خطبة وقولوا للناس حسنا.pdf
خطبة {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}
الشيخ السيد مراد
سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد : أيها الإخوة
الأحباب يقول الله تعالى (
وقولوا للناس حُسناً ) إن الله تبارك وتعالى أمرنا بأن نقول أحسن
الحديث، وبين أن أحسن الكلام وأطيب الحديث ما قربك من الله عز وجل ورأس الكلام هو
أن تدعو إلى الله تبارك وتعالى، والقول
الحسن هو ذلك القول الذي اجتمع فيه حسن اللفظ وحسن المعنى، والقول الحسن هو أن
يكون بلين، وينبغي أن ننتقي الكلام انتقاء ونعتني به لأن القول الحسن هو هداية
وتوفيق من الله، والكلمة إما أن ترفعك في الجنة درجات وإما أن تهوي بقائلها في
النار دركات، فالقول الحسن وقاية للإنسان من النار.
✍ (
وقولوا للناس حُسناً ) لأن القول الحسن من علامات الإيمان عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ كَانَ
يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ
يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ
يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ
" ([1])
✍ (وقولوا للناس حُسناً ) لأن القول الحسن موجب من موجبات الجنة عَنْ أَبِي
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ
غُرْفَةً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا "،
فَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ:
" لِمَنْ أَلَانَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ لِلَّهِ
قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ " ([2])
✍ (وقولوا للناس حُسناً) كلمة الطيبة، هداية
الله وفضله لعباده﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ﴾ ْ[الحج: 24]
✍
(وقولوا للناس حُسناً) فهي رسالة المرسلين، وسمة
المؤمنين، دعا إليها رب العالمين في كتابه الكريم فقال: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا
الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْـزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ
الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِيناً ﴾ ْ[الإسراء: 53].
✍ (وقولوا للناس حُسناً) لأن الكلمة الحسنة
هي الرفعة والرضا والرضوان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه
وسلم، قَالَ: " إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رُضْوَانِ
اللهِ، مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يُرْفَعُ لَهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ
الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ لَا يُلْقِي لَهَا
بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ "([3])
✍ (وقولوا للناس حُسناً) لأن القول الحسن شجرة
سامقة أصلها ثابت و فرعها في السماء يقول جل جلاله: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ
ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا
فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ
الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ
كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ﴾ ْ[إبراهيم: 24 -25 -26].
يقول ابن القيم رحمه الله:"شَبّه الله سبحانه
الكلمة الطيبة - كلمة التوحيد - بالشجرة الطيبة لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل
الصالح، والشجرة تثمر الثمر النافع".
✍ مجالات القول الحسن:
✍
أولا: الدعوة إلى الله تعالى (وقولوا
للناس حُسناً) له تأثيره في نفسية المدعو و له أثر كبير على نجاح
الدعوة إلى الله ولا تكن فظا غليظا فينفض الناس من حولك قال الله تعالى في حق
حبيبه صلى الله عليه وسلم ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ
اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا
عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]
ولو كنت سيئ الكلام، والأخلاق، قاسي القلب، والطباع؛
لانفضّوا عنك، وتركوك، ولكن الله حسّن أخلاقك، وألان جانبك لهم تأليفا لقلوبهم،
كما قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: إنّي أرى صفة رسول الله صلى الله عليه
وسلم في التوراة: «إنّه ليس بفظّ، ولا غليظ، ولا صخّاب في الأسواق ولا يجزي
السّيّئة بالسّيّئة، ولكن يعفو، ويصفح».([4])
وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ
قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ
وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا
يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ
الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
[فصلت: 33 - 36].
ووقوع من يدعو إلى الله في القول السيّئ والسب والفحش في
القول ليس من منهج الأنبياء، ولهذا جاء في السنة في بيان خلق رسول الله صلى الله
عليه وسلم نفي هذه الصفات عنه، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما
قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا،
وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا».([5])
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا، وَلَا لَعَّانًا، وَلَا سَبَّابًا، كَانَ
يَقُولُ عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ: «مَا لَهُ؟! تَرِبَ جَبِينُهُ».([6])
ومما يدل على قبح هذه الصفات أن الله لا يحبها، ولا يحب
لعبده أن يتصف بها، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ
الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّش».([7])
واستمعوا إلى هذا الحوار الهادئ والقول الحسن، ونحن
نتكلم عن القول الحسن في الجدال الحسن، فهذا حصين الخزاعي والد عمران، كانت قريش
تعظمه وتجله، فطلبت منه أن يكلم محمداً صلى الله عليه وسلم في آلهتها، فقد كان
يذكرها ويسبها، فجاء حصين ومعه بعض أفراد قريش حتى جلسوا قريباً من باب النبي صلى
الله عليه وسلم، ودخل حصين، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: {وسعوا للشيخ
-وهذا نوع من التكرمة- فقال حصين: ما هذا الذي بلغنا عنك أنك تشتم آلهتنا؟ فقال:
يا حصين! كم تعبد من إله؟ قال: سبعة في الأرض وواحد في السماء.
فقال: فإذا أصابك الضر فمن تدعو؟ قال: الذي في السماء.
قال: فإذا هلك المال فمن تدعو؟ قال: الذي في السماء.
قال: أفيستجيب لك وحده وتشرك معه؟ يا حصين! أسلم تسلم}
فأسلم، فقام إليه ولده عمران فقبل رأسه ويديه ورجليه، فلما أراد حصين الخروج قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: {شيعوه إلى منزله} ([8])وهذا
نوع من التكرمة، عجباً! دخل هذا الرجل كافراً ناقماً منتقماً، فخرج صادقاً مسلماً!
ليت شعري كيف كان حال قريش مع صاحبها ووجيهها حينما دخل لهم بوجه وخرج لهم بوجه
آخر؟!
✍ ويدخل في
ذلك: القول اللين، الذي يستميل النوازع البشرية، ووشائج القربى، وعبارات الحنو والشفقة، فإبراهيم عليه السلام نادى أباه
بكلماتٍ مشفقة: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا
يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ
جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً
سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ
لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ
الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً} [مريم:42 - 45] إلى قوله: {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي
حَفِيّاً} [مريم:47]
إن الله سبحانه يدفع عباده
دائماً -والدعاة إليه منهم خاصة -ليقولوا التي هي أحسن، وأن يتخلقوا بالقول اللين،
فنجده سبحانه يأمر موسى وهارون –عليهما السلام-وهما مرسلان إلى أعتى الطواغيت، أن
يتخلقا به فيقول: [فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ
يَخْشَى] [طه 244] ، (فالقول اللين لا يثير العزة بالإثم، ولا يهيج الكبرياء
الزائف الذي يعيش به الطغاة، ومن شأنه إنه يوقظ القلب فيتذكر ويخشى عاقبة الطغيان)
، وهكذا فمن أدب وفقه الكلمة أن تعرف وتحسن كيف تدعو.
ثم الله سبحانه تعالى يوجه
رسوله - صلى الله عليه وسلم - ذلك التوجيه الكريم، ولمن كان يرجو الله واليوم
الآخر في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة. فيقول سبحانه: [ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ
الحَسَنَةِ وجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] [النحل 125] ،
✍ دخل أحد الأعراب على هارون
الرشيد، الخليفة العباسي الكبير، فقال الأعرابي: يا هارون .
قال: نعم.
قال: إن عندي كلاما شديدا قاسيا
فاسمع له
قال: والله لا اسمع له .
قال: ولم
قال : لان الله أرسل من هو خير
منك إلى من هو شر مني ، قال : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ
يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ([9]).
وعن أبي سنان قال: قلت لـ سعيد
بن جبير رحمه الله: المجوسي يوليني من نفسه ويسلم علي -أي: هو الذي يبدأني بالخير
ويسلم علي- أفأرد عليه؟ فقال سعيد بن جبير: سألت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن
نحو من ذلك، فقال: لو قال لي فرعون خيراً لرددت عليه.
أي: لو قال لي فرعون الذي هو شر
البشر في عصر موسى عليه السلام خيراً لرددت عليه خيراً مثله، فإن هذا هو أدب
القرآن، كما قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ
مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86].
✍ ثانيا: القول الحسن للوالدين ((وقولوا
للناس حُسناً)
قال الله تعالى : (وَقَضَى
رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا
يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا
أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً:(23)وَاخْفِضْ لَهُمَا
جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي
صَغِيراً) (الاسراء:23/24).
أمر بالقول الحسن ، والفعل
الحسن، ونهى عن القول السيء ، والفعل السيء ، فقال -سبحانه وتعالى - ? ولا تقل
لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ?
قال -سبحانه وتعالى - ولا تقل لهما أف ? النهي
عن القول السيء ?ولا تنهرهما ? النهي عن الفعل السيء،? ولا تقل لهما أف ولا
تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً، الأمر بالقول الحسن، واخفض لهما جناح الذل من
الرحمة ? الأمر بالفعل الحسن، هذا البر والإحسان، القول والفعل الذي ينبغي على
الإنسان أن يقوم به تجاه والديه
وتأملوا أيها الأحباب ما قصه
علينا القرآن: ﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ
وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي
مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا *
يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ
عَصِيًّا * يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ
فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾ [مريم:
42 - 45].
وهذا هو خطاب الأنبياء مع آبائهم
خطاب تقدير وحب واحترام: ومن ذلك خطاب إسماعيل لأبيه إبراهيم - عليهما السلام - ﴿ قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي
إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102].
وخطاب يوسف لأبيه يعقوب -
عليهما السلام -: ﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ
أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ﴾ [يوسف: 4]
✍ ثالثا: القول
الحسن مع الزوجة {قولوا للناس حسنا} وأولى الناس بعد الوالدين الزوجة فينبغي على المسلم أن يكرمهما ولا يهنها وأن
يناديها بأحب الأسماء إليها توددا وتحببا عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا حَقُّ
الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ؟ قَالَ: «أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ، وَأَنْ
يَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَى، وَلَا يَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا يُقَبِّحْ، وَلَا
يَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ» ([10])ومعنى:(
لا يقبح ): ( أي: لا يسمعها المكروه، ولا يقل قبحك الله، ولا يشتمها)([11])
عَائِشَةَ، قَالَ النَّبِىّ،
عليه السلام: (يَا عَائِشَ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلامَ) ، قُلْتُ:
وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، قَالَتْ: وَهُوَ يَرَى مَا لا أَرَى.تأملوا أيها الاحباب في خطاب النبي الاواب صلى الله
عليه وسلم لزوجته عائشة رضي الله عنها ،عَائِشَةَ، قَالَ النَّبِىّ، عليه السلام:
(يَا عَائِشَ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلامَ) ، قُلْتُ: وَعَلَيْهِ
السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، قَالَتْ: وَهُوَ يَرَى مَا لا أَرَى.([12])
وكان صلى الله عليه وسلم يستمع
لهن، وربما يعاتِبْنَهُ، ويردِّدن القول عليه، ويقابل ذلك بالصبر والإحسان، روى
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (كنا معشر قريش نغلب النساء، فلمَّا قدمنا على
الأنصار، إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطَفِق نساؤنا يأخذْنَ مِن أدب نساء الأنصار،
فصحتُ على امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجِعَنِي، فقالتْ: ولِمَ تُنكر أن
أراجعكَ؟، فوالله، إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليُرَاجِعنه، وإن إحداهنَّ
لتهجره اليوم حتى الليل) ([13])رواه
البخاري.
✍ رابعا: القول
الحسن مع العصاة والجاهلين:
ومن مجالات (وقولوا للناس حسنا)
أن نحسن الرد و الحديث مع العصاة و الجاهلين الذين لا يدركون حقائق الأمور قال الله تعالى ﴿خُذِ الْعَفْوَ
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]
وقال جعفر الصادق رضي الله عنه:
«أمر الله نبيّه عليه الصلاة والسلام بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع
لمكارم الأخلاق منها».
وقال عبد الله بن الزّبير:
والله ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق النّاس.
أي المعاملة باللين، والبيان
باللطف، ونفي الحرج في الأخذ والإعطاء والتّكليف، ويشمل ترك التّشدّد في كلّ ما
يتعلّق بالحقوق المالية، والتّخلّق مع الناس بالخلق الطّيّب، وترك الغلظة
والفظاظة، والدّعوة إلى الدّين الحقّ بالرّفق واللّطف. وهذا النّوع من الحقوق مما
يقبل التّساهل والتّسامح فيه.
قصة: ومن المثل الرائعة في هذا
ما رواه البزار بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم يستعينه في شيء-قال عكرمة أراه قال في دم يعني دية-فأعطاه رسول
الله صلى الله عليه وسلم شيئا، ثم قال: «أحسنت إليك؟» قال الأعرابي: لا، ولا
أجملت!! فغضب بعض المسلمين، وهمّوا أن يقوموا إليه، فأشار رسول الله صلى الله عليه
وسلم: أن كفّوا، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ إلى منزله دعا
الأعرابي إلى البيت، وزاده شيئا، وقال: «أأحسنت إليك؟» فقال الأعرابي: فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا!! فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك قلت ما قلت وفي نفسي أصحابي من ذلك شيء، فإن أحببت
فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب ما في صدورهم عليك» قال: نعم، فلما كان
الغد أو العشية جاء، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الأعرابي قال ما قال،
فزدناه، فزعم أنه رضي، أكذلك» قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا!! فقال صلى
الله عليه وسلم:
«إن مثلي ومثل هذا الأعرابي
كمثل رجل له ناقة شردت عليه، فاتّبعها الناس، فلم يزيدوها إلا نفورا، فناداهم
صاحبها: خلّوا بيني وبين ناقتي، فإني أرفق بها منكم وأعلم، فتوجه إليها وأخذ لها
من قمام الأرض ودعاها، حتى جاءت واستناخت، وشدّ عليها رحلها، واستوى عليها، وإني
لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال، فقتلتموه دخل النار «[14]»)
قصة :ها هو الإمام أحمد عليه
رحمة الله في مجلسه وبين تلاميذه، ويأتي سفيه من السفهاء فيسبُّه ويشتمه ويقرعه
بالسب والشتم، فيقول طلابه وتلاميذه: يا أبا عبد الله! رُدّ على هذا السفيه.
قال: لا والله! فأين القرآن
إذاً؟ ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً )[الفرقان:63]
أقول قولي هذا و أستغفر الله
العظيم لي ولكم
الخطبة الأولى
أما بعد
:......................................
✍ خامسا:
القول الحسن مع غير المسلمين:
ومن مجالات ( وقولوا للناس حسنا ) القول الحسن
مع غير المسلمين و هي الكلمة التي تخرج من مشكاة الإسلام لتقع على مسامع الغير
فيرى الجمال و يرى العفة في اجمل حلة لها لتكون الكلمة رسولا إلى تلك القلوب
لتجذبها إلى روضة القران و روضة الرحمن و اتباع النبي العدنان فالمسلم ينبغي أن
يحسن قوله مع غيره إننا نجد في تعاليم
ديننا أن الجدال لابد أن يكون حسناً مع غير المسلمين فكيف مع إخوة الدين قال
تعالى: ﴿ وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ﴾ [ العنكبوت:46].
(فأمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في
هذه الآية الكريمة أن يجادل خصومه بالطريق التي هي أحسن طرق المجادلة من إيضاح
الحق بالرفق واللين إلا الذين نصبوا للمؤمنين الحرب فجادلهم بالسيف؛ حتى يؤمنوا أو
يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا:
السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: عَلَيْكُمُ
السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ،
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ» ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم: «فَقَدْ قُلْتُ: عَلَيْكُمْ» ([15])
لقد أمر الله عز وجل بدعوة
الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، فقال سبحانه: {ادْعُ
إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] .
قصة : مر يهودي معه كلب على إبراهيم بن ادهم رحمه الله فقال له:أيهما اطهر لحيتك
أم ذيل كلبي ؟ فرد عليه :أخي من يقرأ، قبل أن أكمل القصة ، توقع الرد فرد عليه
بهدوء: أن كانت لحيتي في الجنة ......فهي اطهر من ذيل كلبك وان كانت في النار. لذيل
كلبك اطهر منها. فما ملك اليهودي نفسه إلا أن قال: اشهد أن لا اله ألا الله و أن
محمداً رسول الله ....ما هذا إلا خلق الأنبياء.
البِــرَ شيء هيِّن: وجه طليق
وكلام ليِّن، فلنرطِّب ألسنتنا بالكلمة الطيبة التي تزيل الجفاء، وتذهب البغضاء
والشحناء، وتدخل إلى النفوس السرور والهناء والمحبة والمودّة والوئام. لتكن
كلماتنا مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، نبني حياتنا بوحيٍ من هداها، نتنسّم عبير
شذاها مستجيبين لنداء رب العالمين {وَقُولُوا لِلنَّاسِ
حُسْنًا} [البقرة:83].
الدعاء
..................................
[1] - والبخاري (6018)، ومسلم (47) (75)، وابن ماجه (3971)،
[2] - «مسند أحمد» (11/ 186 ط الرسالة): «وأخرجه الحاكم في
"المستدرك" 1/ 321»
[3] -أخرجه البخاري في المصدر نفسه، الحديث (6477)، وأخرجه مسلم في الصحيح
4/ 2290، كتاب الزهد والرقائق (53)، باب التكلم بالكلمة. . . (6)، الحديث (50/
2988)
[4] -«تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه - الدرة» (2/ 288)
[5] -أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم
(4/ 189) ح (3559)، ومسلم في كتاب الفضائل، باب في كثرة حيائه صلى الله عليه وسلم
(4/ 1810) ح (2321).
[6] -أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب ما ينهى من السباب واللعن (8/ 15)
ح (6046).
[7] -أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام
وكيف يرد عليهم (4/ 1707) ح (2165
[8] - « حياة الصحابة ج1 ص55»
[9] -ابن كثير، البداية والنهاية (بيروت: مكتبة
المعارف، د. ط. ت) ج10، ص217 .
[10] - أخرجه أبو داود (2142) و (2143) و (2144)،
والنسائي في "الكبرى" (9106)
[11] - [فيض القدير:3 /392].
[12] -أخرجه البخاري (3768).
[13] - «صحيح البخاري» (2/ 872)
[14] - الشفاء، ج 1 ص 96، تفسير ابن كثير والبغوي ج
4 ص 276 ط المنار.
[15] - أخرجه البخاري في الدعوات باب
"58" الدعاء على المشركين "فتح" "11/ 194"، ومسلم
"ص1706"،
تعليقات
إرسال تعليق