فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟.pdf



كَيف تصنع بِلَا إِلَه إِلَّا الله إِذا جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة؟

الشيخ السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى

أما بعد: ...........أمة الإسلام حديثنا في تلك اليوم الطيب المبارك عن قضية من أخطر القضايا التي تهدد أمن البلاد والعباد هي قضية التكفير التي قد يتبناها بعض شباب الأمة فنراهم يطلقون الفتاوى والأحكام الغير مخطومة ولا مضبوطة فهم يكفرون كل من خالف منهجهم ويكفرون كل من خالف جماعتهم ويكفرون المسلم لأنه وقع في ذنب أو كبيرة من الكبائر ....

نقف في بداية الخطبة مع منهج النبي صلى الله عليه وسلم و تعامله مع من قال لا إله إلا الله ..... نقف على غضب النبي صلى الله عليه وسلم على أحب أصحابه إليه عندما قتل رجلا بعدما قال لا اله إلا الله ..................... أعيروني القلوب و الأسماع .....عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ، قَالَ:بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحُرَقَةِ، مِنْ جُهَيْنَةَ، قَالَ: فَصَبَّحْنَاهُمْ، فَقَاتَلْنَاهُمْ، فَكَانَ مِنْهُمْ رَجُلٌ، إِذَا أَقْبَلَ الْقَوْمُ كَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ عَلَيْنَا، وَإِذَا أَدْبَرُوا كَانَ حَامِيَتَهُمْ، قَالَ: فَغَشِيتُهُ، أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: فَلَمَّا غَشِينَاهُ، قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِيُّ، وَقَتَلْتُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا مِنَ الْقَتْلِ، فَكَرَّرَهَا عَلَيَّ، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ.

وفي رواية: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً، إِلَى الْحُرَقَاتِ، فَنَذِرُوا بِنَا فَهَرَبُوا، فَأَدْرَكْنَا رَجُلاً، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَضَرَبْنَاهُ حَتَّى قَتَلْنَاهُ، فَعَرَضَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَذَكَرْتُهُ لَرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَنْ لَكَ بلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟! قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا مَخَافَةَ السِّلاَحِ وَالْقَتْلِ. فَقَالَ: أَلاَ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَمْ لاَ؟ مَنْ لَكَ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟! قَالَ: فَمَا زَالَ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أُسْلِمْ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ.

- وفي رواية: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلاً، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَقَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟! قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلاَحِ، قَالَ: أَفَلاَ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لاَ؟ فَمَازَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ..([1])

فكيف تصنع بلا إله إلا الله؟

 رسالة إلى الذين يكفرون من قال لا إله إلا الله تلك الرسالة و السؤال من سيد الرجال صلى الله عليه سلم ففي حديث جُنْدُب بن عبد الله قال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِن نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بعثاً من الْمُسلمين إِلَى قوم من الْمُشْركين، وَإِنَّهُم الْتَقَوْا، فَكَانَ رجلٌ من الْمُشْركين إِذا شَاءَ أَن يقْصد إِلَى رجل من الْمُسلمين قصد لَهُ فَقتله، وَإِن رجلا من الْمُسلمين قصد غفلته. قَالَ: وَكُنَّا نُحدث أَنه أُسَامَة بن زيد، فَلَمَّا رفع عَلَيْهِ السَّيْف قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، فَقتله، فجَاء البشير إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ وَأخْبرهُ، حَتَّى أخبرهُ خبر الرجل كَيفَ صنع، فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: " لم قتلته؟ " قَالَ: يَا رَسُول الله، أوجع فِي الْمُسلمين، وَقتل فلَانا وَفُلَانًا -وسمى لَهُ نَفرا، وَإِنِّي حملت عَلَيْهِ، فَلَمَّا رأى السَّيْف قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أقتلته؟ " " قَالَ: نعم. قَالَ: " فَكيف تصنع بِلَا إِلَه إِلَّا الله. إِذا جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة؟ " قَالَ: يَا رَسُول الله، اسْتغْفر لي.

قَالَ: " وَكَيف تصنع بِلَا إِلَه إِلَّا الله إِذا جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة؟ ": ([2]) رواه مسلم

وها هو المقداد رضي الله عنه يسأل النبي – صلى الله عليه وسلم – سؤالا افتراضيا عن المِقْداد بن الأسود [الكِنْدِي أنّه قال: "يا رسولَ اللَّهِ أرأيتَ إنْ لقيتُ رجلًا مِن الكفارِ فاقْتَتَلْنا فضربَ إحدَى يديَّ بالسيفِ فقطعَها ثم لَاذَ مِنِّي بشجرةٍ، فقال: أسلمتُ للَّهِ، أَأَقْتُلُه بعدَ أَنْ قالَها؟ قالَ: لا تقتلْهُ، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ إنه قطعَ إحدى يديَّ! فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم: لا تقتلْهُ، فإنْ قَتَلْتَه فإنَّهُ بمنزِلَتِكَ قبلَ أَنْ تقتُلَهُ، وإنكَ بمنزِلَتِهِ قبلَ أنْ يقولَ كلمتَهُ التي قالَها" ([3]).

 وتأملوا عباد  في قصة ذلك الرجل الذي  قال للنبي  اتق الله  و يقصد بقوله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعدل في قسمته و هنا يتقدم احد الصحابة الذين أخذتهم الغيرة على جناب نبيهم و يلب منه أن يضرب عنقه إليكم الحديث عباد الله أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ الْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ؛ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا، قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَأَقْرعَ بْنِ حَابِسٍ، وَزَيْدِ الْخَيْلِ، وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهذَا مِنْ هؤُلاَءِ قَالَ: فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، نَاشِزُ الْجَبْهَةِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمَّرُ الإِزَارِ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اتَّقِ اللهَ قَالَ: وَيْلَكَ أَوَلَسْتُ أَحَقُّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَجُلُ

قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ قَالَ: لا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ، وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

أَلا فَلْيَحذَرِ المُسلِمُونَ مِنَ التَّكفِيرِ، فَإِنَّ أَمرَهُ خَطِيرٌ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَد بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا ؛ فَإِن كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلاَّ رَجَعَت عَلَيهِ "([4]) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

التكفير حكم شرعي ليس إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم : أيها المسلمون: والتكفير حكم شرعي مَرَدُّه إلى الله ورسوله؛ فكما أن التحليل والتحريم والإيجاب إلى الله ورسوله فكذلك التكفير، وليس كل ما وُصف بالكفر من قول أو فعل يكون كفراً أكبر مخرجاً عن الملة.

ولما كان مَرَدُّ حكم التكفير إلى الله ورسوله؛ لم يجز أن يُكَفَّرَ إلا مَن دل الكتاب والسنة على كفره دلالة صريحة، فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة والظن؛ لما يترتب على ذلك من الأحكام الخطيرة، وإذا كانت الحدود تدرأ بالشبهات -مع أن ما يترتب عليها أقل مما يترتب على التكفير-فالتكفير أولى أن يدرأ بالشبهات.

عباد الله: ومن شهد شهادة الحق دخل دائرة الإسلام؛ فلا يُخْرَجُ منها إلا بناقض ينقضها، ولو أتى كبائر الذنوب، وعظائم الموبقات فلا يكفر بذلك؛ إلا إذا كان مستحلاً لها، أو كانت كفراً بنصوص الكتاب أو السنة.

وإخراج المسلم من إسلامه وهو لا يستحق ذلك أمر عظيم خطير على دين من فعله؛ لأنه جعل من نفسه حاكماً على عباد الله بغير شرعه، بل بما اشتهاه؛ ولذا حذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- أشدَّ التحذير من ذلك في أحاديث كثيرة، عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَيُّما رَجُلٍ قالَ َلأخيهِ يا كافِرُ فَقَدْ باءَ بِها أَحَدَهُما "(متفق عليه) ([5])

بل جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يفيد أن تكفير المسلم كقتله، وهذا تشبيه عجيب بديع؛ لأن من لوازم تكفيره مقاتلته، روى ثابت بن الضحاك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله"(متفق عليه).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإذا كان تكفير المعين على سبيل الشتم كقتله، فكيف يكون تكفيره على سبيل الاعتقاد؟ فإن ذلك أعظم من قتله".([6])

خطورة التكفير:

أيها الإخوة و الكرام :إن الناظر إلى الذين يكفرون المسلمين بسبب الذنوب و المعاصي يجد أن هؤلاء لا يفقهون و لا يعلمون أن  ارتكاب الذنوب و المعاصي لا يخرج المسلم عن دائرة الإسلام و لا يحلقه بالكفار  ولو تأمل هؤلاء  السنة النبوية لعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم على رد على شبهتهم كما في حديث وعن أبي ذر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائمٌ، عليه ثوبٌ أبيض، ثم أتيته فإذا هو نائمٌ، ثم أتيته وقد استيقظ، فجلست إليه، فقال: ((ما من عبدٍ قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة))، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: ((وإن زنى وإن سرق))، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: ((وإن زنى وإن سرق)) ثلاثًا، ثم قال في الرابعة: ((على رغم أنف أبي ذر))، قال: فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر.

وفي رواية لمسلم: قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: ((نعم، وإن شرب الخمر)).([7])

حكم مرتكب الكبيرة:

 اعلموا عباد الله أن قول أهل السنة والجماعة: أن مرتكب الكبيرة لا يكون كافراً يعني: كفر أكبر، ولكن يكون عاصياً، ويكون ضعيف الإيمان، ناقص الإيمان، على خطر عظيم من الكفر ولكن ليس بكافر إذا كان ما استحل ذلك، إذا لم يستحل هذه المعصية بل فعلها وهو يعلم أنها معصية يدري أنها معصية ولكن حمله عليها الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء، فهذا هو قول أهل الحق.

فيكون إيمانه ضعيفاً ويكون توحيده ضعيفاً ولكن لا يكون كافراً الكفر الأكبر الذي هو الردة عن الإسلام نعوذ بالله من ذلك، ولا يخلد في النار أيضاً لو مات عليها، إذا مات الزاني على الزنا ما تاب أو على السرقة ما تاب أو على الربا ما تاب وهو يعلم أنه محرم فهذا يكون تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه على قدر معاصيه سبحانه وتعالى، العذاب الذي تقتضيه حكمته سبحانه وتعالى، ثم بعد مضي ما حكم الله عليه به يخرجه الله من النار إلى الجنة.

فهذا قول أهل الحق، وهذا الذي تواترت به الأخبار عن رسول الله ﷺ خلافاً للخوارج والمعتزلة، والله يقول سبحانه:{ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ }[النساء:48]، فعلق ما دون الشرك بمشيئته سبحانه وتعالى.

قال الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله-: "فالقرآن والسنة ينهيان عن تفسيق المسلم وتكفيره ببيان لا إشكال فيه، ومن جهة النظر الصحيح الذي لا مدفع له: أنَّ كل من ثبت له عقد الإسلام في وقت بإجماع من المسلمين، ثم أذنب ذنباً، أو تأول تأويلاً، فاختلفوا بعْدُ في خروجه من الإسلام؛ لم يكن لاختلافهم بعد إجماعهم معنى يوجب حجة، ولا يخرج من الإسلام المتفق عليه إلا باتفاق آخر، أو سنةٍ ثابتة لا معارض لها.

وقد اتفق أهل السنة والجماعة -وهم أهل الفقه والأثر-على أن أحداً لا يُخرجه ذنبه -وإن عظم-من الإسلام، وخالفهم أهل البدع؛ فالواجب في النظر ألا يكفر إلا إن اتفق الجميع على تكفيره، أو قام على تكفيره دليل لا مدفع له من كتاب أو سنة".([8])

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وليس لأحدٍ أن ُيكفِّر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط، حتى تقام عليه الحجة، وتُبَيَّنَ له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين، لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة".([9])

أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

أما بعد: ..............................

الآثار المترتبة على التكفير:

اعلموا عباد الله : أن هذا النهي والزجر من الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-عن تكفير المسلمين بغير حق إنما يرجع لما يترتب على ذلك مِن آثار خطيرة؛ حيث يتغير وصف المسلم إلى المرتد، وهذا له أحكام تترتب عليه، فالردة مروق وخروج مِن ملة الإسلام بعد ثبوته، فيترتب على ذلك أحكام في الدنيا بعد الحكم عليه بالخلود في النار إن مات على ذلك، ومن هذه الأحكام ما يأتي:

 

1-إباحة دمه:

 

أيها الإخوة الأفاضل أما علم الذين يكفرون الناس أنهم بذلك قد اصدروا حكما قاطعا بحل دم هؤلاء فالمرتد قد جاء بما يدل على بغضه للإسلام وعداوته لأهله: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) (رواه البخاري).([10])

 

- الشريعة الإسلامية عظـَّمتْ أمر الدماء التي ربما لا يبالي بها التكفيريون: قال الله -تعالى-: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الأنعام:151).

 

- بل كل الشرائع اتفقت على ذلك: قال الله -تعالى-: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِيْ إِسْرَائِيْلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيْعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيْعًا... ) (المائدة:32).

 

2-لا يُقبل منه عمل:

 

أما علم هؤلاء أن المرتد لا تنفعه صلاة، ولا زكاة، ولا صيام، ولا حج، ولا شيء، ولا يقبل منه عمل سابق ولا لاحق: قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:217)، وقال -تعالى-: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (المائدة:5).

 

3-لا يعامل كموتى المسلمين إذا مات:

 

أيها الإخوة الأحباب أما علم ذلك المتهور المتسرع في تكفير غيره أن من كفره لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين: قال الله -تعالى-: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) (التوبة:84).

 

- لا يجوز الترحم عليه ولا الاستغفار والدعاء له: قال الله -تعالى-: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (التوبة:113).

 

4-يفسخ نكاحه:

 

أيها الإخوة الأحباب أما علم ذلك المتهور المتسرع في تكفير غيره أن من كفره لا تحل له زوجته المسلمة وتبين منه مع ثبوت الردة: قال الله -تعالى-: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) (الممتحنة:10).

 

- لا يجوز أن يكون وليًّا لامرأة مسلمة في عقد نكاح: قال الله -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة:71).

 

5-ماله يصير فيئًا للمسلمين، ولا يرث ولا يورث:

 

أيها الإخوة الأحباب أما علم ذلك المتهور المتسرع في تكفير غيره أن من كفره لا - يؤخذ ماله ويقسم كما أمر الله -تعالى-: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ... ) (الحشر:7).

 

- إذا مات لا يورث ولا يرث قرابته المسلمين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ، وَلاَ الكَافِرُ المُسْلِمَ) (متفق عليه).

 

6-لا تؤكل ذبيحته:

 

أيها الإخوة الأحباب أما علم ذلك المتهور المتسرع في تكفير غيره أن من كفره لا لا تصلح ذبيحته للأكل ولا للبيع: قال الله -تعالى-: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) (المائدة:5).

 

- وهنا يشير الخطيب إلى قبح حال المرتد؛ حيث تؤكل ذبيحة اليهود والنصارى، ولا تؤكل ذبيحة المرتد.

 

7-الخلود في النار:

 

- أيها الإخوة الأحباب أما علم ذلك المتهور المتسرع في تكفير غيره  أن من كفره  إذا مات على الردة لا يُغفر له، وهو من أهل النار خالدًا فيها أبدًا: قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا‏) ‏(النساء‏:48)، وقال -تعالى-: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:217).

 

- لا أمل له قط في الخروج من النار: قال الله -تعالى-عن أهل النار: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ . قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ) (المؤمنون:107-108)، وقال -تعالى-: (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (السجدة:20)، وقال -تعالى-: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) (المدثر:48).

أيها الإخوة الأحباب هل رأيتم عظم جرم التكفير الذي يستهين بها هؤلاء الذين ضلوا سواء السبيل وكيف يستحلون به ما حرم الله تعالى فيستحلون به الدماء والأموال والأعراض ................. فعلينا عباد الله أن نلتزم منهج أهل السنة والجماعة ولا نكفر أحدا بذنب ارتكبه ونحسن الظن بالمؤمنين والمؤمنات ......................

 



[1]- أخرجه أحمد 5/200 (22088) والبخاري" 5/183 (4269).

[2] - ر أخرجه مسلم في الإيمان: باب تحريم قتل المسلم بعد قوله لا إله إلا الله: صحيح مسلم: 1/292.

[3] - متفق عليه، أخرجه البخاري في الصحيح 12/ 187، كتاب الديات (87)، باب قول اللَّه نعالي: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا. . .} [سورة النساء (4)، الآية (93)] (1)، الحديث (6865)، وأخرجه مسلم في الصحيح 1/ 95 كتاب الإيمان (1)، باب تحريم قتل الكافر. . . (41)، الحديث (155/ 95) واللفظ له.

[4] - أخرجه البخاري (4/1581، رقم 4094) ، ومسلم (2/742، رقم 1064) .

[5] - أخرجه البخاري في: 78 كتاب الأدب: 73 باب من كفر أخاه بغير تأويل

[6] - الاستقامة (1/ 165)

[7] - أخرجه البخاري في: 23 كتاب الجنائز: 1 باب في الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله

[8]- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (17/ 22)

[9]- مجموع الفتاوى (12/ 466)

[10] - أخرجه البخاري في الصحيح 12/ 201، كتاب الديات (87)، باب قول اللَّه تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ. . .} [سورة المائدة (5)، الآية (45)] (6)، الحديث (6878)، واللفظ له، وأخرجه مسلم في الصحيح 2/ 1303 - 1303، كتاب القسامة (28)، باب ما يباح به دم المسلم (6)، الحديث (25/ 1676)

فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟.pdf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة فيض الإله بخلق المواساة.pdf

الحقوق العشر للوطن في الإسلام

خطبة الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان.pdf