منهج سيد الرجال صلى الله عليه وسلم في تربية وبناء الأطفال.pdf


منهج سيد الرجال صلى الله عليه وسلم في تربية وبناء الأطفال

الشيخ السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى

أما بعد : فان  الأطفال هم رجال المستقبل و هم رصيد كل أمة و بهم يتطلع المجتمع  إلى الريادة و القيادة .... و إن الناظر إلى أحوال الأمة الإسلامية في الحقبة الأخيرة ليرى أن كثيرا من المجتمعات و كثيرا من الآباء  أهملوا تربية الأبناء و تركوهم للفضائيات و مواقع التوصل الاجتماعي و المواقع المغرضة ، و يرى فريقا أخر لا يهتم إلا بالناحية التعليمة الدنيوية المحضة و أهمل التربية العقدية و الأخلاقية و السلوكية  فنشأ جيل لا يعرف من الإسلام إلا اسمه و من القران إلا رسمه .........و في هذه الخطبة سنتعرف على المنهج النبوي الرشيد في تربية الأطفال  والذي ربى جيلا فريدا فتح الفتوح و مصر الأمصار و على طاعة العزيز الجبار  ......فهيا أيها الآباء لنشنف الآذان

أولا: البناء العقدي:

لقد اهتم الحبيب صلى الله عليه وسلم بالبناء العقدي للأطفال فعمل على ترسيخ العقيدة الصحيحة في نفوسهم وأخبرنا عن أهمية دو الآباء في ترسيخ تلك العقيدة

أخرج الشيخان رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من مولود إلا يُولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) ([1])، وقد وضع الله عز وجل فطرته في هذا الطفل وجعل والديه أمناء على هذا المولود كأحد الأسباب التي هيأها الله عز وجل للمولود كي ينشا سليماً كما فطره الله ن ولذلك اعتنى الإسلام بالأسرة لتكون المحضن الهادئ المستقر للطفل ، ولتكون موطن التأثير الأكبر في مجال التربية ، ويتضح ذلك من التشريعات المتعلقة بالأسرة ومنها كفالة الزوج لزوجته كي تتفرغ لمهمتها العظمى في تنشئة الأجيال([2]).

إخوة الإسلام: ها هو الحبيب صلى الله عليه وسلم –يلقن الأطفال العقيدة الصافية  التي تنشئ جيلا لا يهاب إلا الله ولا يخشى إلا الله ينشئ جيلا يؤمن بالقضاء و القدر و أن النافع هو الله  عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهَ - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً فَقَالَ:

(يَا غُلامُ ! إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ) ([3]).

و لقد ذكر الله لنا في كتابه العزيز صورا من منهج الأنبياء في التربية العقدية {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (} [لقمان: 13]

وقال سبحانه {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132، 133]

 وها هو صلى الله عليه وسلم-  يحرص على إيمان طفل و يدعو إلى الإسلام عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ غُلاماً يَهُودِيّاً كَانَ يَضَعُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم – وَضُوءَهُ ، وَيُنَاوِلُهُ نَعْلَيْهِ، فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ عَلَيْهِ، وَأَبُوهُ قَاعِدٌ عِنْدَ رَاسِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: يَا فُلانُ قُلْ: (لا إِلَهَ إِلاّ اللهُ)، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ، فَسَكَتَ أَبُوهُ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ، فَقَالَ أَبُوهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ، فَقَالَ الغُلامُ: " أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ "، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ بِي مِنَ النَّارِ) (3).

ثانيا: البناء التعبدي:

إخوة الإسلام : و من المعالم التربوية التي ربى عليها النبي صلى الله عليه  الأطفال التربية التعبدية أن يربي الأطفال على الطاعة و العبادة  لله وحده سبحانه و تعالى و أن يعلمهم أمور دينهم فهو يأمرنا بتدريب الطفل على العبادة منذ سنّ التمييز ضمانة مهمّة لينشأ مستقيماً على طاعة الله تعالى وعبَادته، بعيداً عن الزيغ والانحراف.

عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم -: (مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ  أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجِعِ) ([4]).

وها هو صلى الله عليه وسلم يترجم ذلك المنهج النبوي عمليا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي إِحْدَى صَلاتَيِ العِشَاءِ، وَهُوَ حَامِلٌ حَسَناً أَوْ حُسَيْناً، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلاةِ، فَصَلَّى، فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا، قَالَ أَبِي: فَرَفَعْتُ رَاسِي، وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ سَاجِدٌ، فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاةَ، قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلاتِكَ سَجْدَةً، أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ، أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ، قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ، حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ) ([5]).

فقرب الطفل من المربّي، ومعايشته له في عباداته وأخلاقه وعاداته، خير ما يدعوه إلى التأسّي به والاقتداء، ويؤثّر فيه أكثر ممّا يؤثّر التوجيه بالكلام، ولا تزال ذكراه تفعل فعلها في نفسه ما حيي.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحَارِثِ، زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، ثُمَّ قَالَ: نَامَ الْغُلَيِّمُ، أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا، ثُمَّ قَامَ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ، أَوْ خَطِيطَهُ ([6])، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ) ([7]).

  معاشر الموحدين :  وكان صلى الله عليه وسلم يتابع و يرقب الأطفال  فها هو صلى الله عليه وسلم يوصي عليا رضي الله عنه بغلام لأنه راه يصلي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَقْبَلَ مِنْ خَيْبَرَ وَمَعَهُ غُلامَانِ، فَقَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -: يَا رَسُولَ اللهِ أَخْدِمْنَا، قَالَ: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، قَالَ: خِرْ لِي، قَالَ: خُذْ هَذَا وَلا تَضْرِبْهُ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُهُ يُصَلِّي مَقْبَلَنَا مِنْ خَيْبَرَ، وَإِنِّي قَدْ نَهَيْتُ ـ يعني عَنْ ضَرْبِ أَهْلِ الصَّلاةِ ـ وَأَعْطَى أَبَا ذَرٍّ - رضي الله عنه - غُلاماً وَقَالَ: اسْتَوْصِ بِهِ مَعْرُوفاً، فَأَعْتَقَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (مَا فَعَلَ الغُلامُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمَرْتَنِي أَنْ أَسْتَوْصِيَ بِهِ مَعْرُوفاً فَأَعْتَقْتُهُ) (1).

ثالثا: البناء الأخلاقي: أيها الإخوة الكرام: إننا في زمان ضاعت فيه الأخلاق فأصبحنا نرى شبابا لا يعرفون معروفا و لا ينكرون منكرا .....شبابا لا يتصفون إلا بالتفاهات و مساوئ الأخلاق.... كذب و مخدرات وتحرش بالفتيات...... و الحلال ما في أيديهم و الحرام ما بتعد عن أيديهم وكل ذلك سببه أننا اهملنا تربية أبناءنا التربية الأخلاقية القويمة لقد كان الحبيب المحبوب حبيب علام الغيوب صلى الله عليه حريصا على التربية الأخلاقية لأطفال الأمة و لم لا وهو من جاء ليتمم مكارم الأخلاق عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ» .([8])

 فها هو صلى الله عليه وسلم يربي فيهم خلق التواضع الذي ترجمه لهم بفعله و قوله حيث كان يسلم على الصفار و يمسح رؤوسهم عَنْ سَيَّارٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، فَمَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ ثَابِتٌ: كُنْتُ مَعَ أَنَسٍ - رضي الله عنه - فَمَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ أَنَسٌ - رضي الله عنه -: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ) ([9]).

يربي فيهم الرفق و البعد عن أكل الحرام عَنْ أَبِي لَيْلَى - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَعَلَى صَدْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ الحَسَنُ أَوِ الحُسَيْنُ، قَالَ: فَرَأَيْتُ بَوْلَهُ أَسَارِيعَ، فَقُمْنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: (دَعُوا ابْنِي، لا تُفْزِعُوهُ حَتَّى يَقْضِيَ بَوْلَهُ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ المَاءَ، ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ بَيْتَ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، وَدَخَلَ مَعَهُ الغُلامُ، فَأَخَذَ تَمْرَةً، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَاسْتَخْرَجَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ: إِنَّ الصَّدَقَةَ لا تَحِلُّ لَنَا) ([10]).

تدريب الأطفال على خدمة الكبار، وحفظ الأسرار، ممّا يؤهّلهم لجليل الأعمال، وينبغي على المهتمّين بالتربية أن يكون بعضهم عوناً لبعض على ذلك، ممّا يحقّق التربية المثلى للطفل، وبناء شخصيّته المتوازنة.

عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً حَتَّى إِذَا رَأَيْتُ أَنِّي قَدْ فَرَغْتُ مِنْ خِدْمَتِهِ، قُلْتُ: يَقِيلُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجْتُ إِلَى صِبْيَانٍ يَلْعَبُونَ، قَالَ: فَجِئْتُ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ، قَالَ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ لَهُ، فَذَهَبْتُ فِيهَا، وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي فَيْءٍ، حَتَّى أَتَيْتُهُ، وَاحْتَبَسْتُ عَنْ أُمِّي عَنِ الإِتْيَانِ الَّذِي كُنْتُ آتِيهَا فِيهِ، فَلَمَّا أَتَيْتُهَا قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَاجَةٍ لَهُ، قَالَتْ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: هُوَ سِرٌّ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: فَاحْفَظْ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سِرَّهُ، قَالَ ثَابِتٌ: قَالَ لِي أَنَسٌ: لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أَحَداً مِنَ النَّاسِ، أَوْ لَوْ كُنْتُ مُحَدِّثاً بِهِ لَحَدَّثْتُكَ بِهِ يَا ثَابِتُ) (1).

 تربية الأبناء على الصدق و تعويدهم عليه و تحذير الأمهات من الكذب على الأبناء و يظهر ذلك المنهج القويم في هذا المشهد الرائع عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِنَا وَأَنَا صَبِيٌّ، قَالَ: فَذَهَبْتُ أَخْرُجُ لأَلْعَبَ، فَقَالَتْ أُمِّي: يَا عَبْدَ اللهِ! تَعَالَ أُعْطِكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيَهُ؟ قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْراً، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تَفْعَلِي كُتِبَتْ عَلَيْكِ كَذْبَةٌ) (2).

أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم لي و لكم

الخطبة الثانية

أما بعد: ..........................

رابعا: البناء العاطفي :

الرحمة بالأطفال هبة الرحمن لخيَار عباده، وعنوان المؤمن الحقّ في جميع علاقاته .. ومن لا يرحم لا يرحم ...... عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ.؟ فَقَالُوا: نَعَمْ فَقَالُوا: لَكِنَّا وَاللهِ مَا نُقَبِّلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم -: (وَأَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللهُ نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ.!؟). وفي روايةٍ: مِنْ قَلْبِكَ أو قلوبِكم الرَّحْمَةَ) ([11]).

وعَن أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِساً، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَداً، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ) ([12])

الرحمة بالأطفال عاطفة إنسانيّة سامية، يكرم الله بها من شاء من عباده، لهَا مظاهرها وآثارها، وليست دعوى بغير برهان ..

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا أَمَرَنِي بِأَمْرٍ فَتَوَانَيْتُ عَنْهُ، أَوْ ضَيَّعْتُهُ فَلامَنِي، فَإِنْ لامَنِي أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلاّ قَالَ: دَعُوهُ فَلَوْ قُدِّرَ أَوْ قَالَ: لَوْ قُضِيَ أَنْ يَكُونَ كَانَ) ([13]).

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: (خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ، وَاللهِ مَا قَالَ لِي: أُفّاً قَطُّ، وَلا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلاّ فَعَلْتَ كَذَا؟) ([14])

وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئاً قَطُّ بِيَدِهِ، وَلا امْرَأَةً وَلا خَادِماً، إِلاّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلاّ أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ     

أحكام الإسلام كلّها تقوم على الرحمة ورعاية الحقوق، وتربط بين عمل الدنيا، وجزاء الآخرة .. وحقّ الوالدة برعاية ولدها مصون مقدّس ..

عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأنصاريّ - رضي الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ([15])

ورواه الدارميّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ - رضي الله عنه - كَانَ فِي جَيْشٍ، فَفُرِّقَ بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهِمْ، فَرَآهُمْ يَبْكُونَ، فَجَعَلَ يَرُدُّ الصَّبِيَّ إِلَى أُمِّهِ وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَحِبَّاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

ويخفّف الصلاة رحمةً بالأطفال والأمّهات:

ما أرقّ مشاعرَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وما ألطفها.؟! وما أدقّها وهو يراعي مشاعر الأمّ ولهفتها على طفلها، إذ يبكي وهي تصلّي، فيتجوّز في صلاته رحمة بهما ..

عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ) ([16]).

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَوَّزَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي صَلاةِ الفَجْرِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ تَجَوَّزْتَ؟ قَالَ: (سَمِعْتُ بُكَاءَ صَبِيٍّ، فَظَنَنْتُ أَنَّ أُمَّهُ مَعَنَا تُصَلِّي، فَأَرَدْتُ أَنْ أُفْرِغَ لَهُ أُمَّهُ) ([17]).

هلْ يلام والد أو والدة على تعلّق قلبه بولده.؟ بعدما رأينا النبيّ -صلى الله عليه وسلم -يعتني بأطفالِ بناته هذا الاعتناء، ويتلطّف بهم، حتّى ولو كان في صلاته.

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي، وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلأَبِي العَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا، وَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا) (1).

خامسا: البناء السلوكي:

تأديب الطفل بآداب الإسلام و سلوكياته يبدأ منذ الطفولة المبكّرة، وما يغرس في هذه المرحلة يصبح جزءاً من شخصيّة الإنسان وكيانه، ولا يمحى مدى الدهر .. فليس للوالد والمربّي أن يستهينا بتوجيه الطفل وتأديبه برفق وتلطّف، في هذه المرحلة المهمّة ..

عن وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: كُنْتُ غُلاماً فِي حَجْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (يَا غُلامُ! سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ) ([18]).

جلوس الأطفال في مجالس الكبار

من حقّ الطفل أن يجالسَ الكبار، ومن حقّه أن يستأذنَ في التنازل عَن حقّه، وألاّ يصادر حقّه بدعوى صغر سنّه .. وإذا أردنا لصغارنا أن يكونوا كباراً بحقّ فلنخلطهم بالكبار القُدوات ..

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلامِ: (أَتَاذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاءِ؟ فَقَالَ الْغُلامُ: لا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، لا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَداً، قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي يَدِهِ) ([19]).

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِلَبَنٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَنْ يَسَارِهِ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ - رضي الله عنه -، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لابْنِ عَبَّاسٍ: (أَتَاذَنُ لِي أَنْ أَسْقِيَ خَالِداً؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُوثِرَ بِسُؤْرِ ([20]) رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى نَفْسِي أَحَداً، فَأَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَشَرِبَ، وَشَرِبَ خَالِدٌ) ([21]).

 



[1] - البخاري في الجنائز ( 3/ 176 ) باب إذا أسلم الصبي ومسلم رقم (2658) في القدر والموطأ رقم (52) في الجنائز ، ولبترمذي رقم (2139) ، وأبو داود رقم (4714) في السنة .

[2] - حمد قطب ، منهج التربية الإسلامية ، (1/96) .

[3] - ـ رواه الترمذيّ في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع برقم /2440/ وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

[4] -  رأخرجه أبو داود في السنن 1/ 334، كتاب الصلاة (2)، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة (26)، الحديث (495). وبمعناه عن سبرة بن معبد، أخرجه: أحمد في المسند 3/ 404)

[5] - رواه النسائيّ في باب التطبيق في الصلاة برقم /1129/ و أحمد في المسند.

[6] - غطّ في نومه غطّاً وغطيطاً، صات وردّد النفس في خياشيمه، وخطّ لغة في غطّ.

[7] - رواه البخاريّ في كتاب العلم برقم /114/.

[8] - أخرجه الحاكم : 2 / 670 , وأحمد في المسند : 2 / 381 , والبخاري في الأدب المفرد برقم : 276 , والبيهقي في الشعب برقم : 7977 , 7978 , وصححه الحاكم ووافقه الذهبي , وقال الهيثمي 9 / 15 رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح

[9] - رواه الترمذيّ في كتاب الاستئذان والآداب برقم /2620/ وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

[10] - أخرجه أحمد (4/ 348، 349)، واللفظ له، والدارمي (1/ 325)،. وابن أبي شيبة (3/ 215)، والطحاوي في شرح الآثار (2/ 10)، والطبراني (7/ 87: 6418، 90: 4623)

[11] - رواه البخاري 10/ 360، ومسلم برقم /2319/.

[12] - البخاري في كتاب الأدب برقم /5538/.

[13] - رواه أحمد في المسند برقم /12938/.

[14] - رواه مسلم في كتاب الفضائل برقم /4269/

[15] - ـ رواه الترمذيّ في كتاب البيوع برقم /1204/ وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، ورواه ابن ماجه في التجارات برقم /2241/ والدارميّ في السير برقم /2368/.

[16] - البخاري في كتاب الأذان برقم /668/.

[17] - رواه أحمد في المسند برقم /13205/.

[18] -- رواه البخاري في كتاب الأطعمة برقم /4957/.

[19] - أخرجه أحمد5/333و338, والبخاري5620 في الأشربة: باب هل يستأذن الرجل من عن يمينه في الشرب, ومسلم2030 في الأشربة: باب استحباب إدارة الماء باللبن, والطبراني 5769, والبيهقي 7/286, والبغوي3054.

[20] - السؤر هو البقيّة من الطعام أو الشراب أو أيّ شيء

[21] - ـ رواه أحمد في المسند برقم /3417/.

منهج سيد الرجال صلى الله عليه وسلم في تربية وبناء الأطفال.pdf



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة فيض الإله بخلق المواساة.pdf

الحقوق العشر للوطن في الإسلام

خطبة الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان.pdf