تحفة الأنام بأهمية إدارة الوقت في الإسلام.pdf
تحفة الأنام بأهمية إدارة الوقت في الإسلام
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد : أيها الآباء الفضلاء حياكم الله تعالى و بياكم حديثنا في هذا
اليوم الطيب المبارك عن تحفة الأنام بأهمية إدارة الوقت في الإسلام ، لنتعلم قيمة الوقت و لنرى كيف أدار الأنبياء و الصالحون أوقاتهم فأعيروني
القلوب و الأسماع ............................
الوقت هو الحياة:
اعلم علمني الله وإياك: أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه وقد رآهم الأرزاق
والآجال ليجدوا في عبادته وطاعته وأخرجهم إلى تلك الدنيا لا للعلب ولا للهو ولا للكسل
ولا للبطالة وإنما أمرهم بعمارة الأرض والتزود من دار الغرور إلى دار البقاء....
ثم أنه سبحانه وتعالى جعل الليل والنهار والليالي والأيام دليلا واضحا على زوال
هذه الحياة حتى لا يركن إليها الإنسان فقال سبحانه: )
تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا
سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62) [الفرقان : 61 - 63]ا( ولبيان أهمية الوقت أقسم الله تعالى به في كتابه فقال سبحانه ) وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي
خُسْرٍ [العصر : 1 ، 2]( وقال سبحانه ) وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ
لِذِي حِجْرٍ (5) [الفجر : 1 - 6]( وقال سبحانه) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ
إِذَا تَجَلَّى (2) [الليل : 1 ، 2]( والقسم بالشيء يدل على تعظيم المقسم به فوقت
الإنسان هو حياته ووقته هو نهاره وليله وهو عمره وكل شمس تغرب هو يوم ينقص من عمر
الإنسان ورصيده الحقيقي هو ما بقي من أيام حياته كما أن الوقت مال الله وحرام على
الإنسان أن يضيع مال الله في غير منفعة ، ولا سيما نحن العرب والمسلمين الذين نوصم
دائما وأبدأ بفقد أن الهمة والشهية للعمل ونتهم بالكسل والتراخي فإنتاجية العرب
تقدر بـــ "46 " دقيقة في اليوم
، بينما إنتاجية اليابان تقدر بــ " 16 " ساعة عمل يوميا . والمسلم
مسؤول عن وقته أمام الله تعالى سيحاسبه عليه إن خيرا فخير وأن شرا فشر . فعن عبد
الله بن مسعود t قال : قال
رسول الله r لا تزول قدما
ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس .
* عن عمره فيما أفناه ؛
* وعن شبابه فيما أبلاه؛
*
وعن ماله من أين أكتسبه ؛
* وفيما أنفقه؛ وعن عمله ماذا عمل
فيه. ([1])
وقد يقول قائل لماذا قالr عن شبابه فيما أبلاه بعد وعن عمره فيما أفناه ؟؟ ؛؛
أليس
الشباب من العمر ؛ الجواب بعون الملك الوهاب : نعم ولكن الشباب هم عماد الأمم
وضياعها إذا فسدوا لذا قال الشاعر أبو العتاهية
:
إن الشبــاب والفــراغ والجــدة
مفســـدة للمــرء أي مفســـدة ([2])
وكثير من الناس يفرط في وقته
ويضعه فيما لا يعود عليه بخير في دنياه ولا أخراه وفي هذا يشير النبي r في الحديث الذي أخرجه البخاري عن ابن عباس t قال : قال رسول الله r (
نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) . ([3])
قال الحافظ بن حجر - رحمه الله-: قال ابن بطال . معني الحديث أن المرء لا
يكون فارغا حتى يكون مكفيا صحيح البدن فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يغبن بأن
يترك شكر الله على ما أنعم به عليه ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، فمن
فرط في ذلك فهو المغبون وأشار بقوله " كثير من الناس " إلى أن الذي يوفق
لذلك قليل
ما معنى إدارة الوقت؟
إدارة الوقت أيها الإخوة الكرام في أدق عبارة وأرق
إشارة هي مجموعة من الاستراتيجيات والطرق والوسائل التي تعين المرء على الاستفادة
القصوى من وقته في تحقيق أهدافه وخلق التوازن في حياته بين الواجبات والرغبات
والأهداف، كما تحقِّق التوازن بين حاجات الجسد والروح والعقل، وتمكِّن الفرد من
استثمار وقته بشكلٍ فعّال لإنجاز مختلف أنشطته اليوميَّة بنجاح.
نماذج تطبيقية لإدارة الوقت في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:
نبي الله نوح عليه السلام واستراتيجية إدارة الوقت:
إخوة الإسلام إن المتأمل في قصة نبي الله نوح عليه السلام يجد انه عليه
السلام كان يدير وقته إدارة حكيمة ليضع فرصة من الفرص التي تتاح إليه في الدعوة إلى
الله I و اسمعوا إلى هذه الآيات و
تدبروها بقلوبكم لتقفوا على حكمته في إدارة وقته قال الله تعالى {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا
(5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا
دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ
وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ
إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ
لَهُمْ إِسْرَارًا } [نوح: 5 - 9]
فهو لا يمل و لا يكل بل يواصل الدعوة بالنهار مع الليل يغتنم أي فرصة سانحة
لإيصال الخير إلى الغير ............ قال
رب إني دعوت قومي (ليلا) ونهارا" بدأ بالليل لأنه مظنة الراحة والسكون لكن
الداعية لا يستريح إنما راحته في دعوته و الجلوس بين يدي من يدعوهم ليخرجهم من
الظلمات إلى النور .
إدارة الوقت في صحف إبراهيم عليه الصلاة و السلام
إخوة الإسلام ك و من روائع إدارة
الوقت ما جاء في صحف إبراهيم عليه الصلاة و السلام حيث وضع منهجا تربويا لإدارة المؤمن لوقته فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال r عن صحف إبراهيم r : ينبغي للعاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له أربع ساعات
: ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يتفكر في صنع الله . عز وجل
، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب . ([4])
فعَنْ وَهْبِ بْنِ
مُنَبِّهٍ، قَالَ: ' مَكْتُوبٌ فِي حِكْمَةِ آلِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ:
حَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لا يَغْفُلَ عَنْ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ: سَاعَةٍ يُنَاجِي
فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٍ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٍ يَخْلُو فِيهَا
مَعَ إِخْوَانِهِ الَّذِينَ يُخْبِرُونَهُ بِعُيُوبِهِ وَيُصْدَقُ عَنْ نَفْسِهِ،
وَسَاعَةٍ يَخْلُو فِيهَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ لَذَّتِهَا فِيمَا يَحِلُّ
وَيَجْمُلُ، فَإِنَّ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ عَوْنًا عَلَى تِلْكَ السَّاعَاتِ
وَإِجْمَامًا لِلْقُلُوبِ، وَحَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لا يُرَى ظَاعِنًا فِي
غَيْرِ ثَلاثٍ: زَادٍ لِمَعَادٍ، أَوْ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ، أَوْ لَذَّةٍ فِي
غَيْرِ مُحَرَّمٍ، وَحَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِزَمَانِهِ
حَافِظًا لِلِسَانِهِ، مُقْبِلا عَلَى شَأْنِهِ "
هكذا فمن الحكمة أن
يقسم العاقل وقته فيما ينفع وليبتعد عما لا ينفع وليأخذ من الدنيا زادا للآخرة
وليكن همه الدار الآخرة وليتأمل في هذا الكون الفسح وليحاسب نفسه وليحسن إلى الناس
وليرحم الفقراء والمحتاجين كل ذلك بتواز فلا يغلب جانبا على حساب الجانب الآخر
فالوسطية مطلوبة والتوازن مطلوب والعدل مطلوب وكل ذلك بقدر والله أسأل أن يرد
المسلمين إليه ردا جميلا وأن ينفع بنا الإسلام والمسلمين
إدارة الوقت في قصة يوسف عليه السلام
مثال عملي لإدارة الوقت كما يريده الإسلام: جاء ذلك
في سورة يوسف عليه السلام، في قوله تعالى: (وَقَالَ
الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ
وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ
أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُوا
أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ *
وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُم
بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ
بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ
وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ *
قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي
سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ
ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا
مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ
النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ).
إن هذه الآيات تدل على أن يوسف عليه السلام قد رسم
خطة للسنوات المقبلة، وأن التخطيط لا ينافي التوكل، بل هو من باب الأخذ بالأسباب.
كما تشير الآيات الكريمات إلى أول موازنة تخطيطٍ مبنية على أسس علمية، وازن فيها
يوسف عليه السلام بين إنتاج القمح من جهة، وتخزينه واستهلاكه في مصر الفرعونية مدة
سنوات القحط وسنوات الرخاء من جهة أخرى، وتتضح أركان هذه الموازنة فيما يأتي:
الموازنة بين الإنتاج الزراعي والاستهلاك، بهدف تخطي
أعوام القحط والجدب.
إن اعتبار عنصر الزمن كان واضح المعالم من خلال عدد
سنوات القحط وسنوات الرخاء؛ حيث تم إعداد خطتين سبعيتين للدولة.
إن هذه الموازنة كانت بمثابة خطة طويلة الأجل امتدت
أربعة عشر عاماً.
استخدام الموازنة باعتبارها أداة رقابيةً لضمان تنفيذ
الخطة بدقة.
إنه مخطط زمني وضعه يوسف عليه السلام بإلهام من الله
عزَّ وجلَّ لكسب الوقت في سنوات الرخاء؛ وذلك بمضاعفة الناتج بأسلوب علمي للإفادة
منه في سنوات الجدب.
وقد عرّف أحد الباحثين التخطيط من المنظور الإسلامي
بأنه: “أسلوب عمل جماعي يأخذ بالأسباب لمواجهة توقعات مستقبلية، ويعتمد على منهج
فكري عَقَدي يؤمن بالقدر ويتوكل على الله ويسعى لتحقيق هدف شرعي هو عبادة الله
وتعمير الكون”. بينما عرَّفه آخر بأنه: “التفكر والتدبر بشكل فردي أو جماعي في
أداء عمل مستقبلي مشروع، مع ربط ذلك بمشيئة الله تعالى، ثم بذل الأسباب المشروعة
في تحقيقه، مع كامل التوكل والإيمان بالغيب فيما قضى الله وقدّره على النتائج”.
جبريل عليه السلام و تعليم النبي r عليه وسلم لادارة الوقت
و
ها هو جبريل عليه السلام جاء إلى النبي r عليه و سلم ليعلمه إدارة الوقت
من أجل إقامة الصلاة في وقتها عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ
الشَّمْسُ فَكَانَتْ بِقَدْرِ الشِّرَاكِ، ثُمَّ صَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ
كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ
الصَّائِمُ، ثُمَّ صَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ صَلَّى
بِيَ الْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ ثُمَّ
صَلَّى بِيَ الْغَدَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، ثُمَّ
صَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ ثُمَّ صَلَّى بِيَ
الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ثُمَّ صَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ
اللَّيْلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ صَلَّى بِيَ الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ ثُمَّ الْتَفَتَ
إِلَيَّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ
الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ ".([5])
إدارة الوقت في حياة النبي r عليه وسلم
إخوة الإسلام أما عن إدارة الوقت في حياة النبي r فقد كان r يحافظ على وقته يصور لنا
ذلك علي بن أبي طالب t فيقول “كان إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء؛ جزءاً لله،
وجزءاً لأهله، وجزءاً لنفسه، ثم جزأ جُزأه بينه وبين الناس”.([6])
وقد جاء عن
أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم من
الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لِمَ تصنعُ هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك
ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: “أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً”.([7])
إدارة عمر بن الخطاب t عنه لوقته: وتأملوا
هذا الموقف الذي حدث مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t [ ومع معاوية بن خديج ]
عندما جاء يبشره بفتح الإسكندرية فوصل المدينة وقت القيلولة ، فظن أنه نائم
يستريح ثم علم أنه لا ينام في ذلك الوقت ، وقال لــ " معاوية " لئن نمت
بالنهار
لا ضيعن حق الرعية، ولئن نمت الليل لا ضيعن حق الله فكيف بالنوم بين هذين
الحقين يا معاوية ؟؟ ([8])
إدارة سليمان بن طرخان التيمي -رحمه الله –لوقته :
و لقد سار السلف الصالح على هدي الأنبياء في المحافظة على اوقاتهم و
ادارتها إدارة حكيمة قال عنه حماد بن
سلمه : ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يطاع لله 0عز وجل فيها إلا وجدناه مطيعا
فإن كان ساعة صلاة وجدناه مصليا ، فإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه متوضأ أو عائدا
مريضا أو مشيعا لجنازة ، أو قاعدا يسبح في المسجد ، قال : فكنا نرى أنه لا يحسن أن
يعصي الله عز وجل . ([9])
إدارة أبو مسلم الخولاني -رحمه الله -:لوقته
و ها هو عباد الله أبو مسلم الخوالاني يضن بوقته و يحافظ
عليه من أن يضيع في غير فائدة عن علقمة بن مرثد قال : انتهى الزهد إلى ثمانية من
التابعين منهم : أبو مسلم الخولانى فإنه لم يكن يجالس أحد يتكلم في شيء من أمر
الدنيا ! إلا تحول عنه، فدخل ذات يوم المسجد فنظر إلى نفرا قد اجتمعوا فرجا أن
يكونوا على ذكر الله تعالى ، فجلس إليهم وإذا بعضهم يقول : قدم غلامي فأصاب كذا
وكذا وقال آخر : جهزت غلامي فنظر إليهم وقال سبحان الله أتدرون ما مثلي ومثلكم ؛
كمثل رجل أصابه مطر غزير وابل فالتفت فإذا هو بمصراعين عظيمين فقال : لو دخلت هذا
البيت حتى ذهب هذا المطر ، فدخل هذا البيت لا سقف له جلست إليكم وأنا أرجو أن
تكونوا على ذكر وخير فإذا أنتم أصحاب دنيا ، وقال له قائل : حين كبر ورق . لو قصرت
عن بعض ما تصنع؛ فقال أرأيتم لو أرسلتم الخيل في الحلبة ، ألستم تقولون لفارسها
دعها وأرفق بها حتى إذا رأيتم الغاية لم تستبقوا منها شيئا ؛
قالوا : بلى ، قال : فإني قد أبصرت الغاية ، وأن لكل
ساعة غاية وغاية كل ساعة الموت فسابق ومسبوق ([10]).
إدارة حرص الإمام ابن عقيل الحنبلي –رحمه الله- لوقته:
وقال بن الجوزي قرأت بخطه أني لا يحل لي أن أضيع ساعة
من عمري فإذا تعطل لساني من مذاكرة ومناظرة وبصري من مطالعة عملت في حال فراشي
وأنا مضطجع فلا أنهض إلا وقد يحصل لي ما أسطره وإني لأجد من حرصي على العلم في عشر
الثمانين أشد مما كنت وأنا بن عشرين
وكان له الخاطر العاطر والبحث عن الغوامض والدقائق
وجعل كتابه المسمى بالفنون مناظرا لخواطره وواقعاته ومن تأمل واقعاته فيه عرف غور
الرجل وتكلم على المنبر بلسان الوعظ مدة فلما كانت سنة خمس وسبعين([11])
قلتُ: وذكر ابن عقل، في فنونه: قال حنبلي - يعني نفسه - وأنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي، حتى أختار سف الكعك وتحسيه بالماء على
الخبز، لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، توفراً على
مطالعة، أو تسطير فائدة لم أدركها فيه، وإن أجل تحصيل عند العقلاء بإجماع العلماء
هو الوقت فهو غنيمة تنتهز فيها الفرص فالتكاليف كثيرة والأوقات خاطفة.([12])
قول قولي هذا و استغفر الله العظيم لي و لكم إنه هو
الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
رسائل روحية من سلف الأمة إلى الخلف:
أحبتي في الله : وها هي رسائل روحية من سلف هذه الأمة
للخلف تحثهم على اغتنام الأوقات و المبادرة الى فعل الطاعات
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه ** وأراه أسهل ما عليك يضيع([13])
ويقول ابن القيم - رحمه الله-: وقت
الإنسان هو عمره في الحقيقة وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم ومادة معيشة
الضنك في العذاب الأليم وهو يمر مر السحاب ، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته
، وعمره ، وغير ذلك ليس محسوبا من حياته ، وأن عاش فيه عيش البهائم فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو
والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة فموت هذا خير له من حياته .
والحياة كما عبر عنها الشاعر العربي دقائق معدودة
دقـــات قلــب المــرء قائلـة لـه**إن الحياة دقائـق وثوانــي
فارفع لنفسك بعد موتك ذكـــرها
**فالذكر للإنسان عمر ثاني ([14])
وقال ابن أبي الدنيا وأنشدنا محمود بن الحسن :
مضى أمسك الماضي شهيدا معدلا ** وأعقبــــه يــوم عليــك جديـــد
فيومــك إن أغنيتــه عـــاد نفعـــه ** عليك وماضي الأمس ليس يعود
فإن كنت بالأمس اقترفت إســـاءة **
فثن بإحســــان وأنــت حميـــد
فلا ترج فعل الخير يوما إلى غــد ** لعل غــدا يأتـــي وأنت فقيــــد([15])
وفي تفسير عبد بن حميد وغيره من التفاسير المسندة عن الحسن في قول الله عز وجل ) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان : 62](
قال من عجز بالليل كان له في أول النهار مستعتب ، ومن عجز عن النهار كان له
في الليل مستعتب . ([16])
وقال داود بن نصر الطائي - رحمه الله-:
وهو يحث أتباعه وأصحابه على اغتنام الأوقات وتعميرها بالطاعات لأنها مراحل
يقطعها العبد ويوشك أن يصل فيقول قال له رجل يا أبا سليمان قد عرفت الرحم التي
بيننا فأوصني قال فدمعة عيناه ثم قال : يا أخي إنما الليل والنهار مراحل ينزلها
الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي بهم ذلك سفرهم ، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادا
لما بين يديها فافعل فإن انقطاع السفر عن قريب والأمر أعجل من ذلك ، فتزود لسفرك
واقض ما أنت قاض من أمرك فكأنك بالأمر قد بغتك ، أني لأقول لك هذا ما أعلم أحد أشد
تضيعا مني لذلك ثم قام وتركني . ([17])
وقال حبيب أبو محمد الفارسي - رحمه
الله-: وهو يسدي النصيحة لإخوانه أن
سارعوا إلى الطاعة وألا تفوت عليهم ساعة دون جد وعمل يقول " لا تقعدوا فراغا
فإن الموت يليكم " . ([18])
وقال
شميط بن عجلان - رحمه الله-: بادروا
بالصحة السقم وبالفراغ الشغل ، وبادروا بالحياة الموت ويقول : " بئس العبد خلق للعاقبة فصدته العاجلة وشقي في
العاقبة فزالت عنه العاجلة وشقي في العاقبة "([19])
ويقول عبد الله بن مسعود t : إنكم في ممر من الليل
والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة ، والموت يأتي بغتة ، فمن زرع مثل ما زرع
فيوشك أن يحصد رغبة ، ومن زرع شرا فيوشك أن يحصد ندامة ، ولكل زارع مثل ما زرع لا
يسبق بطيء بحظه ، ولا يدرك حريص ما لم يقدر هله ، فإن أعطي خيرا فالله أعطاه ومن وقي
شرا فالله وقاه ، المتقون والفقهاء قادة ومجالسهم زيادة . ([20])
يقول أيضا t : إني لأبغض الرجل أن أراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا في
عمل الآخرة . ([21])
وقال السري بن المغلس السقطي -
رحمه الله-: الدهر ثلاثة أيام ، يوم مضى بؤسه وشدته وغمه لم يبق منه شيء واليوم
الذي أنت فيه صديق مودع لك طول الغيبة عنك ، سريع الرحلة عنك ، وغدا في يديك
تأميله ولعلك من غير أهله وقال أمس أجل ، واليوم عمل ، وغدا أمل ([22]).
الدعاء
.................................................................
[1] - جامع الأحاديث - (16 / 133)أخرجه الترمذي (4/612
، رقم 2416) وقال : غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسين بن قيس وحسين بن قيس يضعف في
الحديث من قبل حفظه . وأبو يعلى (9/178 ، رقم 5271) ، والطبراني (10/8 ، رقم 9772)
، وابن عدى (2/353 ، ترجمة 482 الحسين بن قيس أبو على الرحبى) ، وقال : هو إلى
الضعف أقرب منه إلى الصدق . والبيهقي في شعب الإيمان (2/286 ، رقم 1784) . وأخرجه
أيضًا : الخطيب (12/440) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي رقم 1969.
[2] - الاستقصا
لأخبار دول المغرب الأقصى - (3 / 141) الأشباه والنظائر من أشعار المتقدمين - (1 / 122) الأغاني - (4 / 22)) الإيضاح في علوم البلاغة
- (1 / 334) معاهدة
التنصيص - (2 / 283) نهاية الأرب
في فنون الأدب ـ - (3 / 76)
[3] - سبق تخريجه.
[4] - رواه ابن الحاكم في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد .
[5]
- أخرجه ابن أبي شيبة 1/317، وعبد بن حميد (703) ، وأبو داود
(393) ، وابن الجارود (149) و (150)
[6][6]
- الطبراني، ، ج22 ص157. والبيهقي، رقم الحديث (1430) ، ج2 ص
156. بإسناد ضعيف.
[7]
-ا صحيح البخاري (6/ 135) (4837)
[8] - ربيع الأبرار - (1 / 292) مجمع الأمثال - (1 / 172)
[9] - المصدر السابق جـ2 ص647..و صفة الصفوة - (3 / 297) ربيع الأبرار - (1
/ 132)
[10] - حلية الأولياء - (2 / 123)صفة الصفوة جـ2 ص820.
[11] - لسان الميزان - (4 /
243) المنتظم - (9 / 214)
ذيل
طبقات الحنابلة - (1 / 58)
شذرات
الذهب - ابن العماد - (4 / 36)
[12] - ذيل طبقات الحنابلة - (1
/ 58)و الوقت
وأهميته في حياة المسلم - (1 / 97) المشوق إلى القراءة وطلب العلم - (1 / 40)
[13] - ذيل طبقات الحنابلة - (1 / 114) شذرات الذهب - ابن العماد - (4 /
194) عيون الأنباء في طبقات الأطباء - (1 / 244)
[14] - المعجم
الجامع في تراجم العلماء و طلبة العلم المعاصرين - (1 / 99) جواهر الأدب - (2 / 10)
[15] - الزهد
الكبير للبيهقي - (2 / 129)
المحمدون
من الشعراء - (1 / 49) معجم الشعراء
- (1 / 110)
[16] - لطائف المعارف 19.
[17] - حلية الأولياء - (7 / 346) صفة
الصفوة جـ2 ص565.
[18] - المصدر السابق جـ2 ص659.
[19] - حلية الأولياء - (3 / 127)
[20] - جامع الأحاديث - (37 / 135)أخرجه أيضًا : هناد في
الزهد (1/304 ، رقم 535) ، والبيهقي في شعب الإيمان (1/222 ، رقم 209) . صفة
الصفوة 129.
[21] - الزهد لهناد - (2 / 357) حلية الأولياء
- (1 / 130)وابن الجوزي جـ1 ص130.
[22] - مختصر صفة الصفوة - (1 / 134)
تعليقات
إرسال تعليق