع البلاء
إلا بتوبة.
ومن أخبار بني إسرائيل التي لا تصدق ولا
تكذب كما قال صلى الله عليه وسلم: ( وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج )، مما ذكره الحافظ
ابن كثير : أنه في عهد سليمان -على نبينا وعليه الصلاة والسلام- أجدبت الأرض وجف الضرع
وهلك الناس، فقال سليمان لبني إسرائيل: هيا بنا لنخرج لصلاة الاستسقاء، لنضرع إلى الله
جل وعلا لينزل علينا المطر، وفي طريقه مر على وادي النمل، فنظر سليمان وسمع نملة تناجي
ربها جل وعلا.
وهو الذي فك الله له رموز لغة النمل والطير،
كما قال الله عز وجل حكاية عنه: { حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى
وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ
لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا
مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ
عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ
فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } [النمل:18-19].
عرف سليمان لغة النمل فاستمع إليها وهي تقول:
اللهم إنك تعلم أنه لا ينزل البلاء إلا بذنب، ولا يرفع البلاء إلا بتوبة، ونحن خلق
من خلقك، فلا تهلكنا بذنوب بني آدم! والله تحيلنا على الزكاة، ومنعنا الصدقات ومنعنا
الزكوات إلا من رحم الله جل وعلا.
حرمان أمني، وحرمان اقتصادي، وحرمان نفسي
وضيق في الصدر، ضنك بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان عظيمة، ضنك وشقاء، ضنك في كل شيء،
وضيق في كل شيء، في كل زمان وفي كل مكان، والله ما من يوم إلا وتسفك فيه دماء، وتتمزق
فيه أشلاء، وتحرق بيوت وتدمر مصانع ومدارس ومزارع وصوامع، بل وتباد حضارات بأكملها
على يدي هذا الإنسان الذي اخترع بنفسه وبيديه وسائل إبادته ووسائل إفنائه، ووسائل تدميره
ووسائل إنهائه من هذه الحياة ومن هذا الوجود.
✍ عاشرا: الظلم: الظلم ليس سببًا من أسباب
الهزيمة فحسب:
واعلموا
-رحمكم الله -أن الظلم مرتع وخيم وعاقبته خسرا في الدنيا والآخرة، بل إن من سنن
الله تعالى أن ينصر الأمة العادلة وإن كانت كافرة ويخذل الأمة المسلم إن كانت
ظالمة، فبالعدل قامت السماوات والأرض بل هو سبب من أسباب هلاك الأمم وسقوط الدول،
وتغير الأحوال،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:' ولهذا
قيل إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وان كانت مسلمة
ويقال الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-ليس
ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم ([16])
فالباغي يصرع في الدنيا وان كان مغفورا له مرحوما في الآخرة
وذلك أن العدل نظام كل شيء فإذا أقيم أمر
الدنيا بالعدل قامت وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق) ومتى لم تقم بالعدل لم
تقم وان كان لصاحبها من الإيمان ما يجزي به في الآخرة فالنفس فيها داعي الظلم لغيرها
بالعلو عليه الحسد له والتعدي عليه في حقه وفيها داعي الظلم لنفسها بتناول الشهوات
القبيحة كالزنا وأكل الخبائث فهي قد تظلم من لا يظلمها وتؤثر هذه الشهوات وان لم يفعلها
غيرها فإذا رأت نظراءها قد ظلموا أو تناولوا هذه الشهوات صار داعي هذه الشهوات أو الظلم
فيها أعظم بكثير وقد تصبر ويهيج ذلك لها من بغض ذلك الغير وحسده وطلب عقابه وزوال الخير
عنه ما لم يكن فيها قبل ذلك ولها حجة عند نفسها من جهة العقل والدين بكون ذلك الغير
قد ظلم نفسه والمسلمين وان أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر واجب والجهاد على ذلك من
الدين)([17]).
✍ الحادي عشر: البطر والفخر والغرور والعجب
بأن أصحابها يهزمون ولا ينصرون،: قال
سبحانه:{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ
دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[47]}[سورة الأنفال]. فهذا الرياء
والبطر والكبر في الأرض، ثم الصد عن سبيل الله أي: الصد عن دينه حتى ولو عن جزئية
من جزئيات الدين، الصد عنها منذر بوقوع الهزيمة كما دلت عليه هذه الآيات. وكذلك
العجب قال الله: { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ
كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ
بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ[25]}[سورة التوبة] . فلما
أعجب الصحابة بأنفسهم وبكثرتهم، وقالوا: لن نغلب هذا اليوم من قلة؛ ما أغنت عنهم
كثرتهم شيئاً، وبعض الروايات تقول: إن هوازن لم يتجاوزوا الثلاثة آلاف رجل .
والصحابة كانوا عدة أضعاف لهوازن، ومع ذلك ولوا مدبرين لما أعجبوا بأنفسهم، ونسوا
الاعتماد على ربهم عز وجل.
[1] -
تفسير القطان - (ج 1 / ص 240)
[2] - تفسير السعدي -
(ج 1 / ص 573)
[3] - في ظلال القرآن - (ج 6 /
ص 443)
[4] - الدرر الكامنة في أعيان
المئة الثامنة - (ج 1 / ص 386)
[5] - تفسير السعدي - (ج 1 / ص
236)
[6] - قال الألباني في
" السلسلة الصحيحة " 4 / 88 : أخرجه أحمد ( رقم 1 و 16 و 29 و 53 ) و أبو
داود ( 2 / 217 ) و الترمذي ( 2 /25 و 177 ) و ابن ماجة ( 2 / 484 ) و الطحاوي في
" مشكل الآثار " ( 2 / 62 - 64و الضياء في " الأحاديث المختارة
" ( رقم 54 - 58 بتحقيقي ) و غيرهم من طرق
[7] - فيض القدير - (ج 2 / ص
505)
[8] - تفسير السعدي - (ج 1 / ص 306)
[9] - قال الألباني في
" السلسلة الصحيحة " 4 / 88 : أخرجه أحمد ( رقم 1 و 16 و 29 و 53 ) و أبو
داود ( 2 / 217 ) و الترمذي ( 2 /25 و 177 ) و ابن ماجة ( 2 / 484 ) و الطحاوي في
" مشكل الآثار " ( 2 / 62 - 64و الضياء في " الأحاديث المختارة
" ( رقم 54 - 58 بتحقيقي ) و غيرهم من طرق
[10] -أخرجه أحمد ح 18395و
البخاري ح 2493
[11] - تفسير الرازي - (ج 7 / ص
410)
[12] -العقوبات والآثار
المترتبة على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لسلمان بن
فهد العودة
[13] - قال الألباني في "السلسلة
الصحيحة" 1 / 167 : رواه ابن ماجه (
4019 ) و أبو نعيم في " الحلية " ( 8 / 333 - 334 ) عن و رواه ابن أبي الدنيا
في " العقوبات " ( ق 62 / 2 ) " . و رواه الحاكم ( 4 / 540 )
[14] - قال الألباني في "السلسلة
الصحيحة" 1 / 15 : و هو حديث صحيح لمجموع طرقه ، أخرجه أبو داود ( رقم 3462 )
و الدولابي في " الكنى " ( 2 / 65 ) و ابن عدي في" الكامل " (
256 / 2) .
[15] - قال الألباني في "السلسلة
الصحيحة" 1 / 167 : رواه ابن ماجه (
4019 ) و أبو نعيم في " الحلية " ( 8 / 333 - 334 ) عن و رواه ابن أبي الدنيا
في " العقوبات " ( ق 62 / 2 ) " . و رواه الحاكم ( 4 / 540 )
[16] - الحديث أخرجه ابن ماجه و الترمذي عن أبيه عن
أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى
لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم .)
لألباني :صحيح ابن ماجة ( 4211 ) // ، الصحيحة ( 917 ) //
[17] - الاستقامة [ جزء 2 -
صفحة 247 ]
تعليقات
إرسال تعليق