تحذير أهل العصر من عقوبات الكبر العشر.pdf



تحذير أهل العصر من عقوبات الكبر العشر

الشيخ السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى

الحمد لله القائل في كتابه العزيز (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) و أشهد أن لا اله إلا الله الكبير المتكبر جل جلاله وأشهد أن محمد عبده ورسوله إمام المتواضعين القائل "‌لَا ‌تُطْرُوْنِي كما أُطْرِيَ عِيسَى بنُ مَرْيَمَ إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ"([1])

ثم أما بعد : حديثنا إليكم أيها الكرام عن باطن الإثم ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ [الأنعام: 120]حديثنا عن عقوبات المتكبرين كما جاءت في القرآن الكريم و سنة سيد المتواضعين صلى الله عليه وسلم - الكبرُ داء خطير، وشر مستطير، عواقبه وخيمة، ونتائجه سيئة في الدنيا والآخرة، من ابتلي به قاده إلى كل سوء، ومنعه من كل خير.

فما من خلق ذميم إلّا وصاحب الكبر مضطرّ إليه ليحفظ كِبْره، وما من خلق محمود إلّا وهو عاجز عنه خوفا من أن يفوته عزّه.

• الكبر كبيرة من كبائر الذنوب؛ وهو مِن أول الذنوب والمعاصي التي ارتكِبتْ في حق الله تبارك وتعالى، قال الله تعالى مبيناً سبب امتناع إبليس عن السجود لآدم: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة: 34].

• والكِبْرُ سببٌ من أسباب هلاك الأمم السابقة؛ فبكبرهم وعِنادهم طغوا وتجبّرُوا وظلموا وأفسدوا، تمردوا على خالقهم، واستنكفوا عن عبادته، وقاتلوا أنبياءه ورسله، وصدوا عن سبيله، فحق عليهم العذاب، وجاءهم الهلاك، وحل بهم الدمار.. قال تعالى: ﴿ وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ * وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت: 39، 40].

فكم من الأمم تكبرت وتجبرت، ومنعها استكبارها من قبول الحق والإذعان له، فأهلكها الله، وجعلها عبرة لكل متكبر جبار. وكم في القرآن من قصص في ذلك ملأى بالدروس والعبر.. وكم في الواقع الذي نعيشه من أحداث ووقائع تبين لنا كيف تكون عاقبة المتكبرين ونهاية الظالمين..

العقوبات العشر للكبر:

إخوة الإسلام اعلموا -بارك الله فيكم و رزقني الله وإياكم التواضع – أن للكبر عقوبات كثيرة نذكر منها في هذا اللقاء عشر عقوبات و هي مقسمة إلى قسمين:

عقوبات دنيوية يصاب بها المتكبر في دنياه ويراها بعينيه

وعقوبات أخروية وعقوبات يصاب بها المتكبر في الأخرة في أرض المحشر وفي نار جهنم

أولا العقوبات الدنيوية :

العقوبة الأولى: صرف المتكبر عن فَهم آيات الله والاهتداء بها: أن يصرفه الله تعالى عن فهم آياته و الانقياد لها و الاهتداء بها قال الله تعالى  ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف: 146].

فهم كالأنعام عباد الله بل هم أضل سبيلا و هو شر الدواب كما اخبرنا ربنا جل جلاله ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال: 22-23]

"فالمستكبرون المتبعون أهواءَهم مصروفون عن آيات الله، لا يعلمون ولا يفهمون لما تركوا العمل بما علِموه استكبارًا واتباعًا لأهوائهم، عوقبوا بأن مُنِعوا الفهم والعلم.

وتأملوا حال أبي جهل الذي كان يعلم أن محمد صلى الله عليه وسلم و لكن الذي منعه هو الكبر قال له الأخنس:: ما رأيك؟  قال أبو جهل : تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشّرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إِذا تجاثينا على الركب، وكنّا كفرسي رهان، قالوا: منّا نبيّ يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟! والله لا نؤمن به أبدًا، ولا نصدقه. فقام عنه الأخنس وتركه ([2]).

وهاهم اليهود ما منعهم من الإيمان برسالة النبي  صلى الله عليه وسلم فعن صفية بنت حيي قالت لم يكن أحد من ولد أبي وعمي أحب إليهما مني لم ألقهما في ولد قط أهش إليهما إلا أخذاني ودنه فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء قرية بني عمرو بن عوف غدا إليه أبي وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين فوالله ما جاآنا إلا مع مغيب الشمس فجاآنا فاترين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا فهششت إليهما كما كنت أصنع فوالله ما نظر إلى واحد منهما فسمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي أهو هو قال نعم والله قال تعرفه بنعته وصفته قال نعم والله قال فماذا في نفسك منه قال عداوته والله ما بقيت  ([3]) قال تعالى واصفا حال أهل الكفر أن الذي منعهم من الإيمان إنما هو الكبر

{ إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين إِنَّهُمْ كانوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إله إِلاَّ الله يَسْتَكْبِرُونَ } [ الصافات 34-35)

العقوبة الثانية : زوال النعم وحلول النقم:  فكم من متكبر حرم من نعم الله تعالى بسبب كبره و كم من متكبر منعه الكبر من طلب العلم و كم من متكبر منعه كبره عن الامتثال لأمر الله و امر رسوله – صلى الله عليه وسلم  -حال ذلك الذي كان يجلس على مائدة الطعام مع خير الأنام و كان يأكل بشماله فجامره النبي – صلى الله عليه وسلم اني اكل بيمينه و لكنه استعظمها و استكبر أن يمتثل فتعلل بقوله لا استطيع  فعن سلمة بن الأكوع: أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشِمَالِهِ فَقَالَ: كُل بِيَمِينِكَ. قَالَ: ‌لَا ‌أَستَطِيعُ. ‌قَالَ: ‌لَا ‌استَطَعتَ. مَا مَنَعَهُ إِلَّا الكِبرُ. قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ.

صارت والعياذ بالله قائمة كالعصا، لا يستطيع رفعها؛ لأنه استكبر على دين الله عز وجل ([4])

العقوبة الثالثة عدم محبة الله تعالى له:

ومن الذين لا يحبهم الله تعالى ووضعوا الحجب أمام محبة الله لهم قوم تكبروا واستكبروا في الأرض بغير الحق فهؤلاء لا يحبهم الله ولا يقبل لهم عملا {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)} النحل}

العقوبة الرابعة الهزيمة البطر والفخر والغرور والعجب بأن أصحابها يهزمون ولا ينصرون: قال سبحانه: { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[47]}[سورة الأنفال]. فهذا الرياء والبطر والكبر في الأرض، ثم الصد عن سبيل الله أي: الصد عن دينه حتى ولو عن جزئية من جزئيات الدين، الصد عنها منذر بوقوع الهزيمة كما دلت عليه هذه الآيات. وكذلك العجب قال الله :{ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ[25]}[سورة التوبة] . فلما أعجب الصحابة بأنفسهم وبكثرتهم، وقالوا: لن نغلب هذا اليوم من قلة؛ ما أغنت عنهم كثرتهم شيئاً، وبعض الروايات تقول: إن هوازن لم يتجاوزوا الثلاثة آلاف رجل .. والصحابة كانوا عدة أضعاف لهوازن، ومع ذلك ولوا مدبرين لما أعجبوا بأنفسهم، ونسوا الاعتماد على ربهم عز وجل.

القسم الثاني العقوبات الأخروية:

العقوبة الخامسة  الذل والمهانة يوم الحشر في عرصات القيامة، فيحشر المتكبرون في اصغر و أذل صورة و الجزء من جنس العمل  عَنْ عَمْرِو بْن شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "يُحْشَرُ ‌المُتَكَبِّرُونَ ‌يَوْمَ ‌القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بَولَسَ، تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الخَبَالِ".([5]).

العقوبة السادسة: عدم دول الجنة فقد حرم الله الجنة على المتكبرين:

سواد الوجه و العياذ بالله و دخول جهنم: قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر: 60]، مأوى ومسكن لمن تكبَّر على الله، فامتنع من توحيده، والانتهاء إلى طاعته فيما أمره ونهاه عنه ([6])

يوم القيامة ترى وجوه أهل الكذب و البهتان و الفخر و التباهي بالعناد و الكفر في الدنيا وجوههم مسودة لما يعلمون أنهم صائرون إليه و لصعوبة الموقف و توالي الحسرات , يتمنون الخلاص و لكن هيهات , ففي جهنم مثوى للمتكبرين الذين كانت تأتيهم كل أسباب الهداية في الدنيا فرفضوها و أعطوا ظهورهم لكلمة الله و استهزؤوا برسله و أتباعهم و اتخذوهم سخرياً و تكبروا عليهم و تكبروا على الله فكان الجزاء من جنس العمل.

عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «‌لَا ‌يَدْخُلُ ‌الْجَنَّةَ ‌مَنْ ‌كَانَ ‌فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ»([7])

عن حَارِثَةَ بْن وَهْبٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " أَلا أُخْبركمْ بأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ " قَالُوا: بَلَى. قَالَ صلى الله عليه وسلم: " كلُّ ضَعِيفٍ مُتَضعف، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ ". ثُمَّ قَالَ، " ‌أَلا ‌أُخْبِرُكُمْ ‌بِأَهْلِ ‌النَّارِ؟ " قَالُوا: بَلَى. قَالَ: " كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ ".([8])

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((احْتَجَّتِ النَّارُ وَالْجَنَّةُ، فَقَالَتْ هَذِهِ: ‌يَدْخُلُنِي ‌الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ، وَقَالَتْ هَذِهِ: يَدْخُلُنِي الضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل لِهَذِهِ: أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ- وَرُبَّمَا قَالَ: أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ- وَقَالَ لِهَذِهِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا)).([9])

العقوبة السابعة دخول النار بصغار ومهانة: وفي عرصات يوم القيامة يساق هؤلاء إلى جنهم داخرين صاغرين يعلوهم الذل و الهوان قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي [غافر: 60]؛ أي: عن دعائي وتوحيدي: ﴿ سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60]؛ أي: صاغرين حقيرين [11] يجتمع عليهم العذاب والإهانة؛ جزاءً على استكبارهم [12]، ويعذبون عذاب الهون؛ قال تعالى: ﴿ فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ [الأحقاف: 20]، دلَّت هذه الآية الكريمة على أن الاستكبار في الأرض والفسق من أسباب عذاب الهون، وهو عذاب النار [13].

العقوبة الثامنة: المُتَكَبِّرونَ هم أبْغَضُ الناسِ وأبعدُهم مَجْلِسًا عن رسولِ الله يومَ القيامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ؛ الثَّرْثَارُونَ، وَالمُتَشَدِّقُونَ، وَالمُتَفَيْهِقُونَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ؛ فَمَا المُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: «المُتَكَبِّرُونَ» ([10])

أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم لي ولكم .

الخطبة الثانية

أما بعد : عباد الله ...........................................

العقوبة التاسعة: غضب الله على المتكبرين يوم القيامة :

اعلموا عباد الله أن المُتَكَبِّر يَلْقَى اللهَ وهو عليه غضبانُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ‌مَنْ ‌تَعَظَّمَ ‌فِي ‌نَفْسِهِ، وَاخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. ([11])

في هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن "من تعظم في نفسه" بأن تكبر، فاعتقد أن نفسه عظيمة تستحق من غيره التبجيل والتكريم، "واختال في مشيته"، أي: تكبر وتبختر وأعجب بنفسه، فمشى مشية المتكبر، "لقي الله وهو عليه غضبان"، أي: كان جزاؤه في الآخرة أن يعامله الله عز وجل معاملة المغضوب عليه من كونه لا ينظر اليه ولا يكلمه، فإن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه؛ لأنه لا يحب المستكبرين، وقد أفاد هذا الوعيد أن التعاظم والمشي باختيال من الكبائر ..

 العقوبة العاشرة: أن الله تعالى لا ينظر اليهم ولا يزكهم ولهم عذاب اليم: وهل هناك عقوبة أشد من تلك العقوبة أيها الإخوة الأحباب؟ استمعوا إلى ذلك الحديث ومن الذين لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم و لهم عذاب اليم رجل بلغ من الكبر عتيا و على الرغم من كبر سنه إلا انه يرتكب المعاصي و الذنوب و لا يخشى علام الغيوب
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ ، وملك كذّاب ، وعائل مستكبر ) ([12])

يقول النووي – رحمه الله – ( لَا يُكَلِّمهُمْ ) أَيْ لَا يُكَلِّمهُمْ تَكْلِيم أَهْل الْخَيْرَاتِ بِإِظْهَارِ الرِّضَا ، بَلْ بِكَلَامِ أَهْل السُّخْط وَالْغَضَب ، وَقِيلَ الْمُرَاد الْإِعْرَاض عَنْهُمْ . وَقَالَ جُمْهُور الْمُفَسِّرِينَ : لَا يُكَلِّمهُمْ كَلَامًا يَنْفَعهُمْ وَيَسُرّهُمْ ، وَقِيلَ : لَا يُرْسِل إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة بِالتَّحِيَّةِ . وَمَعْنَى

( لَا يَنْظُر إِلَيْهِمْ ) أَيْ : يُعْرِض عَنْهُمْ . وَنَظَرُهُ - سُبْحَانه وَتَعَالَى - لِعِبَادِهِ - رَحْمَته وَلُطْفه بِهِمْ . وَمَعْنَى ( لَا يُزَكِّيهِمْ ) لَا يُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَس ذُنُوبِهِمْ . وَقَالَ الزَّجَّاج وَغَيْره : مَعْنَاهُ لَا يُثْنِي عَلَيْهِمْ . وَمَعْنَى ( عَذَابٌ أَلِيمٌ ) مُؤْلِم . قَالَ الْوَاحِدِيُّ : هُوَ الْعَذَاب الَّذِي يَخْلُص إِلَى قُلُوبهمْ وَجَعُهُ . قَالَ : وَالْعَذَاب كُلُّ مَا يُعْيِي الْإِنْسَانَ وَيَشُقّ عَلَيْهِ . قَالَ وَأَصْل الْعَذَاب فِي كَلَام الْعَرَبِ مِنْ الْعَذْب وَهُوَ الْمَنْع . يُقَال : عَذَبْته عَذْبًا إِذَا مَنَعْته ، وَعَذُبَ عُذُوبًا أَيْ اِمْتَنَعَ ، وَسُمِّيَ الْمَاء عَذْبًا لِأَنَّهُ يَمْنَع الْعَطَش ، فَسُمِّيَ الْعَذَاب عَذَابًا لِأَنَّهُ يَمْنَع الْمُعَاقَب مِنْ مُعَاوَدَة مِثْل جُرْمه ، وَيَمْنَع غَيْر وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله عز وجل إلى الأشيمط الزاني ولا العائل المزهو ([13])ه مِنْ مِثْل فِعْله . وَاَللَّه أَعْلَم ([14])

الدعاء .......................................................

 



[1] - صحيح البخاري كتاب: الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ … } (2/ 489) (رقم: 3445)

[2] -سيرة ابن هشام، 1/ 315. وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عن الزهري، وذكره الصالحي في سبل الهدى والرشاد 2/ 470: وقال: أخرجه محمَّد بن يحيى الذهلي، في الزهريات عن سعيد بن المسيب، بسند صحيح.

[3] - سيرة ابن هشام - (1 / 517) عيون الأثر - (1 / 277) السيرة النبوية لابن كثير - (2 / 298 الروض الأنف - (2 / 376)

 

[4] - رواه أحمد (4/ 45)، ومسلم (2021).

[5] -النسائي في السنن الكبرى (11827)، وأخرجه ابن المبارك في الزهد (زوائد نعيم بن حماد ص 52)، والحميدي (598)، وأحمد (6677) والبخاري في الأدب المفرد (557) وابن أبي الدنيا في الأهوال (240) وفي التواضع (223) وفي صفة النار (46)،

[6] - جامع البيان، لابن جرير: 21/ 319.

[7] - رَوَاهُ مُسْلِمٌ (91)

[8] - أخرجه: ابن أبي شيبة (31919)، وأحمد 2/ 431، والدارمي (229)، والبخاري 4/ 170 (3353) و 4/ 216 (3490)، ومسلم 7/ 103 (2378)،

[9] - البخاري 8/ 595 ومسلم 4/ 2186 وأحمد 2/ 314

[10] - أخرجه الترمذي (2018) والخرائطي في "المكارم" (1/ 34) وفي "المساوئ" (63 و 583) والطبراني في "المكارم" (6) وابن المقرئ في "المعجم" (441) والخطيب في "التاريخ" (4/ 62 - 63)

[11] - المعجم الكبير للطبراني (13، 14/ 64/ 13692)، وأحمد (5995)، والبخاري في الأدب المفرد (549)، والخرائطي في مساوئ الأخلاق (578)،

[12] - أخرجه أحمد ح 10232 و مسلم ح 107

[13] - رواه الطبراني ورواته ثقات إلا ابن لهيعة وحديثه حسن في المتابعات و قال الألباني صحيح لغيره انظر صحيح الترغيب ح 2399

[14] - شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 217)

تحذير أهل العصر من عقوبات الكبر العشر.pdf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطبة فيض الإله بخلق المواساة.pdf

الحقوق العشر للوطن في الإسلام

خطبة الحفاظ على الأوطان من المعاصي التي تدمر البلدان.pdf